تلوث هواء المدن ظاهرة عالمية، وتتميز كل حالة تلوث بخصائص مختلفة ذات صلة بالظروف المحلية. ومن بين جميع المدن الكبرى، تُعتبر مدينة مكسيكو حالة معقدة فريدة، ولذا سوف نتحرى خواص كيمياء الهواء فيها.

يتضح من الجدول 2.7 أن مكسيكو تمثل حالة فريدة من التلوث الشديد لهواء المدينة، فهي تعاني وجود مستويات عالية من معظم الملوثات المدرجة في الجدول. تحتل مكسيكو الكبرى مساحة تساوي نحو 2500km²، وتقع على ارتفاع 2240m ضمن الجبال التي تحيط بها. وضمن هذه المنطقة المحصورة تميل الريح إلى أن تكون خفيفة، وتحصل تغيرات متكررة في انعكاس اتجاه تغيرات درجة الحرارة، وهذا ما يؤدي إلى تراكم مستديم لملوثات الهواء. وفي تسعينيات القرن العشرين كان عدد سكان مكسيكو الكبرى نحو 20 مليون نسمة، أي ما يكافئ كثافة سكانية تساوي 8000 شخص للكيلومتر المربع. ويوجد كثير من الصناعات المختلفة ضمن منطقة المدينة، إضافة إلى منظومة نقل ضخمة ومعقدة. وتؤدي تلك العوامل مجتمعة إلى استهلاك كلي للطاقة يُقدَّر بما يزيد على500 بتا جول 1PJ (petajoule)=10¹⁵J

في السنة.

وتُرصد تراكيز جميع ملوّثات الهواء الرئيسية بانتظام في المدينة، وتبيِّن الأشكال 1.7 حتى 6.7 رسوماً بيانية لبيانات حصلت على مدى عدة أعوام حتى عام 1991، إضافة إلى القيم التي توصي منظمة الصحة العالمية بعدم تجاوزها. ووفقاً لما هو مبين، ثمة مستويات تتجاوز القيم الموصى بعدم تجاوزها تحصل على نحو متكرر، وفي بعض الأحيان على نحو مستمر.

وقد وجد أن تراكيز المادة الجسيمية المعلَّقة (الرذاذات) (الشكل 1.7) تتجاوز الحدود المسموح بها على نحو متكرر بخمس مرات أو أكثر. ويأتي جزء من الكمية الزائدة من جسيمات طبيعية غبار التربة وجسيمات حيوية وغيرها)، إلا أن جزءاً كبيراً ينجم عن سيرورات الاحتراق التي تحصل في المنازل والصناعة ومنظومة النقل. وتمثل الجسيمات التي تزيد أقطارها على 10 مكرونات (PM) نحو نصف الجسيمات المعلقة (الرذاذات) الكلية.

وتجاوزت مستويات أول أكسيد الكربون في مكسيكو (الشكل (2.7) عموما توصيات منظمة الصحة العالمية والقيم العالية جداً شائعة على وجه الخصوص في أثناء أوقات حركة المرور الكثيفة في الصباح الباكر، وإلى أقل في المساء. ونظراً إلى وقوع مكسيكو على ارتفاع كبير، يكون ضغط الأكسجين الجزئي منخفضاً، وهذا يعزز إمكان حصول احتراق غير تام في الأفران والمحركات. ويُسهم الضغط المنخفض أيضاً في المفاعيل الصحية السيئة الناجمة عن أول أكسيد الكربون.

الشكل :2.7 التركيز الموسط على 8 ساعات لأول أكسيد الكربون في أمكنة مختلفة من مكسيكو في الأعوام 1986-1991. أُشير إلى التشتت المعياري للنتائج بأشرطة الارتياب. ويمثل الخط الأفقي الأسود مجال القيم التي أوصت منظمة الصحة العالمية بعدم تجاوزها.  

والمصادر الرئيسية لثاني أكسيد الكبريت الشكل (3.7) هي محطات توليد الكهرباء التي تحرق وقوداً غنياً بالكبريت (3.5 % كبريت)، والحافلات والشاحنات التي تستعمل الديزل (1.2) كبريت إلا أنه يتوقع أن تحصل تقليصات مستقبلية في تراكيز ثاني أكسيد الكبريت الجوية مع التحول إلى استعمال الغاز الطبيعي في محطات توليد الكهرباء.

الشكل 3.7 التركيز الوسطي السنوي لثاني أكسيد الكبريت في أمكنة مختلفة من مكسيكو في الأعوام 1986-1991. أشير إلى التشتت المعياري للنتائج بأشرطة الارتياب. ويمثل الخط الأفقي الأسود مجال القيم التي أوصت منظمة الصحة العالمية بعدم تجاوزها. 

ويأتي أكثر من ثلاثة أرباع ثاني أكسيد النتروجين في مكسيكو من آليات النقل بمختلف أنواعها يُري الشكل 4.7 المستويات الساعية العظمى التي تتجاوز توصيات منظمة الصحة العالمية. لقد كانت القيم الوسطى تساوي تقريباً ثلث التركيز الأعظمي، وتعتبر هذه المستويات الوسطية آمنة عموماً. إلا أن مستويات الأوزون (الشكل (5.7) الناجم عن انبعاثات أكاسيد النتروجين عالية أيضاً. وفي منطقة بدرغال الموجودة في القطاع الجنوبي الغربي من المدينة رصدت تراكيز عالية من الأوزون في أكثر من 60% من الأيام.

ورصدت مستويات عالية من الرصاص الجوي الشكل (6.7) في بعض الأماكن، إلا أنها على ما يبدو أخذت بالتناقص بعد وصولها إلى أقصى قيمها في عام 1980 تقريباً. ومنذئذ، أُجري تخفيض كبير في مستوى رصاص رباعي الإيثيل المسموح به في البنزين حتى 0.54 ، وهذا ما أدى إلى انخفاض تركيز الرصاص في الغلاف الجوي برغم ازدیاد استعمال الوقود.

بسبب كل ذلك، تعاني مكسيكو الكبرى مشكلة خطيرة جداً في جودة الهواء. ومن الواضح أن هذه المشكلة ناجمة عن الازدحام السكاني في منطقة محصورة مكانياً وما يرافقه من نمط حياة عالي استهلاك الطاقة. ومن غير المرجح أن تتغيَّر هذه العوامل كثيراً تدخل من دون سريع، وسوف تستفحل الحالة حتى بسرعة أكبر إن خطط تحسين جودة الهواء تتطلب استعمال وقود نظيف ومردود احتراق أفضل وفرض قيود صارمة على الانبعاثات، إضافة إلى إجراءات الحفاظ على الوقود. مرة أخرى، نؤكد أنه قد جرى تحديد وتوصيف أنواع مشابهة من مشاكل تلوث الهواء في كثير من المدن الأخرى في العالم.

النقطة الرئيسية 2.7 غالباً ما تكون جودة الهواء في مكسيكو متدنية، حيث تتجاوز مستويات جميع الملوثات الرئيسية والثانوية في أكثر الأحيان الحدود التي توصي منظمة الصحة العالمية بعدم تجاوزها.