المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17738 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية



سبب غزوة تبوك  
  
1954   04:57 مساءً   التاريخ: 2023-10-26
المؤلف : تحقيق : د. اقبال وافي نجم
الكتاب أو المصدر : تفسير ابن حجام
الجزء والصفحة : ص95-103
القسم : القرآن الكريم وعلومه / مقالات قرآنية /

قوله : { لَوْ كَانَ عَرَضاً قَرِيباً } ([1]) الآية .

نزَلت في غزاة تبوك ، وكان سببُ غزاة تبوك : أنَّ الضافطة ([2]) كانوا يَقدِمُون المدينة مِن الشَّام ، معهم الدَّرمك ([3]) والطَّعام ؛ وهم الأنباط ، فأشاعوا بالمدينة : أنَّ الرُّوم ، قد اجتمعوا ، يُريدون غزوَ رسول اللهِ (صلى الله عليه واله وسلم)في عسكرٍ عظيم ، وأنَّ هرقل قد سار في جنوده دخلت معه غسَّان وجُذام وبهرا وباهلة ، وقد قدَّم العساكر الى البلقاء ونزَل هو حمص .

 فلمَّا سَمِعَ رسولُ اللهِ (صلى الله عليه واله وسلم)ذلك ، أمر أصحابه بالتّهيؤ الى تبوك ؛ وهي بلاد البلقاء ، وكان في وقتٍ شديد الحرِّ ، وبعثَ رسولُ اللهِ (صلى الله عليه واله وسلم)الى القبائل حوله والى مكَّة يحثُّهم على الجهاد وأمر بعسكره فضُرِب بثنية الوداع ، وأمر أهل الجِدَة أن يُعينوا مَن لا قوَّة به .

وخرج عبد الله بن أُبي ، ومَن كان معه مِن المنافقين فضرَب بحذاء رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم).

ودعى (صلى الله عليه واله وسلم)[ 73 ] الجِدَّ بن قيس ، فقال : يَا أبَا وَهَب ، سفر ([4]) مَعنَا ، فَلعَلَّكَ أَن تُصِيبَ مِن بَنَاتِ الأَصفَرِ ؟ فقال : واللهِ ، يا رسولَ الله ، إنَّه ليس في مؤمنٍ مِن أحدٍ أشدُّ عجبَاً بالنِّساءِ منِّي ، وأخافُ إن خرجتُ معكَ أن لا أصبر إذا رأيتُ بنات الأصفر، فلا تعنُّتي وأذن لي أن أُقيم .

وقال لقومه : ويحكم ، لا تخرجوا في الحرِّ فعنَّفه ابنه فأخذ نعله وضرَب به وجه ابنه ، فأنزلَ اللهُ : { وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ ائْذَن لِّي } ([5]) الآية .

ثُمَّ قال : أتُرى أنَّ محمَّداً يرى أنَّ حرب الرُّوم مثل حرب غيرهم ، لا يَرجِعُ مِن هؤلاء أحدٌ أبداً ، فأنزلَ اللهُ : { إِن تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ}  ([6])  الآيات .

فلمَّا اجتمعت لرسولِ اللهِ (صلى الله عليه واله وسلم)على الخيول ، رحل مِن ثنية الوداع ، وخلَّف أمير المؤمنين (عليه السلام) على المدينة ، فأرجف المنافقون بعليٍّ (عليه السلام) وقالوا : ما خلَّفه إلَّا تشاؤماً به ، ورهاً له ، فبلغ ذلك عليَّاً (عليه السلام) فأخذ سيفه وسلاحه ، ولَحِقَ رسولَ اللهِ (صلى الله عليه واله وسلم)بالجرف .

فقال له رسولُ اللهِ (صلى الله عليه واله وسلم): ( ألَم أُخَلِّفُكَ بِالمَدينَةِ ؟ قال : يَا رَسُولَ اللهِ ، إنَّ المُنَافِقينَ قَالُوا : إنَّكَ خَلَّفتَنِي تَشَاؤمَاً ؟ .

فقال رسولُ اللهِ (صلى الله عليه واله وسلم): كَذبُوا ، أَمَا تَرضَى يَا عَليّ أَن تَكُونَ مِنِّي بِمَنزِلَةِ هَارُونَ [ 74 ] مِن مُوسَى ، إلَّا أنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعدِي ، أَنتَ خَلِيفَتِي مِن أُمَّتِي ، وَأَنتَ وَزِيرِي ، وَأَنتَ أَخِي فِي الدُّنيَا وَالآخِرَة ، فرَجِع (عليه السلام) ) ([7]) .

فلمَّا ارتحل مِن ثنية الوداع ، رَجع عبد الله بن أُبيّ بمَن كان معه مِن المنافقين الى المدينة ، وأقبلوا يُرجِفون برسولِ اللهِ (صلى الله عليه واله وسلم).

وجاء البكاؤون الى رسولِ اللهِ (صلى الله عليه واله وسلم)وهو بثنية الوداع ؛ وهم سبعةٌ مِن بني عمرو بن عوف ، ومنهم : سالم بن عُمير ([8]) بدريٌّ ، ومِن بني واقف هرم بن عُمير ، ومِن بني حارثة علبة بن زيد ([9]) وهو الَّذي تصدَّق بِعَرَضِه ([10]) فقال ، واللهِ ، ما عِندي ما أتصدَّقُ به ، وقد جعلتُ عَرَضِي حِلَّاً ، فقال رسولُ اللهِ (صلى الله عليه واله وسلم): ( قَد قَبِلَ اللهُ صَدَقَتُك ) .

ومِن بني مازن بن النَّجار أبو ليلى ، عبد الرَّحمن بن كعب ([11]) ومِن بني سلمة ، عمرو بن غنمة ([12]) ومِن بني رُزيق ، مسلمة بن صخرة ، ومِن بني سُليم العرباض ([13]) .

فجاؤوا الى رسولِ اللهِ (صلى الله عليه واله وسلم) فأنزل اللهُ فيهم : { لَّيْسَ عَلَى الضُّعَفَاء وَلاَ عَلَى الْمَرْضَى  }  ([14])  الآيات ، والمُستأذِنُونَ ثمانون رجلاً .

وتخلَّف عن رسولِ اللهِ (صلى الله عليه واله وسلم)قومٌ مِن أهل نيِّاتٍ وبصائر ، لم يكن تخلِّيهم شكَّاً ولا ارتياباً ؛ لكنَّهم قالوا : نَلحَق برسولِ اللهِ (صلى الله عليه واله وسلم)منهم : ابن خيثمة ، ركبَ [ 75 ] راحلته ، فلمَّا بلغَ بعض الطَّريق ، لَحِقَ بعُمير ابن وهب فاصطحبا ، فلمَّا كانا قريبين مِن تبوك ، قال : يا عُمير ، إنَّ لي دَينَاً ، فتأخر عنِّي أتقدم الى رسولِ اللهِ (صلى الله عليه واله وسلم)فتأخر عنه .

فنظرَ النَّاس الى راكبٍ على الطَّريق ، فأخبروا رسولَ اللهِ (صلى الله عليه واله وسلم)فقال رسولُ اللهِ (صلى الله عليه واله وسلم): ( كُن أبَا خَيثَمَة ) فأقبل أبو خيثمة ، فأخبرَ رسولَ اللهِ (صلى الله عليه واله وسلم)بما كان منه ، فجزَّاه خيراً .

وكان أبو ذرّ تخلَّف عن رسولِ اللهِ (صلى الله عليه واله وسلم)ثلاثة أيَّامٍ ؛ لأنَّ جَمَلَهُ كان أعجفَاً ([15]) فتخلَّف ليعلفه ، ثُمَّ خرَج فلَحِقَ برسولِ اللهِ (صلى الله عليه واله وسلم)وكان جَملُه قد وقف عليه ، فتركه وحَملَ ثِيابَه على ظهره .

فلمَّا ارتفع النَّهار ، نظرَ المسلمون الى شخصٍ مُقبِلٍ ، فقال رسولُ اللهِ (صلى الله عليه واله وسلم): ( كُن أَبَا ذَرّ ) فلمَّا ظهرَ ، قالوا : يا رسولَ اللهِ ، هذا أبو ذرّ ، فقال : ( إنَّه عَطشَانٌ فَأدرِكُوهُ بِالمَاءِ ) .

ووافى أبو ذرّ الى رسولِ اللهِ (صلى الله عليه واله وسلم)ومعه ماءٌ في أدواةٍ ، فقال (صلى الله عليه واله وسلم):   ( يَا أبَا ذَرَ ، مَعَكَ مَاء وَعَطشتَ ) ؟! قال : نعم يا رسولَ اللهِ ، أتيتُ الى صخرةٍ فيها ماءٌ عَذبٌ بارِدٌ ، فقلتُ لا أشربه حتَّى يشربه رسولُ اللهِ ، فقال :

 ( رَحِمَكَ اللهُ يَا أَبَا ذَرّ ، تَعِيشُ وَحدَكَ ، وَتَموتُ وَحدَكَ ، وَتُبعَثُ وَحدَكَ ، وَتَدخُل [ 76 ] الَجنَّةَ وَحدَكَ ، يَسعَدُ بِكَ قَومٌ مِن أَهلِ العِرَاقِ، يَتَولَّونَ تَجهِيزَكَ وَدَفنِكَ ، وَالصَّلَاة عَلَيكَ ) ([16]) .

فلمَّا سيَّره عثمان الى الرَّبذة ، كان له ابنٌ يُقال له ذَر ، فمات ابنه بالرَّبذة ، فوقف على قبره ، وقال : رَحِمكَ اللهُ يا ذر ، فلقد كنتَ كريم الخُلق ، بارَّاً بالوالدين ، ثُمّ رفعَ يده ، وقال : اللَّهُمَّ إنَّكَ فرضتَ عليه لك حقوقاً ، وفرضتَ لي عليه حقوقاً ، وقد وهبته ما فرضتَ عليه مِن حُقوقي ، فهَب له ما فرضتَ عليه مِن حقوقك ، فإنَّك أولى بالكَرمِ والجُودِ مِنِّي ، قد ذكرنا خبره ([17]) .

وكان مع رسول اللهِ (صلى الله عليه واله وسلم) في تبوك رجلٌ يُقال له : المضرِّب ، فقال له رسولُ اللهِ (صلى الله عليه واله وسلم): ( عُدَّ أهلَ العَسكَرِ ) فعدَّهم ، خمسةٌ وعُشرون ألفاً ، سِوى العبيد والنِّساء ، فقال عُدَّ الُمؤمِنينَ ، فعدَّهم ، فقال : هُم خمسةٌ وعشرون رجُلاً ، مِن كُلِّ ألفِ رجلٍ واحد .

وعن أبي جعفر (عليه السلام) قال : ( بَينَا رَسُولُ اللهِ (صلى الله عليه واله وسلم)فِي بَعضِ أَسفَارِهِ ، إذ لَقِيَهُ رَكبٌ ، فَقَالُوا : السَّلَامُ عَلَيكَ يَا رَسُولَ اللهِ ، فَقَالَ : مَن أَنتُم ؟ قَالُوا : قَومٌ مُؤمِنُونَ ، قَالَ : فَمَا حَقِيقَةُ إيمَانِكُم ؟ قَالُوا : الرِّضَا بِقَضَاءِ اللهِ ، وَالتَّفويضَ وَالتَّسلِيمَ [ 77 ] لِأَمرِ اللهِ .

       فَقَالَ رَسُولُ اللهِ (صلى الله عليه واله وسلم): عُلَمَاءٌ حُكَمَاء ، كَادُوا مِنَ الِحكمَةِ أَن يَكُونُوا أَنبِيَاء ، فَإن كُنتُم صَادِقِينَ ، فَلَا تَبنُوا مَا لَا تَسكُنونَ ، وَلَا تَجمَعُوا مَا لَا تَأكُلونَ ، وَاتقُوا اللهَ الَّذِي إلَيهِ تُرجَعُون ) ([18]) .

ثُمَّ بعثَ رسولُ اللهِ (صلى الله عليه واله وسلم)السَّرايا ، وهو مُقيمٌ بتبوك ، فلمَّا بلغهُم خبرُ رسولِ اللهِ (صلى الله عليه واله وسلم)وكثرة مَن معه ، شحُّوا وتفرَّقوا .

 وكان هرقل ، قد بعثَ مقدمته الى البلقاء ، في خيلٍ كثيرة ، فلمَّا بلغهم نزولَ رسولُ اللهِ (صلى الله عليه واله وسلم)تبوك ، هالهُم ودخلهم الرُّعبَ ورَجعوا الى حمص ، وبعثَ رسولُ اللهِ (صلى الله عليه واله وسلم)الى هرقل وكتبَ إليه :

( بِسمِ اللهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ ، مِن مُحمَّد رَسُولُ اللهِ ، الَى هِرقَل عَظِيمُ الرُّومِ، أمَّا بَعدُ ، فَأسلِم تَسلَم ، وَإنْ لَم تَفعَلَ عَلَيكَ جُرمُ أَهلِ مِلَّتِكَ ، وَنَستَحكِمُ اللهَ عَلَيكَ ، فَاستَعِد لِلمُحَارَبَةِ ) .

فلمَّا وَردَ عليه الكتاب ، أشفقَ مِن مُحاربته وكتبَ إليه كتاباً لطيفاً، وسأله الانصراف سنته حتَّى يُداري أهلَ دينه ([19]) .

وكتبَ الى قيصر وبعث إليه بهدايا فأقام رسولُ اللهِ (صلى الله عليه واله وسلم)أيَّاماً ،  يبعثُ السَّرايا ، فربما جاؤوا بالابل والغنم  .

وبعثَ [ 78 ] رسولُ اللهِ خالد بن الوليد ، في أربعمائةٍ وعشرين رجُلاً الى أُكيدر بن عبد الملك ، مَلِكُ دومة الجندل ، وكان له حِصنٌ حصين ، فقال خالد : يا رسولَ اللهِ ، كيف لي بأُكيدر في حِصنه ؟ فقال (صلى الله عليه واله وسلم)له : ( إنَّكَ تَجِدهُ يَصِيدُ البَقَرَ ) ([20]) .

فخرَج خالد ، حتَّى أتى دومة الجندل ، فكمُنَ له ، فخرج أُكيدر وأخره حسَّان ليصيدوا البقر فخرج الجندل ، فكمَن له خالد بن الوليد، فأسرَ أُكيدر ، وقتلَ حسَّان ، وهربَ الباقون .

وأقبلَ خالد الى باب الحِصن ، فلم يفتحوا له الباب ، فقال خالد : سلهم أن يفتحوا الباب ؟ قال : لا تفتحونه ([21]) ولو قتلني ، لكن أنا أُصالحك على ألفي بعيرٍ ، وثماني مئة رأسٍ ، وأربعمائة درعٍ ، وأربعمائة سيف ، وألفي حُلَّة ، فقَبِلَ خالد ، فدفعها إليه ، فلمَّا أعطاه ما شَرطَهُ له خالد الى رسولِ اللهِ (صلى الله عليه واله وسلم)فلمَّا وافاه ، دعاه رسول اللهِ (صلى الله عليه واله وسلم)الى الاسلام وأسلم ، وكتبَ له رسولُ اللهِ (صلى الله عليه واله وسلم)كتاباً .

  وبقي رسولُ اللهِ (صلى الله عليه واله وسلم)فأصاب النَّاس جهدٌ شديد وأرملوا ، وذهبت أزوادهم ، فشكوا ذلك الى رسولَ اللهِ (صلى الله عليه واله وسلم)فأمرَ رسولُ اللهِ (صلى الله عليه واله وسلم)[ 79 ] بنطعٍ ([22]) فبُسِطَ له ، وقال : ( مَن كَانَ عِندَهُ شَيءٌ فَليَأتِ به أو سُوَيق ) .

حتَّى كان الرَّجل يأتي بنصفِ صاعٍ مِن تمر ، أو بشيءٍ مِن دقيقٍ ، أو سُويقٍ ، حتَّى كان الرَّجل يأتي بكفٍّ مِمَا عِندَه ، وكان يجعلُ كُلَّ صِنفٍ منها على حِدة ، ثُمَّ وضعَ يده على شيءٍ ، ثُمَّ ألقى عليه ملاءةً ، ثُمَّ نادى : ( مَن أَرَادَ الزَّادَ فَليَحضر ) فأقبلَ النَاسُ يأخذون ما يحتاجون إليه مِن الدَّقيق ، والسُّويق ،  والتَّمر ، حتَّى أخذَ جميعُ أهلِ العَسكر .

 فلمَّا نزلَ رسولُ اللهِ (صلى الله عليه واله وسلم)الحِجر ، استسقى النَّاسُ مِن ماءِ بئرها ، وعَجِنوا به ، وطبخوا ، وتوضؤوا ، فنادى رسولُ اللهِ (صلى الله عليه واله وسلم): ( لَا تَهنَوا ([23]) بِهَذَا المَاءِ لِلصَّلَاةِ ، وَلَا تَشرَبُوا ، وَلَا تَسقُوا رِكَابَكُم ، وَلَا تَعجِنُوا مِنهُ ، وَلَا تَطبُخُوا ، وَمَن عَجنَ مِنهُ فَليَعلِفهُ رَاحِلَتَهُ ، وَليَصُبَّ الطَّبِيخَ ) فأكفأ النَّاسُ قُدورَهم ، وصبُّوا ما كان في أوعيتهم ، وتحوَّل رسولُ اللهِ (صلى الله عليه واله وسلم)الى بئرٍ أُخرى ، فاستقوا وشَرِبوا ، وقال  (صلى الله عليه واله وسلم): هَذِهِ بِلَادٌ مَلعُونَةٌ ، مَخسُوفٌ بِهَا ، وهو قوله تعالى : { كَذَّبَ أَصْحَابُ الحِجْرِ } ([24]) الآية ، وَهيَ هَذِهِ البِلَاد .

وكان قد تخلَّف عن رسولِ اللهِ (صلى الله عليه واله وسلم)قومٌ مِن المُنافقين ، وتخلَّف قومٌ مُؤمنون مُستبصرِون [ 80 ] منهم : كعب بن مالك  الشَّاعر ([25]) ومرارة بن الرَّبيع ([26]) وهلال بن أُميَّة ([27]) .

فلمَّا وافى رسولُ الله  (صلى الله عليه واله وسلم)أقبلوا يُهنيه ([28]) بالسَّلامة ، وسلَّموا عليه ، فلم يَردَّ عليهم السَّلام ، وأعرَض عنهم ، قال مالك : سلَّمنا على إخواننا ، فلم يَردُّوا السَّلام ، فجاءت نساؤهم الى رسولِ اللهِ (صلى الله عليه واله وسلم)فقُلن : يا رسولَ اللهِ ، قد بلغنا سخطك على أزواجنا ، فنعتزلهم ؟ فقال رسولُ اللهِ (صلى الله عليه واله وسلم): ( لَا ، وَلَكِن لَا يَقرَبُوكُنَّ ) .

فخرجوا الى الجبل ، وقالوا : لا نزال فيه حتَّى يتوبَ اللهُ علينا أو نموت ، فخرجوا الى داب جبل بالمدينة وكانوا يصومون وكان أهاليهم يأتونهم بالطَّعام فيضعونه ناحيةً ثُمَّ يُولُّون عنهم ولا يُكلِّمونهم فبقوا على هذا أيَّاماً كثيرة يبكون اللَّيل والنَّهار ويدعون اللهَ أن يغفرَ لهم .

فلمَّا طالَ عليهم الأمرُ ، قال كعب : يا قوم ، قد سَخطَ اللهُ ورسوله علينا ، إخواننا وأهلونا سَخطوا علينا ، فلا يُكلِّمنا أحد ، فلِم لا يسخطُ بعضنا على بعض ، فتفرَّقوا في الجبل ، وحلفوا أن لا يُكلِّم أحدٌ منهم صاحبه حتَّى يموت ،أو يتوبَ اللهُ عليه ،فبقوا ثلاثة أيَّامٍ على هذا.

فلمَّا كان في اللَّيلة الثالثة ، ورسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)في بيت أُمِّ سلمة ، نزلت توبتهم على رسولِ اللهِ (صلى الله عليه واله وسلم)وهي : { لَقَد تَّابَ الله عَلَى } ([29]) الآية [ 81 ] .

وإنَّما نزلَ : { لَقَد تَّابَ الله عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ } ([30]) ثُمَّ تاب اللهُ عليهم لِيتوبوا  ([31]) .

أي : لمَّا تابوا ؛ وهو : أبو ذرّ ، وأبو خيثمة ، وعُمير بن وهب ، الَّذين لَحِقوا برسولِ اللهِ (صلى الله عليه واله وسلم)بتبوك ، ونزلَ في هؤلاء اللَّيلة : { وَعَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ } ([32]) حيثُ لم يُكلِّمهُم رسولُ اللهِ (صلى الله عليه واله وسلم) وأخزاهم وأهانهُم .

 


[1] التوبة : 42.

[2]  وهم قوم من الأنباط يكرون لحمل الميرة والأحمال ، والعير التي تحمل المتاع ، لسان العرب ، ابن منظور ، مادة ( ضفط ) 7/344 .

[3]  هو الدقيق والكحل وغيرهما ، تاج العروس ، الزبيدي ، مادة ( درمك ) 13/566 . 

[4] هكذا في الأصل ، وفي المصدر : ( تسافر ) . 

[5]  التوبة : 49.

[6]  التوبة : 50 .

[7]  وهو من الأحاديث المشهورة المعروفة ، المتفق على صحته عند المسلمين ، ويُسمَّى : حديث المنزِلَة ، المحاسن ، البرقي : 1/159 ح 97 ، الكافي ، الكليني : 8/106 ح 80 ، مناقب عليّ بن أبي طالب ، ابن المغازلي : 44 ، مسند أحمد بن حنبل : 1/170 ، صحيح البخاري : 4/208 ، صحيح مسلم : 7/120 .  

[8] ابن ثابت بن كلفة بن ثعلبة ، شهد جميع المشاهد مع رسول الله o ، بقي الى خلافة معاوية ن ينظر ترجمته في : الطبقات الكبرى ، ابن سعد : 2/28 ، الثقات ، ابن حبان : 3/158 ، الوافي بالوفيات ، الصفدي : 9/217 .

[9] له صحبة ، من البكائين ، ينظر ترجمته في : الطبقات الكبرى ، ابن سعد : 4/370 ، الاستيعاب في معرفة الأصحاب ، ابن عبد البر : 3/1245 .

[10] العَرض : المتاع ، كل شيءٍ فهو عرض ، سوى الدراهم والدنانير ، لسان العرب ، ابن منظور ، مادة ( عرض ) 9/140 .

[11]  الأنصاري ، مازني ، مات في ولاية سليمان بن عبد الملك ، ينظر ترجمته في : الثقات ، ابن حبان : 3/251 ، المحبر ، البغدادي : 281 .

[12] ابن عدي بن سواد ، أخو ثعلبة ، بدري ، ينظر ترجمته في : أُسد الغابة ، ابن الأثير : 4/124 ، أنساب الأشراف ، البلاذري 1/248 .

[13]  العرباض بن سارية السلمي ، أبو نجيح ، ينظر ترجمته في : الطبقات الكبرى ، ابن سعد : 4/276 ،  تاريخ الاسلام ، الذهبي : 5/319 .

[14] التوبة : 91 .

[15] الجمل الأعجف : الهزيل ، القاموس المحيط ، الفيروزآبادي ، مادة ( عجف ) 3/172 .

[16]  الخصال ، الصدوق : 183 ح 249 ، تفسير القمي : 1/295 .

[17]  تفسير القمي : 1/295 .

[18] التوحيد ، الصدوق : 371 ح 12 .  

[19]المصنف ، الصنعاني : 5/346 ح 9724 ، البداية والنهاية ، ابن كثير :4/300 .

[20] تاريخ الأمم والملوك ، الطبري : 2/372 .

[21] هكذا في الأصل ، والصحيح : ( لا تفتحوا له ) .

[22]هو بساطٌ من الأديم ، جمعه نطاع ، مجمع البحرين ، الطريحي : 4/394 .

[23] هكذا في الأصل ، والصحيح : ( لا تتوضوا ) .

[24]  الحجر : 80 .

[25]  صحابي ، شاعر ، أنصاري ، سلمي ، من أشعر الصحابة ، ينظر ترجمته في : الرجال ، الشيخ الطوسي : 46 ( 356 ) ، نقد الرجال ، التفريشي : 4/68 ( 5387 ) ، تقريب التهذيب ، ابن حجر : 2/43 ( 5667 ) .

[26]  صحابي ، أنصاري ، من الذين تخلفوا في غزاة تبوك ، المعارف ، ابن قتيبة : 343 ، الإصابة ، ابن حجر : 6/52 ( 7882 ) .

[27] بن عامر بن قيس ، أنصاري ، شهد بدراً وما بعدها ، الاستيعاب ، ابن عبد البر : 4/1542 ( 2689 ) ، الوافي بالوفيات ، الصفدي : 27/217 .

[28] هكذا في الأصل ، والصحيح : ( يهنئونه ) .

[29]  التوبة : 117 .

[30   التوبة : 117 .

[31]  تفسير القمي : 1/296 .

[32]  التوبة : 77 .




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .