أقرأ أيضاً
التاريخ: 15-8-2016
1668
التاريخ: 2024-07-31
459
التاريخ: 2023-12-19
880
التاريخ: 2024-09-23
166
|
ازداد المسلمون عدداً فازدادت قريش حنقاً واستمرت في محاربتها لهم آملةً من وراء تنكيلها بهم القضاء عليهم أو إنهاء قدرتهم على التحرك، فافتتن من افتتن وثبت من ثبت وعصمه الله. ورأى رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما يصيب أصحابه من البلاء وما هو فيه من العافية بمكانه من الله وعمه أبي طالب، وأنّه لا يقدر أن يمنع أصحابه ممّا هم فيه من القهر والمطاردة، فأشار عليهم أن يتفرّقوا في الأرض. قالوا: إلى أين نذهب؟ قال (صلى الله عليه وآله): لو خرجتم إلى أرض الحبشة، فإنّ بها ملكاً لا يُظلم أحدٌ عنده، وهي أرض صدق حتى يجعل الله لكم فرجاً ممّا أنتم فيه (1).
والحبشة بلاد تقع في شمال افريقيا، وهي هضبةٌ مرتفعة، تعلوها جبالٌ شامخة كثيرة الوعورة، صعبة المسالك، بها أنهار كثيرة أشهرها النيل الأزرق بالإِضافة إلى أنّ الطقس فيها جيّد صحي في الجبال لكنّه حار مضر في المنخفضات أمّا أهلها فيعتنقون الديانة المسيحية والمذهب القبطيّ بالذات وكان هذا الدين قد دخل تلك البلاد في القرن الرابع الميلادي (2).
وهكذا خرج المسلمون قاصدين تلك الأرض مخافة الفتنة وفراراً إلى الله بدينهم فلحقهم الطلب لولا أن يسّر الله لهم سفينةً تنقلهم وتنقذهم، وكانوا اثني عشر رجلاً من بينهم عمّار بن ياسر (3).
لقد كانت أرض الحبشة متجراً لقريش يجدون فيها سعةً من الرزق وأمناً، وكان بينهم وبين زعمائها علاقات ودّ وصداقة لذلك طمعوا في إرجاع أولئك النفر المسلمين بأن أوعزوا إلى عمرو بن العاص وعمارة بن الوليد المخزوميّ أن يحملا معهما الهدايا للملك وحاشيته وأن يسألاه تسليمهم إياهم والرجوع بهم إلى مكة.
سار عمرو وعمارة حتى وصلا إلى الحبشة، فلمّا استقرت بهم الدار طلبا من بعض المقربين للملك أن يكونوا عوناً لهم على ما جاؤوا لأجله فوعدوهم بذلك، ثم لما اجتمعا بالملك قالا له: أيّها الملك؛ إنّ ناساً من سفهائنا فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا في دين الملك وجاؤوا بدين مبتدع لا نعرفه نحن ولا أنتم ولقد أرسلنا أشراف قومهم لتردهم إليهم .ووفقاً للخطة أشار أصحاب النجاشي عليه بتسليم المسلمين إليهم، فغضب من ذلك وقال: لا والله، لا أسلم قوماً جاوروني ونزلوا بلادي واختاروني على من سواي حتى أدعوهم وأسألهم عمّا يقول هذان، فان كانا صادقين سلمتهم إليهما، وإن كانوا على غير ما يذكر هذان منعتهم واحسنت جوارهم. ثم أرسل النجاشي إلى أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله) فدعاهم، فحضروا وقد أجمعوا على صدقه فيما ساءه وسرّه، وكان المتكلم عنهم جعفر بن أبي طالب. فقال لهم النجاشي: ما هذا الدين الذي فارقتم فيه قومكم؟ ولم تدخلوا في ديني ولا دين أحدٍ من الملل!؟ فقال جعفر: أيّها الملك، كنّا أهل جاهليّة نعبد الأصنام ونأكل الميتة ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام ونسيء الجوار، ويأكل القوي منّا الضعيف حتى بعث الله إلينا رسولاً منّا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه، فدعانا لتوحيد الله وأن لا نشرك به شيئاً ونخلع ما كنّا نعبد من الأصنام، وأمرنا بصدق الحديث وأداء الأمانة وصلة الرحم وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء ونهانا عن الفواحش وقول الزور وأكل مال اليتيم، وأمرنا بالصلاة والصيام، فآمنّا به وصدّقناه، وحرّمنا ما حرّم علينا، وحلّلنا ما أحلَّ لنا، فتعدّى قومنا علينا، فعذّبونا وفتنونا عن ديننا ليردّونا إلى عبادة الأوثان فلمّا قهرونا وظلمونا وحالوا بيننا وبين ديننا خرجنا إلى بلادك واخترناك على من سواك، ورجونا أن لا نُظلم عندك أيها الملك .فقال النجاشي: هل معك مما جاء به عن الله شيء؟ قال: نعم، فقرأ عليه سطراً من سورة مريم، فبكى النجاشي وأساقفته وقال: إنّ هذا والذي جاء به عيسى يخرج من مشكاةٍ واحدة. انطلقا، والله لا أسلمهم إليكما أبداً! فلمّا خرجا من عنده قال عمرو بن العاص: والله لآتينّه غداً بما يبيد خضراءهم. فلمّا كان الغد قال للنجاشي: أيّها الملك، إنّ هؤلاء يقولون في عيسى بن مريم قولاً عظيماً! فأرسل النجاشي فسألهم عن قولهم في المسيح. فقال جعفر: نقول فيه الذي جاءنا به نبينا: هو عبد الله ورسوله وروحه وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول. فأخذ النجاشي عوداً من الأرض وقال: ما عدا عيسى ما قلت هذا العود، فاستاءت بطارقته، فقال: وإن أنكرتم. ثم قال للمسلمين: اذهبوا فأنتم آمنون، ما أحب أنّ لي جبلاً من ذهب وانّني أذيت رجلاً منكم. وردّ هدية قريش وقال: ما أخذ الله الرشوة منّي حتى أخذها منكم، ولا اطاع الناس فيّ حتى أطيعهم فيه (4).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الطبري 2 / 328.
(2) دائرة معارف القرن العشرين / حرف الحاء.
(3) كما يظهر من بعض النصوص.
(4) راجع الكامل: 2 / 80 ـ 81.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|