أقرأ أيضاً
التاريخ: 2-2-2017
9265
التاريخ: 2024-08-13
359
التاريخ: 18-1-2017
3063
التاريخ: 2024-01-13
1100
|
جاء الإسلام وبعض العرب يئدون بناتهم، أي يقبرونها ويهيلون عليها التراب مخافة العار والحاجة، وفي التنزيل: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُم مِّنْ إِمْلَاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ)، ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ ۚ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا) (1). وكانوا يجمعون بين الأختين ويخلف الرجل على امرأة أبيه إذا مات، ويطلقون النساء حتى إذا قرب انقضاء عدتهن راجعوهن لا عن حاجة ولا لمحبة، ولكن تطويلا للعدة ولتوسيع مدة الانتظار ضرارًا، وكان الرجل يطلق امرأته أو يتزوج أو يعتق ويقول: كنت لاعبا، ويمنعون النساء أن يتزوجن من أردن من الأزواج بعد انقضاء عدتهن حمية جاهلية، وإذا مات الرجل منهم كان أولياؤه أحق بامرأته إن شاء أن يتزوجها بعضهم، وإن شاء زوجوها أو عضلوها فهم أحق بها من أهلها، وإذا مات الرجل قام أكبر ولده فألقى ثوبه على امرأة أبيه فورث نكاحها، فإن لم يكن له فيها حاجة تزوجها بعض إخوته بمهر جديد وهذا نكاح المقت، فأنزل تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ) (2)، وكان الرجل يقول لزوجته إذا طهرت من طمثها: (3) أرسلي إلى فلان فاستبضعي منه لتحمل ويعتزلها زوجها ولا يمسها أبدًا حتى يتبين حملها، يفعل ذلك رغبةً في نجابة الأولاد، وهذا نكاح الاستبضاع، وكان يجتمع الرهط ما دون العشرة فيدخلون على المرأة كلهم يصيبونها عن رضا منها، فإذا حملت ووضعت أرسلت إليهم وخاطبتهم فيما كان من أمرهم معها، وألحقت الولد بمن أحبت لا يمتنع من قبوله. وينصب البغايا على أبوابهن رايات ليُعرف محلهن، ومنه نكاح الخدن وهو المشار إليه بقوله تعالى: (مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ، وكانوا يقولون: ما استتر فلا بأس به وما ظهر فهو لوم. ومنه نكاح المتعة وهو التزوج إلى أجل، ومنه نكاح البدل وهو أن يقول الرجل للرجل: انزل لي عن امرأتك وأنزل لك عن امرأتي، ومنه نكاح الشغار وهو أن يزوج الرجل ابنته أو أخته أو ابنة أخيه من رجل آخر على أن يزوجه هذا الرجل ابنته أو أخته ليس بينهما صداق. ومنهم من كانوا يقولون: الملائكة بنات الله، فألحقوا البنات به سبحانه، وإلى هؤلاء القوم يشير تعالى: ﴿وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ * وَلَهُم مَّا يَشْتَهُونَ * وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِالْأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ ۚ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ) (4). وقد كانت للعرب أوابد أي؛ دواه تجافى الإسلام عنها وأبطلها حرصًا على حقوق المرأة وسلامة البيوت من العهر، على أن قريشًا كانت أنكحتها قبل الإسلام مستقيمة إلا ما ندر، وقريش أصح العرب أخلاقا وأنسابًا وعفةً وأنفةً، تجردت نفوس أكثرهم عن لوثات القبائل المجاورة، وكانوا لا يحجبون نساءهم لما يعرفون من أنفسهم من العفة والحشمة، وكان شعراؤهم يعشقون ويعفون، وربما هلكوا بعشقهم وما باحوا به حتى لا يفتضحوا ويفضحوا غيرهم، وأكثر حبهم عذري لا ريبة فيه. وكانوا يؤخرون شهر المحرم إلى صفر لحاجتهم إلى شن الغارات وطلب الثارات ويؤخرون الحج عن وقته تحريًا منهم للسنة الشمسية وهو ما يسمونه بالنسيء، وفي التنزيل: ﴿إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِّيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللهُ ۚ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ) (5) ، وقد كانت قريش وأكثر العرب يطوفون بالبيت عراة، ويحرمون على أنفسهم اللحم والودك (6)، فنزل قوله تعالى: ﴿يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴾ ، (7) ونهت السنة عن أربعة وهي: لا عدوى، ولا طيرة ولا هامة ولا صفر والعدوى معروفة، والطيرة: التطير أو التشاؤم والهامة: ما كانت العرب تعتقده من أن القتيل إذا طل دمه فلم يدرك بثأره صاحت هامته بالقبر اسقوني، وأما الصفر فهو كالحبة يكون في الجوف يصيب الماشية والناس، وهو أعدى عندهم من الجرب ، وقيل : شهر صفر وكان العرب يعدونه شؤمًا. كان العرب يأكلون (8) الخنافس والجعلان والعقارب والحيات، ويلبسون ما غزلوا من أوبار الإبل وأشعار الغنم»، «وكان الناس طعامهم بالمدينة التمر والشعير، وكان الرجل إذا كان له يسار فقدمت ضافطة (9) من الشام من الدرمك ابتاع منها فخص بها نفسه، فأما العيال فإنما طعامهم التمر والشعير. بل كانوا قبل الإسلام يأكلون ما دب ودرج (10)؛ إلا أم حُبَيْن وهي أشبه بالحرباء، ولم يكن إلا لبعض قبائلهم القريبة من الحيرة والشام «شيء طريف، ولقمة كريمة، ومضغة شهية»، وقلما يعرفون «رفاغة العيش والناعم من الطعام»، والإبل عندهم أفضل الذبائح، ولأهل البدو اللباء والسلاء والجراد والكمأة والخبزة في الرائب والتمر بالزُّبد والخلاصة والحيس والوطيئة(11) والفالوزق أو الفالوذج أشرف ما عرفوا من طعام، ولم يطعم الناس أحد منهم ذلك الطعام إلا عبد الله بن جدعان من أجواد قريش ذهب مرة إلى كسرى فأطعمه إياه فاستطابه، وسأل كيف يُصنع فقيل له: إنه لباب البريلبك بالعسل، فابتاع غلامًا يصنعه له، ورجع إلى مكة وصنع الفالوذج، ودعا إليه أصحابه، وكان له منادٍ ينادي «هلم إلى الفالوذ»، وكانت له جفنة يطعم فيها في الجاهلية، ويأكل منها القائم والراكب لعظمها، وربما حضر النبي طعامه قبل النبوة، وكان يُسمى بحاسي الذهب؛ لأنه كان يشرب في إناء من ذهب، وقالوا في المثل: «أقرى من حاسي الذهب. وزعموا أن ابن جدعان هذا كان في بدء أمره فقيرًا مملقًا وكان شريرًا يكثر من الجنايات حتى أبغضه قومه وعشيرته وأهله وقبيلته، فخرج ذات يوم في شعاب مكة حائرًا بائرًا فرأى في غار قبور الرجال من ملوك جرهم، ووجد عند رءوسهم لوحًا من ذهب فيه تاريخ وفاتهم وعدد ولايتهم، وإذا عندهم من الجواهر واللآلئ والذهب والفضة شيء كثير، فأخذ منه حاجته وانصرف إلى قومه فأعطاهم وحباهم وسادهم، وكلما قل ما في يده ذهب إلى ذلك الغار فأخذ حاجته، روى ذلك ابن كثير (12). وإذا عرفنا أن من شعراء الجاهلية كالنابغة الذبياني وحسان بن ثابت من كانوا مرفهين في معاشهم بل فوق المرفهين صح لنا أن نستأنس بحسن حالة العرب قبل الإسلام بعض الشيء؛ فقد ذكر صاحب الآغاني أن النابغة كان يأكل ويشرب في آنية الفضة والذهب من عطايا النعمان وأبيه وجده، ولا يستعمل غير ذلك، وعلى الجملة فقد كانت مضر (13) من قريش وكنانة وبني أسد وهذيل ومن جاورهم من خزاعة أهل شظف ومواطن غير ذات زرع ولا ضرع، بعيدين من أرياف الشام والعراق، ومعادن الأدم والحبوب، أما العرب الذين كانوا بالتلول وفي معادن الخصب للمراعي والعيش، فهم حمير وكهلان من مثل لخم وجذام وغسان وطي وقضاعة وإياد. قال ابن خلدون ولم تكن أمة من الأمم أسغب عيشًا من مضر لما كانوا بالحجاز في أرض غير ذات زرع ولا ضرع، وكانوا ممنوعين من الأرياف وحبوبها لبعدها واختصاصها بمن وليها من ربيعة واليمن، فلم يكونوا يتطاولون إلى خصبها، ولقد كانوا كثيرًا ما يأكلون العقارب والخنافس ويفخرون بأكل العلهز، وهو وبر الإبل، يمهونه بالحجارة في الدم ويطبخونه، وقريبًا من هذا كانت حال قريش في مطاعمهم ومساكنهم. وكانت للعرب قبيل الإسلام مجالس أدب وطرب فيها شيء من حياة المدن ورفاهية البشر؛ ولا سيما في مدنهم الكبرى كمكة ويثرب، وكان الحكم بن العاص أبو مروان بن الحكم، وقيس الفهري أبو الضحاك بن قيس، ومعمر بن عثمان جد عمر بن عبيد الله بن معمر يضربون بالعود، وكان النضر بن الحرث بن كلدة يضرب بالعود، وتعلم العلوم القديمة واطلع على علوم الفلسفة والطب وهو ابن خالة النبي، وكان والده الحرث بن كلدة يضرب بالعود، تعلم ذلك بفارس واليمن (14)، قال المسعودي: إنه تعلم الغناء من الحيرة وكذلك ضرب العود، فقدم مكة وعلم أهلها فاتخذوا القينات، وتعلم الطب بفارس في الجاهلية وقبل الإسلام. وكان النبي يأمر من كانت به علة أن يأتيه فيسأله. عن وكيف يضرب هؤلاء بالعود إن لم تكن لقومهم رفاهية أو شبهها، والموسيقى لا تكون إلا في أمة استكملت الحاجيات فتطلعت إلى الكماليات، وكان عبد الله بن سعيد بن العاص يكتب في الجاهلية وأمره الرسول أن يعلم الكتاب بالمدينة، وروى ابن أبي الدنيا أنه كان يُعَلِّم الحكمة بالمدينة، واشتهرت العرب بسيوفها المشرفية ورماحها السمهرية، وسهامها التي تصيب فتصمي، وعرفوا كثيرًا من آلة القتال كالدبابات والضبور(15) ونحوها، وعرفوا البرود اليمانية المشهورة وتطريق المعادن وصنع الحديد وما إلى ذلك من الصنائع، وكانت اليمن في هذا المعنى أعلى كعبا من الحجاز، وأسباب المدنية في الأولى موفورة أكثر من الثانية، فكانت الطبقة الممتازة من الحجازيين تجارًا ومثلها من اليمانيين تجارًا وصناعا.
................................................
1- الخطأ: الإثم، والإملاق: الفقر.
2- تمنعوهن عن نكاح غريكم بإمساكهن.
3- الطمث: الحيض.
4- كظيم: ممتلئ غما، هون: هوان وذل.
5- النسيء: التأخري لحرمة شهر إلى آخر.
6- الودك: محركة الدسم كالدهن ونحوه.
7- زينتكم: أي ما يستر عورتكم، وعند كل مسجد أي عند الصلاة والطواف.
8- تاريخ الطبري.
9- الضافطة: هم الأنباط كانوا يحملون الدقيق والزيت وغريها، والدرمك: دقيق الحواري.
10- مآكل العرب للمؤلف (مجلة المقتبس م3 ص569).
11- السلاء: ما طبخ وعولج من السمن، واللبأ: أول اللبن في النتاج، والوطيئة: ضرب من العصيدة، وقيل: طعام يُعمل بالتمر واللبن، والحيس: تمر يُخلط بسمن وأقط، والأقط: الجبن المتخذ من اللبن الحامض.
12- البداية والنهاية لابن كثري.
13- مقدمة ابن خلدون.
14- طبقات الحكماء لابن أبي أصيبعة.
15- الضبر: جلد يغشى خشبًا فيها رجال تقرب إلى الحصون للقتال، ج ضبور.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|