أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-11-23
1145
التاريخ: 30-05-2015
5618
التاريخ: 3-08-2015
1699
التاريخ: 8-11-2020
2702
|
شبهات حول الوحي:
أ- الشبهة الأولى: الوحي عبارة عن إلهامات روحية تنبعث من داخل نفس النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وليس وارداً عليه من الله تعالى، لاستحالة الاتّصال بين الله تعالى والإنسان، كونه يستلزم تحديد الله عزّ وجلّ![1]
الجواب: إنّ عدم فهْم حقيقة الاتّصال الروحيّ الخفيّ بين المَلأ الأعلى وجانب الإنسان الروحي لا يعنى إنكار هذا الاتّصال، فالإنسان يتلقّى بروحه إفاضات تأتيه من ملَكوت السماء، وإشراقات نورية تشعّ على نفسه من عالَم وراء هذا العالم المادّي، وليس في ذلك اتّصالاً أو تقارباً مكانيّاً، لكي يستلزم تحيّزاً في جانبه تعالى. ولعلّ منشأ هذه الشبهة أنّهم قاسُوا من أمور ذاك العالم غير المادّي بمقاييس تخصّ العالم المادّي.
ب- الشبهة الثانية: من أين عرف النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه مبعوث؟[2]
الجواب: يجب على الله ـ وجوباً منبعثاً من مقام لُطفه ورأفته بعباده ـ أن يقرِن تنبيئه إنساناً بدلائل نيّرة، لا تدَع لمسارب الشكّ مجالاً في نفسه. وهذا هو مقتضى قاعدة اللطف، وتتلخّص في: تمهيد سبيل الطاعة، فواجب عليه تعالى أن يُمهِّد لعباده جميع ما يقرّبهم إلى الطاعة ويبعّدهم عن المعصية، وهذا الوجوب منبعث من مقام حكمته تعالى، إذا كان يريد من عِباده الانقياد، وإلاّ كان نقضاً لغرضه من التكليف، ومن ثَمّ وجب عليه تعالى أن يبعث الأنبياء عليهم السلام، وينزّل الشرائع، ويجعل في الأمم ما ينير لهم درب الحياة، إمّا إلى سعادة، فباختيارهم، أو إلى شقاء، فباختيارهم أيضاً[3]. وطبقاً لهذه القاعدة، لا يدع تعالى مجالاً لتدليس أهل الزَيغ والباطل، إلاّ ويفضحهم من فورهم. روي عن الإمام الصادق (عليه السلام)، أنّه سُئل (عليه السلام): كيف عَلمت الرسُل أنَّها رسُل؟ قال: "كُشِفَ عنهم الغطاء"[4].
إذن، فلا بدَّ أن يكون النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حين انبعاثه نبيّاً على عِلم يقين، بل حقّ يقين من أمْره، لا يشكّ ولا يضطرب، مستيقناً، مطمئنّاً بالله، مَرعيّاً بعناية الله تعالى ولُطفه الخاصّ، منصوراً، مؤيَّداً، ولاسيَّما في بدْء البعثة، فيأتيه الناموس الأكبر وهو الحقّ الصِراح معايَناً مشهوداً، وهي موقعية حاسمة لا ينبغي لنبيّ أن يتزلزل فيها، أو يتروّع منها: ﴿إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ﴾ [5].
وأيضاً فإنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يخترْه الله لنبوَّته إلاّ بعد أن أكمل عقله وأدَّبه، فأحسن تأديبه، وعرَّفه من أسرار ملكوت السماوات والأرض، ما يؤهّله للقيام بمهمَّة السفارة وتبليغ رسالة الله إلى العالمين، كما فَعل بإبراهيم الخليل (عليه السلام).
عن الإمام علي (عليه السلام): "ولقد قرَنَ الله به من لدُن أن كان فطيماً أعظم مَلك من ملائكته، يسلك به طريق المكارم، ومحاسن أخلاق العالم، ليله ونهاره.."[6].
وعن الإمام العسكري (عليه السلام): "فلمّا استكمل أربعين سنة، نظر الله عزّ وجلّ إلى قلبه، فوجده أفضل القلوب، وأجلها، وأطوعها، وأخشعها، وأخضعها، فأذن لأبواب السماء ففتحت، ومحمد صلى الله عليه وآله وسلم ينظر إليها، وأذن للملائكة فنزلوا ومحمد صلى الله عليه وآله وسلم ينظر إليهم، وأمر بالرحمة، فأنزلت عليه من لدن ساق العرش إلى رأس محمد وغمرته، ونظر إلى جبرئيل الروح الأمين المطوّق بالنور، طاووس الملائكة هبط إليه، وأخذ بضبعه وهزّه، وقال: يا محمد اقرأ. قال: وما أقرأ؟ قال: يا محمد ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾ [7]، ثمّ أوحى (إليه) ما أوحى إليه ربّه عزّ وجلّ"[8].
ج- الشبهة الثالثة: هل يجوز على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الخطأ في ما يُوحى إليه؟[9]
الجواب: إنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يُخطِئ في ما يُوحى إليه، ولا يلتبس عليه الأمر قطّ، فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم كان عندما يوحى إليه يُكشف عنه الغطاء، فيرى الواقعية في ما يتَّصل بجانب روحه الملكوتي، منقطعاً عن صوارف المادَّة، فيلمس حينذاك تجلّيات وإشراقات نورية تغشاه من عالم الملكوت، لينصرف بكلّيته إلى لقاء روح الله وتلقّي كلماته، فيرى حقيقة الحقّ النازل عليه بشعورٍ واعٍ وبصيرةٍ نافذة، كمَن يرى الشمس في وضَح النهار، لا يحتمل خطأً في إبصاره، ولا التباساً في ما يعِيه. وهكذا الوحي، إذ لم يكن فكرة نابعة من داخل الضمير، ليحتمل الخطأ في ترتيب مقدّمات استنتاجها، أو إبصاراً من بعيد، ليتحمَّل التباساً في الانطباق، بل هي مشاهدةُ حقيقةٍ حاضرة بعَين نافذة، فاحتمال الخطأ فيه مستحيل.
عن زرارة بن أعين قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): كيف لم يخفْ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في ما يأتيه من قِبل الله أن يكون ممّا ينزغ به الشيطان؟ فقال (عليه السلام): "إنّ الله إذا اتّخذ عبداً رسولاً أنزل عليه السكينة والوقار، فكان الذي يأتيه من قِبل الله مثل الذي يراه بعينه"[10]، أي: يجعله في وضَح الحقّ، لا غبار عليه أبداً، فيرى الواقع ناصعاً جلياً لا يشكّ ولا يضطرب في رأيه ولا في عقله.
ومن الأدلّة القرآنية على ذلك:
- عهد الله تعالى لنبيّه بالرعاية والحِفظ: ﴿سَنُقْرِؤُكَ فَلَا تَنسَى﴾[11]، حيث كان (صلى الله عليه وآله وسلم) في بدء نزول القرآن يخشى أن يفوته شيء، فكان يساوق جبرائيل (عليه السلام) في ما يلقي عليه كلمة بكلمة، فنُهِيَ عن ذلك:
﴿لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ﴾[12]، و﴿وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾[13].
- قوله تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾[14]، فإنّه يقطع أيّ احتمال للدسّ والتزوير في نصوص القرآن الكريم.
- استحالة تلبيس إبليس وتدخّله في ما يُوحى إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وجعل تسويلاته الشيطانية في صورة
وحي يلتبس على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أمرها، فيظنّها وحياً، لأنَّ الشيطان لا يستطيع الاستحواذ على عقلية رسُل الله وعباده المكرَمين: ﴿إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ﴾[15]، ومتنافٍ مع قوله تعالى: ﴿وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ * لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ﴾[16]، وقوله تعالى: ﴿وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى﴾[17]، وقوله تعالى - حكاية عن قول إبليس -: ﴿وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي﴾[18].
أضف إلى ذلك أنّ هذا الخطأ المحتمل في تلقّي الوحي وتبليغه إلى الناس متنافٍ مع قاعدة اللطف الآنفة الذكر، ومتناقض مع حكمته تعالى في بعْث الأنبياء (عليهم السلام).
[1] انظر: معرفة، التمهيد في علوم القرآن، م.س، ج1، ص91-93.
[2] انظر: م. ن، ص108-117.
[3] انظر: الحلي، الحسن بن سورة يوسف، الآية بن المطهّر: كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد، تحقيق حسن زاده آملي، ط7، قم المقدّسة، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المقدّسة، 1417هـ.ق، ص444-445.
[4] البرقي، أحمد بن محمد بن خالد: المحاسن، تحقيق جلال الدين الحسيني(المحدِّث)، ط1، طهران، دار الكتب الإسلامية, مطبعة رنكين، 1370هـ.ق/ 1330هـ.ش، كتاب العلل، ح85، ص328.
[5] سورة النمل، الآية: 10.
[6] نهج البلاغة، شرح محمد عبده، م.س، ج1، الخطبة192(القاصعة)، ص157.
[7] سورة العلق، الآية: 1-5.
[8] تفسير الإمام العسكري عليه السلام, تحقيق مدرسة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف، ط1، قم المقدّسة، نشر مدرسة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف, مطبعة مهر، 1409هـ.ق، ح78، ص156-157.
[9] انظر: معرفة، التمهيد في علوم القرآن، م.س، ج1، ص108-109, 117-131.
[10] العياشي، محمد بن مسعود: تفسير العياشي، تحقيق وتصحيح وتعليق هاشم الرسولي المحلاتي، لاط، طهران، المكتبة العلمية الإسلامية، لات، ج2، تفسير سورة سورة يوسف، الآية، ح106، ص201.
[11] سورة الأعلى، الآية: 6.
[12] سورة القيامة، الآيات: 16-19.
[13] سورة طه، الآية: 114.
[14] سورة الحجر، الآية: 9.
[15] سورة الإسراء، الآية: 65.
[16] سورة الحاقّة، الآيتان: 44-45.
[17] سورة النجم، الآيات: 3-5.
[18] سورة إبراهيم، الآية: 22.
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
تستخدم لأول مرة... مستشفى الإمام زين العابدين (ع) التابع للعتبة الحسينية يعتمد تقنيات حديثة في تثبيت الكسور المعقدة
|
|
|