أقرأ أيضاً
التاريخ: 11-3-2016
2429
التاريخ: 18-3-2022
1769
التاريخ: 2023-04-29
1193
التاريخ: 2024-09-08
254
|
هناك الكثير من القواعد والأسس التي لها مدخلية كبيرة في فهم النص القرآني وتحديد معناه، كمعرفة الخاص والعام ، والمطلق والمقيد ، والمحكم والمتشابه، والناسخ والمنسوخ، وغير ذلك من المفاهيم التي لها مدخلية في كشف وتوضيح المعنى المراد من الآية القرآنية.
ومن القواعد والقضايا المهمة أيضاً التي تساعدنا على فهم النص القرآني وتحديد معناه هي معرفة السياق الخاص والعام للآية الشريفة.
وللسياق تعاريف مختلفة تعرض لها العلماء في كتب التفسير وعلم أصول الفقه، منها ما ذكره السيد محمد باقر الصدر (قدس سره) بقوله: ( السياق : كل ما يكتنف اللفظ الذي نريد فهمه من دوال أخرى، سواء كانت لفظية كالكلمات التي تشكل مع اللفظ الذي نريد فهمه كلاماً واحداً مترابطاً، أو حالية كالظروف والملابسات التي تحيط بالكلام وتكون ذات دلالة في الموضوع)([1]).
فمعرفة الجو المحيط بالاية من خلال القرائن اللفظية والحالية والمقامية يعطينا رؤية واضحة في تشخيص المعنى المقصود من الآية الشريفة.
وللسياق كذلك دور كبير في بيان الواقع العلمي للقرآن، لوجود الترابط الهادف بين آية وآية، ولا تتلاحق الآيات ولا الكلمات داخل آية واحدة إلا بإحدى علاقتين : علاقة علمية أو تربوية.
أولا: العلاقة العلمية : ونعني بها بيان وجه من الترابط العلمي بين مفهومين أوحقيقتين أو أكثر، كما في قوله تعالى : { فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ }([2])، حيث تعكس الآية أن علاقة الإستغفار من الذنب مرتبطة بتوحيد الله تعالى، وان هذه العلاقة واقعية تفرضها حقيقة الربوبية من جهة والعبودية من جهة أخرى، إذ أن العقيدة بأحدية الله توجب العقيدة بعبودية الفرد له تعالى، ومن الواضح حينئذ خضوعه لله عزّ وجلّ.
وتماماً مثل هذه العلاقة موجودة في قوله تعالى: { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأرض فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الْآَخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلَا تَعْقِلُونَ }([3])، فعلاقة عبادة الله بتوحيده أمر واقعي من جهة أن على العبد مسئوليةَ العبادة لله الواحد.
ومن ذلك أيضاً قوله تعالى: { وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ }([4])، فهنا تعكس الآية جانبا من العلاقة والارتباط الواقعي بين المولى الذي يحب عباده فينـزل عليهم الغيث، وبين الحميد الذي ينشر عليهم رحمته، فهناك علاقة وطيدة بين الولاية ونزول الغيث، وبين الحمد ونشر الرحمة.
تنبيه:
إن إكتشاف هذا الترابط والعلاقة القائمة بين حقيقتين يتضح لمن كان يعيش اللغة القرآنية والأدب القرآني ويفهم الذوق البلاغي لصياغة الآيات القرآنية الشريفة.
ولهذا كان البعض إذا سمع من أحد يقرأ القرآن بشكل غير صحيح يقطع عليه تلاوته ويقول له ان هذا لا يستقيم ،كما ورد في بعض الكتب.
قال الأصمعي : قرأت هذه الآية { وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }([5])، وإلى جنبي أعرابي، فقلت : والله غفور رحيم ، سهوا ، فقال الأعرابي : كلام من هذا ؟ قلت : كلام الله . قال : أعد فأعدت : والله غفور رحيم ، فقال : ليس هذا كلام الله، فتنبهت ، فقلت : والله عزيز حكيم . فقال : أصبت ، هذا كلام الله . فقلت له : أتقرأ القرآن ؟ قال : لا . قلت : فمن أين علمت أني أخطأت ؟ فقال : يا هذا عزَّ فحكم فقطع ، ولو غفر ورحم لما قطع ([6]).
وكـذلك العلاقة والترابط لا ينحصران ضمـن الآية الواحـدة فحسب، وإنما يتحققان أيضاً ضمن آيتين أو أكثر كما هو واضح، فلاحظ مثلاً الآيتين التاليتين: { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَام ** وَإذا تَوَلَّى سَعَى فِي الأرض لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ }([7])، فعلاقة الآية الأولى بالثانية ناشئة من وجود إرتباط بين صفات المنافقين، فهم من جهة ينمّقون كلامهم ومن جهة أخرى يفسدون في الأرض.
ان القرآن يحدثنا عن نموذج من الناس ويذكر صفاتهم بشكل مترابط من حيث لا تنموا صفة فيهم دون صفة أخرى ، أي ان وجود صفة ما فيهم مدعاة إلى نمو صفة أخرى تتناسب مع الأولى قوة وضعفاً، كما في صفة ((الكبر)) التي يلازمها ((الجحود))، وصفة ((الحسد)) التي يلازمها ((الحقد والكراهية)) وغير ذلك من الصفات المترابطة فيما بينها.
ثانيا: العلاقة التربوية: ونعني بها بيان الترابط بين الصفات الإنسانية أي بين صفة وصفة أخرى يعيشان حالة من التأثير والتأثر بعضهما البعض نتيجة ظروف وملابسات متعددة، الأمر الذي يسجله القرآن الكريم مع بيان الموقف منه.
ولما كان القرآن الكريم كتاب هداية وتربية للإنسان فمن الضروري دراسة الآيات التربوية لنكتسب علما بخبئية النفوس ومعرفة القوانين التربوية التي تتحكم فيها.
وكشاهد على ذلك قوله تعالى :{ وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إلى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}([8]).
إن جمل هذه الآية ثلاثة: الأولى في الإنفاق، والثانية في النهي عن إلقاء النفس في التهلكة، والثالثة في الإحسان. وهنا نسأل عن وجه العلاقة بين هذه المقاطع الثلاثة ؟
والجواب: إن الله تعالى لما أمر بالإنفاق الذي هو خلاف ما جُبلت عليه النفس من حبها للمال والحرص على جمعه وتجميعه، قال تعالى: {وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا}([9])،كان هذا موجباً لقلق المنُفِق وخوفه من التقصير في أداء هذا الأمر، فجاءت الجملة الثانية شارحةً ومبينة عاقبة التخلف عن هذه الشعيرة، حيث ان التقصير إزائها سيعود عليهم بالخسران والهلكة :{وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إلى التَّهْلُكَةِ } وهو أعظم بلا شك من إنفاق شيء من أموالهم فيما لو أنفقوا، أي أن صرف المال في سبيل الله أفضل من عدم صرفه في ذلك، فيكون مدعاة لحلول الهلاك وحصول الخسران فيما لو لم ينفقوا.
ولمقابلة شح النفس البشرية كان الترجيح بالإنفاق أمراً حسناً، وهو ما تكفل به المقطع الثالث من الاية : {وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}.
وربما نستنبط من سياق الآية المباركة : أن هناك درجتين في الإنفاق الذي لولاه يهلك الإنسان ويكون بمثابة الإنفاق على الدواء، وقد أمر به الجزء الأول من الآية، والإنفاق الإضافي الذي يقوم به المحسنون ، وقد أمر به الجزء الثاني من الآية .
([1]) المعالم الجديدة للأصول: ج1 ص 119.
([2]) محمد: 19.
([3]) يوسف: 109.
([4]) الشورى: 28.
([5]) المائدة:38.
([6]) زاد المسير في علم التفسير: ج2،ص 274.
([7]) البقرة: 4-5.
([8]) البقرة: 195.
([9]) الفجر:20.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|