أقرأ أيضاً
التاريخ: 3-12-2015
2262
التاريخ: 12-02-2015
2564
التاريخ: 2024-05-21
752
التاريخ: 2023-05-19
941
|
لقد مهد الفسق المستمر والانحراف المتواصل لبني إسرائيل لنزول العذاب فكانت عاقبة المتمردين من بني إسرائيل أن نزل عليهم رجز سماوي (1). وطبقاً لرواية عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه واله وسلم) بخصوص الطاعون حيث قال: "إنه رجز عُذب به بعض الأمم قبلكم" (2) فمن الممكن الاحتمال بأن الرجز الذي نزل على بني إسرائيل كان هو الطاعون؛ كما أن بعض تفاسير العامة طبقته على الطاعون أيضا (3) حيث هلك في إثره أربعة وعشرون ألفاً من الناس (4) وحسب الروايات فقد مات به سبعون ألفاً من شخصياتهم وشيوخهم (5).
يقول بعض المفسرين:-
وقد سكت الله سبحانه عن نوع العذاب وحقيقته، ولم يبين لنا هل هو الطاعون؟ كما قال البعض أو الثلج؟ كما ذهب آخرون. وأيضاً سكت عدد الذين هلكوا بهذا العذاب؛ هل هم سبعون ألفاً، أو أكثر، أو أقل؟ وعن أمد العذاب ومدته؛ هل هي ساعة أو يوم؟ لذلك نسكت نحن عمّا سكت الله عنه، ولا نتكلّف بيانه كما تكلفه غيرنا اعتماداً على قول ضعيف، أو رواية متروكة (6).
بالطبع لو تصدى حديث لتعيين ذلك لكان محط عناية ودعم كاملين؛ وذلك لأن للرواية الصحيحة دوراً مؤثراً في هداية التائهين في حقل التفسير.
ملاحظة: التنوين في قوله: رجزا هو لبيان عظمة العذاب وهوله (7). إن استنباط مثل هذه الملاحظات يكون تارة من خلال التأمل في سياق الآية نفسها، وأخرى بواسطة الشواهد اللبية واللفظية لآية أخرى.
إن استخدام التعبير: {بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} [البقرة: 59] - إذا لاحظنا دخول الفعل الماضي كانوا على الفعل المضارع - يدلّ على استمرارهم بالفسق، ورسالته تتلخص بما يلي:
1. إن ما تسبب في نزول الرجز السماوي هو إصرارهم على الخطيئة، واستمرارهم على المعصية، وعدم التوبة.
2. إنه إنذار لكل ملوّث بالمعصية ومصر ومعتاد عليها من الأفراد والأمم مفاده: ثوبوا إلى رشدكم فإن عذاب الله آت. وبعبارة أخرى: لو لم يأت هذا التعبير لظُن - نظراً لعبارة: على الذين ظلموا وبالالتفات إلى فاء الترتيب في فأنزلنا - أن سبب نزول العذاب كان ظلمهم الخاص في قضيّة دخول القرية وامتناعهم عن التوبة في هذا المجال، لكن جملة: بما كانوا يفسقون تبيّن أن نزول الرجز مرتبط بمجموع ما ارتكبوه من القبائح وليس خصوص هذا الظلم في هذا المورد بالذات؛ بل إن ظلمهم في التمرد على أمر دخول القرية كان قد زاد الطين بلة، وإلا فإن فسقهم المستمر وجرمهم المتواصل هما اللذان مهدا لنزول الرجز.
أراد البعض الاستدلال بنفس مجيء التعبير بالفسق ويفسقون بعد التعبير بالظلم في قوله: الذين ظلموا وببيان آخر: تعليل نزول الرجز بالفسق - مع أنه في عبارة: على الذين ظلموا إشعار بأن علة نزول الرجز كانت ظلمهم، وبالأخص عند الالتفات إلى فاء الترتيب في قوله: فأنزلنا أرادوا الاستدلال بذلك على غلوهم في الظلم وأن فيه إيذاناً بشدة ظلمهم وأن ظلمهم قد بلغ حد الفسق والخروج عن طاعة الله تعالى وعبوديته (8). ولعل ذلك هو بلحاظ أن الفسق أصلاً يعني الخروج من القشرة الأصلية والفطرية وأن قولهم : فَسَقت الرطبة عن قشرها" يعني خرجت منه (9).
لكن هذا البيان مشروط بكون مفردة الفسق أكثر سلبية من مفردة الظلم وإلا فمن الممكن أن تكون من قبيل التفنّن في التعبير فتفيد عبارة: بما كانوا يفسقون نفس المعنى الذي تفيده عبارة: بما كانوا يظلمون ، لاسيما إذا التفتنا إلى أنّه في سورة " الأعراف" وبخصوص نفس هذه القضية فقد جاء التعبير بالقول: {يظلمون}: {فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَظْلِمُونَ} [الأعراف: 162]. إذن فالملاحظة التي تستحق الذكر في جملة: {بما كانوا يفسقون}.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1. في الاية محط البحث عُبّر عن هبوط العذاب على بني إسرائيل بعبارة: فأنزلنا وفي سورة الأعراف" بقوله: فأرسلنا وهناك اختلاف بين عنواني الإنزال والإرسال؛ فالإنزال لا يستلزم كون الشيء المنزل مدركاً وإن كان لا ينافيه أيضاً، بينما يستلزم الإرسال كون الرسول مدركاً لذلك. لذا يُقال لما يخص الأشياء بأنه نزول ولما يخص الأشخاص بأنّه رسول. فإن استخدم عنوان الرسول فيما يتعلق ببعض الأشياء لأت الصبغة الإدراكية ملحوظة فيها، وإن مراعاة هذا التفاوت قد استوجب التعبير عن تعذيب بني إسرائيل الطغاة الغاشمين بإنزال الرجز تارة كما في الآية مدار البحث، وبإرسال الرجز تارة أخرى كما في قوله تعالى: ﴿فَبَدَلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رجزاً مِنَ السَّمَاء بمَا كَانُواْ يَظْلِمُونَ﴾ (سورة الأعراف، الآية 162). والاختلاف الأخر بین الآية مورد البحث وآية سورة الأعراف هو أنه تم استعمال الاسم لاهر في الآية المبحوثة خلافاً لتلك الأخرى حيث استعمل فيها الضمير. وقد ذكرنا بخصوص الاية مورد البحث أنه لو كان قد اكتفي بالضمير فيها لطرح احتمال رجوعه إلى إسرائيل والحال أن المحسنين من اليهود لم يكونوا مستحقين لمثل هذا التعذيب، في آية سورة الأعراف قد فُصل الظالمون عن غيرهم أولاً، وقد تحقق هذا الفصل بكلمة التبعيض في قوله: "منهم ، واكتفي بالضمير ثانياً؛ ولهذا سيكون التعبير بالضمير هنا مصوناً من خطر الاشتباه .
هذه الحالة طرح الفخر الرازي (المتوفى سنة 604 هنا عشرة اختلافات بين الآية محط البحث وآية سورة الأعراف" وذلك بصورة سؤال وجواب (التفسير الكبير، مج 2، ج 3، ص 98 - 100)، وقد ذكر بعض من تأخر عنه من المفسرين تلك الأسئلة والأجوبة من دون زيادة أو نقصان ومن دون بحث تحليلي أو نقدي؛ كأبي حيان (المتوفى سنة 745) (البحر المحيط، ج 1، ص 387 - 388) في . حين نقلها البعض الآخر على نحو مبسوط مع مزيد من النقد والتحليل؛ كشهاب الدين الآلوسي (المتوفى سنة 1270) (روح المعاني، ج 1، ص 244)، بيد أن صدر المتألهين الله، وكما ينقل مواضيع المباحث المشرقية للفخر الرازي من دون جرح وتعديل حيناً ومع النقد والتحليل حيناً آخر فهو يذكر مباحث التفسير الكبير له أيضاً من غير نقد تارة ومع الجرح تارة أخرى. أما ما حصل معه بخصوص المواضيع العشرة للآية مورد البحث فهو من قبيل النقل من دون نقد وتحليل، مع أنه أغفل ذكر الموضوع العاشر تماماً (تفسير صدر المتألهين، ج3، ص 430 - 432).
2. مجمع البيان، ج 1 - 2، ص 248.
3. راجع تفسير المنار، ج 1، ص 325، نقلاً عن عدد من المفسرين.
4. تفسير أبي السعود، ج 1، ص128.
5. تفسير منهج الصادقين، ج 1، ص 279، (وهو بالفارسية).
6. تفسير الكاشف، ج 1، ص 110.
7. راجع تفسير أبي السعود، ج 1، ص128.
8. راجع تفسير أبي السعود، ج 1، ص128.
9. المفردات في غريب القرآن، ص636.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|