أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-05-21
749
التاريخ: 2023-05-15
889
التاريخ: 2023-05-02
922
التاريخ: 2023-04-16
896
|
في الوقت الذي بدأ فيه جوزيف بريستلي يكشف فيها عن طبيعة الغازات؛ أي في عقد السبعينيات من القرن 18م، كان أنطوان لافوازييه مُستغرقًا بالكامل في البحث في مسألة الاحتراق، وكيف يعمل الاحتراق على تحميص المواد في الهواء، وهي المسألة التي لم تكن مفهومة بشكل جيد في ذلك الوقت.118
في عام 1772م، كان لافوازييه لا يزال مُقتنعًا بفكرة الفلوجيستون، ولكنَّه بدأ يشُكُّ في أنَّ الأمر برُمَّته يتعلَّق بالاحتراق وحسب. وقد اقترح في نهاية ذلك العام أنَّ المعادن تستولي على الهواء «المثبت» عند التكليس، وتُطلق المواد المكلسنة هذا الهواء المثبت عند «اختزالها» مرة أخرى إلى معادن بوساطة الفحم والحرارة. جاء هذا الاقتراح عندما سمع عن الهواء المثبت الذي أشار إليه الكيميائي الاسكتلندي جوزيف بلاك عام 1773م، وأوضح أنَّها المادة التي تتحد معها المعادن لتُشكّل المواد المكلسنة؛ الأمر الذي يُفَسِّر الزيادة في الوزن على الأقل، وهو ما يعني عدم الحاجة للاستعانة بالفلوجيستون.119
وما أكَّد شكوك لافوازييه هو الصيدلي الفرنسي بيير باييه P. Bayeh، الذي وجد أنَّ مادة «الزئبق المكلسنة» التي تُدعى أكسيد الزئبق الآن يمكن تحويلها إلى زئبق ببساطة عن طريق التسخين دون الحاجة إلى الفحم الغني بالفلوجيستون، إضافةً لذلك لم يكن الغاز المنبعث في هذه العملية هواء بلاك المثبت، وإنما شيء آخر مختلف تمامًا، ستتَّضِح معالمه بعد زيارة بريستلي للافوازييه على مائدة العشاء.120
ما يميز لافوازييه هو تقنينه للظاهرة، فقد أراد من خلال استخدام القياسات الدقيقة في التجربة أن يحصل على الجواب الشافي لها دون الاكتفاء بالملاحظة؛ حيث كان قبل أن يقوم بحرق أي مادة يقوم بوزنها بأقصى دقّةٍ مُمْكِنة في عصره؛ ومن ثم يعيد قياس المادة مرةً أخرى بعد الحرق. إلا انه ارتبك مع حصوله على ثلاث نتائج مختلفة عن بعضها تمامًا 121 في أثناء عملية الاحتراق، ولعلها تُذكَّرنا بتصنيف أرسطو لأسباب احتراق المواد:
فهل الاحتراق يُدَمِّر المادة أم يزيد في وزنها كليا أم جزئيا؟ وهل يُصْبِح ناتج الاحتراق «هواء رقيق» يمتزج مع خليط الهواء؟
رُبَّما كان الأمر كذلك كما يعتقد لافوازييه؛ ففي عام 1756م قام جوزيف بلاك بتسخين الحجر الجيري (كربونات الكالسيوم CaCO3) ، ووجد أنَّه يُطلق غاز ثنائي أكسيد الكربون، وقد نقص وزن الحجر الجيري، إلا أنَّ الوزن المفقود كان يُعادل الغاز الناتج. وفي الحالة المُعَاكِسة، فإن المعادن كان يزداد وزنها بعد الاحتراق بسبب الاتحاد بغاز ما مع هذا المعدن.122 وهكذا قدم بلاك للافوازييه مفاتيح حل اللغز المتعلّق بنظرية الاحتراق، وما على لافوازييه سوى تحديد الغاز الذي يُسبِّب هذه الزيادة أو النقصان.
ومنذ عام 1777م وحتى أواخر حياته ادَّعى لافوازييه أنَّ الأكسجين هو «مبدأ ذري للحموضة» وأنَّ هذا الغاز – الذي هو الأكسجين – يتشكل فقط عندما يتحد مع السيال الحراري Caloric ليصنع الحرارة، وهذا يعني أنه حتى عام 1777م لم يكن الأكسجين قد اكتشف بعد، وقد أبعد بعد عام 1810م مبدأ الحموضة من الكيمياء، كما أنَّ فكرة السيال الحراري عاشت حتى عام 1860م.123
عندما قرأ لافوازييه نبأ اكتشاف كارل فيلهلم شيله المستقل عن هواء النار (وهو اسم الأكسجين عنده) اقتنع بالتجربة بصحة التفسير القائل بأنَّ احتراق الهيدروجين في الهواء يَصْنَع الماء، كما ثبت أيضًا صحة التجارب التي أجراها هنري كافندش. وبناءً عليه نشر لافوازييه كتابه (تأملات في الفلوجيستون) عام 1783م، موضحًا أنَّ هذا المفهوم غير ضروري ومتناقض مع نفسه. وقد أيَّدَه في ذلك بلاك وقام بتدريسها في محاضراته في أدنبره.124
وقد قال لافوازييه في عام 1785م، مستنكرًا نظرية الفلوجيستون: «لقد جعل الكيميائيون الفلوجيستون جوهرًا غامضًا؛ فهو ليس مُحدَّدًا بدقة ويتناسب من ثم مع كل التفسيرات المطلوبة منه. أحيانًا يكون له وزن، وأحيانًا لا وزن له، وأحيانًا يكون نارًا فحسب، وأحيانًا نار متحدة مع التراب، وأحيانًا يمر عبر مسام الأوعية، وأحيانًا لا يستطيع اختراقها، ويُفسِّر الحمضية وعدمها في الوقت نفسه، والشفافية والتعتيم، واللون وغيابه، إنه بروتيوس125 حقيقي يُغيّر شكله كل لحظة.»126
إن وضع البحث الكيميائي على أساس علمي على نحو دقيق من قبل لافوازييه – الذي تجاربه الدقيقة والبارعة واستعماله الدقيق للتوازن التحليلي افتتح العصر الحديث للكيمياء ودحض بشكلٍ خاص نظرية الفلوجيستون – المادة الغامضة ذات الثقل السلبي المتشابه على نحو مدهش جدًّا لعنصر «الخفّة المطلقة» المنسوب إلى أرسطو.127
وهكذا أرسى لافوازييه ومؤيدوه 128 وجهة نظرهم، واتفقوا على استخدام مصطلح «الغاز Gas» للمواد التي كان هو والآخرون يُسَمُّونها «هواء». وقد ضمن مقالته السابقة نظريته عن أن الحرارة والضوء عنصران – وهي بالتأكيد أحد جوانب ضعف منظومته إلا أن تفسيره للتكلُّس والاحتراق والاختزال عن طريق الأكسجين، وليس الفلوجيستون كان على جانب كبير من الثقة التي منحت النظرية القوة لتصمد. طبعا لم يقتنع المجتمع العلمي الكيميائي بما طَرحَه فورًا؛ فقد مات شيله وهو مؤمن بنظرية الفلوجيستون، أما كافندش فقد كان يعتقد أنَّ تفسيرات لافوازييه لا تختلف عن تفسيرات نظرية الفلوجيستون، فترك الكيمياء وتوجه للفيزياء، وكتب بريستلي دراستين من آخر ما نشره مدافعا عن الفلوجيستون. أما الجيل الحديث فقد كان مقتنعًا بنظرية لافوازييه؛ فقد نشرت إليزابيت فولهام، وهي كيميائية أمريكية «مقال في الاحتراق» سنة 1794م، واحتفل أنصار لافوازييه بشكل درامي، حيثُ ألبسوا زوجته ماري ملابس قسيسة (أو كاهنة) وأخذَت تُشعل النار في كتابات بيشر وشتال على المذبح.129
كذلك فقد اقتنع وليم هو يغنز Huygens .W أيضًا بما طَرحه لافوازييه، فنَشَر عام 1789م كتابه (نظرة مقارنة في النظرية الفلوجيستونية والمضادة للفلوجيستونية)، ودافع فيه عن الرأي القائل بأنَّ جُزيئات المركَّبات الكيميائية هي اتحاد لذرات العناصر المكونة لها، بل وصل إلى حد الاعتقاد بأنها لا تتَّحد إلا وفق نِسبٍ وَزْنيَّة محدّدة.130
في المقابل، تلقَّى لافوازييه هجومًا عنيفًا عندما أشار إلى أنَّ الماء يتألف من الأكسجين والهيدروجين، وفي حين يُمكن للماء أن يُطفئ الحرائق فإنَّ الهيدروجين قابل للاشتعال على نحو هائل فردَّ عليه أحدهم: «إنَّ الماء هو أقوى مضاد نملكه للفلوجيستون.» فالأكسجين سيتسبب بالتخلي عن الفلوجيستون لتفسير عملية الاحتراق، التي تنتهي عندما يُصبح الهواء خاليًا من الأكسجين، وليس عندما يكون مُشبعًا بالفلوجيستون.131
مع أن لافوازييه أخرج الفلوجيستون بوصفه مادَّةً مسئولة عن عملية الاحتراق من الباب، لكنه أدخل من الشباك السيَّال الحراري بوصفه مادةً فيزيائية،132 وليس عنصرًا قديما. وقد بدت مادة السيال الحراري كأنها فلوجيستون لكن بشكل آخر؛ فالسيال هو ما يجعل المواد غازية؛ لذلك فإنَّ غاز الأكسجين زاخر به. وعندما كان الأكسجين يتفاعل مع المعادن لتشكيل المواد المكلسنة، كان السيال يتحرر، ونتيجة لذلك يُصبح الأكسجين كثيفًا وثقيلًا.133
أخيرًا وللكشف عن طبيعة العلاقة بين الاحتراق والتنفس قام لافوازييه بالاشتراك مع الفلكي وعالم الرياضيات الفرنسي الماركيز بيير سيمون دي لابلاس، بتجارب عملية أثبتت أنَّ عملية التنفس في الحيوانات، تُشبه كيميائيا عملية الاحتراق، وتُعَدُّ دراساتهما للعمليات الكيميائية في الكائنات الحية من بين أوائل التجارب في فرع الكيمياء الحيوية.134
_________________________________________
هوامش
118- أسيموف، إسحاق، أفكار العلم العظيمة، ص 53.
119- بول، فيليب العناصر، ص31.
120- المرجع السابق نفسه، ص34.
121- أسيموف، إسحاق، أفكار العلم العظيمة، ص54.
122- أسيموف، إسحاق، أفكار العلم العظيمة، ص55.
123- كوهن س. توماس، بنية الثورات العلمية، ص102.
124- فوربس، ر. ج، وديكستر ، إ . ج، تاريخ العلم والتكنولوجيا، ج 1، ص222.
125- يقصد أنه يشبه بخصائصه خصائص إله البحر الصغير بروتيوس Proteus الذي لديه قدرة على التنبؤ، لكنه يتخذ أشكالاً متعددة حتى يتجنَّب الإجابة على الأسئلة عن: en.wikipedia.org/wiki/List of Greek mythological
126- بول، فيليب العناصر، ص37.
127- .Samursky, Shmuel, Physical Thought, p. 21
128- لقد ساعد كل من بيرثيلو وفور كروي ودي مورفيه وغيرهم على إرساء فكرة لافوازييه واستقرار نظريته في المجتمع العلمي.
129- كوب، كاتي ووايت، هارولد جولد إبداعات النار، ص 180.
130- فوربس، ر. ج، وديكستر، إ. ج، تاريخ العلم والتكنولوجيا، ج 1، ص223.
131- بول فيليب، العناصر، ص37.
132- معروف أنَّ لافوازييه لاقى مصيرًا مأساويًا بقطع رأسه بالمقصلة، بعد الثورة الفرنسية، لكن المفارقة أن الكونت رمفورد يتزوج أرملته، والأخير هو الذي أخرج فكرة السائل الحراري من الفيزياء بعد أن أدخلها لافوازييه. انظر: في سبيل موسوعة علمية ، ط 6، أحمد زكي، دار الشروق، 1994م. ص404.
133- بول فيليب العناصر، ص38.
134- الموسوعة العربية العالمية، مدخل «الكيمياء»، الرياض، 2004م.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|