أقرأ أيضاً
التاريخ: 9-11-2014
4911
التاريخ: 26-09-2014
5272
التاريخ: 24-11-2014
5105
التاريخ: 26-09-2014
8431
|
طريق النور والسالكون النورانيون
قال تعالى : {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة: 6].
الإنسان من حيث إنه موجود متحرك وسالك، ولأجل أن هدفه وغايته لقاء رحمة رب العالمين، لذلك فهو بحاجة إلى مسلك وصراط سليم من الاعوجاج والانحراف آمن من كيد الشيطان، وهو محتاج أيضا إلى نور هداية يوضح له الطريق ويرشده خطوة خطوة إلى الهدف المنشود.
وقد أوضح الله سبحانه معالم طريق السلوك والوصول للسالكين نحو موطن رحمته، ودعا الجميع إلى السير والحركة لبلوغ صفاته الجمالية.
والعبد السالك في هذه الآية الكريمة وبتعليم من الله سبحانه، يسأل الهداية نحو الصراط المستقيم، والهداية على نحوين: تشريعية وتكوينية.(1)
فالهداية التشريعية عبارة عن إيضاح المنهج والقانون المحقق للسعادة وتعليم المعارف وتبليغ أحكام الدين، والأمر بالفضائل والنهي عن الرذائل عن طريق الوحي والرسالة، ويطلق على هذه الهداية عنوان: (إراءة الطريق). أما الهداية التكوينية فهي أن الرب يزود القوى العلمية للإنسان ببصيرة خاصة، ويزود القوى العملية له بجذب وهمة وعزم مخصوص حتى يحصل له فهم أو رؤية المعارف الإلهية وسلوك الطريق وبلوغ الهدف الأخير طبقا لما هو مطلوب، وبعبارة أخرى هي الأخذ بيد العبد السالك خطوة بعد خطوة حتى إيصاله إلى الهدف. ولذلك يطلق على هذه الهداية مصطلح: (الإيصال إلى المطلوب).
والهداية التي تطلب من الله في الآية الكريمة: {اهدنا الصراط المستقيم}هي الهداية التكوينية(2)، لا التشريعية، لأن قائلها (المصلي أو قارئ القرآن) وبعد معرفة الله، وتلقي معارف وأحكام الدين والارتباط و بها يسأل الله الهداية. فهو ليس في صدد تحصيل الحاصل بل هو يريد هداية نورانية بحيث على ضوئها يتعرف على الطريق جيدة ويشخص هاوية السقوط المحيطة به أيضا: "اليمين والشمال مضلة والطريق الوسط هي الجادة" (3) .
والسر في أن العبد السالك يجب أن يستمر دائما في طلب الهداية إلى الصراط المستقيم من الله سبحانه في الصلاة أو تلاوة القرآن) هو أن الإنسان في طريقه إلى الله يمر بمنازل ومراحل كثيرة، والإنسان كلما نال مرتبة من مراتب الكمال، وإن كان قد أصبح بصيرة ونورانية بالنسبة إلى المرتبة السابقة، ولكن استمرار ذلك الكمال وبقاءه يحتاج إلى استمرار الإفاضة، كما أن هذه المرتبة بالنسبة إلى المراتب الأعلى منها تعد ظلاماً وعمى، ولذلك ترى حتى أولياء الله الذين اجتازوا الكثير من مراتب الكمال، لازالوا لم يبصروا الكثير من الحقائق، مثل كليم الله موسي(ع) الذي يقول: {رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ} [الأعراف: 143]. ولهذا فإن كل من نال مرتبة من الكمال في المعرفة والعمل، يجب عليه أن يطلب من الله ترسيخ قدمه في تلك المرتبة ويسأل الله قائلاً: "لا تنزع منا صالحاً أعطيتنا"(4)، "فلا تسلب مني ما أنا فيه"(5) هذا من جهة، ومن جهة أخرى يسأل الله أن يأخذ بيده نحو مراتب أعلى، ويطلب منه نور الهداية كي يتصل حدوث الكمال ببقائه وترتبط مراتبه الأولية والابتدائية بمراحله الأخيرة والنهائية، كما أنه في مجال تطبيق الحكم الكلي على المصداق . وتعيين التكليف يكون بحاجة إلى الهداية والتسديد.
والهداية التشريعية والاطلاع على معارف الدين، وإن كانت ضرورية وهي الوسيلة لإتمام الحجة، لكنها أحياناً لا تكفي وحدها لبلوغ المقصد وليس لها الأثر المطلوب، كما حصل للكثير من علماء الدين والخبراء بأحكام الشريعة وحكمها، ممن تدنست أيديهم بالذنب بسبب حرمانهم من البصيرة والرؤية الباطنية لحقيقة الذنب الكريهة. فالهداية التكوينية ونور البصيرة الباطنية هي التي تحفظ العبد السالك وتزوده بالحصانة.
والمصلي في هذا الفصل من سورة الحمد ومن خلال سؤاله من الله التوفيق لصيانة وحفظ ما حصل عليه سابقاً، فإنه يطلب من الله الوصول إلى المراتب الأعلى التي من جملتها شهود باطن العالم وحقيقة وباطن الذنب. وهذه الهداية والبصيرة في مقابل "العمى" الباطني. فالهداية ليست فقط (علم القلب) بل (بصيرة القلب)، والمهتدي ليس فقط من (يعلم) الحق بل هو من (يري) الحق. والقرآن الكريم يعتبر العلم هداية إذا أتى إلى البصيرة وأثمر العمل، وفي غير ذلك فإن العالم الفاقد للبصيرة مبتلى بنحو من العمى.
لذلك يقول الله سبحانه حول قوم (ثمود): {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى} [فصلت: 17] وعليه فإن من يعرف الحق فحسب ولكن و لا يبصره ولا يسلك طريقه فهو أعمى، وهذا العمى هو عمى القلب وعين السر والباطن، وليس عمى العين الظاهرية التي هي في الرأس: {فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج: 46] وأولئك الذين استحبوا العمى على الهدى أصيبوا بعذاب الذلة والهوان: {فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [فصلت: 17]. وعذاب الذلة عذاب معنوي يحرق الروح والقلب، وهو أسوأ من العذاب الجسماني الذي يتعلق بالبدن: {كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب}(4).
إذن فالهداية، نور، الباطن، والضلالة عمي الباطن وقوله: {اهدنا الصراط المستقيم} يعني طلب المشاهدة والبصيرة من الله سبحانه.
والإنسان يتمتع بالحصانة النسبية فيما يتعلق بالأمور التي حقيقتها مكشوفة وواضحة كإحراق النفس وتناول السم، وأولياء الله الذين يرون جميع الذنوب بهذا النحو ودون حجاب، فهم يتمتعون بالعصمة المطلقة. وبهذه الرؤية والبصيرة ينظر الإنسان إلى الذنب فيراه نارا محرقة وسما مهلكا فيتجنبه، ومحل هذه البصيرة النافذة هو القلب المجرد لا العين المادية الظاهرة. فإذا ما رأى الإنسان حقيقة الذنب القبيحة جدا بصيرته الباطنية وأدركها كما هي، فإنه سيشمئز من الذنب كما يشمئز من الجيفة المنتنة.
والمؤمنون والصالحون الذين حباهم الله بالهداية التكوينية، نورانيون في الدنيا وفي الآخرة، أما في الدنيا فيقول عنهم القرآن الكريم: {وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ} [الأنعام: 122] ، {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا } [الشورى: 52]. وهذا النور ليس ثمرة للعلوم الحصولية، لأن الكثير من المنحرفين أيضا لديهم العلوم الحصولية، لكن المؤمن بهذا النور يرى هو بنفسه جيدا ويهب للمجتمع الإنساني الرؤية والبصيرة أيضا. وأما في الآخرة فيقول عنهم القرآن الكريم: {نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ } [التحريم: 8] أي أنت نور المؤمنين في الجنة يسعى أمامهم ويضيء ما حولهم.
تنويه: إن الهدف النهائي والأساسي لرسالة الرسل، هو إخراج الناس من الظلمات إلى النور: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} [إبراهيم: 1] ، وأما "القيام بالقسط" الذي جاء في الآية الكريمة: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} [الحديد: 25] ، فهو هدف متوسط وليس هدفا نهائيا. والنور الذي هو الهدف النهائي للرسالة في بدايته هو نور للهداية التشريعية ثم يتحول إلى نور للهداية التكوينية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1. هناك بحث مفصل عن الهداية التكوينية والتشريعية ذكر في كتاب (الهداية في القرآن)، للمؤلف، وهو باللغة الفارسية.
2. المفترون الذين فسروا الهداية في هذه الآية الكريمة بمعنى الاستمرار في سلوك الصراط المستقيم) أو (ثبات القدم في الطريق قد اعتبروها هداية تكوينية.
3. نهج البلاغة، الخطبة 16، المقطع7.
4. البحار، ج 87، ص 175.
5. نفس المصدر، ج99، ص267.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
سر جديد ينكشف.. أهرامات الجيزة خدعت أنظار العالم
|
|
|
|
|
ضمن أسبوع الإرشاد النفسي.. جامعة العميد تُقيم أنشطةً ثقافية وتطويرية لطلبتها
|
|
|