أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-05-20
999
التاريخ: 2023-05-13
1167
التاريخ: 2023-04-25
1013
التاريخ: 2024-10-01
164
|
لم يقف الحسن بن الهيثم تُوفّي (430هـ / 1038م) عند حدود الظاهرات الضوئية من انعكاس وانكسار وغيرها فقط، بل مضى لأبعد من ذلك؛ فقد كان يُريد أن يفهم حقيقة الضوء، ومن أي شيء هو، وحتى يصل لبُغيته مَيَّزَ ابن الهيثم بين الشعاع الضوئي بصفته خطًا هندسيا والشعاع الضوئي من الناحية الفيزيائية، وقد تناول هذه التفرقة في رسالة خاصة عنوانها (رسالة في ماهية الضوء). وقد قال في ذلك: إنَّ «الكلام في مائية الضوء من العلوم الطبيعية 70 والكلام في كيفية إشراق الضوء محتاج إلى العلوم التعليمية 71 من أجل الخطوط التي تمتد عليها الأضواء. وكذلك الكلام في مائية الشُّعاع، وهو من العلوم الطبيعية، والكلام في شكله وهيئته وهو من العلوم التعليمية. وكذلك الأجسام الشفافة التي تنفذ الأضواء فيها، والكلام في مائية شفافيتها، وهو من العلوم الطبيعية. والكلام في كيفية امتداد الضوء فيها، وهو من العلوم التعليمية؛ فالكلام في الضوء وفي الشعاع وفي الشفيف يجب أن يكون مُرَكَّبًا من العلوم الطبيعية والعلوم التعليمية». 72 ثم يُبين لنا ما هي طبيعة الضوء حسب وجهة نظره قائلا: إِنَّ «الأضواء هي حرارة نارية وما كان منها قويا كان محرقًا، وما كان منها ضعيفًا كان غير محرق؛ فجميع الأضواء عند أصحاب التعاليم هي حرارة نارية، وإنما تظهر في الجسم المضيء كما تظهر النار في الجسم الحامل للنار.»73
وهو هنا كما نُلاحظ أنَّه يعود ويستخدم مصطلح «الحرارة النارية» الذي سبق واستخدمه ابن سينا، ليقصد به الطاقة الحرارية المرافقة للضوء المرئي، وفق مصطلحاتنا اليوم، أما الحرارة غير النارية فهي الطاقة الحرارية التي لا ترافق الضوء المرئي، لكنها قد تكون موجودة، فإذا زادت شدة الحرارة النارية في الأشعة الحاملة لها كانت محرقة، وإذا كانت ضعيفة لم تكن محرقة. إذن يرى ابن الهيثم أنَّ طبيعة الضوء مادية لكن ليس حسب مفهوم إبراهيم النَّظَّام؛ لذا فإن الضوء يَرْتدُّ أو ينعكس إذا وقع على الأجسام الصقيلة «فالضوء إذا لقي جسمًا صقيلا فهو ينعكس عنه من أجل أنه متحرك، ومن أجل أنَّ الجسم الصقيل يمانعه، ويكون رجوعه في غاية القوة، لأنَّ حركته في غاية القوة، ولأنَّ الجسم الصقيل يمانعه ممانعةً فعّالة.»74
وينقسم الضوء عند ابن الهيثم إلى قسمين؛ الأول سماه الضوء الذاتي، وهو الذي ينبعث من الأجسام المضيئة بذاتها، مثل ضوء الشمس وضوء النار. والثاني سماه الضوء العرضي، وهو الذي ينبعث من الأجسام غير المضيئة بذاتها، إلا أنَّ خصائص هذين النوعين من الضوء متشابهة في إشراقها على شكل خطوط مُستقيمة ومتشابهة من حيث القوة والضعف تبعا لزيادة القرب أو البعد. قال ابن الهيثم: «فأما أصحاب التعاليم فإنهم يرون الضّوء الذي يُشرق عن الجسم المضيء من ذاته الذي هو صورة في الجسم، هو حرارة نارية تكون في الجسم المضيء من ذاته ... ووجدوا ضوء الشمس أيضًا إذا أشرق على الهواء سَخَّن الهواء.»75 وقول ابن الهيثم: «فجميع الأضواء عند أصحاب التعاليم هي حَرَارة نَارِيَّة.» فَإِنَّ هذا تعميم يَدُلُّ على شيوع المصطلح، وليس عند ابن الهيثم فقط.
من ناحية أخرى، يُقدِّم لنا ابن الهيثم أنَّ سبب تسمية شعاع البصر بمصطلح «الشعاع» من قبل الرياضياتيين؛ وذلك لأنهم شبَّهوه بشعاع الشمس والنار، «وإنما سمى أصحاب التعاليم شعاع البصر شعاعًا تشبيها بشعاع الشمس وشعاع النار؛ وذلك أنَّ المتقدمين من أصحاب التعاليم يرون الإبصار يكون بشعاع يخرج من البصر، وينتهي إلى المبصر، وبذلك الشعاع يكون الإبصار وإن ذلك الشُّعاع هو قوة نورية من جنس الضوء وإنها هي القوة الباصرة، وإنها تمتد من البصر على سموت خطوط مستقيمة، مبدؤها مركز البصر، وإذا انتهت هذه القوة النُّورية إلى البصر أدركت المبصر، والقوة النورية الممتدة على الخطوط المستقيمة الخارجة من مركز البصر مع الخطوط المستقيمة هو الذي يُسميه أصحاب التعاليم شعاع البصر.» 76
ويتابع ابن الهيثم قائلا إنَّ أصحاب التعاليم مُنقسمون إلى فريقين؛ أحدهما يرى أنَّ الشعاع عبارة عن مخروط مُصْمت مُتَّصِل ككتلة واحدة، مثل المخروط الذي تكلم عنه ابن سينا سابقًا، أو أن الشعاع عبارة عن خطوط مستقيمة «ثم مع ذلك فأصحاب التعاليم مختلفون في هيئة هذا الشعاع وهيئة حدوثه؛ فَبَعْضُهم يرى ان مخروط الشعاع جسمٌ مُصْمَت متصل ملتئم، وبعضهم يرى أنَّ الشعاع خطوط مستقيمة هي أجسام دقائق أطرافها مجتمعة عند مركز البصر، وتمتد متفرقة حتى تنتهي إلى المبصر، وأن ما وافق أطراف هذه الخطوط من سطح المبصر أدركه البصر، وما حصل بين أطراف خطوط الشُّعاع من أجزاء المُبْصَر لم يُدركه البصر؛ ولذلك تخفى عن البصر الأجزاء التي في غاية الصغر والمسام التي في غاية الدقة التي تكون في سطوح المُبْصَرات.» 77
وحتى يزيل ابن الهيثم عَنَّا الحَيْرة ويحسم الموقف، يُقَرِّر أنَّ الأشعة سواء كانت حرارية أو ضوئية، فإنها تنتشر بشكل خطوط مستقيمة، بغض النظر عن المصدر الذي يأتي منه «والشعاع بالقول الكلي هو ضوء مُمتد على سموت خطوط مستقيمة كان الضوء ضوء الشمس، أو ضوء القمر، أو ضوء الكواكب، أو ضوء النَّار، أو ضوء البصر، وهذا هو حد الشعاع وليس لأصحاب العلم الطبيعي قولٌ مُحَرَّرُ في الشعاع.» 78
___________________________________
هوامش
70- أي العلوم الفيزيائية.
71- أي العلوم الرياضية.
72- ابن الهيثم رسالة في ماهية الضوء، ص 1 و.
Ibn-al-Haitam, al-Hasan Ibn-al-Hasan, Abhandlungen zur Optik, Sprenger 1834, Orientalische Handschriften, Gescannte Seiten: 63, PPN (digital): 620644958, p. 1.
73- المرجع السابق نفسه، ص 1 و.
74- المرجع السابق نفسه، ص 1 و.
75- ابن الهيثم رسالة في الضوء، مجموع رسائل ابن الهيثم، دائرة المعارف العثمانية، حيدر آباد الدكن، الهند، 1354هـ، ص 2-3.
76- ابن الهيثم رسالة في الضوء، مجموع رسائل ابن الهيثم حيدر آباد الدكن، مطبعة دائرة المعارف العثمانية، الهند، 1357هـ، ص 11.
77- ابن الهيثم كتاب المناظر (المقالات 3-2-1)، تحقيق: عبد الحميد صبرة، الكويت، 1983م، ص61.
78- ابن الهيثم رسالة في الضوء، مجموع رسائل ابن الهيثم حيدر آباد الدكن، مطبعة دائرة المعارف العثمانية، الهند، 1357هـ، ص 10.
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
لحماية التراث الوطني.. العتبة العباسية تعلن عن ترميم أكثر من 200 وثيقة خلال عام 2024
|
|
|