ميكانيك نيوتن والديناميكا الحرارية وميكانيك الكم في علم الحياة |
1043
01:17 صباحاً
التاريخ: 2023-04-09
|
أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-04-11
769
التاريخ: 2023-04-13
1237
التاريخ: 2023-04-13
1049
التاريخ: 2023-04-13
892
|
يطرح (2014) McFadden & Al-Khalili مبدأ تراتب الحقيقة الفيزيائية على ثلاثة مستويات؛ المستوى الأول والأعلى هو العالم الكبير؛ حيث تكون الأجسام المختلفة التي نتعامل معها يوميًّا، حية أو غير حية، كالنمل أو الصخرة أو الشجرة أو القمر، وتتضمن المستويين الأدنى وهذه تخضع لقوانين نيوتن في الحركة؛ فالحركات الانتقالية والموضعية للكائنات الحية وجريان السوائل في أوعية الحيوانات والنباتات والقوى التي تنشأ عن ضغط الامتلاء في الخلايا، التي تُمكّن بادراتِ النبات من اختراق التربة السطحية هي بعض الأمثلة لفعل الميكانيك التقليدي.
المستوى الثاني الذي ينشأ عن الحركة العشوائية للجزيئات، كما في الغازات والسوائل، وتتميز بنشوء النظام من الفوضى، وتخضَع لقوانين الديناميكا الحرارية؛ فالتفاعلات الكيميائية والحركة البراونية والانتشار والأزموزية وفقدان الحرارة هي بعض وجوه فعل الديناميكا الحرارية في الأحياء. المستوى الثالث والأساس الذي يتألف من الجزيئات والذرات والجسيمات تحت الذرية وتخضع لقوانين ميكانيك الكم شكل (3-2). هذا المستوى يتصف بتجلي الإمكانات غير المعتادة في العالم الكبير؛ كازدواجية المادة الجسيم، التماسك والتراكب والاختراق والتشابك.
شكل 3-2: الطبقات الثلاثة للحقيقة؛ الطبقة العليا هي العالم المرئي المليء بالأشياء كالتفاحات الساقطة، وقذائف المدفع والقطارات البخارية والطائرات حيث توصف حركتها بميكانيك نيوتن. الطبقة التالية (الوسطية) طبقة الديناميكا الحرارية حيث الجزيئات المتصادمة کتصادم كرات البلياردو التي حركتها تكون عشوائية في الغالب. هذا المستوى يكون مسؤولًا عن نشوء النظام من الفوضى، القوانين التي تحكم سلوك الأشياء كالمكائن البخارية. الطبقة الثالثة التحتية طبقة الجسيمات الأساسية التي تُحكّم بقوانين ميكانيك الكم. ويبدو أن معظم التراكيب التي نراها حولنا تمتد إلى الطبقة التي تحكمها قوانين نيوتن أو الديناميكا الحرارية، لكن الكائنات الحية تمتد جذورها إلى طبقة ميكانيك الكم التي هي أساس الحقيقة محور عن: (2014) McFadden & Al-Khalili.
كما موضح في الشكل 3-2 فإن معظم مكوّنات العالم الكبير يقتصر إطارها على الطبقة السطحية للحقيقة الفيزيائية؛ فهذه الأجسام تحتوي في داخلها على أعداد هائلة من الجزيئات التي تشوش دوال الموجة للجزيئات والذرات، وتؤدي إلى انهيارها وتحقق حالة فك التماسك الكمومي وظهور الحقيقة التقليدية.
بعض نظم العالم الكبير تمتد إلى الطبقة الثانية؛ حيث تعمل قوانين الديناميكا الحرارية، ويمكن أن تنتج ظواهر تعتمد على نشوء النظام من خلال الحركة الفوضوية للجزيئات الهائلة العدد. كمثال عمل المحرّكات البخارية والغازية، والتفاعلات الكيميائية المعتمدة على الحرارة، والتبخّر وظاهرة الانتشار. أما الكائنات الحية فتمتد عبر الطبقات الثلاث؛ فهي تخضع في عددٍ من خواصها للميكانيكا التقليدية، ولاحتوائها أو تعاملها مع السوائل والغازات تُظهر تأثيرات الديناميكا الحرارية، كما توظف الظواهر الكمومية في عدد من الفعاليات البيولوجية الأساسية.
ترجع قدرة الأحياء على استثمار الخواص الكمومية إلى التركيب الجزيئي المنظّم تنظيمًا خاصًا، وإلى كونه يشكّل منظومات معقدةً مفتوحة بعيدة عن حالة التوازن مع البيئة، وإلى طبيعته التي تقع على حافة الشواش بين النظام والفوضى، وإلا يفترض أن يكون كما الأشياء غير الحية حيث تقتصر فعالياته على ظواهر الميكانيكا التقليدية والديناميكا الحرارية؛ فمعظم الكائنات الحية لها أجسام كبيرة بما فيها البكتيريا. هذه الخواص البيولوجية الفريدة وفَّرَتها بالأساس الجزيئات العضوية الكبيرة خاصة البروتينات والأحماض النووية والصبغات؛ فكما هو معروف أن محيط الكائن الحي يعج بالجزيئات والجسيمات التي تصطدم بالكائن الحي وتُصدر ضوضاء واهتزازات، يمكن أن تشوش أية حالة تماسك كمومي قد تحصل بسرعة، من خلال فك التماسك. لكن التركيب الخاص للبروتينات جعلها تحافظ على الموجات والاهتزازات الكمومية الداخلية، لا بل تستثمر ضوضاء البيئة في إيجاد وتعزيز الحالات الكمومية. يمكن تشبيه المسألة بإبحار سفينة في أمواج متلاطمة. يُمكن لهذه الأمواج والرياح التي تضرب السفينة من كل جانب، أن تحرف السفينة عن مسارها أو تقلبها، لكن الربَّان ومن معه بتوجيه الأشرعة يمكن أن يُحافظ على خط سيرها، بل يزيد من سرعتها باستغلال قوة الرياح (ضوضاء البيئة). لكن لو تخطَّت الضوضاء حدًّا حرجًا معينا، لن يتمكن القبطان من السيطرة على توازن السفينة، فتتيه أو تنقلب (فك التماسك الكمومي)؛ وعليه لا بد من المواءمة بين حركة السفينة وضوضاء المحيط من أجل الإبحار الناجح. كما تُشبه الحالة العزف الموسيقي الأوركسترالي؛ فغالبًا ما يتم عزفٌ جماعي لآلات إيقاعية ووترية توفّر خلفية (ضوضاء بيضاء / خفيفة) لعزف آلة الكمان أو الفلوت المنفردة (ضوضاء ملونة قوية). لقد طوَّرَت الأحياء على مدى ملايين السنين قدرتها على استغلال تقلبات البيئة والفوضى التي تُحدثها من أجل المحافظة على التماسك الكمومي، في حالات أساسية کالتركيب الضوئي؛ فقد ابتكرت طرق لتقليل الطاقة الزائدة للفوتونات من خلال تبديدها بشكل اهتزازات تنتقل من خلال الجزيئات المتجاورة في منظومة التركيب الضوئي. في الوقت نفسه طُوِّرَت التراكيب المسؤولة عن التركيب الضوئي، لتحافظ على الحالة الكمومية للفوتونات، وتستغل طاقتها بنسبة تصل إلى 100%. هناك أبحاث تؤكد أن العمليات الكمومية أساسية للحياة (2007 ,.Miller Jr., 2016; Aerts et al., 2013; Wang et al).
وهكذا فالمنظومة البيولوجية وهي منظومة معقدة مفتوحة، ليست بحالة توازن مع البيئة وإنما تكون على حافة فوضى الديناميكا الحرارية، ونظام العالم الكمومي؛ فبعض مظاهر الحياة محكومة بقوانين نيوتن والديناميكا الحرارية، وبعضُها معتمد على الظواهر الكمومية. وبذلك فالحياة ظاهرة لمنظومة حسّاسة ومعرَّضة للتغير أو التدهور أو الموت بين التحلُّل الذي يفرضه الإنتروبي والجمود الذي ينتهي إليه النظام التام.
وحسب (2013) Bordonado & Ogryzko فإن معظم البيولوجيين يعدُّون التأثيرات المنافية للبديهة لميكانيك الكم غير مناسبة للدراسات البيولوجية. وهذا حسب الباحثين راجع إلى سيادة المفاهيم التقليدية وعدم بحث الموضوع في الخلايا الحية المفردة. أما في الوقت الحاضر فإن مثل هذه الدراسات صارت ممكنة بتوافر تقنيات البحث المتطورة، وصار من المطلوب تشخيص الحاجة لدراسة البيولوجيا الكمومية على المستوى الخلوي وتقييم آثارها المبهرة، التي تُوفّرها لعلوم الحياة كما أن الأمر يتعدى البيولوجيا إلى العلوم الأخرى؛ حيث إن المنظومات الحية تُوفّر تنظيمات متعددة المستويات التعقيدية، وكذلك تعقيد علاقاتها مع البيئة؛ وبالتالي فإن دراسة ظاهرة الحياة يمكن أن تُوفِّر إطارًا تجريبيا ونظريا لظاهرة فك التماسك، ومسألة الانتقال من الحالة الكمومية إلى الحالة التقليدية. وبذلك فمن المتوقع أن يكون للتقدم في مجال البيولوجيا الكمومية على المستوى الخلوي، آثار إيجابية في الفيزياء أيضًا.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|