أقرأ أيضاً
التاريخ: 16-5-2016
1093
التاريخ: 2024-02-28
865
التاريخ: 13-11-2020
1254
التاريخ: 11-7-2016
1973
|
تُعَدُّ الرياضيات هي اللغة المثالية بامتياز لوصف كيفية انطباق نظرية النسبية على الكون المادي وكل نسيج الزمكان، وهذا الوصف يتضمَّن السلوك الغريب الذي يحدث بالقُرب من الثقوب السوداء. غير أنَّ الوصف الرياضي، وإن كان فعَّالاً ودقيقًا، يمكن أن يكون لغةً غريبة وبغيضة بعض الشيء لمن يفتقرون إلى التدريب التخصصي المناسب. والكلمات الوصفية، مهما كانت بليغة تفتقر إلى فاعلية المعادلة الرياضية ودقتها الصارمة، ويمكن أن تكون غير دقيقة ومُقيَّدة. ولكن نظرًا لأنَّ الصور تساوي 1000 كلمة (كما يُقال)، لا يمكن أن تكون مجرد حلٌّ وسطي مُفيد، لكنها طريقة مفيدة جدا لتصور ما يجري. ولهذا السبب، يجدر بذل القليل من الجهد لفهم نوعٍ مُعيَّن من الصور، يُسمَّى مخطط نسيج الزمكان. فهذا سيساعد في فَهم طبيعة نسيج الزمكان حول الثقوب السوداء.
يُوضّح الرسم المبسط الوارد في شكل 2-1 مخططا بيانيًّا بسيطا لنسيج الزمكان. ووفقًا للعرف المتبع، فالمحور (المحاكي للزمان) هو المحور الرأسي على الصفحة، والمحور (المحاكي للمكان) يُرسَم عموديا عليه. وصحيح أننا نحتاج في الحقيقة إلى أربعة محاور لوصف نسيج الزمكان بسبب وجود ثلاثة محاور محاكية للمكان (عادةً ما يُرمز إليها بالأحرف x وy و(z ومحور واحد مُحاكِ للزمان. لكنَّ رسم محورين فقط سيكون كافيًا لغرضنا (وبالطبع من المستحيل رسم أربعة محاور متعامدة على بعضها!). تُسمى نقطة التقاء المحورين بنقطة الأصل، ويُمكن اعتبارها النقطة المعبرة عن «مكان وزمان» الراصد الذي أنشأ هذا المخطط المعبر عن نسيج الزمكان. يقع أي حدث فوري يُعتبر مثاليًّا، كضغطة على مصراع كاميرا مثلا، في لحظةٍ مُعينة من الزمان وفي موضع معين من المكان. ويُمثل هذا الحدث الفوري بنقطة على مخطط الزمكان، على أن تكون ملائمة للزمن والموضع المكاني المعنِيَّين. تُوجد في شكل
2–1 نقطتان منفصلتان مكانيًّا (أي لا تحدثان عند نفس النقطة على محور المكان) لكنهما متزامنتان (أي لهما الإحداثية نفسها على محور الزمان). ويُمكنك أن تتخيَّل أنَّ هاتين النقطتين تكافئان ضغطتين متزامنتين على مصراعي كاميرتين ضغطهما مُصوِّران يقف كلٌّ منهما بعيدًا عن الآخر لتصوير المشهد نفسه. إذا كانت النقاط تُمثل أحداثًا، فما الذي تمثله الخطوط في مخطط نسيج الزمكان؟ ببساطة يُظهر الخط مسار جسمٍ ما عبر نسيج الزمكان. فبينما نعيش حياتنا، نتنقل عبر نسيج الزمكان، والمسار الذي نُخلَّفه وراءنا الذي يُشبه ما يُخلّفه الحلزون وراءه من أثر متلألئ من مادة لعابية لزجة يكون خطًا في نسيج الزمكان، وبالمصطلحات المتخصصة يُسمى هذا المسار خطّ العالم. وبذلك إذا بقيتَ في المنزل طوال اليوم، يكون خط العالم المعبر عنك مسارًا رأسيًّا عبر نسيج الزمكان وستكون إحداثية المكان الخاصة بك (22 شارع أكاسيا مثلا). وهكذا فأنت تتحرك قُدُمًا في الزمان، لكنك ثابت في المكان. أما إذا خُضتَ رحلة طويلة، فسيكون خطّ العالم المعبر عنك مائلا لأنَّ موضعك المكاني يتغير مع مرور الوقت، لأنك تتحرك في الزمكان أيضًا.
انظر مثلًا إلى خط العالم الموضح في شكل 2-1 الخط الذي يظهر رأسيًّا في البداية ثم يُصبح مائلا عند الاتجاه نحو الأعلى. يكافئ هذا خط العالم الخاص بكيان آخر يبقى ثابتًا طوال المدة الزمنية التي يُشير إليها الجزء الرأسي من الخط. ومن الأمثلة التي ربما يعبر عنها هذا الخط كاميرا خاصة بأحد المصوِّرين كانت متروكة على أحد الكراسي (فكان خط العالم المعبر عنها رأسيًا لأنَّ موضعها لا يتغير)، ثم سرقها لص وهرب بها بعيدًا بسرعة (عندما يتغيَّر الموضع المكاني باستمرار). فحيثما يُصبح هذا الخط مائلا، يُعبر عن تغير الموضع المكاني مع مرور الزمن. ويُعبر ميل هذا الخط عن معدل تغير المسافة مع مرور الزمن، وهذا عادةً ما يُطلق عليه السرعة. وفي هذه الحالة، فهو يعبر عن السرعة التي يهرب بها اللص بالكاميرا المسروقة. وبذلك فكلما كان اللصُّ أسرع في هروبه بالكاميرا المسروقة، أو بعبارة أخرى كلما كانت المسافة التي يقطعها في زمن معيَّن أطول، كان هذا الجزء من الخط أقل توجهًا نحو الاتجاه الرأسي وأكبر ميلًا. بالطبع يُوجد حد أقصى صارم للسرعة التي يُمكن أن يهرب بها اللص بغنيمته المسروقة، وهذا الحد، هو سرعة الضوء. ومن ثَم، فإنَّ مسار شعاع من الضوء سيمثل بخط مائل بأقصى ميل ممكن (عادةً ما يُمثل في مخططات الزمكان بخطّ مائل على محور الزمان بزاوية مقدارها 45 درجة باستخدام وحداتٍ مُبتكرة ببراعة). ولأنَّ ما من شيءٍ يستطيع أن يتجاوز تلك السرعة، فلا يُمكن لأي من خطوط العالم أن يصنع مع محور الزمن زاوية أكبر من هذه.
شكل 2-1 مخطط بياني بسيط يُعبر عن نسيج الزمكان.
تجدر الإشارة هنا إلى أنَّ خطوط العالم التي تُمثَّل على مخطط الزمكان بهذه الزاوية ذات الميل الأقصى، والتي تُكافئ هذه السرعة القصوى، أي سرعة الضوء، تُنشئ مفهومًا مُهمًّا يُسمَّى المخروط الضوئي. وفكرة هذا المفهوم بسيطة جدًّا، ومفادها أنَّ المرء لا يستطيع التأثير على الكون في المستقبل إلَّا بصلة سببية سابقة وأنَّ التسلسل السببي لا يمكن أن ينتقل بسرعة تتجاوز سرعة الضوء. لذا فإنَّ «مجال تأثيرك» الآن محصور في نطاق محدود من نسيج الزمكان، أي ذلك الجزء الذي يقع ضمن زاوية مقدارها 45 درجة مع محور الزمان الموجب كما هو موضح في شكل 2-2 وفوق ذلك، لا يُمكن أن يكون المرء قد تأثر إلَّا بسلسلة سببية من الأحداث لا يمكن أن تكون قد تجاوزت سرعة الضوء. لذا فالأحداث التي تقع ضمن زاوية مقدارها 45 درجة مع محور الزمان السالب (أو الماضي) هي فقط التي يمكن أن تؤثر عليك الآن. إذا رسَمْنا الآن مخططا بيانيًّا لنسيج الزمكان باستخدام محورين محاكيين للمكان ومحور واحد محال للزمان، فإن المثلثات الواردة في شكل 2-2 تُصبح مخاريط ، وهذا ما تعنيه بالمخاريط الضوئية، كما هو موضح في شكل 2-3. يُحدِّد المخروط الضوئي في شكل 2-3 مناطق الفضاء التي تقع ضمن نطاقها الأحداث التي يُمكن لراصد ما (يُعتبر موجودًا عند نقطة الأصل المعبرة عن المكان والزمان الحاليين) من حيث المبدأ أن يكون له صلة سببية بها (أو كانت له صلة سببية بها في الماضي)، دون الحاجة إلى كسر الحد الأقصى للسرعة الكونية، والتحرُّك أسرع من سرعة الضوء. تُعرف المنطقة المتركزة حول محور الزمان الموجب (المستقبل) باسم المخروط الضوئي الخاص بالمستقبل، بينما يُعرف المخروط المتركز حول محور الزمان السالب (أي الماضي) باسم المخروط الضوئي الخاص بالماضي.
شكل 2-2: مخطط بياني بسيط يُعبر عن مخروط الضوء.
وبذلك يُعد اغتيال يوليوس قيصر في عام 44 قبل الميلاد جزءًا من ماضيك، بسبب وجود صلة سببية يُمكن تصورها بينك وبين هذا الحدث. (إذا توجب عليك دراسته في المدرسة، فذلك يُثبت وجود صلةٍ سببية!) ولأنَّ الضوء المنبعث من مجرة أندروميدا يمكن أن يصل إلى تلسكوب على الأرض، فهو أيضًا جزء من ماضيك . غير أنَّ وصول الضوء إلينا يستغرق ستة ملايين سنة، لذا فإنَّ مجرة أندروميدا قبل ستة ملايين سنة هي التي تُعد جزءا من ماضيك وتقع على مخروطك الضوئي. أما مجرة أندروميدا الحالية، أو حتى مجرة أندروميدا في عام 44 قبل الميلاد، فتقع خارج مخروطك الضوئي. فالأحداث التي تحدث على أندروميدا، إما الآن أو التي وقعت حتى في عام 44 قبل الميلاد، لا يمكن أن تؤثر فيك الآن لأنَّ أي صلةٍ سببية كان سيتوجب أن تنتقل بسرعةٍ تتجاوز سرعة الضوء.
شكل 2-3: مخطط بياني لنسيج الزمكان يُبيِّن المخروط الضوئي الخاص براصد معين.
سُميت محاور مخططات الزمكان الثلاثة التي رأيناها في هذا التقرير حتى الآن بمحور الزمان ومحور المكان. ولكن في الواقع، عادةً ما لا يُدرج المحترفون المتخصصون أسماء المحاور، أو حتى المحاور نفسها في المخططات البيانية المعبرة عن الزمان والمكان. وهذا لا يعني ببساطة أنَّ تحرُّك الزمان طوليًّا وتحرُّك المكان عرضيًّا أمر روتيني جدا إلى الحد الذي يجعل علماء الفيزياء الفلكية المحترفين لا يُبالون بذلك (مع أنَّ هذه ليست ظاهرةً مجهولة)، لكنَّ السبب أنَّ المواضع الدقيقة في نسيج الزمكان لا يمكن أن تكون محل اتفاق بين كل الراصدين. ففي عالم النسبية الخاصة، ينهار مفهوم التزامن. ومجرد أنَّ حدثين متزامنين بالنسبة إلى راصدٍ مُعين لا يعني مُطلقًا أنهما متزامنان بالنسبة إلى راصدين آخرين.
وبذلك، عندما يرى راصد المصورين اللذين يضغطان على مصراعي كاميرتيهما «في آن واحد»، فلن يكون ذلك هو ما يراه راصد آخر يسافر في مركبة فضائية تتحرك بسرعة كبيرة بالنسبة إلى الكاميرتين. بل سيستنتج هذا الراصد أنَّ إحدى الضغطتين تحدث قبل الأخرى بوقت طويل. وحينئذ، فالنقطتان اللتان رسمتهما في شكل 2-1 على الارتفاع الرأسي نفسه (لأنني زعمتُ أنَّ الحدثين وقعا في الوقت ذاته) ستظهران في موضعين رأسيين مختلفين على مخطط الزمكان الخاص بالراصد الذي يتحرك بسرعة. وتُصر النظرية النسبية التي وضعها أينشتاين على أنَّ مخططها صحيح تماما مثل مخططي. ومن ثُمَّ، فإذا كانت النقاط في مخطط الزمكان تعتمد على الموضع الذي ينظر منه الراصد فما أي إطاره المرجعي، سبب رسمها إذن؟
لفهم ذلك، من المفيد التركيز على خط العالم الخاص بجُسَيم متحرك، ولذا سنرسم الآن مخططا بيانيًا جديدًا يُعبر عن نسيج الزمكان يتحرك فيه جُسَيم عبر هذا النسيج، آخِذًا معه مخروطه الضوئي (هذه الحيلة معروفة بالعمل ضمن الإطار المساير). لاحظ أن مسار الجُسَيم (أي خط العالم الخاص به في شكل 2-4 يبقى دائمًا ضمن المخروط الضوئي لأنه لا يستطيع تجاوز سرعة الضوء.
لا تنطبق نظرية النسبية الخاصة التي وضعها أينشتاين، وهي متفرعة من نظريته العامة، إلا على مجموعة محدودة من المواقف المادية. لذا تنشأ حاجة إلى إطار مفاهيمي مختلف يتجاوز النسبية الخاصة في سياق الزمكان الذي يتوسع، ولعل أبرز مثال عليه هو الكون المتوسّع. وفي هذا السياق، تتجلَّى الصّلة السببية في أنك لا تستطيع التحرك بسرعة تتجاوز سرعة الضوء بالنسبة إلى حيّزك المحلي الصغير من الفضاء.
شكل 2-4: مخطط بياني يُوضّح نسيج الزمكان لجُسَيم يتحرك على طول خط العالم الخاص به، الذي ينحصر دائمًا ضمن مخروطه الضوئي المستقبلي.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|