أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-11-12
1085
التاريخ: 21-2-2022
1327
التاريخ: 2023-06-11
536
التاريخ: 2023-03-25
876
|
المؤلف/ بول ديفيز
الكتاب/ الجائزة الكونية الكبرى
الفصل والصفحة/ الفصل السادس (ص141 – ص145)
لقرون ظن علماء الفلك أنهم يدرسون «الكون» عن طريق توجيه معداتهم صوب المجرات والنجوم والكواكب والغازات والغبار. لذا كانت الصدمة عنيفة حين اكتشفوا أن الكون مؤلف من شيء آخر، وأنهم لا يملكون أدنى فكرة عن ماهية هذا الشيء!
جاء التلميح الأول لفكرة أن ما تراه ليس بالضرورة كل ما هو موجود منذ أكثر من سبعين عاما من خلال العمل الدقيق لفريتز تسفيكي عالم الفيزياء الفلكية الذي عمل في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا. كان تسفيكي يدرك أن الكون يتمدد بشكل منتظم، بيد أنه أدرك أيضًا أن هذا التوصيف سطحي بكل تأكيد؛ فالمجرات ليست أجسامًا معزولة؛ بل هي تتجمع معا في عناقيد قد يبلغ عدد أعضائها العشرات. وداخل تلك العناقيد تهيم المجرات في الأرجاء، وبهذا توجد حركة أخرى موضعية معقدة تضاف إلى حركة الكون المتمدد على سبيل المثال، تتحرك مجرة درب التبانة، التي نحن جزء منها، ومجرة أندروميدا إحداهما صوب الأخرى بسرعة تقارب 130 كيلومترًا في الثانية، وفي الوقت ذاته تشاركان في حركة التمدد الكوني الكلية التي اكتشفها هابل اهتم تسفيكي بدراسة هذه الحركات الموضعية داخل العناقيد المجرية، التي استطاع تبينها عن طريق القياس الحريص للإزاحة الحمراء للضوء القادم من كل مجرة بمفردها.
لكن ما وجده كان غريبًا بحق؛ فأغلب المجرات بدت كأنها تتحرك بسرعة غير متوقعة. في البداية افترض تسفيكي أن العناقيد المجرية متماسكة بعضها مع بعض بفعل جاذبية المادة المنظورة التي تحويها. فإذا تحركت المجرة بسرعة كبيرة فستهرب من قوة الجذب التي يمارسها جيرانها وتتجول مبتعدة عن المجموعة. يمكن لعنقود المجرات البقاء متماسكا لمليارات السنين، لكن فقط لو كان به ما يكفي من المادة لحبس كل مجرة منفردة بداخله. وجد تسفيكي من واقع حساباته أن الجاذبية المجتمعة لكل المادة المنظورة - النجوم والغازات والغبار - لم تكن كافية ولو من بعيد لإبقاء هذه المجرات المتحركة بخفة في عناقيد لم يكن هناك سوى تفسير واحد إن من المؤكد وجود عامل آخر يسهم في زيادة قوة الجذب. بإكمال الحسابات أدرك تسفيكي أن الفارق كان مهولا؛ إذ فاقت المادة الخفية المسببة للجاذبية المادة المنظورة بمئات الأضعاف، بحيث تعد هي الكتلة المهيمنة على العناقيد المجرية. صارت هذه المادة الخفية المجهولة تعرف باسم «المادة المظلمة». أن ومع نتائج تسفيكي ظلت محل تجاهل لوقت طويل، فإنه على مدار العقود القليلة الماضية جمّع علماء الفلك أدلة عديدة لا تدحض على أن الأجزاء المنظورة من المجرات ليست أكثر من قمة لجبل جليد غامض، وأن أغلب المادة الموجودة في الكون هي في حقيقتها مظلمة.
يتأكد وجود المادة المظلمة أيضًا من الطريقة التي تدور بها النجوم دخل مجرة درب التبانة، فالشمس مثلا، تسير لحوالي 250 سنة ضوئية كي تكمل دورة واحدة حول المجرة. تأتي الأدلة الدامغة على وجود المادة المظلمة من دراسة كيفية تحرك النجوم في أطراف المجرة. ومجددًا، يتضح أنها تتحرك بسرعة كبيرة بحيث يصعب عليها الارتباط بجاذبية درب التبانة ما لم تكن هناك وفرة من المادة المظلمة تجذبها، فإذا كانت النجوم هي كل ما يوجد في المجرة فستتفكك مجرة درب التبانة وتتناثر نجومها في الأرجاء. حدد علماء الفلك توزيع الكتلة في مجرتنا وغيرها من المجرات من واقع طريقة تحرك النجوم وتوصلوا إلى أن الشكل الدائري المألوف للمجرة - ذي النواة المركزية التي تغلفها أذرع كالدوامات - يستقر وسط توزيع كروي تقريبًا من المادة المظلمة الممتدة خارج إطار المناطق المضيئة، مشكلة سحابة شاسعة، أو هالة، تواصل التمدد في الفضاء الموجود بين المجرات.
تأكدت هذه الدراسات من واقع مشاهدات أقمار الأشعة السينية والمسبار WMAP. وجميع الأبحاث تشير إلى نفس النتيجة: أن الكون يحوي من المادة المظلمة أكثر بكثير مما يحتويه من المادة المنظورة. من الطبيعي أن يتحمس العلماء لمعرفة ماهية هذه المادة، وهم يملكون بالفعل العديد من التصورات. يقسم علماء الفلك المادة المظلمة إلى قسمين:
أجرام الهالة الهائلة المضغوطة (sMassive Compact Halo Objects (MACHO
والجسيمات الضخمة ضعيفة التفاعل (sWeakly Interacting Massive Particles (WIMP
أجرام الهالة الهائلة المضغوطة (sMassive Compact Halo Objects (MACHO
ويقصد بها تركيزات الكتلة الكامنة في الهالة المجرية. سرعان ما يتبادر لأذهاننا بعض الأجرام المنتمية لهذه الفئة، فالثقوب السوداء مظلمة وتمر دون ملاحظة إلا إذا وجدت بالقرب من النجوم أو الغازات وتسببت في ابتلاعها. قد تكون النجوم القزمة أو الكواكب العملاقة مظلمة بدرجة كبيرة تمنع ظهورها في تلسكوباتنا ومع ذلك فهي توجد بوفرة. أيضًا هناك أجرام أصغر حجمًا، على غرار الكويكبات والمذنبات، وهي وفيرة العدد دون شك، لكن يتعذر ملاحظتها بشكل كبير خارج نظامنا الشمسي.
من العسير للغاية تحديد موقع أحد هذه الأجرام في أعماق الفضاء، وذلك لأسباب واضحة. فلم يتمخض عن البحث المباشر بالتلسكوبات عن النجوم الصغيرة الخافتة الحمراء العثور على عدد وفير منها من وسائل البحث الأخرى التي جربت التحدب الناتج عن قوى الجاذبية. فإذا تموضع أحد هذه الأجرام بشكل ما في طريق الضوء الصادر عن أحد النجوم فسيفضح عن وجوده بتضخيم ضوء هذا النجم. وبهذا سيظهر الجرم المتجول على صورة ارتفاع وانخفاض مميز في شدة ضوء أحد النجوم البعيدة. عُثر على عدد قليل من هذه الأجرام بهذه الصورة، لكن علماء الفلك مقتنعون الآن أن عددها ليس من الكثرة بحيث تُعزى إليه كل المادة المظلمة.
يستطيع علماء الكونيات تقصي المادة المظلمة من خلال خط تفكير مختلف بشكل كلي. فإنه أثناء الدقائق القليلة الأولى التي أعقبت الانفجار العظيم، حولت تفاعلات نووية الهيدروجين إلى هليوم. حدث هذا حين اتحدت البروتونات والنيوترونات الموجودة في البلازما البدائية كي تكوّن أولًا، الدويتريوم (المكون من بروتون وحيد متحد بنيوترون وحيد)، وبعد ذلك، باندماج المزيد من أنوية الدويتريوم، الهليوم. إلا أن كميات طفيفة من الدويتريوم لم يُقدَّر لها أن تصير ذرات هليوم، وظلت كما هي. يعتمد مقدار وفرة الدويتيريوم البدائي بالأساس على كثافة الكون وقت حدوث هذه التفاعلات. يتمتع الدويتيريوم بنواة ذات ترابط ضعيف نسبيًّا، تُدمَّر بسهولة عن طريق تصادمات البروتونات. الكون عالي الكثافة سيؤدي إلى تصادمات أكثر تواترا بين الأنوية، وهو ما يؤدي لتقليل مقدار الدويتيريوم في الخليط النهائي. وعلى العكس يؤدي الكون منخفض الكثافة إلى تراكم كميات أوفر من الدويتيريوم غير المستخدم. وبهذا يمكن لقياس مقدار توافر الدويتيريوم وغيره من العناصر الخفيفة1 المساعدة في تحديد كثافة المادة النووية في الكون المبكر، ومن ثم، عن طريق موازنة النسب، تحديد كثافة المادة العادية اليوم.
وفق أفضل التقديرات لمخزون الدويتريوم كان الكون المبكر ذا كثافة قليلة نسبيًّا من المادة النووية. بل في الحقيقة فقط نسبة مئوية بسيطة من المادة المظلمة يمكن أن تكون على صورة ذرات عادية أو مكوناتها. هذا يستبعد أجرام الهالة من تفسير المادة المظلمة إذا كانت مؤلفة من مكونات طبيعية؛ أي إلكترونات وبروتونات ونيوترونات من المعقول أن تتكون بعض أجرام الهالة من أنواع غير معروفة من المادة - مادة غير نووية – لا تشارك في إنتاج الدويتيريوم والهليوم. لكن لو دخلنا أرض الجسيمات الافتراضية فسنجد المنظرين ينتظروننا بقوائم ممتدة منها، وأغلب هذه الجسيمات لن يكون من أجرام الهالة بل سيكون من الجسيمات الضخمة ضعيفة التفاعل.
الجسيمات الضخمة ضعيفة التفاعل (sWeakly Interacting Massive Particles (WIMP
قابلنا بالفعل أحد الجسيمات الضخمة ضعيفة التفاعل والمرشح المحتمل كمكون للمادة المظلمة؛ النيوترينو. ليست النيوترينوات مظلمة بمعنى «سوداء»، بقدر ما «غير مرئية»؛ نظرًا لأن أغلبها ينفد من المادة العادية دون أن يفضح وجوده. والنيوترينوات توجد بوفرة في الكون، بحيث تفوق الجسيمات النووية عددًا بمراحل. ومع ذلك فهي هي لا تزن الكثير؛ إذ قد يصل وزن أحدها إلى واحد على المليون من وزن الإلكترون. وبهذا، حتى مع نسبة أفضلية عددية تبلغ المليار إلى واحد لا تستطيع النيوترينوات وحدها أن تفوق النجوم وزنًا. من هنا جاءت أهمية كلمة «الضخمة»؛ إذ نحتاج شيئًا مثل النيوترينو في الوفرة، لكن مع كتلة تساوي كتلة البروتون أو أكبر.2 بهذه الصورة يمكن لهذه الجسيمات أن تهيمن على تأثيرات الجاذبية للمادة العادية دون أن نلاحظها. ومثل النيوترينوات يمكن لهذه الجسيمات أن تمر من أجسادنا بأعداد هائلة طوال الوقت دون أن نعي ذلك.
هناك كثير من الجسيمات «الافتراضية» التي تناسب هذا الوصف، على سبيل المثال الجسيمات فائقة التناظر مثل نظير الفوتون. بل الحقيقة هي أن عدد المرشحين كبير لدرجة تجعل المجربين عاجزين عن معرفة ما يبحثون عنه تحديدا. المشكلة الأساسية في عملية البحث عن هذه الجسيمات هي أنها بطبيعتها، لا تتفاعل إلا بصورة ضعيفة للغاية مع المادة. إلا أن الحسابات توحي بأنه نادرًا ما يتوقف أحد الجسيمات ضعيفة التفاعل بواسطة نواة ذرة ما ويطلق بعض الطاقة. التحدي هنا يكمن في تبين هذا الارتفاع الطفيف في الطاقة وفصل هذه الإشارة من ضوضاء الخلفية من الطرق التي جربت استخدام بلورة كبيرة من الجيرمانيوم النقي كأداة استكشاف وللبحث عن تأثيرات ارتداد النواة، إما من واقع الاضطرابات الكهربية أو الصوتية (في الحالة الثانية يستمع العلماء لصوت الارتطام). تؤخذ البلورة إلى أعماق كبيرة تحت الأرض لعزلها عن الأشعة الكونية الأكثر قوة وتفاعلا التي تغمر الإشارة الصادرة عن أحد الجسيمات ضعيفة التفاعل. يؤمن العلماء الذين رسموا توزيعا للمادة المظلمة بأنها تميل للتجمع بالقرب من مراكز المجرات. وهم يتصورون وجود سحابة كثيفة غير مرئية من الجسيمات ضعيفة التفاعل تسبح فيها الأرض والشمس في رحلتهما الطويلة حول مجرة درب التبانة. وإذا كان الحال كذلك فلن تغمر هذه الجسيمات كوكب الأرض من جميع الاتجاهات بشكل متساو، بل ينبغي أن تتدفق ناحيتنا من جهة كوكبة العذراء، التي يتجه صوبها نظامنا الشمسي في الوقت الحالي بسرعة تقارب الثلاثمائة كيلومتر في الثانية.
تلعب المادة المظلمة دورًا أساسيًا في تحديد شكل الكون عن طريق توفير القدر الأعظم من قوى الجاذبية المطلوبة لنمو المجرات. كان الكون في عمر 380 ألف عام، كما كشف لنا المسبار WMAP، متجانسًا للغاية، وقد ظهرت البنية الكلية الحالية للكون بسبب المناطق الأعلى كثافة بقدر طفيف التي تمكنت من جذب المادة إليها ومن ثم تعظيم كثافتها أكثر. لو كان الأمر معتمدًا على المادة العادية وحدها لكانت هذه العملية ضعيفة للغاية لدرجة يتعذر معها تكوين المجرات والنجوم والكواكب وغيرها، التي دونها ستكون الحياة مستحيلة. لكن المادة المظلمة ساعدت كثيرًا في عملية التجميع هذه. لمعرفة كيف حدث هذا قارن علماء الكونيات البنية الكلية المرصودة للنماذج بنتائج عمليات المحاكاة الحاسوبية المعقدة التي تصور مجموعة من عناصر المادة المظلمة.3
أن علماء الكونيات لا يملكون الكثير من الأدلة بشأن طبيعة المادة المظلمة، مع فإنهم يستطيعون على الأقل تحديد نسبتها الإجمالية تحديدًا دقيقًا. إن مشاهدات المسبار WMAP المصحوبة بنتائج عمليات المسح التلسكوبية وغيرها من البيانات، تشير إلى أن المادة العادية (البروتونات والنيوترونات والإلكترونات والذرات والجزيئات) تشكل حوالي 4 بالمائة من إجمالي المحتوى الكلي للمادة في الكون (ومن هذه النسبة يأتي النصف وحسب على صورة نجوم وكواكب). وبهذا يتألف 96 بالمائة من الكون من مادة مظلمة غامضة. هذا في حد ذاته أمر يثير الحيرة، لكن هناك المزيد، فمن نسبة الـ 96 بالمائة هذه لا تمثل المادة المظلمة التي تحدثت عنها إلى الآن أكثر من الثلث فقط. أما ما يؤلف الباقي، أي على الأقل ثلثي مادة الكون، فهو شيء آخر أكثر إرباكا بكثير.
هوامش
(1) Light elements is the term used to mean the lowest-mass elements. They include deuterium—which, confusingly, is also known as “heavy hydrogen.”
(2) The word massive here means “high mass”: it does not mean large in physical size. WIMPs would be pointlike particles but individually weighing more than the heaviest atoms.
(3) An excellent account of dark matter in its different forms is given by Joel Primack and Nancy Abrams, The View from the Center of the Universe (New York: Riverhead, 2006).
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|