الاصالة والإبداع الجغرافي عند الجغرافيين العرب في وصف قارات العالم القديم |
1594
05:32 مساءً
التاريخ: 2023-02-22
|
أقرأ أيضاً
التاريخ: 3-11-2021
2098
التاريخ: 18-9-2019
1190
التاريخ: 2023-02-22
1143
التاريخ: 2023-02-18
756
|
الاصالة والإبداع الجغرافي عند الجغرافيين العرب في وصف قارات العالم القديم:
بدأت محاولة الإنسان في وصف معالم سطح الأرض مع بداية معرفته للجغرافية ، وبما ان معلوماته تحددت على إيضاح الموقع الجغرافي الذي يحيط به ، لذلك لم يدرك مدى سعة اليابس وامتداده وما يحيط به من محيطات ، بل اقتصرت أفكاره على وصف يابسة واحدة تحيط بها المياه ، كما في اعتقاد البابليين بأن الأرض مسطحة وان السماء تشكل فوقها ما يشبه القبة ، وكانت عندهم فكرة وجود محيط عظيم يتمثل ببحر شاسع واسع يحيط بجزيرة مترامية الأطراف تمثل أقصى حدود اليابس. وعلى هذه المعلومات رسم البابليون خارطتهم للعالم التي تصور الأرض على شكل مدور مسطح ويحيط بالقارة التي تظهر في الخارطة النهر او البحر الملح، ، وذهب المصريون القدماء إلى تصور معالم سطح الأرض من يابس وماء في وجود ارض على شكل صحن تحيط بها المياه.
وفي الحضارة اليونانية ازدادت المعرفة الجغرافية لدى الفلاسفة اليونان في أجزاء الأرض مما مكنهم من اكتشاف معالم عدة من قارات العالم القديم ، أوربا واسيا وأفريقيا ، فمنذ عام 800 ق.م بدأ صيادو اليونان وتجارها ومستعمروها يجوبون أنحاء البحر المتوسط الأمر الذي ترك أثره الواضح في تطور الفكر الجغرافي لديهم ، ففي ذلك العام وصلوا إلى صقلية ، كما إنهم بلغوا سواحل مصر وليبيا ، وتمكن كولويوس Colaeus عام 650 ق.م من اكتشاف مضيق جبل طارق. وكانت محصلة هذه الكشوف ان تمكن اناكسيماندر Anaximand في القرن السادس ق.م (610-547) ق.م من وضع أول خارطة تصف العالم القديم ، اذ رسم مستطيلاً قاس على طرفيه أبعاد عدة من وحدة القياس المعروفة آنذاك وهي((الستاد Stades)) ووضع بداخله البلاد حسب أفضلية معرفته بها وحسب الفكرة التي كونها عنها ، أي انه وضع البحر الإيجي وبلاد يونان في وسطه ، إلا انه لم يستعمل طريقة الاستدلال التي تسمح له بأن يحدد شكل تلك البلاد وامتداداتها وموقعها النسبي ، ولذا فإن وصفه للاماكن لم يكن محدداً سوى بالاتجاه وبالمسافات الناجمة عن تخمين وتقدير نسبي.
ومع نهاية القرن السادس ق.م ظهرت خارطة العالم لهيكاتايوس (517) ق.م التي تناولت تقسيم العالم إلى قسمين رئيسين هما : أوربا ، واسيا ، وعد ليبيا التي تقع في إفريقيا ضمن اسيا وصور سطح الأرض على شكل دائرة محاطة من أطرافها كلها بالخيط الاقيانوس ، ويشطرها من الوسط البحر المتوسط والبحر الأسود وبحر الخزر إلى نصفين، النصف الأعلى يحتوي على أوربا والنصف الأسفل يشمل آسيا وأفريقيا، ويلحظ انه جعل نهر النيل متصلاً بالمحيط الاقيانوس من جهة الجنوب). وفي القرن الثاني ق.م وضع ايراتوستين خارطة للعالم والتي تصف العالم المعمور في ذلك الوقت ، وقد شملت الخارطة مناطق تمتد من الشرق إلى الغرب مسافة 75800 ستديا ، ومن الشمال إلى الجنوب مسافة 46000 ستديا ، وقد قسم ايراتوستين خارطته على شكل متوازي أضلاع ، مقسمة إلى قسمين : احدهما شمالي والآخر جنوبي وتفصل بينهما دائرة عرض جزيرة رودس، لاحظ الشكل (6) .
وجاء القرن الثاني الميلادي ليشهد مولد كلاديوس بطليموس السكندري Cladius Ptolemythe Alexandrian ، الذي هو من أشهر صناع الخرائط اليونان الذين رسموا خارطة العالم يضاف اليها خرائط إقليمية ، وقد اعتمد في خارطته للعالم على خريطة مارينوس Marinus بعد ان صحح أخطاءها ، تبعاً لما جمعه من معلومات جديدة وما ابتدعه من مساقط. وقد قسم الدائرة القطبية 24 ساعة) ، وجعل امتداد العالم المعروف في خارطته مسافة 180 درجة من كناريا (صفر درجة) غرباً إلى الصين شرقاً ، كما وجهت الخارطة نحو الشمال مع توضيح الخط الاستواء والمدارين على اعتبار ان خط عرض المدار هو 51 . 23 .
وعلى الرغم مما جمعه بطليموس من معلومات، إلا ان خارطته للعالم احتوت على أخطاء عدة التي ظلت مستعملة فيما بعده من خرائط ، فمن أخطائه الرئيسية تقديره لطول الدرجة بـ 56.5 ميل بخلاف تقديرات ايراتوستين الدقيقة ، وعندما قام بطليموس بتحويل هذه الأطوال إلى درجات ظهر محيط الأرض اقل من حقيقته ، بينما بالغ في امتداد العالم المعروف ومن ثم كانت معظم التفاصيل التي احتوتها خرائطه مخالفة للواقع لاحظ الشكل (7).
وفي الحضارة العربية الإسلامية كشف وصف الجغرافيين العرب لسطح الأرض عن أصالتهم وإبداعهم في هذا المجال ، اذ لم يكتفوا بنقل المعلومات عن العالم القديم من الأمم السابقة لهم بل أضافوا اليها قياساتهم وفي هذا الصدد يقول عالم الرياضيات شوی Shoy: (( لقد أجرى مختلف الجغرافيون العرب أبحاثاً متقنة إلى درجة تفوق المألوف انتهت بهم إلى تحديد العروض الجغرافية ، ولذلك كانت الطرق التي مارسوها أصلية كما كانت الطرق التي توصلوا اليها دقيقة ما بين حين وآخر)).
كما تتضح الأصالة والابتكار لدى الجغرافيين العرب في وصفهم لقارات العالم القديم من إشارة الدكتور محمد وهيبة للخرائط العربية التي يقول عنها :-
((وعلى الرغم مما يبدو على هذه الخارطات من مسحة بدائية وما تعكسه من صور غير صحيحة عن جهات العالم إلا انها أفضل بكثير من تلك التي رسمها الأوربيون المعاصرون كما انها لم تكن اقل مستوى من تلك التي رسمها علماء الإغريق والرومان ان لم تكن تفوقها في بعض النواحي خصوصا فيما يتصل بصحة مواقع كثير من البلدان بالنسبة لخطوط الطول وكذلك مواقع البحار الداخلية في آسيا كبحر قزوين و آرال، وتقدمت على خارطة العالم لبطليموس في جعل المحيط الهندي مفتوحا من جهة الشرق وفي إظهار بعض الدقة في رسم سواحل البحر المتوسط والبحر الأحمر ويظهر ذلك من مقارنة خارطة بطليموس بخارطة المسعودي حقاً ان العرب نقلوا بعضها عن ايراتوستين وبطليموس وبلني ولكن معظمها عربي في صنعته مبتكر في طريقة رسمه وإعداده)).
ومما ساعد على سعة وصفهم القارات العالم القديم هو ان رحلاتهم اتسمت باعتمادها على المشاهدة والحس، مما حمل هؤلاء الرحالة على تدوين مشاهداتهم من خلال أسفارهم وتنقلاتهم العلمية أو الدينية أو التجارية، وساعدهم على ذلك اتساع
رقعة الدولة الإسلامية التي امتدت من الصين شرقاً إلى سواحل المحيط الأطلسي غرباً ومن وسط أوروبا شمالاً إلى وسط أفريقيا جنوباً. ومن أشهر هؤلاء الرحالة المسعودي وإبن فضلان والمقدسي وابن حوقل وناصر خسرو، وقد ساهم هؤلاء في إثراء الفكر الجغرافي من خلال إنتاجهم العلمي المتنوع، سواء كان ذلك في مجال الجغرافيا الوصفية أو تأليف المعاجم والموسوعات الجغرافية، أو رسم الخرائط وإنتاج الأطالس
لدى الجغرافيين العرب سعة الأفق الجغرافي فقد اتسم وصفهم بأنه كان أكثر شمولية لقارات العالم القديم بالمقارنة مع الوصف الذي ساد في الحضارات القديمة، فمثلاً صحح البيروني أخطاء قياسات قسم من قارة آسيا فيما يخص ما وراء الهند والسند وبلاد الروم. فأصبحت قياساته الجديدة الأساس الرسم خارطة المشرق. كما ادخل العرب تحسينات مهمة على وضع الجزيرة العربية والمناطق الممتدة حول نهري دجلة والفرات بشكل أكثر دقة ، وصححوا رسم الخليج العربي من شكله المستدير في خارطة بطليموس إلى وضعية اقرب إلى شكله الصحيح ، وكذلك بحر قزوين - ورسم العرب المحيط الهندي والمحيط الهادي بشكل ممر مفتوح على نقيض رسمه عند بطليموس ، وعارض العرب مفهوم مارينوس الصوري وبطليموس بخصوص إحاطة الأرض بقارة، واعتبروا القارات الثلاث (آسيا وأوربا وأفريقيا) محاطة بالمياه الجوانب كلها، وان منابع النيل في خارطة بطليموس مخالفة تماماً لما عند الإدريسي.
اذ تبين ان الإدريسي كان واقفاً وقوفاً صحيحاً على منابع النيل ، وذلك لأنه صورها على شكل بحيرات ، كما اثبت الاكتشاف الجغرافي فيما بعد عن بحيرتي (فكتوريا) و (البرت) ، وكانت خرائط الإدريسي الوحيدة التي تعطينا صورة صحيحة عن البلاد الواقعة حول البحر القزويني وصحراء العجم في مدة من الزمن تبلغ نحو قرن ، هذه المدة التي لولا خرائط الإدريسي لظلت حلقة مفقودة في تاريخ هذه البلاد، لاحظ الشكل (8) .
ويرجع الفضل إلى العرب في التوغل الأول في الأراضي السودانية التي تقع إلى جنوب من مناطق الصحراء الكبرى اذ أقاموا حملات تجارية هناك منذ عام 1076م ، كما الهم أول الرواد الذين تمكنوا من الوصول إلى ساحل ناتال ، ذلك فضلاً انهم اكتشفوا مدغشقر.
وفيما يتعلق بوصف العرب للأقطار العربية الأسيوية وإيران فلا يمكن بطبيعة الحال مقارنتها بكتابات اليونان والرومان ، اذ كانت مفصلة للغاية خاصة جزيرة العرب نظراً لأنها تمثل موطن العرب الأصلي ومنطلق الإسلام ومأوى المدينتين المقدستين مكة المكرمة والمدينة المنورة .
فلقد كتب ابن الحائك الهمداني كتاب صفة جزيرة العرب)، وهو أوسع الكتب الجغرافية الإقليمية في دراسة الجزيرة العرب من مظاهرها الطبيعية وأجناسها وقبائلها وحاصلاتها المعدنية والحيوانية وطرقها ومواطن الاستقرار فيها ويقترب من هذه الدراسة المفصلة ما ورد في كتابي (المعجم فيما استعجم) و(المسالك والممالك ) لأبي عبيد البكري لاسيما الأجزاء الخاصة بجزيرة العرب.
ويلاحظ ان المدن حظيت باهتمام العرب فقد قاموا بوصف العديد من المدن كما يتضح في وصف ياقوت الحموي لمدينة يثرب وللمدينة سور والمسجد في تحو وسطها ، وقبر النبي ( ص) ، في شرقي المسجد وهو بيت مرتفع ليس بينه وبين سقف المسجد إلا خرجة ، وهو مسدوم لا باب له وفيه قبر النبي (ص).
ومما يلفت الانتباه الى المدن في الحضارة العربية الإسلامية أنها عند نشوئها آخذت بنظر الاعتبار اختيار الموقع والموضع الامثل لها من حيث العوامل الطبيعية، والعسكرية ، والسياسية والإدارية والدينية، فنرى العوامل الطبيعية تظهر عند بناء مدينة البصرة والكوفة وبغداد وسامراء ، اذ لم توضع أسس بنائها إلا بعد أن اجريت التحريات الطبوغرافية والتعبوية لمعرفة صلاحيتها للأغراض العسكرية، وقد كان العامل العسكري سببا في تأسيس مدينة الكوفة في الجانب الغربي من الفرات وذلك لكي تكون قاعدة عسكرية للقسم الأوسط من العراق ولعوامل سياسيا اتخذها الخليفة الرابع علي (رضي) عاصمة للدولة الإسلامية، أما العامل الديني فقد كان السبب في ازدياد حجوم عدد من المدن وازدهارها كما في المدينة المنورة ومكة المكرمة.
وتبعا لأهمية المدن الإسلامية نجد انه لا تخلو كتابات الجغرافيين العرب من وصف لها فمثلا الاصطخري نراه عند دراسته لكل إقليم يولى اهتماما بالمدن الكبرى وأهميتها ، بل لعل المدن هي أكثر ما يعني به الاصطخري فهو يذكر المدينة وموقعها وما فيها وأثارها والطرق التي تربطها بما حولها ، ويوقع هذه المدن على خرائطه، وأما ابن حوقل فقد أعطى وصفا عن مدن الدلتا وقراها ضمنه خريطة فيها تفاصيل لم تذكر عند غيره ، في حين نرى المقدسي يفخر بأنه قد أطال في كتابه بوصف المدن معتمدا
على المشاهدة ،والروية، وذهب البكري (الجغرافي الاندلسي) إلى وصف التركيب الداخلي للمدينة فيذكر أسواقها وحماماتها ومساجدها وصناعها ، وأخيرا لابد أن نشير إلى دور الإدريسي في وصف المدن إذ كتب عنها مادة اعتمد في جمعها على المشاهدة فضلا عن ما نقل إليه ممن أرسلهم إلى مختلف النواحي والممالك، ثم صور ذلك كله على الكرة المجسمة وفي خريطته المشهورة ، وبعد ذلك ألف كتابه المشهور (( نزهة المشتاق في اختراق الآفاق)) بين فيه وصفا شاملا لمدن العالم المعروف ، ووصفا دقيقا للأقاليم المختلفة ، وللنباتات التي تنمو فيها ، ومختلف الزراعات و السكان ، ووصفا حسنا للفنون والحرف التي يحسنها سكان الأقاليم.
إذن بدا واضحاً ان الجغرافيين العرب لم يكتفوا بنقل التراث الجغرافي للحضارات التي سبقتها حول وصف قارات العالم القديم، بل أضافوا إليها ما توصلوا إليه من علوم ومعارف حول أجزاء العالم القديم لتتضح بذلك أصالتهم وإبداعهم في هذا المضمار ، وكانت محصلة ذلك ان أصبحت كتب العرب التي انتهت إلينا في علم الجغرافية مهمة جداً، وكان بعضها أساساً لدراسة هذا العلم في أوربا قروناً كثيرة.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|