أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-03-01
1040
التاريخ: 25/12/2022
849
التاريخ: 18-1-2016
2089
التاريخ: 13-12-2016
2201
|
يعاني الطفل المبدع من سوء التكيف مع مجتمعه، لأنه يمتاز عن غيره من الأطفال في الاستقلالية في التفكير. وقد تبعث بعض الآراء الجريئة التي يدلي بها أمام المدرسين على تبرم وضيق هؤلاء المدرسين الذين تعودوا أن يلقوا استجابات عادية، وفوق العادية بقليل من تلامذتهم باستثناء نخبة قليلة من المدرسين الواعين المتفهمين لدلائل العبقرية، فقد يتنبهون إلى وجود مثل هذا الطفل فيعملون على تصعيده، وتنمية قدراته، ومساعدته في شق طريقه نحو النبوغ والابتكار.
ويلقي الطفل المبدع الكثير من المشكلات بسبب إبداعه. فإن رفاقه ممن هم أقل منه معرفة يحاولون ـ حسداً - النيل منه، أو يلجأون إلى السخرية منه والكيد له أو نبذه أحياناً. وهذا الطفل الذي يبتعد عنه أصدقاؤه، وتنبذه الجماعة لا بد له من أن يتحول بعد ذلك إلى العدوان ليثأر لكرامته المهانة، كردة فعل على السلوك المعادي المتبع نحوه، وهكذا يكون الابداع بالنسبة لهذا الطفل مأزقاً اجتماعياً ونفسياً، فهو إما أن يتخلى عن إبداعه ليتحول إلى طفل عادي ليزيد السخرية والمعاكسة والعدوان من صدور الجماعة المحيطة به والتي غالباً ما تتربص به شراً، أو أن يستمر في إبداعه منبوذاً، فهو بين أمرين كلاهما مر.
هذه تعتبر من أهم المشكلات التي يعانيها الموهوب، لذلك فإن على الوالدين والمدرسين أن يتنبهوا جيداً إلى هذه الظاهرة (والطفل المبدع لا يستطيع التوقف عن العمل لأنه لا يستطيع التوقف عن التفكير)(1).
والموهوب لا يبتغي جزاء أو مكافأة على إبداعه، فلذته في الإبداع هي الجزاء والمكافأة هذا لا يعني أننا يجب أن نقف مكتوفي الأيدي، وموقف اللامبالاة أمام إنجازاته بل يجب تشجيعه وتسهيل عمليات الإبداع، وتذليل المصاعب التي تعترض طريقه.
والغريب أن بعض الأطفال العباقرة غالباً ما يكونون غير متكاملين مع فصولهم الدراسية، حتى إن بعضهم تنخفض قدراتهم اللفظية عن غيرهم، ويخيل للمدرسين أن بعض هؤلاء العباقرة - وهذا قبل اكتشاف عبقريتهم طبعاً - أنهم أغبياء ولا يصلحون للدراسة. من أمثال هؤلاء المخترع الأميركي (توماس أديسون)، والعالم (أنشتاين)، و (دارون)، و (أناتول فرنس)، وغيرهم ممن كانت مدارسهم تشكو من سلوكياتهم، وكان مدرسوهم يتهمونهم بالشقاوة وعدم الصلاحية وقد هددوا بالطرد من مدارسهم عدة مرات، والذي لم يهدد مثل (دارون)، كان يأتي بنتائج عادية في الفصل الدراسي، ولا يظهر عليه آثار التفوق.
ويلاحظ أيضاً من خلال المراقبة الميدانية لبعض الأطفال الذين تبدو عليهم سمات الإبداع، ويتوقع منهم أن يكونوا من النابغين المبتكرين في المستقبل، يلاحظ على هؤلاء الأطفال أنهم يميلون إلى التعلم بأنفسهم، ومن دون مساعدة، ويعتمدون على ذواتهم في التحصيل واكتساب الخبرات. ولكن من أين لنا بالمدارس التي تتيح الفرص الخاصة بالابتكار والتحصيل الذاتي. واستطراداً فإن الطفل الموهوب يحاول أحياناً القيام بأعمال خطيرة. وربما تكون تجربة (عباس بن فرناس)، الذي حاول أن يطبق فكرة الطائرة، فصنع لنفسه جناحين من الريش، هي من قبيل الأعمال الخطيرة، وقد حاول عباس هذا الطيران، لكنه نسي أو غفل عن صنع ذنب له لحفظ التوازن فسقط من الأعلى ميتاً.
وهناك قصص كثيرة عن عباقرة سقطوا قتلى أو جرحى نتيجة إندفاعهم الشديد ومحبتهم للاكتشاف أو الاختراع. وعلى المجتمع كله الاهتمام بهذه الفئة من الأطفال والاستفادة من قدراتها لمصلحة الإنسانية جمعاء. ويتميز أفراد هذه الفئة بشجاعتهم والثقة المفرطة بأنفسهم وبرغبتهم الجامحة في كشف الأسرار العلمية.
والطفل الموهوب يبحث عن فرديته بشكل دائم، وهي فردية فريدة ومميزة (والطفل يكون مفهومه عن نفسه من فكرة الآخرين عنه، ومدى تقديرهم أو تحقيرهم لأعماله)(2)، ومن ذلك يستمد الطفل قسطاً كبيراً من الدافعية لزيادة نشاطه ومضاعفته لذلك فالتشجيع المعنوي له آثاره الايجابية البالغة في نفس الطفل، حيث يعتبر كمحرك للنشاط .
ويجب على المربين أن يساعدوا الأطفال على قبول أنفسهم بعد معرفتها معرفة تامة فالطفل الذي يرى أن موهبته قد تكون سبباً في إبعاد الناس عنه، ربما يفضل تحطيم هذه الموهبة والتضحية بها من أجل بقائه عضواً في المجتمع، يبادل الآخرين ويبادلونه الحب. فالاستقرار الاجتماعي والتكيف مع الجماعة ضروري لبناء شخصية الفرد وسعادته.
وقد تعوّد الناس، ومنهم بعض الباحثين أن يربطوا بين العبقرية والجنون، ويصفون العباقرة بأنهم مجانين، وإذا ما رسخت هذه المقولة المغلوطة في أذهان الأطفال فهم سيجعلون منها ذريعة لتبرير أنفسهم فهم لن يكونوا عباقرة، حتى لا يوصفون بالمجانين!، أو قد يفهمون خطأ أن أي مظهر سلوكي شاذ قد يخفي بين طياته العبقرية المدفونة التي ستظهر في يوم من الأيام.
إن الربط بين العبقرية والجنون فيه نوع من التعسف والتسرع في إبداء الأحكام، وإن كنا نرى أن كلاً من العباقرة والمتخلفين يصنفون في خانة الشواذ، لأنهم غرباء عن المجتمع العادي وسلوكياته، وهم غير قادرين على مجاراة الآخرين في أعمالهم الروتينية لكن شتان بين الإثنين!، فالعبقري مشغول عن المجتمع بما في عقله من أفكار وتصورات بناءة مثمرة يضج بها كيانه، لتولد - بعد مخاض عسير - اكتشافاً أو اختراعاً أو ابتكاراً فتضيء الطريق أمام السالكين في مجال العلم. لكن من أين للمتخلف أن يأتي بذلك!؟، فهو وإن لم يتكيف مع المجتمع، لكنه لم ولن يبدع شيئاً، فالعبقرية والجنون وإن اشتركا في خاصية معينة هي الغربة عن المجتمع، لكن هذا لا يعني ارتباط العبقرية بالجنون أو العكس.
وهناك ظاهرة تربوية ملفتة هي كثرة الأسئلة التي يطرحها الأطفال على المدرسين والأهل في البيت أو في الصف، أو في المختبر، أو أثناء النشاطات المدرسية، وغالباً ما يضيق هؤلاء ذرعاً بالأطفال ويجيبون على أسئلتهم بفظاظة وبشيء من الشدة والقسوة مشيرين بعدم إلقاء المزيد من الأسئلة، لأن ذلك لا يدخل ضمن المقرر - حسب زعمهم - أو أن لا حاجة للطفل به. وهم بذلك يخمدون جذوة الروح العلمية الابتكارية المتأججة في صدر الطفل. ولذلك يجب ألا يهمل سؤال الطفل، وأن يجاب عليه بوضوح وبصدر رحب، وبالإطراء عليه، لأن طرح مثل هذه الأسئلة دليل إعمال الفكر في الموضوع المراد بحثه.
كتب أحد المدرسين: (وأنا غالباً ما أهنئ تلامذتي الصغار على السؤال الذي يطرحونه عليّ قبل الإجابة، فأقول مثلاً: لقد أحسنت في طرح هذا السؤال، أو إنه سؤال هام، سيفتح الطريق أمام إجابة يجب أن تكون معلومة لدى الجميع، إن سؤالك يا...هو دليل الفهم. ثم أشرع بشرح الإجابة بإسهاب ودقة وموضوعية بحيث أجيب على كل نقطة على حدة، وكأني أشرح درساً جديداً)، ثم يجب أن يتوجه المدرس بالسؤال إلى بقية الأطفال للتأكد من فهمهم له، ويعود إلى التلميذ (العبقري)، ليستوضحه عن اقتناعه بالإجابة، وهل لديه رد على الرد؟!.
هذا نموذج من المدرسين الطموحين، الذي يمكن أن نطلق عليه صفة المدرس النموذجي، الباحث عن العبقرية، والمبتكرين، ليقدمهما للمجتمع وللوطن كعمل إنساني رائع، وإنجاز وطني وقومي. ونذكر هنا بالقول المعروف: (يعرفون من أسئلتهم) فنوعية السؤال وعمقه، وفحواه يكشف عن المستوى العقلي للطفل السائل، ونسبة ذكائه وموضوعات اهتمامه. ويلاحظ أن أكثر الأماكن خصباً لطرح الأسئلة هو المعمل أو المصنع، والأوقات التي يمارس فيها الأطفال النشاطات اللاصفية، فالوسائل الجديدة المعقدة تثير تساؤلات الطفل فيسعى وراء مزيد من المعرفة، ليشبع فضوله العلمي، لذا يجب الإكثار من خلق الفرص لزيارة المصانع والمتاحف، وممارسة النشاطات المدرسية على اختلافها، وفتح باب الحوار لجميع الأطفال ليسألون.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1ـ د. عبد المنعم المليجي، د. حلمي المليجي، النمو النفسي، ص430.
2ـ المصدر السابق، ص433.
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
لحماية التراث الوطني.. العتبة العباسية تعلن عن ترميم أكثر من 200 وثيقة خلال عام 2024
|
|
|