أقرأ أيضاً
التاريخ: 13-1-2016
2561
التاريخ: 19-8-2017
2298
التاريخ: 23-2-2022
1336
التاريخ: 2023-02-09
1187
|
الأطفال يكذبون، للتهرب من المسؤولية، كما هو شائع، أو تجنباً للعقاب، أو للحصول على العطف والمحبة من الكبار، أو طمعاً بتحقيق غرض آخر، وقد يميل الطفل إلى الزهو ولفت الأنظار فلا يجد غير الكذب، أو يقلد والديه حين يستمع إلى كذبهم، فقد يكذب الأهل أمام أطفالهم على غير شعور منهم فيمتدحون شخصاً في حضوره فما أن يغادرهم حتى يذمونه ويظهرون سيئاته، فيفهم الطفل من ذلك أن أهله كاذبون (وتكون أحياناً بعض الأكاذيب الظاهرية صورة من المبالغة، فكثيراً ما يبالغ الكبار عند سرد بعض الحكايات مما يبرر تسميتهم بكاذبين)(1).
إن مبالغة الوالدين في حث الطفل على ضرورة اتباع الصدق، وحرصهم الشديد على محاسبته على كل صغيرة وكبيرة، في الأمر الهام أو التافه، وبأسلوب صارم، لا يجدي نفعاً بل يكون أحياناً بمثابة رد فعل معاكس، والأفضل تهيئة الطفل للقيام بالرقابة الذاتية وتكوين الرادع الداخلي (والطفل يصنع مختلف الأشياء من مادة أو أصل عاطفي لتعويض ما يفتقر إليه أو ما يتخيل أنه يفتقر إليه)(2)، بعض الأطفال يتوهمون أنهم رأوا شيئاً أو سمعوا شيئاً وهم في الحقيقة قد رأوا ذلك في أحلامهم، وهم لا يميزون بين الحلم والواقع فنظن نحن الكبار أن في الأمر نوعاً من الكذب، وعلى الكبار ألا يتشددوا كثيرا في موضوع المعاقبة على الكذب مع أطفالهم، فقد يكون لبعض هذا الكذب أحياناً ما يبرره، وحتى نحن الكبار، قد تدفعنا متاعب الحياة أحياناً للكذب، بكذبة بيضاء أو سوداء. فالتعلق الشديد بالمثل العليا من قبل الآباء يجعلهم يفرضونها بقسوة على أطفالهم كمكافحة الكذب فإذا بنتائج هذا الأسلوب التربوي تنعكس تماماً على نفسية وشخصية الطفل. ثم إن هناك أنواعاً من الكذب يختلقها الطفل لإبراز ذاته وتنمية شخصيته، وهي تزول تدريجياً عند مرحلة النضوج، وعلى الكبار ألا يبالغوا في الكذب وهم يقصون القصص الخيالية على أطفالهم بغاية الإثارة والتشويق، والطفل بطبيعته كمقلد يهتم كثيرا بمثل هذه القصص فإذا به ينسج على منوالها.
تشغل ظاهرة الكذب، بال الكثيرين من الآباء الحريصين على إكساب أطفالهم القيم الأخلاقية الحسنة وإبعادهم عن العادات السيئة ومنها الكذب، وأول ما يجب على هؤلاء الأهل معرفته أن القدوة تلعب دوراً هاماً في هذا الموضوع، فإذا سمع الطفل من والديه أقوالاً وثبت كذبها أصبح الكذب عنده وسيلة يستخدمها بشكل عادي عند اللزوم بنفس الطريقة التي استخدمها الوالدان ومن هنا بات لزاماً على الأهل أن يحرصوا على أن يكونوا القدوة، حتى في الاحاديث مع الطفل نفسه، فإذا وعدناه فعلينا أن نفي بالوعد، وإذا قطعنا عهداً صدقنا فيه، وإلا اعتبرنا كذابين دون أن ندري، وغالبية الأطفال يستعملون ببراءة وصراحة في ردهم على أهلهم عبارات - أنتم تكذبون علينا - أنت تكذبين يا ماما، أو أنت تكذب يا بابا، إن استعمالات هذه التعابير لهي خير دلالة على أن الكذب هو وسيلة عادية مألوفة بالنسبة للطفل ويمكن أن يوصف بها أي إنسان حتى الأم والأب؟!.
ويبدو الكذب عند الأطفال بمظاهر عديدة، فقد يكون ادعائياً، أو لتعويض نقص، أو للانتقام والكراهية، أو كردة فعل على القسوة وتجنب القصاص (ويميل بعض الأطفال للكذب على سبيل اللعب، وذلك رغبة منهم في رؤية تأثير كذبهم على المستمعين)(3)، وعلى الأهل هنا أن يردوا بابتسامة، فالطفل بدوره لم يتوقع منا أن نصدقه فغايته هي انتزاع الابتسامة ولفت الأنظار، وقد حصل له ذلك. ثم يجب التحذير من اتخاذ القصاصات الصارمة والمتشددة بحق الأطفال الذين يمارسون الكذب، وإن كان هدف الأهل الأساسي هو الردع عن هذه الآفة السيئة وإحلال الصدق كقيمة أخلاقية بدلاً منها، لكن ذلك يقود إلى آفة بديلة، لا تقل خطورة عن الكذب وهي العصبية الشديدة، وقد تؤدي بالطفل إلى التفنن في وسائل الهروب وإخفاء الحقيقة.
ومن الوجهة الفلسفية والتحليلية فالكذب لا يعتبر كذباً إلا إذا توافرت النية والقصد في الموضوع، فالذين يقولون أموراً علمية يتوهمون أنها صحيحة وهي في الحقيقة خلاف ذلك، لا يمكن أن نعتبرهم كاذبين، أو أن الذي ينقل خبراً على أنه صحيح متوهماً الصدق فيما يقول، ويكون الخبر كاذباً فهذا ينطبق عليه القول المتعارف عليه - ناقل الكفر ليس بكافر- من أجل ذلك قامت في الأوساط الفكرية والاجتماعية والفلسفية دراسات حول طريقة استقصاء الأخبار وغربلتها حتى لا يقع الناقلون بالكذب على غير رغبة منهم في ذلك.
والكذب عند الأطفال يتأثر بأمرين اثنين هما: طلاقة اللسان، والمهارة في عرض الحجج وخصوبة الخيال، التي تصل أحياناً إلى حد الأساطير الخارقة، وبالنسبة للأطفال، لا يجب أن يفهم كذبهم بنفس المستوى والمفهوم اللذين يعرفان عند البالغين، فقد يكون الكذب عند
الأطفال وسيلة من وسائل بناء الذات.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1ـ د. عبد المنعم المليجي، د. حلمي المليجي، النمو النفسي، ص 414.
2ـ أندريه آرتوس، طفلك ذلك المجهول، ترجمة عبد المنعم الزيادي، ص 80.
3ـ د. عبد الرحمن العيسوي، الإرشاد النفسي، ص 73.
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
لحماية التراث الوطني.. العتبة العباسية تعلن عن ترميم أكثر من 200 وثيقة خلال عام 2024
|
|
|