أقرأ أيضاً
التاريخ: 5-2-2016
2280
التاريخ: 10-10-2014
1905
التاريخ: 18-11-2014
3595
التاريخ: 29-11-2020
3033
|
يجدر بنا أن ندرسها من جانبين يختلفان عن جانب دراستنا السابقة للقصّة :
الجانب الأوّل :
هو ملاحظة ميزات وخصائص المراحل العامّة التي مرّ بها موسى في حياته.
الجانب الثاني :
هو ملاحظة الموضوعات التي تحدّثت عنها القصّة بشكلٍ عام.
الأوّل : مراحل حياة موسى (عليه السلام) :
وبصدد الجانب الأوّل نجد موسى (عليه السلام) قد مرّ بمراحل ثلاث رئيسة خلال حياته؛ حيث تبدأ المرحلة الأُولى بولادته وتنتهي ببعثته إلى فرعون وقومه ، وتبدأ الثانية من البعثة وتنتهي بالعبور ، وتبدأ الثالثة بالخروج وتنتهي بنهاية حياته.
ويعتمد هذا التحديد في المراحل الثلاث على المقدار الذي تحدّث القرآن الكريم فيه عن حياة موسى (عليه السلام).
وتتمثّل المرحلة الأُولى من حياة موسى في دورين :
الأوّل :
ينتهي بخروجه من مصر خائفاً.
الثاني :
هو الذي ينتهي برؤيته النار عند بعثته.
وحين نلاحظ الظواهر العامّة في هذين الدورين يبرز لنا موسى في شخصيّته ذلك الإنسان الذي يريد الله سبحانه أن يعدّه لأعباء مهمّة تخليص بني إسرائيل من الظلم الاجتماعي الذي حاق بهم ، وتخليص شعب مصر من عبوديّة الأوثان وهدايتهم لوحدانيّة الله سبحانه.
وتتلخّص هذه الظواهر بميزات ثلاث لها دور كبير في شخصيّة الإنسان القائد ، وهي كالتالي :
الأُولى :
المركز الاجتماعي الذي كان يتمتّع به موسى ـ دون بني إسرائيل ـ نتيجةً لتبنّي العائلة المالكة في مصر تربيته ورعايته.
وهذا المركز الاجتماعي الفريد وإن كان قد فقد تأثيره ـ إلى حدٍ كبير ـ بعد هروب موسى من مصر بسبب قتله الفرعوني ، ولكنّنا يمكن أن نتصوّره عاملاً مهمّاً في إظهار موسى ـ في المجتمع بشكلٍ عام ، والإسرائيلي بشكلٍ خاص ـ شخصيةً تتبنّى قضيّة الدفاع عن بني إسرائيل وتعمل من أجلها.
ولعلّ ضياع هذا المركز الاجتماعي المهم بسبب قتل الفرعوني ، هو الذي يفسِّر لنا نظرة موسى إلى قتل الفرعوني ـ نظرته ـ إلى ذنبٍ يستحقّ الاستغفار والتوبة منه إلى الله تعالى ، حيث ضيّع موسى بهذا العمل الارتجالي ـ الذي صدر منه بدوافع نبيلة وصحيحة ـ فرصةً ثمينةً كان من الممكن استثمارها في سبيل استنقاذ الشعب الإسرائيلي ، خصوصاً إذا أخذنا بنظر الاعتبار أنّ موسى كان يتّصف بالعلم والحكمة في هذه المرحلة كما وصفه القرآن الكريم.
الثانية :
الشعور الإنساني والحس النبيل الذي كان يحسّ به موسى بوصفه إنساناً يتحلّى بالأخلاق الكاملة.
ويتمثّل لنا هذا الخلق الإنساني في ثلاثة مواقف لموسى جاءت ضمن هذه المرحلة من حياته ، وهي :
قتله الفرعوني ، ومحاولته لضرب الفرعوني الآخر ، وتبرّعه بمعاونة ابنتي الشيخ الذي أصبح صهراً له بعد ذلك ، وما يُشعر به وصف ابنة الشيخ له بأنّه قويٌّ أمين.
فإنّ هذه المواقف تعبّر عن المحتوى الداخلي والشعور الإنساني الذي كان يعيشه موسى (عليه السلام) ، فهو يبادر لنجدة المظلوم بالرغم من تربيته في البيت الفرعوني المالك ، هذه التربية التي كان من الممكن أن تعطيه الشعور بالتميّز الطبقي الذي يختلف عن عمله الإنساني هذا ، ثمّ لا يكتفي بأن يرتكب ذلك مصادفةً بل يندفع ليقوم بنفس العمل حين يجد من يستصرخه إليه مع شعوره بحراجة موقفه الاجتماعي نتيجةً لهذا العمل.
وفي موقفه من ابنتي الشيخ ، نجد موسى تدفعه ذاته الخيّرة النبيلة للسؤال عن تلكؤهما في السقاية ، ويعرض المعاونة عليهما في حالة الحاجة إليها ، ونجده يخفّ إلى تنفيذ ذلك دون أن ينتظر منهما أجراً أو مثوبةً ماديّة ، على الرغم من ظروفه الموضوعيّة الخاصّة الصعبة.
الثالثة :
القوّة البدنيّة والشجاعة التي كان يتمتّع بها موسى ، ويكشف لنا عن ذلك موقفه من الفرعوني وقضاؤه عليه بوكزةٍ واحدة ، والالتزام الذي أخذه على نفسه بأن لا يكون ظهيراً للمجرمين ، حتّى بعد قتله الفرعوني الأوّل وشعوره بحراجة موقفه ، ووصف ابنة الشيخ له بأنّه (قوي) ، خصوصاً إذا أخذنا بالتفسير الذي يقول : إنّ موسى حين سقى لابنتي الشيخ طرد السقاة عن البئر من أجل أن يعجّل بالسقاية لهما.
وهذه الميزات الثلاث تحقّق شروطاً ضروريةً لحمل أعباء الرسالة التي أراد الله سبحانه لنبيّه موسى القيام بها ، ولعلّ في الإمداد الإلهي في قصّة مولده ونجاته من الذبح عاملاً جديداً في خلق الأجواء النفسيّة والاجتماعية والروحية ، والظروف المناسبة لتأهيل هذا الإنسان لقيادة شعبه المضطهد.
وتمثّل المرحلة الثانية مسؤوليتين :
إحداهما : هداية قوم فرعون إلى وحدانيّة الله والإيمان بربوبيّته.
والأُخرى : دعوة بني إسرائيل للخلاص من الاضطهاد والظلم الذي كانوا يعانونه في مصر.
وقد توسّل موسى من أجل تحقيق هذين الهدفين البارزين في حياة دعوته بأساليب مختلفة ومتعددة ، كانت تبتدئ بالمناقشة الهادئة والكلام الليّن والحجّة التي تعتمد على المنطق والعقل ، وتنتهي بالعذاب والرجز الذي أنزله الله سبحانه وتعالى عليهم في آيات عديدة.
كما أنّه من جانبٍ آخر ، كان يدعو بني إسرائيل إلى الاستعانة بالله ، والصبر على المكاره ومواصلة الطريق من أجل الخلاص.
والقرآن الكريم وإن كان لا يتحدّث عن المدّة التي عاشها موسى من أجل تحقيق ذلك ، ولكن من الممكن أن نتبيّن أنّ هذه المدّة كانت طويلةً نسبيّاً ، خصوصاً إذا لاحظنا الآيات القرآنية التي تُشير إلى المعجزات التي جاءت على يد موسى ، وأنّها كانت في سنين متعددة.
كما يؤيّد ذلك ـ أيضاً ـ أمر الله سبحانه لموسى بأن يتّخذ بيوتاً مع قومه ويجعلها قبلة تنطلق منها الدعوة.
ويبدو أنّ موسى لم يصل إلى نتيجةٍ واضحةٍ بصدد تحقيق الهدف الأوّل مع فرعون وقومه ، لذا قرّر الهجرة ببني إسرائيل ، والعبور بهم إلى الجانب الآخر من البحر.
ولا يُشير القرآن بشكلٍ قاطعٍ إلى أنّ هذه الحركة في بدايتها كانت برضا فرعون ، بعد أن شاهد هذه المعجزات وآيات العذاب ، أو أنّها كانت بدون رضاه ، ولكن قد يكون في قصّة مطاردة فرعون بجنوده لموسى وبني إسرائيل ، دلالة على أنّ الحركة كانت رغماً على فرعون وبدون رضاه.
ونحن يمكن أن نلاحظ في هذه المرحلة أُموراً ثلاثة :
الأوّل :
إنّ بني إسرائيل كانوا يلتفّون حول موسى دون أن يكون هناك خلاف في صفوفهم ، أو دون أن يبرز هذا الخلاف إلى السطح الاجتماعي ، والقرآن وإن كان لا يصرّح بشيءٍ من ذلك ، ولكن تدعونا إلى هذا الحكم طبيعة الأشياء ، حيث كان الإسرائيليّون بالأصل أهل كتاب ونبوّات ، كما أنّهم كانوا يتعرّضون لأشدّ ألوان العذاب ، وبذلك هم ينشدون الخلاص.
إضافةً إلى سكوت القرآن عن إبراز أي خلاف بين بني إسرائيل وبين موسى في هذه المرحلة ، واستجابة بني إسرائيل إلى متابعة موسى في هذه الهجرة من مصر.
نعم يُشير القرآن إلى نقطتين قد يُفهم الخلاف منهما؛ هما : قلّة الأشخاص الذين آمنوا بموسى من قومه ، واعتراضهم عليه بنزول الأذى ، فيهم قبل موسى وبعده.
الثاني :
إنّ موسى كان يعمل بوسائل شتّى من أجل إنجاح دعوته ، فكان يتوصّل إلى ذلك بالمناقشات الهادئة مرّةً ، وبالمعاجز والآيات ذات الطابع الانتقامي الشديد ثانية ، وبالصبر والصمود والانتظار ثالثة.
وقد توصّل نتيجةً لذلك إلى تحقيق بعض أهدافه ، حيث نجد الدعوة تحقّق نجاحاً في صفوف بعض الفرعونيّين ـ أيضاً ـ كإيمان السحرة له ووجود ظاهرة مؤمن آل فرعون وإيمان زوجة فرعون.
الثالث :
إنّ موسى كان يعتمد للحماية من الغضب والانتقام الفرعوني على جهاتٍ متعدّدةٍ يمكن أن نلحظ منها التفاف بني إسرائيل حوله وهم يمثّلون أُمّةً كبيرةً من الناس وإن كانت مضطَهدة ، ومركزه الاجتماعي السابق في البيت الفرعوني المتميّز ، واستجابة بعض الفرعونيّين لدعوته وخصوصاً زوجة فرعون؛ ولعلّ موقف مؤمن آل فرعون من الائتمار بموسى لقتله يُشير إلى العنصر الأخير من الحماية؛ وكذلك قبول فرعون بالدخول معه في مناقشة ومباراة تمثّل العنصر الثاني ، إضافةً إلى قضيّة الآيات والمعاجز وإيمان السحرة به.
وتمثل المرحلة الثالثة :
جانب استقلال الجماعة والحكم وما يستتبعه من مضاعفات وخلافات؛ ذلك لأنّ الدعوة في مرحلتها الأُولى تعمل من أجل تحقيق أهداف عامّة ، وترفع شعارات معيّنة ، وفي هذه الأهداف والشعارات قد تلتقي آمال الشعب كلّه وتتجمّع تدريجاً ، وأمّا حين يأتي دور تحديد هذه الأهداف في صيغ معيّنة وطريقة خاصّة ، وتطبيق هذه الشعارات في نهج وأُسلوب خاص وتجسيدها عمليّاً فقد نجد بعض الأعضاء في المجموعة لا يلتقي مع هذا التحديد والتطبيق في مصالحه الخاصّة أو أفكاره وعقليّته الاجتماعية ، بل قد تتعارض المصالح الخاصّة أو المنافع التي يحصل عليها الإنسان في مسيرة عمله أو المواقع التي ينتهي إليها مع هذه الأهداف والشعارات ، حيث إنّ الأهداف والشعارات الإلهيّة الرساليّة تنطلق من المبادئ ومتبنّيات الفطرة الإنسانية التي أودعها الله تعالى في الإنسان وهي في البداية لا تبدو أنّها متناقضة مع رغبات الإنسان وميوله ، بل هي محبوبة وحسنة في نظر الإنسان خصوصاً المظلومين من الناس.
وأمّا في دور التطبيق والتجسيد حيث تتحوّل هذه المبادئ إلى واقع خارجي وحدود وقيود لهذه الحركة أو ذلك الموقف أو لتلك المصلحة ، فعندئذٍ تتناقض مع الهوى والشهوات والطموحات الذاتية للإنسان.
ولذلك نجد في هذه المرحلة بوادر الخلاف تبدو في الشعب الإسرائيلي ، وتطفو على السطح اتجاهات شتّى : فكريّة ومصلحيّة ونفسيّة و... حتّى أنّها تتحوّل أحياناً إلى المروق عن الدين أو إلى التمرّد على الجماعة والنظام.
ففي جانب الفكر والعقيدة ـ مثلاً ـ نجد تأثيرات المجتمع الوثني على الإسرائيليّين تظهر بشكلٍ واضح ، حيث يطلبون من موسى ـ عندما مرّوا على جماعةٍ يعبدون الأوثان ـ أن يتّخد لهم أصناماً وآلهةً كما لهؤلاء القوم آلهة ، مع أنّ الإسرائيليّين بالأصل هم ذريّة إبراهيم وإسحاق ويعقوب الذين حملوا رسالة التوحيد ورفضوا الوثنيّة والأصنام؛ كما تبرز هذه الرواسب والمخلّفات مرّةً أُخرى عندما اتّخذوا العجل إلهاً لمجرّد أنّهم رأوا فيه ظاهرةً غير طبيعية ، وفي موقفهم في الميقات عند الاستغفار ـ أيضاً ـ حينما طلبوا أن يروا الله جهرة.
وفي جانب المصالح نجد موقف قارون وجماعته وإيذاءهم موسى وتمرّدهم على أوامره وغير ذلك من الإشارات القرآنية التي تُشير إلى عوامل النفاق والمعارضة.
وفي جانب الواقع الروحي والنفسي تُشير قصّة الدخول إلى الأرض المقدّسة وغيرها من الإشارات القرآنية إلى رواسب الضعف والاستخذاء والخوف.
فالميزة الرئيسة لهذه المرحلة هي : ظهور هذه الخلافات المتعدّدة ومعاناة النبي موسى منها على اختلاف اتجاهاتها ودوافعها ، وهذه الظواهر هي من مستلزمات المجتمع الذي تتحكّم فيه عقيدة جديدة ونظام جديد.
ونجد موسى في كلّ هذه الخلافات مثال القائد الحكيم ، والنبي العطوف الذي يأخذ قومه بالشدّة في مروقهم عن الدين كما في قضيّة العجل ، وباللين في جوانب أُخرى؛ فيدعو الله سبحانه لهم بالرحمة والمغفرة كما في قضيّة الميقات.
الثاني : موضوعات القصّة :
وبصدد الجانب الثاني من دراسة القصّة : نجد القصّة تحدّثت عن ستّة موضوعات رئيسة ، وهي كالتالي :
1 ـ بعثة موسى ومعاجزه.
2 ـ أساليب الدعوة وأدلّتها.
3 ـ مواجهة الكافرين له من فرعون واتباعه.
4 ـ التحريفيّة في العبادة.
5 ـ الحياة الشخصيّة لموسى.
6 ـ الأوضاع العامّة للشعب الإسرائيلي.
وقد جاءت هذه الموضوعات الرئيسة المتعدّدة في مواضع من القرآن مختلفة ومتفرّقة ، ويجدر بنا أن نُشير إلى الأهداف العامّة التي توخّاها القرآن الكريم من وراء الإشارة أو تأكيد هذه الموضوعات مع بيان المهم منها..
1- بعثة موسى ومعاجزه :
لا شكّ أنّ من الأهداف الرئيسة التي تواخّاها القرآن الكريم هو ربط الإنسان بعالم الغيب ، وتأكيد إيمانه وتوجيه فطرته الأصيلة التي فطره الله تعالى على الإيمان به وجهةً صحيحة؛ لأنّ الإنسان بدأ من الغيب وينتهي بعالم الآخرة الذي هو غيب ويبقى مرتبطاً ومتفاعلاً من الناحية الواقعية مع الغيب في كلّ أدوار حياته وشؤونها.
ومن أجل هذا الهدف الرئيس نجد القرآن يتحدّث في مواضع كثيرة عن عالم الغيب وجوانبه المتعدّدة وبعض القوانين العامّة التي تتحكّم فيه ، والعلاقات التي تسوده ، إضافةً إلى طرحه مفاهيم معيّنة عن هذا العالم قد لا يكون لها أثرٌ كبير في حياته الدنيويّة غير هذا الربط الذي يهدف إليه القرآن الكريم ، كما عرفنا ذلك في طرح مفاهيم اللوح والقلم والكرسي والعرش عندما تناولنا تفسير المعنى.
وعلى هذا الأساس يمكن أن نرى أنّ هذا الهدف مما استهدفه القرآن من قصّة موسى.
ولعلّ في هذا ما يُبرّر الاهتمام القرآني في تكرار هذا الموضوع وإعطاء تفصيلاتٍ كثيرة عنه في القصّة ، وإذا أردنا أن نقارن بين الآيات التي جاءت تتحدّث عن هذا الموضوع ، والآيات التي تحدّثت عن بقيّة الموضوعات الأُخرى في القصّة لوجدنا هذا الموضوع يكاد يطغى على بقيّة الموضوعات ، من حيث ما ذكر فيه من تفصيلات.
فقد وجدنا أنّ هذا الموضوع يُشار إليه في مواطن عديدة منها : كيفيّة البعثة ، وفي معجزة العصا واليد ، وفي توالي الآيات على الفرعونيّين من الدم والجراد والقمل والطوفان ونقص السنين ، وفي انفلاق البحر لبني إسرائيل ، وفي موت الأشخاص الذين اختارهم موسى لميقات ربّه ثمّ بعثهم ، وفي قضيّة قارون وخسف الأرض به ، وفي نتق الجبل وغيرها من الآيات الأُخرى ، وتكاد قصّة موسى تستوعب هذه الأُمور أكثر من غيرها.
وإضافةً إلى هذا الهدف القرآني العام لاحظنا في دراستنا السابقة أهدافاً ثانويّة فرضها السياق القرآني ، وكان من أهمّها :
إيضاح فكرة أنّ صدود الكافرين عن الدعوة وعدم انخراطهم فيها لم يكن نتيجة سبب موضوعي مرتبط بالدعوة نفسها أو شخصيّة النبي ، وإنّما يكون بسبب الظروف النفسيّة والاجتماعية التي يعيشها الكافرون أنفسهم ، حيث تتحوّل المواقف السلبية اليوميّة من خلال الصراع ، أو العادات والتقاليد الموروثة ، أو الانحرافات الجزئيّة ، إلى حالةٍ نفسيّةٍ تغلّف القلب والعقل ، وتختم عليه فيصبح الجحود هو الموقف العام دون أن يستخدم الإنسان عقله أو فطرته.
وبذلك يكون إيضاح هذا القانون الاجتماعي له تأثير كبير على فهم المواجهة بين المسلمين والكافرين أيام النبي محمّدٍ (صلّى الله عليه وآله) وما بعدها.
كما أنّ الإشارة إلى تفاصيل الآيات بشكلٍ خاصٍّ في عصر موسى وغيره يبيّن بوضوح المبرّر لعدم مجيء الآيات في عهد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، كما أشار القرآن الكريم إلى ذلك ، حيث يصبح من الواضح أنّ الأنبياء السابقين بالرّغم من أنّهم جاؤوا بالآيات ولكنّهم لم يتمكّنوا من خلالها أن يكسروا هذا الحاجز النفسي والقلبي ، وأنّ هذه الآيات إنّما جاءت للعذاب والانتقام.
2- أساليب الدعوة وأدلّتها :
لا شكّ أنّ العقيدة في الدعوة الإلهيّة تمثّل جانبين :
الجانب الإلهي فيها وهو الإيمان بوجود الله تعالى ووحدانيّته وصفاته ، وهذا جانب يمكن أن يعتمد في معرفته على العقل والدليل والبرهان.
والجانب الآخر الذي يعبّر عن ارتباط الداعية (الرسول) بالله سبحانه وصدوره عن أمره تعالى ، وهذا الجانب قد لا يمكن إثباته مبدئيّاً إلاّ عن طريق المعجزة(1).
فالمعجزة تعبير عن الاستجابة إلى الحاجة في هذا الجانب من الدعوة ـ كما شرحنا ذلك في بحث المعجزة ـ بخلاف الجانب الأوّل الذي يمكن فيه الاعتماد على أُسلوب الأدلّة والبراهين المنطقيّة والوجدانية.
وعلى هذا الأساس ـ أيضاً ـ لم يترك الأنبياء هذه الأدلّة المنطقيّة والوجدانية في مخاطبتهم للناس بالدعوة إلى الله وتوحيد الإله ، ولم يكتفوا بالإتيان بالمعجزات على أساس أنّها الدليل الوحيد لإثبات ذلك وإن كنّا لا ننكر ما للمعجزة من تأثيرٍ كبيرٍ في الجانب الأوّل من العقيدة أيضاً.
وفي قصّة موسى نجد في الموضوعات التي تحدّثت عنها القصّة هذه الأساليب والأدلّة وأكّدتها في مواضع عديدة ، حيث تناولت بعض الأدلّة والبراهين التي اعتمدها موسى في مخاطبة فرعون إضافةً إلى المعجزات.
بل نجد أنّ هذه المخاطبة (مخاطبة العقل والوجدان) جاءت قبل أن يستند موسى إلى دليلٍ آخر من الآيات والمعجزات؛ لأنّ التسلسل المنطقي للتفكير والانفعال كان يفرض ذلك ، فإنّ النبي يخاطب العقل والوجدان في بداية الأمر ، ثمّ يعمل بعد ذلك على كسر الحواجز النفسيّة والروحيّة التي تمنع العقل والوجدان من الإدراك والفهم.
كما نجد موسى في هذه المخاطبة يتبع الأساليب المختلفة التي كانت تتّصف باللين والرفق تنفيذاً لأمر ربه ، فكان يتوسّل إلى فرعون أحياناً ، ويذكّره بآيات الله أحياناً أُخرى ، كما قد يُشير إلى عذاب الآخرة وعاقبة الإصرار على الكفر والطغيان ، كلّ ذلك من أجل أن يحقّق النبيُّ غاياته التي يرمي إليها وهي هداية الناس إلى الله سبحانه.
ويهدف القرآن الكريم من تناول هذا الموضوع في القصّة وغيرها إلى هدفٍ من أهدافه الرئيسة وهو : تأكيد أنّ مسألة الإيمان بالله سبحانه ليست مسألةً غريبةً في حياة الإنسان ، غرابة المعاجز والآيات ، وإنّما هي شيءٌ فطريٌّ ينبع من ذات الإنسان ويهديه إليها عقله وحسه ووجدانه ، ولذلك اعتمد الأنبياء مخاطبة الناس عن هذا الطريق قبل أن يخاطبوهم عن طريق المعجزة والآية.
كما أنّه يهدف ـ أيضاً ـ إلى أن الرسول (صلّى الله عليه وآله) حين يدعو الناس إلى الله لا يكتفي بطرح الفكرة فحسب ، ويطلب منهم الإيمان المقلّد الساذج نتيجةً لوجود المعجزة ، وإنّما يحاول أن يصل إليهم ويتوسّل إلى إيمانهم عن طريق الدليل والبرهان العقلي والمخاطبة الوجدانية.
وإضافةً إلى الأدلّة والبراهين ، نجد في القصّة إشارات إلى عدّة قضايا مهمّة ترتبط بالدعوة ونجاحها :
الأُولى :
قضيّة الصبر والصمود ، والأمل بالمستقبل والثقة بالله والتوكّل عليه.
الثانية :
قضيّة الطاعة للقيادة والنظم في العمل.
الثالثة :
الاطّلاع على موقف الأعداء وحركتهم ، كما يظهر ذلك في قضيّة مؤمن آل فرعون ومجيء الرجل من أقصى المدينة.
3- مواجهة الكافرين والمنافقين :
يعطينا القرآن الكريم صوراً وألواناً من المواجهة التي تحصل بين النبي وجماعته من جانب ، والكافرين بدعوته أو أُولئك المنافقين المتظاهرين بقبولها ، ولكنّهم يعادونها في مواقفهم وأعمالهم من جانبٍ آخر.
وتتّخذ هذه المواجهة صوراً وألواناً مختلفة متفاوتة على اختلاف مدى نجاح النبي في الدعوة ، وسعة أهدافه ، ومقدار معارضته للمفاهيم الاجتماعية السائدة.
وتكاد تكون هذه المواجهة شيئاً طبيعيّاً نتيجة الصراع الذي يدور بين الفكرة الجديدة وأنصارها والفكرة السائدة في المجتمع وحماتها.
والقرآن الكريم حين يعرض هذا الموضوع في قصّة موسى يريد أن يؤكّد هذا المفهوم الاجتماعي والسنّة التأريخية في الصراع ، وأنّ هذه المعارضة التي حصلت للنبي (صلّى الله عليه وآله) ليست بدعاً في التأريخ ، وإنّما هي النتيجة الطبيعية للصراع الفكري والسياسي؛ كما أنّنا نجد في هذا العَرْض للموضوع في القصّة إيضاحاً للأعباء التي يتحمّلها النبيُّ في سبيل الدعوة ، وأنّها ليست أعباءً عاديّةً يتمكّن أيُّ إنسانٍ من أن يتحمّلها ، وإنّما هي تحتاج إلى إرادةٍ قويّةٍ وعزمٍ شديد وتصميم عميق الجذور على السير في خط الدعوة ، حتّى في أشدّ الظروف الموضوعيّة قسوة وأبعدها ملائمة ، ويتعرّض فيها الرسول إلى ألوان من العذاب النفسي والجسدي ، والأخطار التي ترتبط بحياته وسمعته وشخصيّته ، بل قد ينتهي الأمر بأن يتعرّض النبيُّ إلى القتل والاغتيال نتيجةً لذلك.
وهذه الآلام قد تكون بسبب الموقف الخارجي للأعداء الظاهرين العلنيين ، وقد تكون من مرضى القلوب والنفوس أو ضعفاء الإيمان والبسطاء والجهّال من الناس.
وحين يُشير القرآن إلى ألوان المواجهة وأساليبها في هذه القصّة نجد أنفسنا أمام الواقع الاجتماعي الذي كان يواجه به النبي (صلّى الله عليه وآله) في دعوته وأمام الأساليب والألوان نفسها ، فكأنّ قصّة موسى (عليه السلام) إنّما هي تعبيرٌ عن مسيرة دعوة النبي وآلامه ، ولعلّ هذا هو الذي يفسِّر لنا مجيء قصّة موسى بهذا القدْر من التفصيل في القرآن الكريم.
4- الجانب التحريفي في العبادة :
من الموضوعات المهمّة التي تعرّضت لها القصّة هو : الجانب التحريفي في العبادة ، فإنّ بني إسرائيل وغيرهم ـ كما يبدو من انقيادهم لموسى ـ آمنوا به وبدعوته ، ولكنّ هذا الإيمان بالشعارات العامّة التي كان يرفعها موسى لا يعني أنّهم كانوا يعرفون محتواها الأصيل بأدق معانيه ، الأمر الذي لو حصل كان من الممكن أن يصدّهم عن الانسياق وراء أفكارٍ وثنيّةٍ أُخرى؛ لذلك نجدهم وهم قد خلصوا من عذاب فرعون ومطاردته تطفو على أفكارهم ومشاعرهم الكثير من الرواسب الوثنيّة ذات المدلول المنحرف ، هذه الرواسب التي كانوا قد تأثّروا بها في المجتمع الفرعوني الذي كانوا يعيشون فيه.
وهي حين تطفو على السطح لا يعني أنّهم كانوا قد تنازلوا عن شعاراتهم السابقة ومدلولاتها أو تخلّوا عن عقيدة التوحيد ، وإنّما يعني ذلك أنّهم كانوا يفهمون مدلول الشعارات بالشكل الذي ينسجم مع هذا العمل المنحرف؛ فالعجل في نظرهم هو تجسيد للإله الذي دعا إليه موسى ، والأصنام هي الوسائط المادّيّة للتعبير عن العبادة للإله الذي دعا إليه موسى... وهكذا.
ولعلّ القرآن الكريم يهدف في هذه الإشارة إلى ناحيتين :
الأُولى :
مناقشة أفكار الجاهليّين المعاصرين لنزول القرآن ، حين كانوا يقولون في أصنامهم ويعلّلون عبادتهم لهم : بأنّهم اتخذوها واسطةً وزلفى إلى الله.
الثانية :
إنّ الإنسان حين يؤمن بالرسول ويحظى بصحبته ويستمع إليه لا يعني أنّه قد تجرّد دفعةً واحدةً عن جميع محتوياته الداخلية ، وقضى على كلِّ الرواسب التي لا تلتقي في واقعها مع أصالة الرسالة والدعوة التي يدعو إليها الرسول ، وإنّما غاية ما يدلّ عليه ذلك هو الإيمان بالمدلول الحرفي للشعار ممّا أشار إليه القرآن في بعض الموارد حين ميّز بين ادّعاء الإسلام والإيمان :
{قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ ...} [الحجرات : 14].
وهذه المظاهر من أخطر الظواهر التي واجهت الأديان الإلهيّة حيث تعرّضت للتحريف في العبادة والعلاقة مع الله تعالى مع الاحتفاظ بنفس المفاهيم والشعارات الأصليّة ، ووجد المحرِّفون دائماً المسوغات والذرائع والعناوين التي يوجّهون فيها هذه الانحرافات.
ومن أجل ذلك تبنّى الإسلام مبدأ التوقيفيّة في العباد والتزم بأنّها منهجٌ معيّنٌ يضعه الله سبحانه للإنسان ليصوغ به غريزة التديّن وإحساسه بالدين ، ويحدّد فيه شكل العلاقة بالله تعالى وصيغتها ، ولا يصح للإنسان أن يتصرّف في هذا الأمر بحسب ميوله أو اجتهاده للتعبير عن هذه العلاقة؛ والسر في ذلك كلّه هو أنّ طبيعة هذه العلاقة بين الله تعالى والإنسان إنّما هي علاقة غيبيّة؛ لأنّ طرفها الآخر هو الله تعالى ولا يمكن للإنسان ـ وهو موجود مادّي ـ أن يدرك الطريق الذي يوصله للتقرّب إلى الله تعالى بنفسه ، فلا بُدّ له من أجل تحقيق ذلك أن يشخّص الله تعالى هذا الطريق ، فقد يكون ما يتصوّره الإنسان مقرِّباً إلى الله مبعداً عنه ، كما جاء ذلك في بعض النصوص التي وردت عن أهل البيت (عليهم السلام).
5- الحياة الشخصيّة لموسى :
لقد تناولت الموضوعات السابقة من قصّة موسى بعض التفاصيل عن الحياة والسيرة الشخصيّة لموسى خصوصاً الوقت الذي سبق بعثته (عليه السلام).
ولعلّ القرآن الكريم استهدف من وراء عرض هذا الموضوع في قصّة موسى هدفين :
الأوّل :
ما أشرنا إليه سابقاً في تحليلنا مقاطع القصّة من سورة القصص من أنّ هذه التفصيلات قد تدل على جانبٍ من إعجاز القرآن ، حيث يدلّ الاطّلاع عليها على مدلولٍ يختلف عن مدلول الاطّلاع على أحوال موسى (الرسول)؛ لأنّ أحوال موسى (الرسول) كانت تتحرّك في المجتمع العام ، وبذلك تكون معروفةً بشكلٍ طبيعيٍّ ويتناقلها التأريخ ، على خلاف أحوال موسى (الرسول) قبل البعثة ، خصوصاً إذا كانت هذه التفاصيل ممّا ينفرد به القرآن ، الكريم عن الكتب السماوية الأُخرى.
الثاني :
ما أشرنا إليه في بحث مراحل الدعوة من أنّ هذا الجانب يبرز لنا موسى في صورة الإنسان الذي قد أعدّه الله تعالى للقيام بأعباء الرسالة ، وأنّه يتمكّن بما يتمتّع به من خلق وعاطفة وجرأة ومكانة على تحمّل أعباء الدعوة.
ويمكن أن نضيف إلى ذلك ـ أيضاً ـ أنّ من خلال تعرّف حياة موسى الشخصيّة سوف تتكشّف لنا بعض الأوضاع الاجتماعية السائدة حينذاك في المجتمع الفرعوني ، ومستوى الظلم الذي كان يعاني منه الإسرائيليّون واستسلامهم لهذا الواقع المرير ، وما أنعم الله به سبحانه على بني إسرائيل عامّةً وموسى بشكلٍ خاص.
6- الأوضاع العامّة للشعب الإسرائيلي :
لقد تناول القرآن الكريم بعض الأوضاع والصفات العامّة للشعب الإسرائيلي ، وأشرنا إلى بعضها عند دراستنا للمرحلة الثالثة من دعوة موسى ، ويمكن أن نلخّص ما تكشف عنه هذه الأوضاع والصفات التي تناولها القرآن في : أنّ الشعب الإسرائيلي كان يتّصف بازدواجيّةٍ مريعة نتيجةً لمختلف الظروف التأريخية والاجتماعية التي مرّ بها ، والتي تراكمت آثارها المتنوّعة والعميقة في سلوكه الاجتماعي ومحتواه النفسي والروحي.
وكانت تتمثّل هذه الازدواجية في الشعور بالعظمة والامتياز والقربى من الله بوحيٍ من تأريخه المجيد الذي عاشه آباؤه وأجداده ، كتأريخ النبوّات والمقام الاجتماعي المتميّز الذي كان ليوسف (عليه السلام) وانقاذه للمجتمع من الكوارث الطبيعية ، والتخطيط الاقتصادي الرائع الذي قام به ، في الوقت الذي قاسى هذا الشعب حياةً طويلةً من الاضطهاد والاستعباد ورزح في ظلِّ مستلزماتها من جهلٍ وفقرٍ وانحطاطٍ خُلُقي ونفسي واجتماعي.
ولعلّ هذه الازدواجيّة هي التي تفسّر لنا تململ الإسرائيليين وعدم تحمّلهم لأعباء الرسالة وعمليّة الخلاص والإنقاذ من ناحية ، وتمادي الإسرائيليّين في الطلبات وكثرة تمنيّاتهم على موسى وعدم استجابتهم للخط الذي رسمه لهم لإنقاذهم من ناحيةٍ أُخرى ، على ما يتمتّع به موسى من مكانةٍ عظيمةٍ عندهم؛ لأنّه كان مخلّصهم ومنقذهم من الظلم الفرعوني.
وقد استهدف القرآن من وراء إعطاء هذه الصورة للشعب الإسرائيلي تسليط الأضواء على واقع اليهود الذين كانوا يعايشون المسلمين ، وكان ينظر إليهم قبل ظهور الإسلام على أنّهم أهل الكتاب والمعرفة بالأديان وبكلّ ما يتّصل بعالم الغيب؛ وحيث تتكشّف هذه الصورة الواقعيّة لهذا الشعب (الازدواجية) وتتّضح معالمها فسوف يظهر للمسلمين مدى إمكان الاعتماد عليهم وعلى نظرتهم للأشياء ، ويتّضح تفسير موقفهم من الرسالة والنبي (صلّى الله عليه وآله).
كما يمكن أن نلاحظ ـ أيضاً ـ مدى الأثر الذي تركته سنوات الاضطهاد والظلم على الأوضاع النفسيّة والروحيّة للإسرائيليّين ، والشعور بالضعف والحذر ، ومعاناة موسى (عليه السلام) في محاولة التغلّب على ذلك؛ حيث يظهر هذا الأمر بشكلٍ واضحٍ في قضيّة دعوة موسى قومه للدخول إلى الأرض المقدّسة التي كانت هدفهم وأملهم ، خصوصاً أنّ هذه الدعوة جاءت بعد الانتصارات العظيمة التي حقّقها لهم موسى ، والاستقلال والعزّة والكرامة الإنسانية ، ومع ذلك رفضوا هذه الدعوة بسبب الخوف.
ويبدو هذا الأمر واضحاً ـ بالمقارنة ـ مع دعوة النبي للمسلمين إلى قتال الروم في معركة (تبوك) حيث استجاب عامّة المسلمين لذلك باستثناء نفرٍ منهم ، كانوا يشعرون بهذا اللون من الخوف والضعف.
__________________________
(1) قد يكون إخبار النبيّ وهو إنسان عاقل وموثوق ، وعلى مستوىً عالٍ من الكمال كافياً في تصديقه والإيمان به ، ولكنّ هذا الأمر لا يمكن أن يكون عامّاً؛ لأنّه قد يكون في موضع الاتّهام ولذا احتاج الأنبياء إلى المعجزة.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|