عاقبة قارون
المؤلف:
الشيخ ماجد ناصر الزبيدي
المصدر:
التيسير في التفسير للقرآن برواية أهل البيت ( عليهم السلام )
الجزء والصفحة:
ج 5 ص336-339
2025-06-29
457
عاقبة قارون
قال تعالى : {فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (79) وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ (80) فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ (81) وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ } [القصص : 79 - 82].
قال علي بن إبراهيم : فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ : في الثياب المصبّغات يجرها في الأرض ، قالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا يا لَيْتَ لَنا مِثْلَ ما أُوتِيَ قارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ .
فقال لهم الخلّص من أصحاب موسى :{ وَيْلَكُمْ ثَوابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً وَلا يُلَقَّاها إِلَّا الصَّابِرُونَ فَخَسَفْنا بِهِ وَبِدارِهِ الْأَرْضَ فَما كانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَما كانَ مِنَ المُنْتَصِرِينَ وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ} . قال : هي لفظة سريانيّة . {يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْ لا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا لَخَسَفَ بِنا وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ }.
وكان سبب هلاك قارون : أنّه لما أخرج موسى بني إسرائيل من مصر ، وأنزلهم البادية ، وأنزل اللّه عليهم المنّ والسلوى ، وانفجر لهم من الحجر اثنتا عشرة عينا ، بطروا ، وقالوا : {لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا} [البقرة : 61] . قال لهم موسى : {أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ} [البقرة: 61] . فقالوا كما حكى اللّه : {إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا} [المائدة: 22] . ثمّ قالوا لموسى : {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} [المائدة : 24] . ففرض اللّه عليهم دخولها ، وحرمها عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض فكانوا يقومون من أوّل الليل ، ويأخذون في قراءة التّوراة والدعاء والبكاء ، وكان قارون منهم ، وكان يقرأ التّوراة ، ولم يكن فيهم أحسن صوتا منه ، وكان يسمّى ( المنون ) لحسن قراءته ، وقد كان يعمل الكيمياء .
فلمّا طال الأمر على بني إسرائيل في التّيه والتّوبة ، وكان قارون قد امتنع من الدخول معهم في التّوبة ، وكان موسى يحبه ، فدخل عليه موسى ، فقال له : « يا قارون ، قومك في التوبة وأنت قاعد عنها ؟ ! أدخل معهم ، وإلا أنزل اللّه بك العذاب » فاستهان به ، واستهزأ بقوله ، فخرج موسى من عنده مغتما ، فجلس في فناء قصره ، وعليه جبّة من شعر ، ونعلان من جلد حمار ، شراكهما من خيوط شعر ، بيده العصا ، فأمر قارون أن يصبّ عليه رماد قد خلط بالماء ، فصّبّ عليه ، فغضب موسى غضبا شديدا . وكان في كتفه شعرات كان إذا غضب خرجت من ثيابه وقطر منها الدّم ، فقال موسى : « يا ربّ ، إن لم تغضب لي فلست لك بنبيّ » فأوحى اللّه إليه : « قد أمرت الأرض أن تطيعك ، فمرها بما شئت ».
وقد كان قارون قد أمر أن يغلق باب القصر ، فأقبل موسى ، فأومأ إلى الأبواب فانفرجت ، فدخل عليه ، فلما نظر إليه قارون علم أنه قد أوتي بالعذاب ، فقال : يا موسى ، أسألك بالرّحم الذي بيني وبينك . فقال له موسى : « يا بن لاوي ، لا تزدني من كلامك ، يا أرض خذيه » . فدخل القصر بما فيه في الأرض ، ودخل قارون في الأرض إلى ركبتيه فبكى ، وحلّفه بالرّحم ، فقال له موسى : « يا بن لاوي ، لا تزدني من كلامك ، يا أرض خذيه » . فابتلعته بقصره وخزائنه .
وهذا ما قال موسى لقارون يوم أهلكه اللّه ، فعيّره اللّه بما قال لقارون ، فعلم موسى أن اللّه قد عيّره بذلك ، فقال : « يا ربّ ، إن قارون قد دعاني بغيرك ، ولو دعاني بك لأجبته » . فقال اللّه : « ما قلت : يا بن لاوي ، لا تزدني من كلامك ؟ » . فقال موسى : « يا ربّ ، لو علمت أن ذلك لك رضا لأجبته ».
فقال اللّه : « يا موسى ، وعزّتي وجلالي ، وجودي ومجدي ، وعلوّ مكاني لو أن قارون كما دعاك دعاني لأجبته ، ولكنه لمّا دعاك وكلته إليك . يا بن عمران ، لا تجزع من الموت ، فإني كتبت الموت على كلّ نفس ، وقد مهّدت لك مهادا لو قد وردت عليه لقرّت عيناك ».
فخرج موسى إلى جبل طور سيناء مع وصيّه ، وصعد موسى عليه السّلام الجبل ، فنظر إلى رجل قد أقبل ومعه مكتل « 1 » ومسحاة ، فقال له موسى : « ما
تريد ؟ » . قال : إنّ رجلا من أولياء اللّه قد توفي ، فأنا أحفر له قبرا . فقال له موسى : « ألا أعينك عليه ؟ » فقال : بلى . قال : فحفر القبر ، فلما فرغا أراد الرجل أن ينزل إلى القبر ، فقال له موسى : « ما تريد ؟ » قال : أدخل القبر فانظر كيف مضجعه ؟ فقال له موسى : « أنا أكفيك » فدخل موسى عليه السّلام ، فاضطجع فيه ، فقبض ملك الموت روحه ، وانضمّ عليه الجبل « 2 ».
وقال الطّبرسيّ : قارون كان من بني إسرائيل ، ثم من سبط موسى ، وهو بن خالته . قال : وروي ذلك عن أبي عبد اللّه عليه السّلام « 3 ».
________________
( 1 ) المكتل : الزبيل الكبير . « النهاية : ج 4 ، ص 150 » .
( 2 ) تفسير القمي : ج 2 ، ص 144 .
( 3 ) مجمع البيان : ج 7 ، ص 415 .
الاكثر قراءة في قصة النبي موسى وهارون وقومهم
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة