المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية



السلوك السوي والسلوك غير السوي  
  
4087   09:48 صباحاً   التاريخ: 19/11/2022
المؤلف : د. علي القائمي
الكتاب أو المصدر : الأسرة والطفل المشاكس
الجزء والصفحة : ص75ــ79
القسم : الاسرة و المجتمع / الحياة الاسرية / مشاكل و حلول /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 14-3-2018 2725
التاريخ: 19/12/2022 1339
التاريخ: 2024-06-01 706
التاريخ: 15-11-2017 2048

نتطرق في بحثنا هذا الى الحديث عن كيفية ايجاد نوع من التواؤم والانسجام بين الناس وبين احد هذه النظم، حيث يعتقد علماء الاجتماع ان الشخص الذي ينسجم مع نظام معين شخص سوي وطبيعي، اما الذي لا يتواءم مع نظام ما فهو شخص غير سوي ومشاكس ومنحرف.

ويبدو من المناسب أيضا ان نبين هنا مفهوم الانسجام والمشاكسة من وجهتي نظر علم الاجتماع وعلم النفس لنتمكن من تحديد المسار والمنهج الذي نسلكه وننتهجه.

يرى علماء الاجتماع ان كلمة المشاكسة تطلق على الشخص الذي لا يقدر أو لا يرغب بمسايرة اكثرية افراد المجتمع أو الانسجام معهم بدون الخوض في كون الاكثرية على الحق أم على الباطل.

يقف المشاكسون عادة عند قطبي الحياة الاجتماعية والتجمعات الانسانية؛ فعند احد القطبين تقف فئة الاشخاص الذين يمارسون الجريمة والفساد، وهذا ما يجعلهم في معزل عن سائر افراد المجتمع، وعند القطب الآخر تقف فئة المفكرين الذين يعاكسون المسير المغلوط للمجتمع، أو يوجهونه نحو التحرك والثورة لتغيير الاوضاع السيئة.

ترى نظرية العقد الاجتماعي ان جميع الاشخاص الذين ينهضون بعبء الثورات ويزيحون الأنظمة الفاسدة أو يقفون بوجه المسار الطبيعي للمجتمع، تطلق عليهم صفة المشاكسة والتمرد مع انهم لا يعتبرون من وجهة نظر الاخلاق الدينية اشخاصاً منحرفين.

اما علماء النفس فيطلقون كلمة المشاكس على الشخص الذي لا يتمتع بالتوازن النفسي. او كما يعبر عنه علمياً بفقدان الوحدة بين ابعاد الشخصية؛ فلسانه ينطق بما لا يقره القلب، وتمارس اليد فعلا يستنكره الفكر والعقل. واستناداً الى هذه الرؤية فكل مجتمع يغص بالاشخاص المشاكسين.

نواجه في مجتمعنا الكثير من الناس الذين يفعلون خلاف ما يقولون وحين مكاشفته بالنقد يدعي بانه قد غلبه الحياء وهذا معناه انعدام الوحدة بين الفكر والعمل. ومن الطبيعي ان يدعى مثل هذا الشخص بأنه شخص غير طبيعي ويوصف في بعض الحالات بالانحراف والجنوح.

المسألة المطروحة على بساط البحث

المسألة التي تستأثر بالاهتمام هنا هي وجود اطفال واحداث ينعدم لديهم الانسجام بين ابعاد شخصية كل واحد منهم من الناحية السلوكية مع الاتجاهات الفكرية والنفسية، فيمكن القول ان شخصياتهم مصابة بالاختلال والانحراف.

تنتشر مثل هذه الانحرافات في سائر المجتمعات وبصور شتى. فقد تكون احياناً على شكل تجاهل لتعاليم الاسرة، وقد تكون احياناً أخرى على هيئة اعراض عن القيم والقوانين الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية، وتتجسد مظاهرها في ما نلاحظه ونسمع به من جرائم واعتداءات وعمليات سطو ونهب. فما تتسم به بعض فئات المجتمع لا يقتصر في حقيقة الأمر على جماعة دون أخرى، كما لا يختص بمجموعة من الناس دون غيرهم.

دلالات الانحراف

ولكن ما هو السبب في انتشار الانحراف في مجتمع ما؟ وماهي دلالاته؟ يمكن تقديم عدة أجوبة على هذا السؤال، الا ان اكثرها أهمية هو:

١ -ضعف الرقابة: أي أن انتشار هذه الظاهرة دليل على ضعف الرقابة الخارجية (كالشرطة واجهزة الرقابة الاجتماعية)، وفيه أيضاً دلالة على ضعف الوازع الداخلي (كالايمان بالمبدأ والمعاد والحساب والكتاب)، أي أن نظام الرقابة والردع الذي تنتهجه المدرسة والبيت ضعيف وقاصر عن اداء الغرض.

٢ -ضعف البناء الفكري والعقائدي: وتدل هذه الظاهرة أيضاً على اهتزاز البناء الفكري والعقائدي لابناء المجتمع، وانعدام اجهزة الارشاد والتوجيه فيه او ان دورها ضعيف وغير نافذ في جوانب الحياة.

٣ -عدم سيادة القانون: ومن الدلالات الاخرى لوجود الانحراف هي ان القانون الاجتماعي لا يحظى بالقداسة اللازمة أو أنه غير قابل للتطبيق، وعدم معرفة الناس بالقواعد والقوانين الموجودة في مجتمعهم لأن كل واحد منهم مشغول بنفسه ومنطوٍ على ذاته.

٤ -انعدام التوازن النفسي: وقد تكون هذه الحالة في بعض الأحيان انعكاساً لفقدان التوازن النفسي وتنم عن عدم سيطرة الناس على قواهم النفسية بسبب التحلل والحرية المطلقة أو بالعكس بسبب شدة الضغط والكبت.

ومهما تكن نتائج الجنوح والأسباب الكامنة وراء هذه الظاهرة، وبغض النظر عن مدى تفشيها في ذلك المجتمع فانها تؤدي في نهاية الأمر الى عدم تطبيق الامور كما ينبغي. وهذا ما يؤدي بدوره الى اختلال عمل المؤسسات، والدوائر، وضياع الاصول والضوابط الادارية، واستشراء الجرائم، والتحلل الفكري، والانحطاط الاجتماعي. أو أنها - كما يشير علماء النفس - لا ينجم عنها سوى كثرة المشاكل وزيادة المعضلات الاجتماعية، ذكرنا سلفاً ان الانحراف او الجنوح لا يقتصر على مكان دون آخر، ولا يختص بزمن او بلد دون سواه. بل هو مسألة عالمية ذات طابع شمولي، تتفاوت شدة وضعفاً بتفاوت الثقافات والمجتمعات المختلفة، ويشمل الصغار والكبار على حد سواء.

الاعمار المعروضة على بساط البحث

لا بأس بالحديث أولاً عن مراحل العمر المختلفة؛ اذ ان الانسان يمر من مطلع ولادته وحتى سنوات الشيخوخة بمراحل مختلفة لكل منها سماتها الخاصة.

١ -المرحلة التي يعبر عنها بدورالطفولة وتشمل في رأينا سنوات الطفولة حتى نهاية السنة الثانية عشر من العمر؛ وتضم طبعاً اربعة مراحل وهي: الطفولة الاولى (الى السنة الثالثة من العمر)، والطفولة الثانية (حتى السابعة) والطفولة الثالثة (حتى سن التاسعة)، والطفولة الرابعة (وتمتد حتى نهاية السنة الثانية عشر).

٢ -مرحلة المراهقة وتبدأ مع نهاية السنة الثانية عشر (تبدأ عند الفتيات قبل هذا السن بسنة أو سنتين) وتستمر حتى بداية سن البلوغ (أي ما يقارب 14 عاماً بالنسبة للفتيات و١٦ عاماً بالنسبة للفتيان). ومن الطبيعى ان تلاحظ الكثير من الاضطرابات خلال هذه الفترة، وربما يتأخر البلوغ عند الفتيان حتى سن السابعة عشر.

٣- مرحلة البلوغ وتبدأ من مرحلة النضوج الجنسي (العادة الشهرية بالنسبة للفتيات، والاحتلام بالنسبة للفتيان) وتستغرق فترة تتراوح بين السنة والسنتين حتى تبلغ ذروتها.

٤ -المراحل اللاحقة وتشمل دور الشباب، ومتوسط العمر وفترة الكبر (الكمال) والشيخوخة، وتنتهي مراحلها بالنسبة للناس العاديين بالموت.

أما الموضوع الذي نتناوله بالبحث في هذا المقام فهو انحرافات الاطفال والاحداث ولا نتجاوزها الى مرحلة البلوغ الا في القليل النادر




احدى اهم الغرائز التي جعلها الله في الانسان بل الكائنات كلها هي غريزة الابوة في الرجل والامومة في المرأة ، وتتجلى في حبهم ورعايتهم وادارة شؤونهم المختلفة ، وهذه الغريزة واحدة في الجميع ، لكنها تختلف قوة وضعفاً من شخص لآخر تبعاً لعوامل عدة اهمها وعي الاباء والامهات وثقافتهم التربوية ودرجة حبهم وحنانهم الذي يكتسبونه من اشياء كثيرة إضافة للغريزة نفسها، فالابوة والامومة هدية مفاضة من الله عز وجل يشعر بها كل اب وام ، ولولا هذه الغريزة لما رأينا الانسجام والحب والرعاية من قبل الوالدين ، وتعتبر نقطة انطلاق مهمة لتربية الاولاد والاهتمام بهم.




يمر الانسان بثلاث مراحل اولها الطفولة وتعتبر من اعقد المراحل في التربية حيث الطفل لا يتمتع بالإدراك العالي الذي يؤهله لاستلام التوجيهات والنصائح، فهو كالنبتة الصغيرة يراقبها الراعي لها منذ اول يوم ظهورها حتى بلوغها القوة، اذ ان تربية الطفل ضرورة يقرها العقل والشرع.
(أن الإمام زين العابدين عليه السلام يصرّح بمسؤولية الأبوين في تربية الطفل ، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى ، وأن التقصير في ذلك يعرّض الآباء إلى العقاب ، يقول الإمام الصادق عليه السلام : « وتجب للولد على والده ثلاث خصال : اختياره لوالدته ، وتحسين اسمه ، والمبالغة في تأديبه » من هذا يفهم أن تأديب الولد حق واجب في عاتق أبيه، وموقف رائع يبيّن فيه الإمام زين العابدين عليه السلام أهمية تأديب الأولاد ، استمداده من الله عز وجلّ في قيامه بذلك : « وأعني على تربيتهم وتأديبهم وبرهم »)
فالمسؤولية على الاباء تكون اكبر في هذه المرحلة الهامة، لذلك عليهم ان يجدوا طرقاً تربوية يتعلموها لتربية ابنائهم فكل يوم يمر من عمر الطفل على الاب ان يملؤه بالشيء المناسب، ويصرف معه وقتاً ليدربه ويعلمه الاشياء النافعة.





مفهوم واسع وكبير يعطي دلالات عدة ، وشهرته بين البشر واهل العلم تغني عن وضع معنى دقيق له، الا ان التربية عُرفت بتعريفات عدة ، تعود كلها لمعنى الاهتمام والتنشئة برعاية الاعلى خبرة او سناً فيقال لله رب العالمين فهو المربي للمخلوقات وهاديهم الى الطريق القويم ، وقد اهتمت المدارس البشرية بالتربية اهتماماً بليغاً، منذ العهود القديمة في ايام الفلسفة اليونانية التي تتكئ على التربية والاخلاق والآداب ، حتى العصر الاسلامي فانه اعطى للتربية والخلق مكانة مرموقة جداً، ويسمى هذا المفهوم في الاسلام بالأخلاق والآداب ، وتختلف القيم التربوية من مدرسة الى اخرى ، فمنهم من يرى ان التربية عامل اساسي لرفد المجتمع الانساني بالفضيلة والخلق الحسن، ومنهم من يرى التربية عاملاً مؤثراً في الفرد وسلوكه، وهذه جنبة مادية، بينما دعا الاسلام لتربية الفرد تربية اسلامية صحيحة.