أقرأ أيضاً
التاريخ: 29-04-2015
1974
التاريخ: 2-3-2016
4149
التاريخ: 3-3-2016
3997
التاريخ: 2024-09-20
128
|
نجد الزمخشري قد أغاظ خصومه أهل الظاهر والمقلدة من أهل السنة والجماعة ، حيث رفض حجية القراءات حجية تعبدية ، حتى ولو كانت على خلاف الفصحى من اللغة ، اذ لم تثبت حجيتها بهذه السعة والإطلاق ، فاذا ما تعارضت قراءة مع المقرر من لغة العرب الفصحى ، نجد العلماء المحققين أمثال الزمخشري يرفضون تلك القراءة ، حفاظاً على سلامة القرآن ، من خلل في فصاحته العليا ، الأمر الذي لم يرتضه المقلدة من أهل الظاهر ، فهبوا يهاجمونه بأشنع القذائف .
هـذا ابن عامر قارئ دمشق ، وهو أحد القراء السبعة قرأ : {وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ} [الأنعام : 137] برفع (قتل) ونصب (اولادهم) وجر(شركائهم) بإضافة (قتل) الى (شركائهم) مع الفصل بالمفعول به ، وقراءة (زين) مبنيا للمفعول .
فـأنكر عليه الزمخشري وعد قراءته هذه سمجة مردودة ، قال : وأما قراءة ابن عامر .... فشيء لو كان في مكان الضرورات وهو الشعر ، لكان سمجاً مردوداً ، كما سمج ورد :
فزججتها بمزجةٍ ـــــ زج القلوص أبي مزادة (1) .
فكيف به في الكلام المنثور ، فكيف به في القرآن المعجز بحسن نظمه وجزالته .
قال : والذي حمله على ذلك ، أن رأى في بعض المصاحف (شركائهم) مكتوباً بالياء ولو قرأ بجر الأولاد والـشـركـاء ، لأن الأولاد شـركـاؤهـم فـي أمـوالـهـم ، لوجد في ذلك مندوحة عن هذا الارتكاب (2) .
وفـي ذلـك امـتـهـان بـشـأن ابن عامر (3) واستهانة بشأن قراءته غير المستندة الى حجة معتبرة (4) ، الأمر الذي أثار نعرات القوم ضده وجعلوه يقذفونه بأقبح الشتائم . هذا ابن المنير الإسـكندري الهائم في تيه ضلاله ، يعلو بنشيجه في ذلك ، يقول في حدة وغضب : لقد ركب المصنف فـي هذا الفصل متن عمياء ، وتاه في تيهاء ، وأنا أبرأ الى اللّه ، وأُبرئ حملة كتابه وحفظة كلامه مما رماهم به ، فإنه تخيل أن القُراء ـ أئمة الوجوه السبعة ـ اختار كل منهم حرفاً قرأ به اجتهاداً لا نقلاً وسـمـاعـاً ، فـلـذلك غلط ابن عامر في قراءته هذه . ولم يعلم الزمخشري أن ابن عامر قرأ بها ، يعلم ضـرورة أن الـنبي (صلى الله عليه واله وسلم) قرأها على جبرائيل كما أنزلها عليه كذلك ، وتواترت عن النبي (صلى الله عليه واله وسلم) ولولا عذر أن المنكر ليس من أهل الشأنين : علم القراءة وعلم الأصول ، لخيف عليه الخروج من ربقة الدين ، وأنه على هذا العذر لفي عهدة خطرة وزلة منكرة (5) .
وقال أبو حيان الأندلسي : (و أعجب لعجمي ضعيف في النحو يرد على عربي صريح محض قراءة متواترة ، موجود نظيرها في (لسان العرب) في غير ما بَيت ، وأعجب لسوء ظن هذا الرجل بالقُراء الأئمـة الـذيـن تخيرتهم هذه الأمة لنقل كتاب اللّه شرقاً وغرباً ، وقد أعتمد المسلمون على نقلهم لضبطهم ومعرفتهم وديانتهم ولا التفات لقول أبي علي الفارسي : هذا قبيح قليل في الاستعمال وقال قبل ذلك : ولا التفات الى قول أبن عطية : وهذه قراءة ضعيفة في استعمال العرب ) (6) .
وقال الكواشي ـ هو أحمد بن يوسف أبو العباس الموصلي صاحب تفسير ، توفي سنة (680 هـ. ) ـ : (كـلام الـزمـخـشري يشعر بأن ابن عامر ارتكب محظوراً ، وأنه غير ثقة ، لأنه يأخذ القراءة من الـمصحف لا من المشايخ ، ومع ذلك أسندها الى النبي (صلى الله عليه واله وسلم ) وليس الطعن في ابن عامر طعناً فيه ، وإنما هو طعن في علماء الأمصار ، حيث جعلوه احد القراء السبعة المرضية ، و في الفقهاء حيث لم ينكروا عليه ، وأنهم يقرأونها في محاريبهم ، واللّه اكرم من ان يجمعهم على الخطأ).
وقـال التفتازاني : هذا أشد الجرم ، حيث طعن في أسناد القراء السبعة ورواياتهم ، وزعم انهم انما يقرأون من عند انفسهم وهذه عادته ، يطعن في تواتر القراءات السبع ، وينسب الخطأ تارة إليهم ، كما في هذا الموضع ، وتارة الى الروايات عنهم وكلاهما خطأ) (7).
وتـقـلد الآلوسي عبارة ابن المنير : (وقد ركب في هذا الكلام عمياء وتاه في تيهاء ، فقد تخيل أن القراء أئمة الوجوه السبعة اختار كل منهم حرفاً قرأ به اجتهاداً لا نقلاً وسماعاً ، كما ذهب إليه بعض الـجهلة ، فلذلك غلط ابن عامر في قراءته هذه وأخذ يبين منشأ غلطه ، وهذا غلط صريح يخشى منه الكفر والعياذ باللّه تعالى فإن القراءات السبع متواترة جملة وتفصيلاً عن أفصح من نطق بالضاد (صلى الله عليه واله وسلم ) فـتـغـلـيـط شـي مـنـهـا فـي معنى تغليط رسول اللّه (صلى الله عليه واله وسلم ) بل تغليط اللّه ، نعوذ باللّه سبحانه من ذلك ) (8) .
______________________
1- الزج : الطعن . والمزجة : الرمح القصير لأنه آلة للزج . والقلوص : الناقة الشابة ، وهو مفعول فاصل بين المضاف والمضاف إليه .
2- الكشاف ، ج2 ، ص70 .
3- هو عبد الله بن عامر اليحصبي قارئ الشام ، توفي سنة (118هـ) . كان خامل النسب خامل الذكر ، لم يعرف نسبه كما لم يعرف له شيخ ، تعلم القراءة عفواً ، وقد كرهه الناس وكرهوا قراءته ، كان يؤم الناس بالمسجد الأموي ، فلما استخلف سليمان بن عبد الملك بعث الى مهاجر وقال : قف خلف ابن عامر فإذا تقدم فخذ بثيابه واجذبه ، فلن يتقدم منا دعى ، وصلِّ أنت يا مهاجر ، ففعل . راجع : التمهيد ، ج3 ، ص186 ؛ طبقات القراء ، ط3 ، رقم 8 .
4- وقد تكلمنا عن القراءات السبع وأنها غير متواترة ، وإنما هي اجتهادات للقراء ، لا حجية فيها ذاتية في سوى قراءة عاصم برواية حفص ، فإنها لوحدها القراءة المتواترة التي توارثها المسلمون من رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) ولا حجية في غيرها إطلاقاً . راجع : التمهيد ، ج2 ، ص60-84 (مبحث القراء والقراءات) .
5- هامش الكشاف ، ج2 ، ص60 .
6- البحر المحيط لأبي حيان ، ج4 ، ص229-230.
7- بنقل الشيخ يوسف البحراني في الكشكول ، ج3 ، ص339 .
8- روح المعاني ، ج8 ، ص33 .
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|