الفكر الجيومورفولوجي في القرن التاسع عشر والقرن الشعرين- المدرسة الالمانية الحديثة |
2218
07:52 مساءً
التاريخ: 4/9/2022
|
أقرأ أيضاً
التاريخ: 13/9/2022
2607
التاريخ: 9/9/2022
912
التاريخ: 5-9-2019
1173
التاريخ: 4/9/2022
1265
|
ولقد سار عدد كبير من الجغرافيين الالمان على منوال تعاليم كل من فون ريشتهوفين، والبيريشت بنك، وسوبان، واتخذوا جميعا اتجاها تحليليا تفسيرا نقديا، وكان من ثمار التعاون فيما بينهم الوصول الى حلول موفقة لكثير من المشاكل الجيومورفولوجية. ففي مختلف الطبعات الست لكتاب سوبان والتي كان آخرها في سنة 1916، (أسس الجغرافيا الطبيعية) قسم سوبان الدراسة الى قسمين كبيرين متوازيين: أحدهما لدراسة القوى المشكلة لسطح الارض، والآخر لبحث مورفولوجية سطح الارض . وقد أنتهج سوبان في درسته منهج ريشتهوفين، بينما اتبع أريش اوبست تعاليم البريشت بنك، خاصة في دراسته المنشورة في أعوام 1913، 1915، 1923، 1930، تلك التعاليم التي تخص التقسيم المورفولوجي من الدرجة الاولى، فالجبال والتلال، والوديان، والاحواض، والسهول، والسواحل احتلت في أبحاثه مكانة منفردة، وتمت معالجة كل نمط تضاريسي من حيث الاصل والنشأة، ودرست تأثيرات لك من الانواع الصخرية والانماط المناخية في تطور تلك الاشكال الارضية.
ومن المؤلفات التي تستحق الذكر كتاب ألفريد فيليبسون أسس الجغرافيا العامة الذي يتألف من جزءين، وتم طبعه لمرة الثانية سنة 1931، عالج فيه: المبادئ الجيولوجية للدراسة الجيومورفولوجية، والقوى الخارجية وتأثيراتها، ومجموعات الاشكال الارضية. كما أهتم بدراسة التغيرات التي تطرأ على الاشكال الارضية في مختلف النطاقات المناخية. وفي ذلك بدايات طيبة لما أشتهر فيما بعد باسم الجيومورفولوجيا المناخية.
وقد كانت لفيليبسون تجار وخبرات طويلة في ميدان الدراسة الجيومورفولوجية، من خلال أبحاثه المستفيضة في أراضي حوض بحر أيجة، ورحلاته المتعددة في أنحاء أوروبا، اضافة الى جهوده المستمرة في الكشف عن الثروة الجيومورفولوجية لجبال الراين، كل ذلك أثر فيما أحتوت أبحاثه من أفكار ونظرات صابة لكثير من الظواهر الجيومورفولوجية المتنوعة.
هذا ويتبع هذا الاتجاه التحليلي التفسيري النقدي عدد غير قليل من الجيومورفولوجيين الالمان، منهم هيرمان لاوتين ساخ (1924) وفيللي أولى (1931)، وماكس ايكارت (1931) ، وليمان (1925) واندرياس أجنر (1936).
ولقد كان ألريشت بنك الرائد في تصنيف الاشكال الارضية حسب النطاقات المناخية: الرطبة، والجافة، والثلجية Nivales Klima (كلمة لاتينية معناها الثلج) في كتابه الذي صدر في برلين سنة 1910. وتبعه مع التعميق والتأكيد سابر (1917، 1922). ثم تعاون عدد من المورفولوجيين الالمان في اخراج سلسلة من الابحاث التي تعالج (مورفولوجية النطاقات المناخية) ابتداء من سنة 1927 وحتى بداية الثلاثينيات، مع العناية باتلوزيع والتحليل والربط والمقارنة. واثمرت هذه الجهود في الكشف عن (جيومورفولوجية النطاقات المناخية). وما تزال الدراسات الجيومورفولوجية التي قام بها سابر في الجهات المدارية
الرطبة ونشرها سنة 1935 هي المرجع الاساسي حتى وقتنا الحالي. فقد استعت مجالات أبحاثه لتشمل الجهات المدارية في امريكا الوسطى، وجزر الهند الغربية ، وأمريكا الجنوبية، واستراليشيا. كما نشرت له أبحاث في جهات أخرى معتدلة كحوض البحر المتوسط، وباردة وجليدية في العروض الشمالية.
ورغم ان هذا الاتجاه التحليلي التفسيري النقدي قد عالج مشاكل جيومورفولوجية عديدة، فانه لم يرس قواعد بناء نظام جديد . وفي هذا المجال نذكر ثلاثة بحاث كبار حاول كل منهم اتخاذ طريق خاص في الدراسة الجيومورفولوجية، وكان لكل منهم تأثيره في مجال البحث الجيومورفولوجي على الصعيدين المحلي، داخل نطاق المتكلمين بالالمانية، والعالمي، حيث ترجمت لمختلف اللغات أبحاث عدة لكل منهم. وهؤلاء البحاث هم ألفريد هيتنر ، وزيجفريد بسارجي ، وفالتر بنك .
وأول هؤلاء البحاث هو ألفريد هيتنر ، صاحب كتاب ظواهر سطح الارض Die Oberflaechen Formen des Festlandes الذي طبع لاول مرة سنة 1920. وهو ليس من صن الكتب المراجع، أنم هو مجمع لمقالات نشرها هيتنر في المجلة الجغرافية ابتداء من سنة 1911 وحتى سنة 1919. وقد أعيد طبع الكتاب سنة 1928، وترجم الى عدة لغات منها الانجليزية سنة 1972. وقد هاجم هيتنر في جميع أبحاثه ومقالته تعاليم معاصره وليام موريس ديفيز، وأنكر نظام الدورة الجغرافية أو التحاتية وخطأها، وكان النقد حادا في بعض الاحيان، لكنه في الواقع لم يقدم البديل. ومع هذا فأن الرجل قد تمكن من خلال مقالاته التي تضمنها هذا الكتاب، ومقالات أخرى في منهجية علم الجغرافيا أن يثير حمية الجغرافيين الالمان لكي يتدبروا موقف الدراسات الجيومورفولوجية في بدلهم، ويوقظ روح الاستقلالية والتفكير الحر عندهم، بعدما رأى سريان تأثير تعاليم ديفيز وسرعة انتشارها. كما انه بالتحليل النقدي لأفكار ديفيز أنار السبيل أمام الجغرافيين لتقويم أعمال ديفيز كإضافات لجغرافية الاشكال الارضية.
وقد اعتمدت أفكار هيتنر على دراسات وأبحاث مستفيضة في أنحاء كثيرة من العالم جابها في رحلات متعددة، منها أمريكا الجنوبية، وآسيا علاوة على أوروبا. واهتم بصفة خاصة بمعالجة الموضوعات الآتية:
الاشكال الارضية الصغيرة (الثانوية، نشأة الأودية النهرية، المدرجات النهرية، أعمار وأشكال الادوية، نظم الاودية، السهول التحاتية، و الاسطح المتبقية (المتخلفة)، اعتماد أشكال السطح على بنائها الداخلي، تطور أشكال سطح الارض، العلاقات الجيومورفولوجية في البيئة الطبيعية، عمليات التعرية الساحلية، نظريات نشأة الاشكال الارضية، مجموعات الاشكال الارضية، تقسيم وتجميع أشكال سطح الارض، البحث الجيومورفولوجي وطرق العرض والايضاح.
وقد كان هيتنر واضح الفكر يخص طبعة جغرافية الاشكال الارضية، وكان مؤمنا بالإضافات المهمة التي يمكن أن تقدمها للجيومورفولوجيا. وفي رأيه أن دراسة الاشكال الارضية لذاتها، وبأي طريق وأسلوب متاح، مرغوب فيها من الوجهة العلمية، واذا ما تواصلت هذه الدراسة بطريقة معلومة، فأنها تكون جغرافية، حتى ولو لم تضف شيئا الى معرفتنا بالعلاقات المتبادلة بين الانسان وبيئته الطبيعية. وبهذا توقع هيتنر بكل ثقة من أن الجيومورفولوجيا ستصبح أكثر استقلالية كعلم أرضي، ما لم تولى جل اهتمامها بالعمليات المشكلة لسطح الارض فتذوب حينئذ في مجال علم الطبيعة الارضية. ومن خلال تنفيذه بالنقد لآراء ديفيز تمكن من تحديد الاهداف والمناهج والنظم التي تعطى للجيومورفولوجيا شخصية مستقلة.
ومن المؤكد ان انتقادات هيتنر لديفيز الممتدة عبر جميع مقالاته وحياته العلمية لم تكن محاولة لهدم ما فعله ديفيز لجغرافيا المتكلمين بالانجليزية، وانقاذها أو تحريرها من هذه الحالة. فقد كان هدفه ان يختط ويحافظ على نفس الطريق الذي به تمكن فون ريشتهوفين على الخصوص من تحرير الجغرافيا الالمانية من نفس الموقف، وذلك.
بتطبيق مفاهيم المنج الموروف في أعمال كل من كارل وريتر وأليكساندر فون همبولت في دراسة الاشكال الارضية.
ويعتبر (زيجفريد بسارجي) من بن بناة صرح الجيومورفولوجيا الالمانية. فمن خلال المفاهيم والمصطلحات التي ألفها تظهر عبقريته في التجديد والبناء، واعانه في البحث مشاهدات مستفيضة، ودراسات متعمقة في جنوب أفريقيا وأمريكا الوسطى. وأولى مراحل أعمال بسارجي العلمية التي ساهمت في بناء صرح الجيومورفولوجيا، تتمثل في كتابه المورفولوجيا الفسيولوجية Physiologische Morphlogie (1912) والكتاب في مجمله كفاح ضد تعاليم ديفيز لكن بموضوعية وهوادة. وفي يقسم الجيومورفولوجيا الى ثلاثة أقسام: قسم تحليلي analytische، وقسم تنظيمي Systematische، وقسم جغرافي Geographische. والقسم الجغرافي عند بسارجي هو الذي يعني بتوزيع الاشكال الارضية فدرية وعلى مستوى البيئة (لاندشافت Lanschaft) فوق سطح الارض، تلك الاشكال التي نشت واتخذت خصائصها ومراتبها من خلال سيادة ظروف مناخية معلومة. وتنقسم الجيومورفولوجيا التحليلية بدورها الى قسمين: أحدهما جيولوجي: والآخر فسيولوجي. ويعالج القسم الجيولوجي علاقة الشكل الارضي ببنائه. بنيما يدرس القسم الفسيولوجي تأثيرات القوى الخارجية، بما فيها العضوية، في تشكيل سطح الارض. وعند بسارجي تحتل العوامل المؤثرة مركز الصدارة في مناهج الدراسة المورفولوجية الفسيولوجية، وعن طريقها يتم تفسير وايضاح الاشكال الارضية كشيء ثانوي.
وقد أفرد دراسة خاصة للقوى المحلية، التي يكون لها الاثر البين في تشكيل سطح مكان معلوم، وبالتالي قد تتمكن من تدير نظام المراحل حسبما ارتآه ديفيز. ويعزز هذا ما أورده بسارجي من عديد الامثلة في مختلف فصول كتابه. كما وقد تبين ان القوى التي تؤثر في منطقة مجاورة، قد تطول منطقة البحث وتتمكن من خلق أشكال متنافرة غير متناغمة، وبالتالي توضيح نشأتها وتشكيلها عن طريق القوى التي تؤثر بالفعل في منطقة البحث. وحينما تتوافق تأثيرات القوى والاشكال وبيئة معلومة، خان الاشكال لاشك تكون متماثلة متآلفة. ويمكن تفسير الظواهر المتناسقة عن طريق القوى المؤثرة في وقتنا الحاضر. بنيما التي كانت تؤثر في تشكيلها في غابر الزمن.
ويحاول هذ الكتاب القيم وضع أسس الجيومورفولوجيا النظامية. فإضافة الى النظرة الفسيولوجية لتأثيرات القوى المشكلة، تمكن بسارجي من تصنيف الاشكال المرتبطة بها حسب نموذج بيولوجي الى: أنواع، ورتب، وعائلات، وفصائل، وأشكال خاصة.
ويعالج الكتاب في بعض فصوله طرق البحث الجيومورفولوجي، ومقترحات لرسم خرائط فسيولوجية – مورفولوجية، تقود الى وسائل رفع ورسم الاشكال الارضية، استخدمها بسارجي في عمل أطلس مورفولوجي (1914). واعتبر ضرورة الاستعانة بخريطة طبوغرافية، توضح أيضا الغطاء النباتي، وبخريطة جيولوجية من الأمور المسلم بها. كما أشار الى أهمية خرائط التربة، وخرائط المنحدرات، وأشكال التعرية. ومن الجديد في باب الخرائط، رسمه لخرائط القدرة على المقاومة الطبيعية (الصلابة، التشقق، المسامية)، والتجوية الكيميائية.
وقد وضع بسارجي نظام الجيومورفولوجي الخاص افي الجزءين الاول والثالث من كتابه (اسس الجغرافيا) (1919-1929). وعززه في كتب أخرى تحمل عناوين مثل (مورفولوجية سطح الارض) سنة 1929، و (مورفولوجية النطاقات المناخية)) سنة 1930.
ويأتي فالتر بنك (1888 – 1924) على رأس المعارضين لأفكار المدرسة الأمريكية الديفيزية، لقد أقام جيومورفولوجيا ألمانية على أسس مخالفة لقواعد تلك المدرسة. وقد جذبت أفكاره انتباه عدد كبير من الجيومورفولوجيين في داخل ألمانيا وخارجها، خاصة بعدما نشر مؤلفه (التحليل المورفولوجي للأشكال الارضية). وينبغي ان نشير هنا ان فالتر قد ولد وترعرع في بيت والده الجيومورفولوجي العظيم ألبريشت بنك، وأتيحت له فرص البحث والدراسة في جبال الانديز بأمريكا الجنوبية، وفي آسيا الصغرى، وفي أوربا، اضافة الى أبحاث في أمريكا الشمالية، ثم ما اكتسبه من خبرة عن طريق المشاهدة والملاحظة والمقارنة من خلال رحلة حول العالم. وتميز بالعقلية المبدعة المحللة المفسرة، ولاشك ان وفاته المبكرة قد حرمت علم الجيومورفولوجيا من جهوده الخلاقة المثمرة.
والنظريات التي طرحها فالتر بنك كبديل لدورة ديفيز الجغرافية أو التحاتية معقدة، وأحيانا يصع استيعابها، كما وقد اسيء فهم بعض جوانبها. ولقد اتخذ فالتر بنك وجهة نظر غير عادية عندما قرر ان الهدف الرئيسي من الدراسة الجيومورفولوجية هو الوصول الى معلومات تفيد في شرح وتوضيح الحركات الارضية، بمعنى ان البحث الجيومورفولوجي وسيلة لتأريخ الاحداث التكتونية التي أصابة قشرة الارض، ورأى ان هذه الحركات الارضية تركت بصماتها على سطح الارض، ليس فقط في صور بارزة واضحة، باظهار الالتواءات، والعيوب، وسلاسل الجبال وغير ذلك، وانما أيضا من خلال تأثيراتها في ظواهر التعرية، وخاص في منحدرات جوانب الاودية.
وقد توصل فالتر بنك الى هذه النتيجة بناء على طريقين: الاول: الاستدلال، والثاني: حقيقة ما شاهده ودرسه في الحقل من أن كل وحدة من الوحدات البنيوية المحددة المعالم، تتميز بشكل منحدر خاص بها (محدب او مستقيم او مقعر) وبزاوية انحدار عظمى. ومن الواضح ان هذه المنحدرات لا تعكس تأثير المناخ السائد وحده (الذي قد يؤثر في منطقة أوسع بكثير، فيها تتشكل المنحدرات، وتتنوع وتتباين زوايا الانحدار) أو نوع الصخر المحلي (الذي قد يكون متنوعا في داخل الوحدة البنيوية). ويرى فالتر بنك ان تفسير هذه الظاهرة ممكن بواسطة افتراض ان منحدرات جوانب الوديان كان يتحك فيها اصلا درجة فعل التعرية النهرية، وهذه بدورها مرتبطة كل الارتباط بحركة الرفع لتي كانت الوحدات البنيوية تعانيها.
ويقول بنك ان أفكار ديفيز الخاطئة الخاصة بتطور الاشكال الارضية بعامة، والمنحدرت بخاصة، نابعة من اعتقاده الاساسي بأن دورة التعرية تبدأ بعملية رفع سريعة جدا، ومن ثم تحدث بعدها فترة استقرار تكتوني بنيوي، اثناءها يمكن للتعرية القيام بعمله بلا عائق. والواقع ان رفع الكتل الارضية يستغرق فترة طويلة جدا. ومن الضروري ان يؤثر الرفع في مسار عمل التعرية وفي الاشكال التي تنشئها. والواقع ان ديفيز كان يدرك بنفسه أن افتراضه الخاص بالرفع المبدأي غير صحيح، وان التزيد واضح جدا في تبسيطه، لكنه رأى أن ذلك الافتراض ملائم جدا لغرض اظهار وايضاح المبادئ الرئيسية في مفهوم دورته التحاتية.
لكن ينبغي ان نذكر أمري في هذا الصدد:
1- رغم ان دفيفز قد اعتر كثيرا بأن بعض الرفع قد يستمر عقب بداية الدورة التحاتية، فانه لم يأخذ في الحسبان مضامين وتعقيدات هذه الحقيقة.
2- طبق كثير من الجيومورفولوجيين من أتباع ديفيز مفهوم الدورة بصرامة مفرطة. من ذلك الافتراض الشائع ان السطح القاطع لتراكيب التوائية يجب ان يلي تكوني هذه التراكيب، رغم حقيقة ان التعرية والتشكيل التكتوني يتعاصران.
ويرى بنك ان المنحدرات لا تغير أشكالها بالضرورة بالاسلوب التطوري، مع مرور الزمن، كما يدعي ديفيز في نظريته تضاؤل المنحدر ، وانما تتشكل المنحدرات، وباسطة عامل واحد مهيمن، الا وهو تعرية الانهار التي تجري عند قواعدها. ويعتقد بنك في ثلاثة أمور مهمة:
1- ينشأ القطاع المقعر للمنحدر فوق الانهار التي تنحدر مجاريها بمعدل سرعة متناقص Decelerating rate (ِِAbsteigende.
2- تشكيل المنحدرات المستقيمة فوق الانهار التي تنحت مجاريها بمعدل سرعة متواصل ومتناسق
3- تتكون المنحدرات المحدبة حينما يكون معدل سرعة قطع الانهار لمجاريها متزايدا
ويرى بنك ان دقة معدل سرعة التعرية النهرية مهمة للغاية. ومن ثم فأن النهر الذي ينحت بمعد ثابت سريع ينشئ منحدرا مستقيما اشد أنحدارا من نهر آخر يشق مجراه بمعدل ثابت بطيء.
ولعله يبدو واضحا ان نظرية بنك لا تتعارض كلية مع نظرية ديفيز، بمعنى ان بنك نفسه اعترف بأن كل المنحدرات ينبغي ان تتناقص التعرية المتناقصة المتناسقة السرعة(Absteigende) Decelerating او في حالة عدم وجود التعرية النهرية كلية (وهذه حالة يمكن الوصول أليها في أواخر الدورة التحاتية). وبالمثل فان بنك يتصور خصائص وأحداث مفصولة تماما عن دورة ديفيز التحاتية التي تؤكد على التغير المتسمر لشكل المنحدر وزواوية الانحدار. ففي حالة المثال الذي ذكرناه آنفا والخاص بنهر يحفر واديه بدرجة متواصلة متناسقة ، فان منحدرات جوانب الوادي لن تتغير لا في شكلها المستقيم ولا في زاوية انحدارها بمرور الزمن، كما لن يحدث تلاشي للتضاريس.
ويرتبط مفهوم التراجع المتوازي للمنحدرات باسم فالتر بنك، ومع هذا، فحسبما ذكرنا آنفا، يتضح ان بنك لم ينظر الى هذا النوع من التراجع على أنه عملية عامة شائعة، تعمل تحت كل الظروف والاحوال. فهو يرى شيوع التراجع المتوازي في حالة التعرية المتناقصة المتناسقة السرعة فقط، أما في الحالات الاخرى فأنه يقتصر على اجزاء من المنحدر دون الاخرى. ومعنى هذا، أنه في حالة المنحدر الذي يشمل وحدات وعناصر تتباين في زوايا انحدارها، نجد أجزاء من المنحدر تستهلك بسب التراجع المتوازي لأجزاء أخرى، وبالتالي فأن التغير والتعديل يشمل المنحدر كله.
ولم تحفظ آراء بنك وأفكاره بالذيوع والانتشار حينما نشرت، وانقضى زمن طويل قبل ما تنبه الجيومورفولوجيين الى اهميتها وجدتها، وبدأت تتعرض للنقد الشديد من جانب الجيومورفولوجيين الامريكان والانجليز الكبار. ورغم ان بعضا من نظريات بنك يصعب الدفاع عنها، كنظريته القائلة بان درجة التعرية النهرية تتحكم أساسا في شكل المنحدر، واهماله للعمليات الاخرى او وضعها في مرتبة ثانوية .. كالمناخ، والنبات، والتجوية، ونوع الصخر، وعمليات نقل المواد، فان بعضا من النظريات الاخرى شاعت وبقيت على الزمن. من ذكل مثلا مفهوم التراجع المتوازي للمنحدرات، الذي تبناه كينج في دورة تشكيل البيدبمنت. وكذلك نظرية التعرية المتواصلة المتناسقة ، التي استخدمت، مع بعض التعديل بنجاح بواسطة الجيومورفولوجيين الحديثين.
والواقع ان الذي بدأ يتعرض للنقد الشديد منذ عام 1945 كان وليم موريس ديفيز، أكثر من صديقه فالتر بنك. واشتط بعض الجيومورفولوجيين في نقد مفهوم الدورة الديفيزة، ونادوا بالتخلي نهائيا عنه، بل أنهم أكدوا ان شيوع الاخذ بها في الماضي قد أعاق بل مننع تطور ونمو علم الجيومورفولوجيا.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|