النقل:

برزت أهمية النقل في الإنتاج الزراعي كونه العامل الرئيس في ربط مناطق الإنتاج بمناطق الاستهلاك كما عملت طرق النقل الحديثة التي ظهرت في العالم إلى ظهور العديد من الأسواق لتصريف الإنتاج الزراعي. يوثر مدى توفر النقل بشكل أساسي على نوعية الإنتاج وأساليب الإنتاج فالذي يجبر الفلاح أحيانا على إنتاج سلع لسكان المناطق التي يتوفر فيها الإنتاج هو عدم توفر وسائل نقل أو تخلف تلك الوسائل مما يجعل السوق ضيق أمام الفلاح على عكس من ذلك لو توفرت وسائل النقل الحديثة والمتطورة فأن هذه يؤدي إلى أتساع السوق وبالتالي يتجه الفلاح إلى إنتاج السلع التي يطلبها سكان الأقاليم الأخرى البعيدة.

ولو عدنا للماضي قليلا لرأينا بان الإنتاج الزراعي سابقا حينما كانت طرق النقل بسيطة ومحدودة كان الإنتاج الزراعي يقتصر أساسا على سد الحاجة المحلية للسكان الإقليم فقط، لكن بعد التطور الذي شهدته طرق النقل وتنوعها من طرق برية وجوية وبحرية أصبح الإنتاج الزراعي يتنقل بين دول العالم المختلفة وتعددت وفقا لذلك المحاصيل الزراعية.

كما نرى بان وسائل النقل تلعب دورا هاما في عمليات الإنتاج والتعمير فمثلا تطوير سكك الحديد في سيبيريا في الاتحاد السوفيتي سابقا كان سببا في انتعاش زراعة القمح على جانبيها، وكذلك الحال في منطقة البراري في كندا فان انتشار زراعة القمح بها كان نتيجة طبيعة الانتشار سكك الحديد في مناطق مناخها ملائم. وينطبق الحال على أفريقيا إذ أثر النقل على التوزيع الجغرافي لاسيما على المحاصيل الثقيلة إذ ساعد وجود سكك الحديد على إنتاج وتصدير المنتجات الزراعية مثل (الكسافا واليام) وهي منتجات ثقيلة وكبيرة الحجم، فضلا عن اعتماد كثير من المنتجات الأخرى مثل الشاي والقهوة على النقل بواسطة السكك الحديدية. في حين نجد أن بعض المناطق والتي تمتلك مساحات شاسعة من الأراضي الصالحة للزراعة لاسيما في کندا بقية غير مستثمرة بسبب بعد هذه المناطق عن طرق النقل وخصوصا السكك الحديد والحال ينطبق على مناطق واسعة في أواسط آسيا وحوض الكونغو وحوض الأمازون.

ولا يؤثر عامل النقل على نقل المنتجات الزراعية فقط بل يمتد تأثيره أيضا على نقل مدخلات الإنتاج مثل الأعلاف والمبيدات والبذور ويؤثر على نمط الزراعة السائد وأسعار الأراضي الزراعية والتكلفة التي تتطلبها العمليات الزراعية والاجور اليومية للعمال للقيام برحلة العمل اليومية. فضلا عن ذلك فان لعامل النقل تأثيراته على الفعاليات الاقتصادية للإنتاج الزراعي وذلك من خلال التأثير المباشر في تكلفة الإنتاج إذ تشير الدراسات والابحاث إلى أنه من الجوانب ذات الأهمية القصوى التي يجب أن تراعا في اختيار الحقول والبساتين هي اختبار الموقع النسبي القريب والمناسب من طرق المواصلات ومراكز الاستهلاك والتوزيع والتصنيع، إذ توفر مثل هكذا مواقع الكثير من النفقات وتقلل التكلفة الاجمالية على عكس المناطق البعيدة التي تتسبب بعرقلة الإنتاج الزراعي من حيث زيادة تكلفة النقل وارتفاع النفقات وبالتالي انخفاض القيمة الاقتصادية العائدة على المزارع المنتج.

وخلاصة القول توسع اسواق المنتجات الزراعية كان عاملا مهما في تطوير وزيادة الإنتاج الزراعي وهذا لم يحدث إل بفضل وسائل النقل والا لم يفكر احد أن في يوم من الايام المنتجات التي تنتج في أمريكا وهي سريعة التلف تستهلك في الاسواق الاسيوية ولم يعد الإنتاج الزراعي يرتبط بعدد السكان المحلين أو المناطق القريبة من أماكن الإنتاج بل أصبح يضع في حسابة عدد المستهلكين في العالم.