أقرأ أيضاً
التاريخ: 5-6-2022
1606
التاريخ: 27-8-2017
1719
التاريخ: 12-10-2017
1964
التاريخ: 24-11-2016
2054
|
تأثير العوامل المناخية على الإنسان
أشار بريقراط (القرن الخامس قبل الميلاد) في كتبه المختلفة إلى أثر المناخ Climate على جسم الإنسان، واختلاف هذا الأثر باختلاف المناطق والأقاليم المناخية، وتأثير المناخ على الصحة والأخلاق. وربط (هيرودوت) بين المناخ والتربة وطبائع الإنسان. وإلى ذلك ذهب أرسطو، الذي قسم المناطق المناخية إلى مناطق سلوكية، فسكان المناطق الباردة أمراء وشجعان، و يمتاز سكان المناطق الحارة بالذكاء والمهارة والخمول، أما المناطق المعتدلة فيجمع سكانها صفات المنطقتين الحارة والباردة. ويؤكد أرسطو على تأثير المناخ في بناء الإنسان الفزيولوجي. وهكذا يؤكد هؤلاء على بداية الحتمية البيئية.
وقد أكد الباحثون الرومان أن التباينات المناخية بين الأقاليم تؤدي دوراً مهماً في اختلاف طبائع الشعوب وتقاليدها وعاداتها الاجتماعية، لأن المناخ يؤثر على الصفات الطبيعية والخلقية للأفراد والشعوب، كما ذهب العرب إلى بيان تلك الأسباب، ويعد ابن خلدون من أوائل الذين أشاروا إلى ذلك وبينوا الاختلافات بين الأقاليم تبعاً للمتغيرات البيئية.
ويعد الطقس من أهم العوامل المؤثرة في حياة الإنسان ووجوده وسلوكه وتصرفاته، ويتعدى تأثير المناخ إلى الصفات الجسدية، حيث نجد أن سكان أوروبا يتصفون ببياض البشرة والشعر الأشقر والأنوف الرفيعة التي تساعدهم على تسخين الهواء قبل استنشاقه، بينما سكان أواسط أفريقيا، حيث المناخ الحار الرطب، فيلاحظ اسوداد البشرة التي تحميهم من حرق الشمس لأعصابهم، واسوداد الشعر، والأنوف الواسعة التي تكتسب كمية أكبر من الاوكسجين.
وللطقس تأثير في الغذاء، إذ يلعب المناخ دوراً مهماً في المردود الغذائي للنباتات والحيوانات، فتأثيره لا يخفى على إنتاجية الأرض الزراعية، ونمو الحيوانات الأليفة وتكاثرها، مما يؤثر مباشرة في كمية الغذاء، إذ قد يسبب لها تلفاً وتخريباً، نتيجة المعوقات المناخية، كالصقيع والجفاف والرياح والصواعق وما لها من تأثير، وقد أظهرت الدراسات علاقة وثيقة بين معدلات الحرارة السنوية والمستوى الغذائي للفرد.
كما أن للطقس تأثيراً في السلوك الديني للأفراد والجماعات، فعند انحباس الأمطار، وحدوث الزلازل، والعواصف والطوفان، تجد الناس وقد اندفعت نحو المساجد والكنائس وغيرها من المعابد، ليسألوا الله تعالى كشف الضرر.
وعلى الرغم من وجود عوامل متعددة منها خارجية وأخرى داخلية تؤثر بصورة منفردة أو مجتمعة في نشاط الإنسان ومقدار إنتاجيته وراحته، فإن المناخ يبقى العامل الأكثر تأثيراً في حياة الفرد والمجتمعات من جميع النواحي المعيشية، بل يعد أهم عامل يؤثر في تصرفاته وسلوكه الاجتماعي وعاداته ونظام حياته(1)، إذ يشكل المناخ بعناصره المختلفة عاملاً مهماً في بيئة الإنسان وحياته الاجتماعية والاقتصادية، ويذهب بعضهم إلى أن تطور الإنسان ومستوى تقدمه مرهون بظروفه المناخية، إذ تُعد الظروف المناخية من العوامل المهمة التي تؤدي إلى زيادة الإنتاج أو نقصانه كماً ونوعا(2)، لذا يسعى الإنسان دائماً إلى البحث عن المناطق الجغرافية التي تشعره بالراحة وتوفر له سبل الحياة، وفي أماكن أخرى يحاول الإنسان جهده أن يذلل الظروف المناخية القاسية من خلال أجهزة التكييف المختلفة، علماً بأن شعور الإنسان بالراحة يختلف من شخص إلى آخر تبعاً لعوامل تتعلق بالتكوين الفسيولوجي لكل فرد وتركيبه العمري والنوعي والحالة الصحية له. وللتدليل على تأثيرات المناخ، يلاحظ عدم الانتظام في التوزيع الجغرافي لسكان العالم بحسب المناطق الحارة والمعتدلة والباردة، حيث تلاحظ الحقائق الاتية(3):
1- 10% من السكان في نصف الكرة الأرضية الجنوبي.
2- 10% من السكان بين خط الاستواء ودائرة عرض 20 شمالا.
3- 50% من السكان يعيشون ما بين 20-40 شمالا.
4- 30% من السكان يعيشون ما بين 20-60 شمالا.
وللوقاية من الحر اللاهب في الصيف والبرد القارص شتاء، تولدت لدى بعض المجتمعات فكرة إنشاء ما يسمى (السراديب*) تحت سطح الأرض، حيث يلوذ بها السكان هرباً من الحر اللاهب صيفاً والرياح الشديدة البرودة شتاء، وهو بناء أشبه بالقبو له مدخل، وقد أبدع المعماريون في بناء سقوفه، وجدرانه، وطرق تهويته، وغيرها من مواصفات السراديب المريحة والضرورية، بحيث أصبح للسراديب ممرات تصل بعضها ببعضها الآخر ومن ثم تفضي إلى خارج المسكن، واستغلت فيما بعد كوسيلة دفاع ضد الغزاة على مر الحقب الزمنية التي مرت بها بعض المدن. وكانت السراديب معروفة لدى العرب السبئيين والقتبانيين. أما استعمال السراديب على نطاق واسع فإن ذلك . يرجع للعصر العباسي، ومن أمثلة المدن العراقية التي اشتهرت بوجود السراديب محافظة النجف الأشرف وسامراء، وكما هو الحال في محلات مدينة الزبير في محافظة البصرة جنوبي العراق.
ويذهب علماء الإنسان إلى أن للمناخ Climate دوراً مهماً في تحديد القدرة الإنتاجية للإنسان، سواء أعمل في المزرعة أم في المعمل أو في البيت أو في أي مكان آخر. وتعد درجة الحرارة من أهم العناصر المناخية المؤثرة على الإنسان. فمعها يشعر بما يسمى بالراحة الحرارية Thermal Comfort، وهي الحالة الطبيعية التي ينعدم شعور الإنسان من خلالها بوجود حالة من البرد أو الحر، علماً بأن الإنسان لا يشعر أن هناك تغيراً مناخياً ملائماً لراحته البيولوجية في الظروف الاعتيادية أو يثير ذلك اهتمامه، لكن وجود أي تغير مناخي ومنها درجة الحرارة يجعله منتبها لذلك.
وللمناخ تأثير مباشر أو غير مباشر على صحة الإنسان ونشاطه الحيوي، إذ أن للإنسان حدوداً فسيولوجية لتحمل عناصر المناخ المختلفة، وتختلف إنتاجية الإنسان وشعوره بالراحة وعلاقاته الاجتماعية وسلوكياته تبعاً للحالة المناخية، إذ تساعد الأجواء المعتدلة الحرارة على الارتياح وبذل الجهد، وتساهم في ارتفاع الإنتاجية. وقد أثبتت الدراسات أن الطقس يؤثر في التصرفات الاجتماعية، إذ بينت أن جرائم العنف؛ كالقتل والضرب، تكثر في أيام الحر، لارتفاع إفرازات الإدرينالين(**)، الذي من شأنه رفع درجة التوتر، اما البرد، فيساعد على هدوء الاعصاب، فتكثر جرائم السرقة والسطو والاحتيال، لأنها جرائم أقل عنفاً من تلك التي تحدث في البلاد الحارة. كما أن للطقس تأثيرات متنوعة أخرى في الملبس، والشعور الجسماني، والحالات المعيشية، وشكل المسكن، كذلك في الثقافة، خاصة الشعر والفن.
كما تتنوع الأمراض باختلاف درجات الحرارة، إذ تنتشر في الأجواء ذات درجات الحرارة العالية أمراض الملاريا والحمى الصفراء والتفيوئيد، ويتعرض الأفراد الذين يسكنون في الأقاليم الباردة والأقاليم المعتدلة في فصل الشتاء إلى الأمراض الناجمة عن انخفاض درجات الحرارة مثل الأنفلونزا وأمراض الحنجرة وفقر الدم، وتحدث هذه الأمراض بسبب اختلال التوازن الحراري للجسم نتيجة لتوقف عمليات الجسم. وفي المناطق التي تتميز بارتفاع المدى الحراري الفصلي والسنوي تظهر مجموعة من الأمراض بحسب فصول السنة، والحال هذه تنطبق على مستوى العراق، إذ تصل درجة الحرارة صيفاً إلى أكثر من 50م °، وهي الدرجة التي يختل فيها توازن الجسم، مما يؤدي إلى ضربة الشمس، وإذا كانت الدرجة أقل فيصاب الإنسان بالإرهاق الحراري و يشعر بسببه بالتعب والضعف والدوار.
ومن الناحية الاجتماعية، فإن للمناخ وعوامله المختلفة تأثيراً واسعاً في تباين العلاقات الاجتماعية والعوامل المؤثرة فيها، فضلاً عن تأثيره على المهنة السائدة ونوع اللباس والطعام. ويذهب بعضهم إلى التأثيرات البايلوجية للمناخ . ويساهم المناخ في إعادة التوزيع الجغرافي للسكان من خلال تأثيره المباشر على الإنسان ونشاطاته ونمط حياته وسلوكياته، وتأثيره غير المباشر من خلال تأثيره على التربة والحياة النباتية، وقد أكد هنتنجتون E-Huntingtion على المناخ باعتباره أهم عوامل توزيع السكان(4) . كما يساهم المناخ في تركز السكان أو تبعثرهم. والدليل على ذلك هو تباين توزيع السكان تبعاً للأقاليم المناخية، إذ تمتاز الأقاليم القطبية بندرة سكانها، وتقل الكثافة السكانية في المناطق الاستوائية، بينما يتركز السكان ضمن العروض المعتدلة.
كما أن للطقس تأثيراً في تحديد نوع الغذاء وأسلوب الطهي والخزن، وذلك من خلال المردود الغذائي للنباتات والحيوانات، فتأثيره لا يخفى على إنتاجية الأرض الزراعية وخصوبة التربة، ونمو الحيوانات الأليفة وتكاثرها، مما يؤثر مباشرة في كمية الغذاء، إذ قد يسبب لها تلفاً وتخريباً، نتيجة المعوقات المناخية، كالصقيع والجفاف والرياح والصواعق وما لها من تأثير، كما أن هناك علاقة وثيقة بين معدلات الحرارة السنوية ومستوى احتياج الفرد من السعرات الحرارية اللازمة. ويمتد تأثير العناصر المناخية إلى نوع الطعام وطريقة خزنه وطهيه.
من إن الراحة الفسيولوجية للإنسان تملي عليه بيئة اجتماعية وتصرفات وسلوكيات تختلف عن البيئة غير المريحة التي ترتفع بها درجات الحرارة أو الرطوبة، أو يوجد فيها اختلال لنوع معين من عناصر المناخ، وهو أمر أثبتته الدراسات الاجتماعية والجغرافية على حد سواء. وفي بعض المجتمعات ترتفع نسب الجريمة أو المشاجرات في ظل الأجواء المرتفعة الحرارة وتنخفض في الأجواء المعتدلة ، السنة. كما أن لنوعية المناخ أثراً في تباين النشاط البشري وكمية الإنتاج، ففي الجهات الصحراوية الرملية الواقعة غرب القارات حول المدارين يقل النشاط البشري متأثراً بقساوة المناخ، باستثناء بعض المواقع المحدودة، كما هو الحال في مناطق التعدين بصحراء أستراليا الغربية، وفي مناطق الواحات الموجودة بالصحراء الكبرى.
ولا يقتصر تأثير المناخ على راحة الإنسان وغذائه وملابسه والأمراض التي تصيبه فحسب، بل يؤثر على تحديد موضع المدينة ونوع المسكن وطريقة البناء وشبكات التصريف. وهي أمور يأخذها المهندس المعماري بعين الاعتبار عند إنشاء المدن. وتظهر الدور بشكل متقارب في المناطق الحارة التي تمتاز بضيق أزقتها، لتوفير الظلال وتقليل أشعة الشمس الحادة. كما تتحدد مواد البناء بحسب الظروف المناخية، فتستعمل المواد الكلسية في المناطق الحارة الجافة لتقليل درجات الحرارة، بينما تستعمل الكتل الكونكريتية أو قطع البناء الجاهز المصنوع من الحديد في المناطق الباردة.
يظهر تأثير عوامل البيئة الطبيعية في طريقة بناء الفناءات الداخلية المفتوحة في تصميم الأبنية العربية، كما أن استعمال القباب في المناطق الحارة الجافة يعمل على خلق تيارات هوائية تساعد على تلطيف المناخ، لأن زيادة السطح المقبب بالنسبة إلى مسقطه الأفقي والاستدارة في الشكل يؤدي إلى تقليل الإشعاع الشمسي الساقط على وحدة المساحة فيه. والأمر على النقيض في المناطق القطبية والباردة التي تتخذ فيها المنازل الشكل الهرمي بسبب كثرة التساقط أما السطوح، فتظهر مستوية في المناطق الجافة، كما أن سعة فتحات التهوية وارتفاعها واتجاهاتها تختلف بحسب الظروف المناخية السائدة. وفي المدن التي تتعرض للكثبان الرملية فإن المصمم لا يهمل الأنطقة الخضراء التي تحيط المدن، ويراعي المصمم أن تنشأ المدن في المناطق التي تهب منها الرياح وليس التي تهب عليها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أدهم سفاف، المناخ والارصاد الجوي، منشورات جامعة حلب، كلية الزراعة، السنة الأولى، الطبعة الثانية، 1975، ص 181.
(2) Joseph E. van Riper, (1971), Man's physical world. Second edition, Mc Graw-Hill Book company.. New York.
(3) وليد المنيس، جغرافية السكان، بحث منشور على شبكة الانترنيت:
www. Q8gc.com
* كلمة سرداب أصلها فارسي وجمعها سراديب، هو معرب سرد أي بارد وآب، أي ماء جمعها سراديب، ومعناها الماء البارد (معجم البستان للشيخ عبد الله البستاني).
** الإدرينالين adrenaline هو هرمون وناقل عصبي تفرزه الغدة الكظرية الواقعة فوق الكلية، وهو يعمل على زيادة نبض القلب وانقباض الاوعية الدموية وبالمجمل يؤدي إلى تحضير الجسم لحالات الكر والفر ويكون إفرازه استجابة لأي نوع من أنواع الانفعال أو الضغط النفسي، كالخوف أو الغضب، ويفرز أيضاً لنقص السكر.
(4) Gleen, T. T., (1969), Ageography of population world patterns. New York, P. 82.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|