أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-02-18
1029
التاريخ: 2023-02-18
771
التاريخ: 23-2-2020
4183
التاريخ: 2023-02-17
740
|
الاجتهاد الجغرافي البابلي:
هذا اجتهاد آخر قديم ، بنى على حسن استخدام الحس الجغرافي ولقد كان الاجتهاد - بالضرورة - وليداً شرعياً، لكل العوامل الطبيعية والبشرية، التي اشتركت في صياغة الشخصية الحضارية، التي عاشت في أحضان السهول الفيضية من حول دجلة والفرات, ويصرف النظر عن جدوى العلاقات الايجابية البناءة، بين الواقع الحضاري في وادى النيل الأدنى، والواقع الحضاري في سهول الرافدين في جانب، ويصرف النظر عن جدوى الاحتكاك الحضاري التي تأتي تأسيسا على هذه العلاقات في جانب أخر، ينبغي أن نستشعر كيف تفجر الحس الجغرافي باهتمام باحث عن الواقع الجغرافي في سهول الرافدين، وكيف حمل الاجتهاد البابلي أمانة ومسئولية هذا الاهتمام الباحث، عن المعرفة الجغرافية, كما ينبغي أن نتبين أيضاً كيف سار الاجتهاد البابلي الجغرافي على نفس الدرب الذي سار فيه الاجتهاد الجغرافي المصري ، وصولاً إلى هدفين.
ومن أجل الهدف الأول ، تطلع الاجتهاد الجغرافي البابلي - بكل الوعى - إلى الكون الفسيح، وهو يعاين قبة السماء ويرصد اجرامها, وقد سعى هذا الاجتهاد - بكل تأكيد - إلى استشعار مكان الأرض، في هذا الكون الفسيح , كما تلمس الاحاطة بمكانة الأرض بين أجرام السماء, وقد أسفر هذا الاجتهاد - بالفعل- عن اسهام جيد مناسب في البحث الجغرافي الفلكي, كما أسعف العمل الرياضي الذي عكف على صناعة التقويم وحساب الزمان .
ومن أجل الهدف الثاني، تطلع الاجتهاد الجغرافي البابلي- بكل القطنة - إلى الأرض والأقطار من حول سهول الرافدين. وقد سعى هذا الاجتهاد - بكل تأكيد - إلى استشعار قيمة الرحلة في توسيع دائرة المعرفة الجغرافية، وهو يتلمس كشف النقاب عن المجهول من الأرض وأحوال الناس فيها وقد أسفر هذا الاجتهاد - بالفعل - عن اسهام جيد مناسب في صناعة الجغرافية الوصفية، وعن ارتياد مساحات من الأرض ومعايشة الناس فيها.
ولقد كان من شأن الاجتهاد الجغرافي البابلي، الذي انغمس في بحث تحسس أبعاد الكون، وفي تصور مكان الأرض ومكانتها في هذا الكون، أن يزج برؤيته في أحضان التصور الأسطوري، وأن يستغرق في الوهم والخيال وصحيح أن هذا الاجتهاد قد توصل من خلال
التدبر والتفكير، إلى أن الماء هو أصل كل شئ، وأن قوة الخلق كانت من وراء بداية التكوين وصناعة الحياة والاحياء ولكن الصحيح أيضاً أن تسلط الخيال والتصورات الأسطورية ، قد شوه حصاد وثمرات هذا الاجتهاد إلى حد يلفت النظر - وهنا معناه أن الاجتهاد الجغرافي البابلي قد تخبط أحيانا, وهو يقفز من التفكير المنطقي السوي إلى التفكير الفج غير السوي ومعناه أيضا أن الحس الجغرافي الصادق كان بصيرة رشدت هنا الاجتهاد، عندما أسفر عن التفكير المنطقي السوي فقط. أما التفكير الفج غير السوي فهو علامة على مدى تنكر هذا الاجتهاد في بعض الأحيان ، للاستشعار الذي ينبض يه الحس الجغرافي الصادق.
وبصرف النظر عن التردي في هذه السوءة التي أغرقت الاجتهاد البابلي في التصور الأسطوري الكاذب، وينبغي أن نتصور كيف وجه هذا الاجتهاد صناعة التقويم، وحساب الزمان في الاتجاه الصحيح وما من شك في أن هذا الاجتهاد قد اجاد رصد الأجرام في السماء، وأحسن استخدام بعض الأجهزة الأولية، التي أبدعها لحساب عمليات ومعاينة قبة السماء وقد تجرا هذا الاجتهاد البابلي - يكل تأكيد- عندما عكف على استشعار لعلاقة بين الأجرام في السماء في جانب، وحظوظ الناس وأقدارهم في جانب آخر.
هذا، وقد رصد الاجتهاد البابلي الجغرافي حركة القمر وحركة الشمس واستشعر الحس الجغرافي ما تعنيه بالنسبة لحركة الزمان ومرور الوقت واعتمد هذا الاجتهاد على حركة القمر في حساب الزمان، وتحديد طول الشهر في هذا التقويم بما يتراوح بين ٢٩ ،٣٠ يوماً ثم أفلح هذا الاجتهاد في ادراك الفرق الزمني، بين حساب التقويم القمري، وحساب التقويم الشمسي للزمان - ولقد أضاف عندئذ شهراً إلى السنة حسب التقويم القمري، لكي تصبح١٣شهراً، وتحقق الحساب الأكثر انضباطاً لحركة الزمان.
ولم يتوقف الاجتهاد البابلي عند هذا الحد ، بل لقد قسم الشهر إلى اسابيع امعانا في ضبط حساب حركة الزمان. بل لقد قسم هنا الاجتهاد - بكل الوعي والفطنة - اليوم إلى أربع وعشرين ساعة، وقسم الساعة إلى ستين دقيقة، وقسم الدقيقة إلى ستين ثانية ومن شأن ذلك كله أن يصور كيف طوع الاجتهاد الجغرافي البابلي ثمرة من ثمراته تطويعاً ممتازا لحساب حركة الزمان ، وهى مسالة جوهرية حضارياً - وهذا معناه أن هذا الاجتهاد قد أسعف البناء الحضاري، لكى يسجل البابليون فصل الريادة في حساب الزمان, بل ومعناه أيضاً أن هذا الاجتهاد الذي أفلح في تصور العلاقة بين حركة القمر وحركة الشمس، ومبلغ عدم التوافق وعدم الانضباط بينهما، قد أوصل التراث الحضاري العالمي إلى نقطة تحول هامة، تحقق عندها التمييز بين التقويم القمري ، والتقويم الشمسي.
وأضاف الاجتهاد البابلي إلى ذلك كله محاولة فجة لتفسير تعاقب الفصول على مدار السنة- كما رصد حركة انتقال الشمس ونزولها في البروج والكويكبات البرجية التي تتمثل في اثنتي عشر برجا, بمعنى أنه تصور نزول الشمس في زيارة كل برج من هذه البروج لمدة ثلاثين يوما. ويعني أنه تعرف على قاعدة الحساب لحركة الزمان، التي بنى عليها التقويم الشمسي وتولى عندئذ مظاهرة الأبداع الحضاري الذي عكف على صناعة السنة الشمسية.
أما الاجتهاد الجغرافي البابلي الذي انفتح على رؤية ومعاينة الأرض في الأقطار من حول سهول الرافدين، فقد انساق في معية الرحلات من كل نوع وصولا الى هدفه. وكان من وراء الرحلات التي اصطحبت الاجتهاد الجغرافي البابلي في صفوفها، واقع حضاري متفتح يحفز، ويدعو- بكل الالحاح - إلى الانفتاح على العالم من حوله وجنى ثمرات التعامل التجاري مع الناس في تلك الأقطار وهذا معناه أن الرحلة سواء كانت برية أو بحرية، قد أسعفت الاجتهاد الجغرافي، وهو يوسع دائرة المعرفة الجغرافية وفي نفس الوقت انتفعت الرحلة بثمرات هذا الاجتهاد، وهو يبصر تحركاتها في الغدو والرواح على الطريق - أو وهو يرشد التعامل التجاري مع الناس في الأقطار التي وصلت إليها.
وحتى عندما خرجت الرحلات من أرض بابل في خدمة العمل العسكري، لحساب الغزو عنوة، أو لحساب ردع العدوان، انساق الاجتهاد الجغرافي البابلي في ركابها. ومن الجائز أن يستعين العمل العسكري بالحس الجغرافي، وحسن استشعاره خصائص الواقع الجغرافي في الأرض، لكيلا تنحاز إلى صف الغريم وتحارب ضده ولكن من المؤكد أن الاجتهاد الجغرافي الذي استشعر هذا الحس الجغرافي، قد أطل - بكل تأكيد - على الأرض التي تشهد الغزو، أو مطاردة العدوان، وانتفع بمعاينة الواقع الجغرافي في أنحائها .
ومن خلال المعاينة للأرض والتعايش مع الناس، ومن خلال الاستماع إلى الرواية عن المشاهدات في الرحلة ، جمع الاجتهاد البابلي أوصال معرفته الجغرافية - وقد عكف هذا الاجتهاد - بكل تأكيد - على تسجيل حصاد معرفته الجغرافية في الوثائق البابلية ، التي تحكى وتصور في سرد وتوصيف جغرافي عام، أبعاد هذه المعرفة في الأقطار التي تعرف عليها من حول بابل - ويشهد هنا التسجيل على نجاح هذا الاجتهاد، وهو يطل على الأرض من حول بابل، أو وهو يطلق عليها أسماء ويحدد مكانها وموقعها الجغرافي الصحيح ، من حول أرض بابل.
هذا ومن شأن السجلات والمدونات التي احتوت بعض جوانب التراث البابلي القديم، أن تسجل قصصا يصور بعض الرحلات التي خدمت التحرك الحربي، أو فتحت باب التعامل التجاري مع جيران بابل, كما تسجل هذه المدونات أيضا بيانات كثيرة تنبئ بحسن استخدام الحس الجغرافي، وكيف أدت هذه الرحلات دورا وظيفيا في الكشف الجغرافي, وهذا معناه أن الاجتهاد الحضاري الذي عكف على تسجيل التراث ،استشعر قيمة وجدوى الاجتهاد الجغرافي، وهو يوسع دائرة المعرفة الجغرافية بالأرض والناس، وبالتفاعل الحياتي في كثير من الأقطار من حول بابل.
ومن الجائز أن يكشف التسجيل عن خلط شديد ، بين ما يحكيه القصص الأسطوري، وهو يضخم الأبطال والشخصيات الأسطورية ، وما يحكيه الواقع عندما يجسد نمط أو أنماط الحياة في الاقطار من حول بابل ومن الجائز أن يشوه هذا الخلط المعرفة الجغرافية وأن يضلل الباحث عن الصحيح متنها. ولكن الصحيح لن هنا التسجيل يجسد الانفعال وطايع الانبهار الذي تردى فيه لرحلة، وهم يخوضون تجربة الرحلة ويغامرون - بكل الجسارة - وصولاً إلى أهداف أضيعت بقصد احيانا ، ومن غير قصد أحيان أخرى إلى حساب المعرقة الجغرافية يل قد يبدو تسجيل الانفعال والانبهار أروع وأصدق، من تسجيل الحقائق التي تعبر عن الرؤية الجغرافية الصحيحة.
هذا، ويبدو أن الرحلة سواء كانت برية تدب في دروب وعرة على الأرض، أو كانت بحرية تخاطر في البحر المخيف ، قد أطلقت العنان للحس الجغرافي وهو يرقب ويلاحظ ويبصر مسيرة هذه الرحلة- بل لقد برهنت النتائج على أن هذا الحس الجغرافي، قد فجر قدرات وطاقات الاجتهاد الجغرافي، وشحذ التدبر والتفكير الجغرافي- وفي اعتقاد معظم الباحثين ان الواقع الحضاري قد نمى هذا الحس الجغرافي ، وأحسن توجيهه واستخدامه أو تسحيره لحساب الاستشعار الجغرافي المفيد.
وفي نفس الوقت، أدى الاجتهاد الجغرافي البابلي دوره - يكل صدق - وهو ينتج يعض الخرائط الجيدة وما من شك في أنه قد اتخذت من هذه الخرائط وسيلة، يصب فيها تعبيره وتصوراته عن جغرافية للكان - ومن الجائز أن تدرك كيف أسهم الاجتهاد في الرصد الفلكي والرياضات، في حسن اخراج هذه الخرائط وسلامة ما تنبئ به، أي تعبر عنه، ولكن الذي لا شك فيه أن حسن استخدام الحس الجغرافي في التصور على للمستوى الإقليمي لأرض بابل وما حولها، قد اسعف الاجتهاد البابلي، وأبرز نجاحه في رسم هذه الخرائط واعدادها.
ومهما يكن من أمر، فقد حقق اجتهاد الجغرافي البابلي انجازات مفيدة تلقت النظر وتحقق - بكل تأكيد- التقدير وكيف لا تستحق بالفعل هذا التقدير، وهى اسهام صادق وخلاصة فكر ذكي، فجره حس جغرافي يقظ - ولا نشك - بالطبع - في قيمة الدعم الحضاري العريق، الذي أيد هذا الاجتهاد الجغرافي البابلي وظاهره، وهو ينكب على أداء دوره الوظيفي- وليس من قبيل الصدفة أن تكون هذه الانجازات لبنات سوية في بنية الفكر الجغرافي القديم وقاعدتها العريضة, يل وليس من قبيل الصدفة أيضاً أن تحدد الاضافات البابلية التي أسقر عنها الاجتهاد الجغرافي معالم الطريق التي سارت فيه مسيرة الفكر الجغرافي القديم في سبيلها السوى ولكن المؤكد بالفعل أن هذا كله كان وليد الانجاز الحضاري، في حضن الاستقرار في سهول الرافدين.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|