أقرأ أيضاً
التاريخ: 17-9-2021
1680
التاريخ: 23-4-2018
1633
التاريخ: 23-4-2018
2609
التاريخ: 8-2-2018
1913
|
الوصف والتفرد في الجغرافيا
وطالما يميز العلم بمنهجه وليس بموضوعه، فإنه يمكن القول بأن مسألة انتماء الجغرافيا للعلم لا يكون عن طريق الموضوع أو المحتوى، وإنما يكون بالمنهج ووسائل البحث، ويرى الكثير من الجغرافيين المحدثين بأن هناك عقبات وقفت حجر عثرة أمام اعتبار الجغرافيا علما، وأهمها انشغال الجغرافيون «بالوصف» زمناً طويلاً، بدءاً بالجغرافيين العرب مثل ابن حوقل (صاحب كتاب صورة الأرض)، وهو من أساطين المدرسة الجغرافية العربية الوسيطة، وانتهاء بالجغرافيين المعاصرين الذين ركزوا على مسألة ا التفرد المناطقي Areal differentiation ودراسة الاختلافات المكانية القائم على الوصف (وبخاصة في الفترة ما بين الحربين العالميتين الأولى والثانية).
وقد حال الوصف الجغرافي دون التوصل إلى وضع النظريات أو القوانين الجغرافية التي تمثل قمة البحث العلمي. وهنا يلتقي الجغرافيون العرب مع الجغرافيين الفرنجة في تجريد الجغرافيا من الصفة العلمية وذلك بسبب الوصف. ولكن بصورة نسبية للجغرافيين العرب. وأقول نسبية لأن الجغرافيين العرب (مع الفارق الزمني بينهم وبين الجغرافيين الأوروبيين المحدثين كان لهم في الحقيقة إضافات منهجية في علم الجغرافيا وإن كانت متواضعة (آنذاك). إلا أنه يمكن إعادة النظر فيها وتحليلها وصياغتها للرقي بها إلى مصاف العلم الجغرافي المعاصر، سواء أكان ذلك من الدراسات الاقليمية (وأذكر في هذا المجال ابن حوقل والاصطخري والمقدسي والإدريسي) أو في نماذج السكان والعمران البشري لابن خلدون.
ومهما قيل في الوصف بأنه ظاهرة لازمت الجغرافيا ردحاً طويلاً من الزمن، إلا أن الوصف في الحقيقة لا يختص بالجغرافيا وحدها. وإنما يتعداها ليشمل معظم العلوم طالما أنها تتضمن حقائق تحتاج إلى الوصف والتحليل قبل أن تصاغ على شكل فرضية أو نظرية. والوصف من هذا المنطلق لم يكن حكراً للجغرافيا وإنما شائع في العلوم الأخرى. ويختلف الوصف من علم لآخر وذلك حسب طبيعية العلم وأهدافه. فإذا اهتم الوصف الجغرافي بالدرجة الأولى بالمكان، اهتم الوصف التاريخي بالزمان، واهتم الوصف الجيولوجي التاريخي بالمكان والزمان وطبيعة الترسيب في البحار الجيولوجية القديمة. ويعد اختصاصيو النبات من البارعين في الوصف وإلى درجة ربما يوازي الجغرافيا، إذ يبدأ تصنيف النبات بالوصف، ثم يدعم بالتحليل المخبري، ويتم إثبات صدق النتائج بالتحليل الاحصائي.
ويتركز مفهوم التفرد عند بعض الجغرافيين على دراسة الاختلافات المكانية. على اعتبار أن المكان أو المنطقة أو الاقليم لا يتكرر. بحيث لا يوجد مكانان أو اقلیمان متشابهان تماماً على سطح الأرض. وإذا كانت الظاهرة الجغرافية فريدة واستحال تكرارها، فإنه ينعدم اجراء أي نوع من التعميم عليها. وبما أن التوقع يعتمد أولا وقبل كل شيء على التعميم، فإن الظاهرة الفريدة وغير المتكررة لا يمكن عمل توقعات لها أو التنبؤ بها. ولما كانت النظرية تبنى أساساً على التعميم فإن التفرد في هذه الحالة لا يساعد على وضع نظرية، بل على العكس فإنه يبطلها ويهدمها، والعلم بطبيعة الحال يفترض عمومية الظواهر ولا يعترف بتفردها. ومن هنا اتجه الجغرافيون المعاصرون في العقود الثلاثة الماضية إلى تجاوز مسألة التفرد وإعادة النظر في فلسفة الجغرافيا وذلك بالاتجاه إلى استخدام الحاسوب والأساليب الرياضية والاحصائية والمخبرية في البحث الجغرافي من أجل التوقع وبناء القوانين والنظريات، وقد أكد الكثير من الجغرافيين المعاصرين على ضرورة ترسيخ الاتجاه الأخير في البحث الجغرافي.
وفعلا تمكن الجغرافيون بالأسلوب العلمي من إثبات قدرة علم الجغرافيا على الإضافة والاسهام إما في الكشف عن المشكلات الأرضية والمجتمعية، أو في وضع الحلول المناسبة لها. ولذلك اتجه البحث الجغرافي حديثاً إلى دراسة العلاقات الوظيفية بين الظواهر الجغرافية كالعلاقة بين حجم المراكز الحضرية وأسواقها، وكفاءة شبكة الطرق، وديناميكية أشكال سطح الأرض وعلاقتها بالمشاريع الهندسية. ودراسة أخطار الفيضانات والجفاف والانهيارات الأرضية، وعلاقتها باضطراب النظامين الطبيعي والحضاري. وكذلك دراسة تقييم المردودات البيئية للأنشطة التنموية التي يقوم بها الإنسان لتقرير تنفيذ المشروع التنموي، أو تعديله، أو وقف تنفيذه، وغيرها من الدراسات الجغرافية التطبيقية المفيدة للمجتمع.
وأيا كان الأمر تبقى التحليلات قاصرة عن توضيح مفهوم علم الجغرافيا وعلاقاته بدقة. وتعكس المحاولات السابقة والمتكررة مدى صعوبة تحديد واقع علم الجغرافيا بين العلوم المختلفة وطبيعته. ولذلك يبقى تعريف علم الجغرافيا على أنه علم " دراسة سطح الأرض "، أو " الإنسان وعلاقته بالبيئة "، أو "علم التوزيعات"، أو «علم التباين الأرضي» تبسيطاً تعسفياً لتعقيد حقيقي في طبيعة هذا العلم. كما أن تعريف الجغرافيا على أساس السببية والكيفية (أي ماذا تدرس وكيف تدرس؟) لا يفي بالهدف المطلوب أيضاً. ويبقى علم الجغرافيا كما وصفه " ساور" Sawer مركز ابتكار، من حيث أنه يمتلك القدرة الكاملة على ابتكار وسائل وتقاليد منهجية وموضوعات من ذاته وخاصة به. وأخيراً يتفرد علم الجغرافيا بخاصية تحليل وتفسير العلاقات المكانية التي تربط بين الإنسان وبيئته من خلال نظرة شاملة ومركبة تظهر نتائجها على هيئة تعميمات جغرافية. وهذا ما يجعل علم الجغرافيا يحتل المركز الأوسط أو البؤرة المركزية التي تلتقي عندها العلوم الإنسانية والطبيعية والتطبيقية التي تدخل في دراسة الإنسان وبيئته الحضارية وعلاقتها بالنظم الطبيعية بما فيها النظام الأرضي.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|