أقرأ أيضاً
التاريخ: 18-1-2016
2301
التاريخ: 15-1-2016
3624
التاريخ: 21-4-2016
2328
التاريخ: 23-11-2021
1961
|
قبل ان نتعرف على ماهية التربية وماهية الثقافة، وعلاقتهما في محيط الطفل بشكل واسع، يجب ان نتعرف على ماهية الطفولة، كونها تشكل محور قضيتنا الاساسية هنا.
وبداية تعد مرحلة الطفولة، من اهم مراحل الانسان وأخطرها، كونها تعد الاساس في تكوين هذا الانسان، والمنطلق لبناء شخصيته، ووضوح اتجاهاتها، لذلك تتطلب هذه المرحلة دراسة خاصة، ومعرفة عميقة بخواصها، وكيفية التعامل معها، واساسيات هذا التعامل عبر فهم خصائصها البايلوجية والسايكولوجية والثقافية، قبل التوجه لها، تربويا وثقافيا، نفسيا، واجتماعيا.
اذ تؤكد الدراسات العميقة، حقيقة هذه الرؤية في التعامل مع الطفولة، ليكون التعامل ايجابيا وبالمستوى المناسب والمؤثر.. وإننا حينها وعند معرفتنا للطفل والطفولة معرفة علمية صحيحة، نستطيع عند ذلك التوجه لمخاطبته، والتعامل معه، والوصول الى ماهيته واعماقه والتأثير في قدراته وتنميتها..
ان الطفولة كيان مستقل، ومجموعة انسانية قائمة بذاتها، تختلف عن غيرها من شرائح المجتمع، كما تختلف عن بعضها بمجموعة من الخصائص، تبعا لاختلاف مراحلها العمرية، حيث قسم العلماء مرحلة الطفولة، الى مراحل متعددة، فان ما يصح لهذه المرحلة لا يصح لمرحلة اخرى، وهكذا تعددت اطوار نمو الطفل، ونضجه عبر مروره بهذه المراحل التي من خلالها يسير باتجاه تشكل صفاته الانسانية، وتكامل سمات شخصيته، وصولا الى مرحلة النضج الشامل، التي تعني تكامل صفاته العقلية والنفسية والذهنية والغرائزية..، ليودع بذلك فترة الطفولة، الى فترة اخرى اكثر نضجا وتكاملا، تبدأ بالمراهقة التي يعتبرها العلماء من اخطر مراحل الانسان، واكثر حساسية، ثم تأتي بعدها مرحلة الشباب وهكذا..
لقد تعددت التعريفات، وكثرت الدراسات واختلفت حول تعريف ماهية الطفولة والطفل وتحديدهما، بغية الكشف العميق عن عوالم هذا الكائن العجيب، وتحديد سمات شخصيته، فمنذ ان بدأ العلماء ينقبون في عوالم الطفل والطفولة، منذ ازمان بعيدة، ويدرسون خواص هذا الكائن وصفاته، بدأ الاختلاف واضحاً في التفسير والاستنتاج العميقين حول الطفل، مع اتفاق الجميع على مجموعة من الصفات والخواص والسمات التي اظهرها العلم والعلماء في ماهية الطفل.. وسبب الاختلاف هنا يعود الى صعوبة الطفل، واختلاف مكوناته وصفاته وخواصه الجسمانية، والحركية والعقلية، والنفسية، من مرحلة الى مرحلة اخرى، في أطوار النمو المختلفة.
ومع سعي العلماء الى دراسة الطفل، دراسة أعمق واشمل وأكثر دقة عبر الدراسة التفصيلية، والمستفيضة للطفل مرحلة مرحلة، الا انهم ظلوا يواجهون في سعيهم هذا جملة من التساؤلات المبهمة، وترفع عنها الغموض فينتهون الى الاعتراف من جديد بصعوبة الطفل، وصعوبة الغوص في اعماقه، وعوالمه الشائكة، ومنتهين بدراساتهم، واستنتاجاتهم، وتفسيراتهم، الى الاعتراف الذي يؤكد: ان عالم الطفل الشائك قابل لكل التفسيرات والتحليلات التي تصب جميعا بالنتيجة في استكناه ماهية الطفل وتعريفه بالقدر الذي وصلوا اليه..
لقد كانت التساؤلات المبهمة المتعددة، التي تثار حول الطفل ودراسته وسبل الوصول اليه، في ذهنية العلماء، خاصة علماء دراسة الطفل، تأتي لتعبر عن سعة الاهتمام المتواصل والمتزايد لهؤلاء العلماء بالطفل، واطوار نموه ولتحديد السبل الاكثر نجاحا لفهم الطفل وإعداده إعداداً سليماً، ليكون عنصراً فاعلاً ومهماً في المجتمع.
ومع إبهام هذه التساؤلات، وتعددها وتشابك قضاياها في جوانب متعددة من عوالم الطفل المختلفة، الا انها كشفت عن الكثير من الغموض الذي يكتنف مكونات الطفل وعوالمه، وكشفت عن صفات وخواص وجوانب اخرى في شخصية الطفل، ما كانت معروفة من قبل.. وكل ذلك قد وسع من دائرة اهتمام العلم والعلماء بالطفل، ووسع من عوالم الطفل وأهميته..
ومع ذلك ما زال البعض ـ برغم تعمقه في دراسة الطفل ـ يرى الطفل عالما متشابكا، يتشكل من مجموعة اسرار وعجائب، ومن مجموعة صفات بعضها ثابت، وبعضها الاخر متغير، وهذا ما يزيد العلماء حيرة وادهاش وصعوبة في تحديد ماهية الطفل، حتى وصل الامر الى الاعتراف الكامل بالقصور، في الوصول الى حقيقة الطفل، واستكناه ماهيته، مثلما حدث مع (جان جاك روسو) الذي أطلق حينها صيحته الشهيرة مصرحا (نحن نجهل الطفولة جهلا مطلقا)..
ومع ذلك لم يقف العلماء عن سعيهم الحثيث لدراسة الطفولة، وتحليل خواصها في المختبر العلمي، فكانت معاييرهم العلمية ومحفزاتهم في الدراسة الاشمل والاعمق، تلك التساؤلات المبهمة، التي ظلت تلازمهم، وتؤرق تصوراتهم وافكارهم، ونظرتهم للطفل، والتي غالبا ما تفرض وجودها عليهم، وتحفز مخيلتهم لتكرار هذه التساؤلات من جديد فنراهم يكررونها من اجل الاجابة عليها، وتعميقها بالمعرفة الجديدة مع ما سبقها من معرفة، ومتسائلين معها مرة اخرى: ترى من هو الطفل؟ هل نبدأ بتحديد ماهيته بدءا من مرحلة الاجنة، اي نبدأ بدراسته وهو جنين في بطن امه؟ ام بعد ولادته وخروجه من أغلال الرحم واكتسابه صفة الولادة الانسانية، كانسان كائن في مرحلة الطفولة؟..
مرة اخرى يتسع السؤال: من هو الطفل؟ هل هو كائن قائم بذاته؟.. هل هو رجل في طور النمو؟ (هل هو راشد صغير؟.. ام رجل صغير؟ ام عاقل صغير، ام هو نقيض الراشد؟.. والطفولة هل هي مجموعة من السنوات لها بداية ونهاية؟.. هل هي مرحلة واحدة ام عدة مراحل؟ هل هي ثلاثة تنتهي عند سن الثانية عشرة؟ ام أربعة تنتهي عند سن الخامسة عشرة؟.. ام خمسة تنتهي عند سن الثامنة عشرة؟.. وان لم يكن مقياسها زمنيا؟.. ما هو اذن؟، هل هو الجسدي ام العقلي ام النفسي ام الوجداني ام الانفعالي؟ ثم بأية نظريات يمكن تعريف الطفولة وتحليلها؟..
ترى هل ننساق وراء هذه النظرية دون غيرها لفهم الطفل، والاسترشاد بمنهجها واستنتاجاتها العلمية للوصول الى ماهية الطفل، والتصرف معه، وتربيته، وتنمية قدراته وفق منهجها؟
وفي هذا الاتجاه، إذا ما سرنا فيه، حتما سنقع في قصور للفهم الكامل للطفل، كون هذه النظرية تختلف عن غيرها من النظريات الأخرى، في المنهجية والتصور والبحث، واتجاهها يختلف عن اتجاه النظريات الأخرى وهكذا، مع ان مبادئ هذه النظريات مجتمعة تشكل دراسة عامة لماهية الطفل، اذ اخذت كل نظرية جانبا من عوالم الطفل وراحت تدرس هذا الجانب وتختص به دون سواها.. فأصبح هناك نظريات تدرس النمو النفسي، ونظريات أخرى تدرس النمو الحركي، وأخرى تدرس النمو اللغوي، وأخرى تدرس النمو العقلي، وأخرى تختص بدراسة النمو الجسدي العام، وأخرى تدرس أنماط السلوك الى غير ذلك..
واما تعدد هذه النظريات، واتجاهاتها المختلفة، في الدراسة والتحليل لا يمكن ان نحيد عن الاخذ بآراء، واستنتاجات النظريات الشهيرة التي تختص بالنمو النفسي، والتحليل النفسي والتعلم، كونها تشكل وحدة متكاملة لدراسة سايكولوجية الطفولة، وفهمها العام، وتشكل أيضا المدخل الأساسي للدخول الى ماهية الطفل، والتعرف على انماطه السلوكية وقدراته المختلفة..
ـ الطفولة في نظرية بياجيه
لم تأت دراسة حول الطفل، في الدراسات الحديثة، الا وتعرضت لمبادئ وآراء بياجيه في هذا المجال.. وكانت هذه الدراسات تتشابه الى حد ما في هذا الطرح الذي لم يذهب بعيدا عن الاتجاه الذي ذهب اليه بياجيه..
و(جان بياجيه) احد علماء النفس السويسريين في القرن العشرين، يذهب في نظريته التي تختص بدراسة سايكولوجية نمو الطفل، وتحليل ماهيته الى القول: (ان الطفل النامي يجتاز سلسلة متتابعة من المهارات العقلية، التي يزداد ويتصاعد خطها من التعقيد الواحدة بعد الأخرى، وان الأطفال يحاولون دائما ان يتفهموا عالمهم عن طريق التعامل المباشر مع الأشياء والناس وان التغيرات الحاصلة في النمو هي نتاج لنشاط الطفل المتواصل عبر فضوله وبحثه وحله للمشكلات التي تواجهه، وكذلك في تشكيله للمعاني بالاستناد الى قدراته للاستدلال العقلي المجرد، والتفكير في المواقف الفرضية بطريقة منطقية وتنظيم الاعمال او القواعد العقلية التي نسميها بالعمليات، حيث يحولها الى تراكيب او تكوينات معرفية معقدة تصل به الى الجانب المعرفي في السلوك، وصولا الى المراحل المتعددة من النضج)(1)..
اما في مسالة التطور العقلي والنمو المعرفي للطفل فيرى بياجيه، ان هناك أربع مراحل رئيسية للنمو العقلي هي: الحسية الحركية (من صفر الى 18 شهرا)، والسابقة على العمليات (من18 شهرا الى سن السابعة)، والعمليات المادية (من السنة السابعة الى السنة الثانية عشر)، وأخيرا العمليات الصورية او الشكلية (من السنة الثانية عشر الى ما بعدها)، والمراحل عنده متصلة مستمرة، وكل واحدة منها تنبني على ما قبلها من قدرات، كما ان هناك على الدوام علاقة ما بين القدرات والمعتقدات التي اكتسبها الطفل وبين ماضيه السابق كله..
ان هذه المراحل الأربع التي حددها بياجيه قد أصبحت مرتكزا علميا لدى الكثير من العلماء الذين يدرسون الطفل، ومن خلالها تم الكشف عن تطور القدرات لدى الطفل وآلية نضجها، وتشكل المعارف والادراكات من خلال تتابعها من مرحلة الى أخرى..
لقد اطلق بياجيه اسم (العملية) كمفهوم رئيسي مركزي عن النمو العقلي في نظريته، والعملية هنا هي نوع خاص من الروتين العقلي، يتم بها تحويل المعلومات من اجل تحقيق غرض معين، فالطفل يجتاز سلسلة من المراحل ويكتسب في كل مرحلة منها طائفة مختلفة عن العمليات ويصل بالتدرج الى اكثر المراحل نضجا خلال المراهقة، والميكانيزمان الرئيسيان اللذان يتيحان للطفل الانتقال من مرحلة الى مرحلة التي تليها حسب تحليل بياجيه هما الاستيعاب والملائمة، فالاستيعاب هو (اندماج شيء جديد او فكرة جديدة في فكرة او خطة كانت عند الطفل من قبل، أي ان الطفل هنا يستخدم أفكاره القديمة وعاداته القديمة في أشياء جديدة، واما الملائمة فأنها الميل الى التوافق مع الشي الجديد، او الميل الى ان يغير الفرد من سلوكه حتى يتناسب مع الشيء الجديد)(2)..
ـ الطفولة في نظرية التعلم
أما نظرية التعلم فقد ركزت على السلوك الظاهر لذى الطفل، والتأكيد على قوى البيئة والخبرة، لا على النضج البيولوجي ذاته، اذ يعرف التعلم على انه العملية المتواصلة التي ينتظم فيها السلوك الإنساني نتيجة لما تمنحه عملية التعلم من خبرات واسعة للطفل، وأصحاب نظرية التعلم ينظرون الى التغيرات في العادات والمعتقدات بوصفها ناتجة عن تقليد النماذج وتغيرات في أنماط الثواب والعقاب، أي ان الطفل يتعلم عن طريق ملاحظة الاخرين وتقليدهم، وهو يتعلم كذلك انماطا جديدة من السلوك لان بعض أنواع السلوك تثاب وبعض الأنواع الأخرى تعاقب، من ذلك مثلا، ان الطفل قد يتعلم، ان من المسموح به له ان يلمس مفاتيح الراديو ولا يسمح له بلمس مفتاح التلفزيون)(3)..
وفي التعليم ليست هناك مراحل محددة للتطور كما يؤكد أصحاب هذه النظرية، فالتعلم هو عملية متواصلة لاكتساب الخبرات والمعارف والطاقات التي تزيد من قدرات الطفل التعليمية، وتحفزه على التواصل في اكتساب المزيد منها..
وبحسب نظرية التعلم هناك أصناف من التعلم، ويعد اكثرها شيوعا هو (التعلم الشرطي الكلاسيكي والاجرائي) الذي يقوم أساسا من الربط الموضوعي بين مثير خارجي واضح وبين استجابة من الاستجابات، وعلى سبيل المثال فيما يخص التعلم الشرطي والكلاسيكي عند الرضع في الظروف الطبيعية نلاحظ: (ان منعكس الامتصاص عند الرضيع، وهي استجابة فطرية (غير شرطية) لوضع (الحلمة) في الفم لا يلبث بعد عدة أسابيع قليلة من بعد الوالدة ان يصبح استجابة شرطية لمثيرات كانت محايدة من قبل ذلك، مثل منظر الام ورائحتها وصوتها وهي تتهيأ لتغذية الرضيع ثم تصبح هذه المثيرات قادرة على استثارة الامتصاص..
اما في التعليم الشرطي من النوع الاجرائي، فان الشخص يكتسب ارتباطا جديدا بين مثير ما واستجابة (متعلمة) (أي استجابة ليست من نوع الفعل المنعكس)، وهذه الطريقة في جوهرها، تتضمن اثابة الاستجابات الملائمة حينما يتصادف وقوعها او حدوثها، في هذه الطريقة نجد ان هناك عملا يقوم به الفرد هو الذي يؤدي الى الاثابة، مثال ذلك: ان الطفل قد يضغط على رافعة ما فيترتب على ذلك ان تخرج قطع الحلوى من احدى الفتحات، فالاستجابة وهي هنا الضغط على الرافعة اجراء يعمل على جلب الاثابة، أي ان الاستجابة فعالة او ذريعة الى الاثابة، ومن هنا جاءت التسميات،: تعلم شرطي وسيلي او اجرائي)(4)..
كذلك يؤكد أصحاب نظرية التعلم على ان التعلم لا يتوقف على النوع الشرطي، فهناك التعلم بالملاحظة ويأتي اكتسابه عن طريق ملاحظة استجابات شخص اخر (كنموذج او قدوة) والقيام بتقليده.. وفي كل مرة يتعلم فيها الأطفال انماطا جديدة من السلوك من خلال الملاحظة، أي ان الأطفال بقيامهم بملاحظة الاخرين انما يكتبون فكرة او صورة عقيلة جديدة عن كيفية أداء الأنماط الجديدة من السلوك، ثم تفيده هذه الفكرة وتهديه فيما بعد في سلوكه، ويأتي التعلم بالملاحظة مع التعلم الشرطي سواء الكلاسيكي ام الاجرائي ليكمل كل منهما الآخر)(5).
_____________________
(1) بول مسن، جون كونجر، جيروم كاجان، أسس سيكلوجية الطفولة والمراهقة، ص30.
(2) المصدر نفسه، ص32.
(3) المصدر نفسه ص35.
(4) المصدر نفسه ص37.
(5) المصدر نفسه ص39.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|