العوامل الطبيعية المؤثرة في قوة الدولة- المظاهر الطبيعية- البناء الجيولوجي والتضاريس |
3852
05:46 مساءً
التاريخ: 30-12-2021
|
أقرأ أيضاً
التاريخ: 8-5-2022
1763
التاريخ: 22-12-2021
3162
التاريخ: 11-10-2020
2057
التاريخ: 2024-11-06
168
|
المظاهر الطبيعية:
لا يمكن إغفال المظاهر الطبيعية في الجغرافية السياسية، فالعلاقة بين سكان الدولة واراضيها لا يمكن فهمها إلا بعد التعرف التفصيلي على كل منها، وعادة ما تكون نسبة الخطأ في الدراسات الطبيعية أقل من الدراسات الإنسانية، لأن للأولى صفة الثبات، فالأرض التي تحتلها الدولة تغييراتها عادة أبطأ من تغيرات البشر الذين يعيشون عليها، وكلنا نعرف أن أي إطار طبيعي توضع فيه الدولة ما هو إلا نتيجة تفاعل العوامل المتعددة، كل منها يعالج على حدة للتعرف عليه بدقة، وإن كانت تتجمع وتتفاعل لتعطينا في نهاية الأمر مسرحا مجهزا يعش عليه الإنسان.
البناء الجيولوجي والتضاريس:
فجيومورفولوجية الدولة ما هي إلا البناء الجيولوجي بعد تاريخ جيولوجي طويل عدلته الطروف الطبيعية، والأنهار التي تجري في الإقليم يمكن اعتبارها طاهرة طبيعية، ولكنها من حيث السرعة والاتجاه ترتبط بنوع الصخور التي تجرى فيها، وليس من شك أن الدراسة الطبيعية التخصصية خارجة عن نطاق الجغرافية السياسية، ولكن الإحاطة بها تساعد على تفهم المطاهر الطبيعية في علاقة المجتمعات الأرض، فعلى سبيل المثال، البناء الجيولوجي يستحق عناية الجغرافية السياسية لعدة أمور منها: التعرف على موارد الدولة المعدنية، فهذه من اهم دعائم قوة الدولة، والبناء الجيولوجي ايضا مسئول عن سهولة الوصول إلى المعادن او صعوبته.
الأمر الثاني أن البناء الجيولوجي مسئول عن الخطوط العامة لتضاريس سطح الأرض بالإضافة إلى عوامل التعرية، فالتضاريس تلعب دورا كبيرا في الدولة، فالسهول تصلح لقيام نوايات الدول، بينما المناطق الجبلية كثيرا ما تكون غنية بالمعادن أو القوى المائية والأخشاب، إذا استغلها الإنسان، كانت مصدر قوة اقتصادية عظيمة للدولة. كما انه يمكن القول أيضا أن الوحدة السياسية يسهل تحقيقها في الأرض السهلية عن المناطق الجبلية، فكثير من الأجزاء الجبلية يعانى خلخلة في السكان، إذ أن السكان يتجمعون في الأودية، بينما يتبعثرون في الجبال، ولا يسهل بينهما اتصال، بحيث تصبح الوحدة هي العشيرة إن تطورت كانت كانتونا أو ولاية وإذا اتحدت هذه الكانتونات فإنها لا تكون دولة واحدة إلا بعد مرحلة كبيرة من التقدم السياسي، كما هو الحال في سويسرا.
ويمكن القول ايضا ان الانتقال والتحركات البشرية تكون ايسر في السهول عنها في الجبال، وبالتالي يتسع نطاق النشاط التجاري والثقافي ولكن هذه النطاقات السهلية التي تمنح التسهيلات، وتشجع على النمو، وعلى التوسع من جانب كل وحدة سياسية مجاورة، تخلق بالتالي حالة من المنافسة، من ثم تبذل كل دولة في السهول جهودا كبيرة للاحتفاظ بحدودها.
ولعل السهولة التي تتوسع بها الدولة القوية في هذه السهول، هي انعكاس لما نراه على الخريطة السياسية، من أن السهول إما أن تتجمع في وحدة سياسية واحدة، مثل السهول الروسية، تمثل أول منطقة نزاع بين الدول المتنافسة. ولعل المثل الأول واضح في حالة السهل الروسي الذي يدخل ضمن روسيا الاتحادية بينما يتضح المثل الثاني في السهل الأوربي الذي ظل كمنطقة نزاع دائم بين الدول التي تحتله حتى نهاية الحرب العالمية الثانية. والوحدات السياسية التي تعيش في هذا الميدان تعيش في خوف دائم من الاعتداءات الخارجية، وبالتالي يؤثر هذا على تنظيمها الداخلي. هذا على عكس المناطق الجبلية، التي تعطي تسهيلات دفاعية كبيرة للغاية، ويمكن للدولة أن تؤمن على نفسها إلى حد كبير، وأن عانت بعض العزلة السياسية والاقتصادية، وليس من شك أن سهولة الإدارة ودرجة الوحدة في داخل الدولة تتأثر بطبيعة ارضها، وصعوبة الانتقال، فعلى سبيل المثال تظهر إكوادور على الخريطة السياسية وكأنها دولة ملمومة، متوسطة الحجم، ولكنها في حقيقة الأمر تنقسم إلى ثلاثة أقسام.
السهل المطل على المحيط الهادي، سلاسل وهضاب الانديز، والسهول المنحدرة إلى الأمازون في الداخل، ولم تكن هذه الأقاليم يوما ما متكاملة، فسهول الأمازون صعب الوصول إليها كما أنها مخلخلة السكان، بينما تختلف سهول المحيط الهادي عن الجبال، مناخا وسكانا، إذ يسكنها الهنود الحمر و المستيزو (المخلطون)، كما أن وسائل النقل صعبة للغاية على حين لا توجد سوى الأنهار وسيلة من وسائل الحركة في سهول الأمازون الكثيفة الغابات، لذلك فقد استطاعت دولتا كولومبيا وبيرو اقتطاع أجزاء منها.
وتؤثر التضاريس في اتجاه وسائل النقل، فغي ويلز من الصعب مد الخطوط الحديدية من الشمال إلى الجنوب بسبب الكتل الجبلية، ولذلك فالخطوط الحديدية تمتد فيها من الشرق إلى الغرب متتبعة الأودية، ومن المعروف في بريطانيا انه السهل لسكان ويلز إذا أرادوا الاجتماع ببعضهم أن يتم هذا الاجتماع في إنجلترا عنه في ويلز.
وللتضاريس اثرها في تعيين خطوط تقدم الجيوش وانسحابها، فحيث ترتفع الأرض تصبح من الوعورة بمكان بحيث يصعب على الجيوش عبورها برا، وتظهر أهمية المدرات التي تفصل الكتل الجبلية عن بعضها، وتصبح هذه المضايق محاور للتحركات الحربية كما هو الحال في ممرات الختمية والجدي ومتلا وسحر في سيناء، وكما هو الحال في ممري خيبر وبولان بين باكستان وأفغانستان. وللتضاريس أثرها في تعيين التكتيك والأسلحة التي تستعمل في الميدان فسهول روسيا الفسيحة وصحاري شمال أفريقية وسيناء الرملية تعتبر ميدانا جيدا لاستعمال الدبابات والمدرعات، بينما مرتفعات النرويج وجبال الألب لا يصلح فيها استعمال المدرعات، وكشفت التجارب العسكرية في الحرب العالمية الثانية اختلاف التكتيك في كل ميدان بحسب طبيعة الأرض، فاستخدم الألمان اسلوب الانزال الجوي على جزيرة كريت الجبلية، كما طور الحلفاء أسلوب حرب العصابات في المناطق الجبلية في اليونان، ويوغسلافيا سابقا، وإيطاليا، مما اضطر معه الألمان إلى حشد ٢٢ ألف جندي لمجابهة خمسة آلاف وخمسمائة جندي من رجال العصابات.
وللتضاريس أثرها في تخطيط الحدود السياسية، فإذا قلت المعالم المورفولوجية البارزة التي يمكن اتخاذها كنقاط مرجعية للحدود، تسود الحدود الهندسية كالخطوط المستقيمة والأقواس والخطوط الفلكية كخطوط الطول والعرض، وليس من شك أن الحدود السياسية العربية وجزء كبير من الحدود السياسية الأفريقية تنتمي لهذا النوع، ومثل هذه الحدود الخطية لا تعبر إلا عن القوة الدبية للقوى الأوربية التي قامت بتعينها، أي مناطق نفوذها في إطار ما يسمح به من التوازن القائم بينها، مثل حدود مصر مع فلسطين، منطقة الحدود الليبية المصرية - الحدود المصرية السودانية على حين تستغل المظاهر المورفولوجية البارزة في تعيين الحدود كما هو الحالي في الحدود الهندية الصينية، الحدود بين شيلي والارجنتين وهكذا.
ولتضاريس أية دولة وظاهرات السطح بها أهمية في التقييم الاقتصادي والسياسي لها، وما من شك في أن الأراضي التي تمتاز بطبيعتها السهلية المنبسطة إذا نصادف وقوعها في ظروف مناخية ملائمة تكون مثل هذه الأراضي بلا جدال أفضل بكثير من غيرها من الأراضي التي تقع في منطقة جبلية وعرة. على الرغم من أن الجبال قد تحتوى ثروات معدنية أو إمكانيات لتوليد الطاقة المائية، إلا أن الأراضي السهلية لو اقترنت بظروف مناخية مناسبة هي أفضل الأراضي للتقدم الاقتصادي وللنشاط البشري بصفة عامة، ويعيش معظم سكان العالم حاليا في أراضي سهلية، وقد نشأت الحضارات القديمة في السهول الفيضية في وادي النيل وأرض الرافدين، وقد نفر الناس من سكنى الجبال والجهات المرتفعة لجدبها وفقرها ولجأوا إلى الأراضي السهلية حيث يجود فيها الزرع والنبت وتسهل الحركة بين الأجزاء المختلفة، ولا يضطر الناس الى الحركة صعودا وهبوطا.
والدول التي بها أراضي سهلية تستطيع أن توفر لسكانها حاجتهم من الحبوب والمنتجات الغذائية التي تنتجها الأرض، وقد كان لضآلة الأرض السهلية القابلة للزراعة في اليابان والجزر البريطانية أثر كبير على هذه الدول. فنجد أنها تعتمد على غيرها في الحصول على جزء كبير من حاجتها الى هذه السلع، ونذكر حال بريطانيا أيام الحرب العالمية الثانية، وكيف أن كل المنتجات الغذائية كانت توزع بالبطاقات لقلتها وللحصار الذي تعرضت له ولصعوبة الحصول على مواد مثل السكر والحبوب وغير ذلك من البلاد المنتجة لها. واليابان تضطر في الوقت الحاضر الى استيراد نحو ثلث حاجتها من الغذاء للاستهلاك الحلى.
واستواء السطح أمر حيوي جدا في البلاد التي تعتمد فيها الزراعة على الري. وحتى الأراضي التي تقوم فيها الزراعة البعلية نجد أن الأراضي السهلية المنبسطة أفضل بكثير في الزراعة من غيرها من الأراضي. وذلك لسهولة القيام بالعمليات الزراعية، ونذكر هنا أن الأراضي السهلية في كل من الولايات المتحدة وكندا قد مكنت هذه الدول من استخدام نظام ميكنة الزراعة في مساحات واسعة (الزراعة الواسعة).
وبالرغم من الميزات الكثيرة للأراضي السهلية نجد أن الأراضي الجبلية أو المرتفعة كانت أنسب الأراضي لقيام الوحدات السياسية لأنها وفرت لها الحماية والأمن. وكانت كل دولة تحتاج في الماضي الى نواة جبلية مرتفعة تكون ملجا لها لا يمكن قهره فلا تنهار الدولة، تنطلق منه إلى الأراضي السهلية المحيطة كلما استعادت قوتها، وبعد أن تعدت مرحلة الأزمة العصبية. وقد استفاد المجاهدون الجزائريون من الجبال في حرب التحرير التي خاضوها ضد الفرنسيين حتى حصلوا على الاستقلال.
من أمثلة الدول التي نشأت في مناطق جبلية دول أمريكا الوسطى وبعض دول امريكا الجنوبية مثل كولومبيا وأكوادور وفنزويلا، ومن الدول التي قامت في منطقة جبلية ثم مدت نفوذها الى الأراضي المجاورة إيران وتركيا، ومن الدول الجبلية الخالصة نيبال وبوتان في شمال الهند.
ولكن بعد تقدم العلوم وارتفاع قدرات الإنسان أمكن للإنسان أن يستفيد من الثغرات الموجودة في المناطق الجبلية ومن الأودية الضيقة في عمل الممرات وإنشاء الطرق والسكك الحديدية. بل أمكن إنشاء الأنفاق التي تخترق الجبال والتي تمر بها القطارات والسيارات في أوربا وكذلك في العالم الجديد. وقبل إنشاء مثل هذه الطرق في دولة مثل رومانيا كان يتعذر وصل شمال البلاد، بجنوبها وشرقها. وبعد إقامة هذه الأنفاق أصبحت إيطاليا تتصل ببقية أوربا شمالا بسهولة ويسر عبر الممرات الجبلية في الألب، وأصبحت السكك الحديدية والطرق تخترق جبال الابلاش في شرق الولايات المتحدة الأمريكية.
ولظاهرات السطح أثر كبير في اتجاه الحدود السياسية. ومن المعروف أن الحدود السياسية المثالية هي تلك التي تتطابق مع حدود بشرية وطبيعية واضحة، وفيما يختص بالحدود الطبيعية فهي تلك التي تتبع الظاهرات الطبيعية وبالذات ظاهرات السطح. ولذلك نجد أن تخطيط الحدود السياسية في المناطق السهلية تفتقر الى الحواجز والعوائق التي تميز بين أجزاء الدول المختلفة التي توجد بها. فأقامت بعض الدول في الماضي أسوارا لتفصل بينها وبين غيرها من الدول والشعوب ونذكر هنا سور الصين العظيم, ولم تعد للأسوار في الوقت الحاضر أية قيمة دفاعية. وأصبحت الدول تلجا إلى بناء خطوط تحصينات خاصة بينها وبين البلاد التي تخشي من غزوها او اعتدائها عليها.
ولذلك نجد أن الجهات السهلية تتعرض للغزو والاحتلال أكثر من غيرها من أراضي الدولة ذات الطبيعة الجبلية، والجهات الجبلية أكثر قدرة على حماية الدولة لوعورتها وصعوبة عبورها. ولذلك تميل الحدود السياسية الى الاتجاه إلى الجهات الجبلية ومسايرة قممها لتوفير أقصى قدر من الحماية، والجهات الجبلية لا تقوم بوظيفة الفصل الطبيعي فحسب بل تقوم ايضا بالفصل بين الثقافات واللفات والأجناس. او ظلت هكذا لغترة طويلة من الزمن.
وبالرغم من كل هذه الميزات نجد أن الحدود السياسية لا تسير مع الحدود الطبيعية دائما، ولكن في مسافات معينة ذلك لأن تخطيط الحدود السياسية لا يأخذ في الاعتبار هذه الضوابط الطبيعية بقدر ما يأخذ في الاعتبار الاعتبارات السياسية.
وبذلك يتدخل التركيب الجيولوجي ومظاهر السطح في سياسة الدولة ومشكلتها وبالتالي يصبح لهما تأثير على وظائف منطقة الدولة من نواح متعددة، فالتركيب الجيولوجي يعمل على توفير الموارد المعدنية والصخرية التي تحقق للدولة قدرة على أداء اقتصادي أفضل. أما مظاهر السطح فيختلف تأثيرها حسب نوعها، فالسهول توفر الأراضي الخصبة اللازمة للزراعة والتي تجذب السكان على الاستقرار، على عكس المناطق الصحراوية التي تعد مناطق طرد سكاتي. و الجبال رغم أنها تحمي الدولة كثيرا من الغزو و الهجوم الخارجي إلا أنها تعوق التوحيد الثقافي و تبادل الأفكار و الآراء بين مناطق الدولة، لأنها تخلق مناطق منعزلة عن بقية أجزاء الدولة يكون لها عاداتها ولفاتها ودياناتها الخاصة.
وعلى الرغم من أن الدراسة التفصيلية للتركيب الجيولوجي تقع خارج حقل الجغرافيا السياسية، إلا أن التركيب الجيولوجي يستحق أن تفرد له مكانة بارزة في الدراسة وذلك لسببين:
الأول: أن الموارد المعدنية التي توجد في منطقة الدولة ترتبط بتراكيبها الجيولوجية ارتباطا مباشرا.
الثاني: أن التركيب الجيولوجي يعين المطاهر التضاريسية لسطح الدولة، وما يطرأ عليها من تعديل وتغيير، وما يرتبط بها من أنواع النشاط البشري.
يفهم مما تقدم، أن دراسة الخريطة الجيولوجية تدخل في صميم موضوع الجغرافيا السياسية، فهي التي ستدلنا إلى أنواع المعادن الموجودة في باطن إقليم الدولة، ودرجة تركز رواسبها المعدنية، وتوزيعها الجغرافي وحجم الاحتياطي من الخامات الموجودة في صخورها، والتي يمكن استخراجها بصورة تجارية، وكلها عوامل تحدد في النهاية القيمة الاقتصادية للثروة المعدنية التي تملكها الدولة، والتي تنعكس علي أداء الدولة الوظيفي وخاصة حيويتها، التي تهدف لسد حاجات السكان ورفع المستوي الاقتصادي لهم.
ومما لا شك فيه أن قدرة الدولة على أداء وطائفها يتوقف إلى حد كبير على ما تمتلكه من موارد معدنية، وإمكانية تحويلها إلي طاقة اقتصادية فعالة، تسهم بشكل مباشر أو غير مباشر في سد حاجات السكان، وتحقيق الرفاهية الاقتصادية لهم، مما ينعكس بالتالي على استقرار أحوال الدولة.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|