أقرأ أيضاً
التاريخ: 25-11-2020
2527
التاريخ: 19-6-2016
1945
التاريخ: 1-12-2019
2366
التاريخ: 13-1-2016
3102
|
تنقسم الأمور بشكل عام إلى قسمين، توافه، ومهمات، وصاحب الحكمة يتعامل مع الأشياء حسب ما هي عليه، فيتعامل مع التوافه بتفاهة، ومع المهمات بهمة.
فعنايتنا يجب أن تختص بما هو مهم، أما التافه فلابد أن نرميه في البحر من دون ندم، هذا ما يفهمه جميع الناس إلا أن المشكلة تكمن أحياناً في اختلاط التافه من الأمور بالهام منها، ويكون من الصعب التمييز بينهما.
والسؤال هنا هو: ما هو الميزان لمعرفة التافه من المهم؟
والجواب: إن المهم هو كل ما يرتبط بوجود الإنسان ومصيره ومستقبله، وبوجود الناس ومصيرهم ومستقلهم.
أما التافه فهو كل ما لا تأثير له على حياة الإنسان بحيث يكون وجوده وعدمه واحداً.
ولعل من التوافه التي يوليها بعض الناس أهمية كبرى هي، الكلمات النابية التي قد يسمعها المرء من هذا أو ذاك، وأنواع النقد الجارح، أو السب والشتم والإهانة، وقلة الاحترام.
فهناك من الناس من يشعر بأذى بالغ لأقل كلمة تقال له ويثور على قائلها، وكأن الشتيمة تهدد حياته بالفناء، مع أن مليون كلمة تافهة لا تشكل خطراً بحجم لدغة بعوضة واحدة.
وقد يبرر أمثال هؤلاء مواقفهم هذه بأنهم إنما يثأرون لكرامتهم وكبريائهم، فلماذا يعتدي الآخرون عليهم؟
غير أن الأمر الذي لا يشك فيه أن الذي يثور لأتفه الأسباب إنما هو مهزوز الشخصية، ضعيف الإرادة، لأنه في الحقيقة لا يستطيع أن يضبط أعصابه وتوتراته في الظروف الحرجة.
فمن يعتبر الشيء التافه بمثابة خطر جدي يهدده فهو شخص ضعيف، بعكس صاحب الشخصية القوية فإنه يتصرف كصخرة صماء تتحطم عليها أمواج البحر، أو كجبل شامخ لا تهزه الرياح السافيات.
فمن يشعر بعزة حقيقية في نفسه لا يثور لبعض ما يسمعه من كلمات نابية هنا وهناك.
وفي الحق فإن النقد الجارح لا يجرحك بمقدار ما يجرح صاحبه، فلو كان يحترم نفسه لكان نقده بناء، والذي يسبك لا يقلل من شأنك بمقدار ما يكشف عن وضاعة نفسه وحقارتها، وقد سمع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) قوماً من أصحابه يسبون أهل الشام، فقال لهم: (إني أكره لكم أن تكونوا سبابين، ولكنكم لو وصفتم أعمالهم وذكرتم حالهم، كان أصوب في القول وأبلغ في العذر، وقلتم مكان سبكم إياهم: اللهم احقن دماءنا ودماءهم) (1).
إن كلمات السوء مركب من مراكب الشيطان لإثارة العدوان وتأجيج الحروب، وخلق المشاكل في الأسرة الواحدة، أو الأمة الموحدة، أو الوطن الواحد.
إن الكلمات تخرج من لسان ناطقها مركبة من حروف لا معنى لها بذاتها، لكنها عندما تدمج في الجملة عند ذلك سيكون لها وقع خاص على قلب سامعها الذي يتحسس من أية كلمة ذات لفظ بذيء ومراد مهين، ومن يحترم نفسه فهو يتحاشى أن يقول كلمات خشنة بحق غيره، لأنه لا يحب أن يسمع مثلها، فما من إنسان إلا وهو يحب توطيد العلاقة بالناس، فلرب كلمة سوء أدت إلى قطيعة تطول آثارها، من غير إدراك من صاحبها بأن مثل تلك الكلمة يمكن أن تقضي على عشرات السنين من الصحبة، وتستبدل الصداقة بالعداء، والمودة بالبغضاء.
ان كلمات السوء مهما كانت صغيرة فهي تشبه النار، فلربما يكون عود كبريت صغير سبباً لحريق كبير، وكذلك تفعل الكلمات النابية، فكم من حرب بدأت بكلمة بذيئة خرجت من لسان أحد طرفي النزاع، وكم من المشاحنات والمطاحنات والخلافات العائلية والاجتماعية، أثارتها كلمات فحش أو تهمة صدرت من أحد الأفراد؟
ولقد شهدت هذا النوع من الخلاف بين شخصين كانت صداقتهما تمتد قرابة النصف قرن من الزمان، غير إن كلمة بذيئة صدرت من أحدهما في فورة غضب غير مبررة، أدت إلى تأزم العلاقة بينهما وتبددت تلك العلاقة الطيبة، وحلت مكانها النفرة والضغينة، وفشلت كل وساطات المصالحة معهما، واستمر الخلاف بينهما حتى حل بهما الموت؟
قد يظن البعض أن كلمة السوء، نظراً لسهولة النطق بها محدودة العواقب، متجاهلين أن الشيطان يستغل أموراً صغيرة لتأجيج نار الغضب والتناحر بين الأفراد والجماعات، مستخدماً الكلمات البذيئة والفحش مطية له، فيثير الأحقاد والضغائن، وهذا ما أشار إليه ربنا (عز وجل) في قوله: {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا} [الإسراء: 53].
وهنا قد يتسائل البعض: كيف يمكن لصداقة عميقة دامت أمداً طويلاً أن تختزن في داخلها عداءً عريضاً، بحيث أن كلمة سوء واحدة يمكن أن تحولها إلى عداء مبين!؟
والجواب: أن هناك منبعين في وجود الإنسان أحدهما للحب، والآخر للبغض، فمنبع الحب يختزن فيه الود، والألفة، والانسجام، ومنبع الكراهية يختزن البغضاء، والفرقة، والحقد وما يفتح الطريق إلى أحد هذين المنبعين هو ما يحيط بهما من الأجواء والظروف.
ولا يخفى أن الشيطان هو الذي يثير نبع الكراهية والبغضاء والعصبية في دم الإنسان ليوصله في النهاية إلى قلبه، بينما الأنبياء والرسل (عليهم السلام) هم الأدلاء على نبع الخير والصفاء والمحبة والعطاء.
ففي قلب كل إنسان نداءان: أحدهما يهديه لعمل الخير، وثانيهما يدعوه لعمل الشر، فنزعة البخل مثلاً تجر الإنسان إلى الخسة والضعة، بينما نزعة الكرم تجره إلى التعالي والسمو، وليس هناك إنسان مخلوق للبخل فقط، كما ليس هناك إنسان مخلوق للكرم فقط! والنداءان هذان يلقيان على القلب طنينهما، أحدهما يقول لصاحبه: أنفق ما استطعت، والآخر يقول: أمسك يدك، ونداء يقول: إبذل محبتك للآخرين، ونداء يثير البغضاء ضدهم.
ولا تنس أن نفسك تحمل في دواخلها هذين الندائين ولك الخيار، فلو أردت أن ترتوي من نبع المحبة فما عليك إلا أن تسير في طريق الهداية لتصل إلى منبع الرحمة الإلهية، ولو سلكت طريق الضلال والكراهية فسوف تصل إلى منبع الشرور والآثام.
ومن هنا فإن الإنسان مسؤول عن كل كلمة يقولها، لأن الكلمة تعبر عن موقفه، فكلماتك هي مواقفك، وعلى هذا يجدر بالإنسان أن يتوقف عند كل موقف أو كلمة ويحسب لهما ألف حساب، إن القرآن الكريم يجعل أنبياء الله الكرام مناراً وقدوة، فقد كانوا يتورعون عن النطق بأية كلمة نابية، بل ويقابلون الإساءة بالإحسان حتى في حق أعدائهم الذين كانوا يتحينون بهم الفرص لينالوا منهم، فكانوا يقولون لأعدائهم كما يروي لنا القرآن الكريم ذلك : {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [سبأ: 24]، فهم على دراية بأنهم على هدى بلا أدنى ريب، لكنهم فضلوا عدم الانتقاص من أعدائهم، مراعاة منهم لآداب الحوار السليم.
ولو افترضنا أن صدرك قد ضاق من تصرف شخص أو جماعة، وأردت أن تعبر عما يجيش في نفسك، ولو بهمز أو غمز، عند ذلك سيكون أمامك طريقان: طريق سهل لكنه ينتهي بك إلى سبيل الشيطان، وهو أن تفرغ ما في صدرك من كلمات سوء، أو تختار الطريق الصعب ولكنه يوصلك إلى الرحمة الإلهية والاحتفاظ بمودة الناس وذلك عن طريق (كظم الغيض).
إن من الحكمة أن نغض الطرف عن أخطاء أصحابنا: إذ مهما كان عدد أخطائهم فأخطاؤنا أكبر عدداً.
يقول عيسى بن مريم (عليه السلام) لليهود: (أيرى أحدكم القذاة في عين غيره، ويغبي عن الجذع المعترض في عينه) (2)؟
وكأن الشاعر أخذ هذا المعنى فقال:
أتبصر ما في عين غيرك من قذى وتغفل عن عينيك معترض الجذل؟
فكف اللسان عن الناس يحفظنا من ألسنتهم على الأقل، لأن النقد يولد النقد، والغيبة تورث الغيبة، والكراهية تولد الكراهية.
إن من الخطأ الفاحش أن نخرج إلى الناس وأدينا مقبوضة استعداداً للنزال دفاعاً عن ذاتنا، فهذا يدل على انعدام الثقة بهم، وقد قال أحد المفكرين: (من الصعب علي أن أصافح يداً مغلقة).
وأفضل نصيحة يمكن تقديمها في هذا الصدد ما قاله رسول الله (صلى الله عليه وآله) حينما حدد المفردات الأخلاقية قائلا: المكارم عشر، فإن استطعت أن تكون فيك فلتكن، فإنها تكون في الرجل ولا تكون في ولده، وتكون في ولده ولا تكون في أبيه، وتكون في العبد ولا تكون في الحر.
قيل: وماهن يا رسول الله؟
قال (صلى الله عليه وآله): (صدق البأس، وصدق اللسان، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وإقراء الضيف، وإطعام السائل، والمكافأة على الصنايع، والتذمم للجار، والتذمم للصاحب، ورأسهن الحياء) (3).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) شرح النهج، ج11، ص21.
(2) وفي رواية السيد عبد الله شبر / كتاب الأخلاق / ص 130: في حكمة آل داوود.
(3) كنز العمال، ج3، ص4.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|