أقرأ أيضاً
التاريخ: 26-7-2016
33635
التاريخ: 31-12-2017
3354
التاريخ: 26-7-2016
2463
التاريخ: 24-5-2017
82083
|
تأتي عمليات (التجسيد الفني) لتضيف مسحة جمالية، وشكلاً جذاباً للخطاب الثقافي.. وذلك عن طريق الاستعانة بالتقنيات الفنية والصوتية والحركية لتحويل معاني اللغة التي يحملها الخطاب الثقافي إلى أشكال ومركبات متعددة ومختلفة تحمل من الإثارة والتشويق والوضوح ما يجعلها أكثر استساغة وجذباً للطفل.
والتجسيد الفني، يعني من جملة ما يعنيه، انه تحويل الشيء من حالة إلى حالة أخرى، أو تصوير واقعة أو حادثة أو قصة من حالتها الطبيعية إلى حالة تمثيلية تعكس واقعها الطبيعي بطريقة مشوقة وجذابة، تبتعد بالحالة عن التفاصيل المملة لتقترب من الدهشة والإبهار والإثارة..
هذا يعني ان التجسيد، هو التمثيل، والتقليد، والمحاكاة، والانعكاس، الذي يقوم به العمل المجسد لشيء موجود في أرض الواقع، أو في المخيلة، كأفلام الخيال العلمي، لذا يقوم التجسيد الفني بعملية مزاوجة بين الحقيقة والخيال، بين الحلم والواقع لإثارة إحساس الإنسان وخياله وانفعالاته، وبالتالي شده وجذبه إلى هذا العمل للتماهي معه، والاندماج الكامل مع معطياته، للوصول بإحساسه إلى التحليق في آفاق هذا العمل، والانفعال معه لدرجة يشعر معها بالتوحد والتقمص الإيهامي لروح العمل، كما لو انه هو من قام به وأعاد تشكيله.. فالطفل الذي قرأ (قصة) في كتاب ما في المرة السابقة، واستمتع بها وتفاعل معها، ستجده أكثر استمتاعاً وتفاعلاً مع هذه القصة حينما يتابعها في هذه المرة بإطار آخر يغلفها إلى جانب اللغة هناك الأصوات والألوان والحركات والرسوم، وهذه العوامل الجديدة، والمضافة إلى إطار القصة تجذبه إلى القصة أكثر من شكلها السابق.. وهكذا بالنسبة للحالات الأخرى في عمليات التجسيد الفني للمضمون الذي ينطوي عليه الخطاب الثقافي.. فاللغة اللفظية للخطاب الثقافي في شكله المجرد، وبمساندة اللغة غير اللفظية لتجسيد هذا الخطاب ومضمونه بإطار فني ستتيح للطفل حرية أكبر في التفكير والتخيل والانطلاق والاندماج مع قيم المضمون الثقافي وعناصره، لأن حمل المضمون الثقافي على محمل الأصوات والألوان والأشكال والحركات سيجعل من هذا المضمون وأفكاره قوة راسخة في عقل الطفل ووجدانه، إذ ان التجسيد الفني (يتيح من جانب آخر للعمليات العقلية المعرفية الأخرى ان تقوم بدورها في استقبال الرسالة الاتصالية وفي فهمها، فالأطفال عند استماعهم أو مشاهدتهم أو قراءتهم لمضمون لفظي تسانده الألوان أو الأضواء أو الحركات أو الرسوم (يتذكرون) (خبرات سابقة) و(يتخيلون) صوراً جديدة مركبة فيكون إدراكهم وبالتالي فهمهم اكثر دقة، إذ يتيح التجسيد للطفل ان يتوحد مع المواقف التي حملها المضمون الاتصالي دون ان يشعر بأنه يتلقى مواعظ وتوجيهات وإرشادات ثقيلة أو معلومات جافة، خصوصاً وان الطفل شديد النفرة من كل ما يقدم إليه على تلك الشاكلة وهو حتى ان استجاب لها فان استجابته هذه مؤقتة، إذ سرعان ما يتخلى عنها، وقد يتمرد عليها حين تحين له الفرصة)(1).
من هنا يمكن إدراك أهمية الاستعانة بالعناصر الفنية في تجسيد مضمون الخطاب الثقافي بشكل جذاب ومثير لانتباه الطفل.. بحيث يأخذ هذا المضمون وقيمه مداه المؤثر في فكر الطفل مثلما يأخذ التجسيد تأثيره الامتاعي في إحساس الطفل وخياله، لان عناصر التجسيد الفني لم تأت لتوضيح المعنى وإبرازه - كما يظن البعض – بل هي تفعيل لهذا المعنى وتجميله أمام الطفل. لكي يتجاوب معه ببساطة وانتباه، وهي أيضاً - كما يذهب (الدكتور هادي نعمان الهيتي): تشكل حوافز لإثارة انتباه الطفل، وإثارة اهتمامه، وخلق الاستمرار لديه في استقبال المضمون من خلال ما تضفيه من عناصر التشويق والجاذبية.. وتخرج عملية التجسيد الاتصال الثقافي على طريقة التلقين التي تعد غير مناسبة للأطفال، والتي عانى منها الأجداد يوم كانوا صغارا على مدى أجيال طويلة، حيث كان يراد للأفكار ان تصب في العقول الصغيرة رغم أنها غير مهيأة لان تكون آنية تحتمل كل ما يسكب فيها)(2).
إن إدراك المعنى الحقيقي للتجسيد الفني، وأدراك قيمته الثقافية والجمالية سيجعلنا أكثر وثوقاً بأساليبه وأشكاله في نقل الأفكار والمعاني واستشارتها واستثمارها في إطار الخطاب الثقافي.. وسيجعل من وسائلنا الثقافية ومؤثراتنا التربوية والاجتماعية والثقافية أكثر دنواً والتصاقاً بالطفل وحاجاته الأساسية.. لأن (المجردات) من الأفكار والمعاني والمضامين لا تلبث مع الطفل أكثر من (المجسدات) التي تثيره وتشكل جانباً أساسياً من مخيلته ومدركاته وإحساساته.. لذلك تأتي عملية التزاوج الفني في إطار الخطاب الثقافي بين (الأجناس الأدبية) و(الأجناس الفنية) من خلال أساليب التجسيد الفني لتضيف قيمة جمالية وإدراكية إلى قيم المعنى والمعرفة التي تحملها (مجردات) الخطاب ومؤثراته الثقافية.. وهذا ما خلصنا إليه في دراستنا المستفيضة لثقافة الأطفال، والموسومة بـ (المداخل التربوية ومرتكزات التجانس المعرفي في ثقافة الأطفال)(*)، والتي درسنا وبحثنا فيها الظاهرة الأدبية وعلاقتها بالظاهرة الفنية، وما تشكله قيم الظاهرتين في (الأجناس الأدبية) و(الأجناس الفنية) من فاعليات في التأثير والجذب لروح المتلقي وإحساسه.. وخلصنا إلى كشف القيمة الجمالية والمعرفية الخاصة بكل جنس أدبي أو فني في وحدته القائمة بذاتها، داخل الإطار الإبداعي، وما يفعله هذا الجنس الأدبي منفرداً، أو مجتمعاً على أساس العلاقة المركبة مع الأجناس الفنية الأخرى، لأحداث التشويق العام والجذب الفاعل، الذي يحدثه (الفعل المشترك) للتجنيس الأدبي والفني، إذا ما تمثل في الإطار الفني الساحر، وتلبس بلباسه الجميل.. حيث اجتهدنا في تسمية ذلك بـ (وحدة تجانس الفن الأدبية).. كصياغة معرفية لبنية (التجسيد الفني) لعناصر أدب الأطفال ووظيفته الأساسية في الخطاب الثقافي..
إن الصياغة الأسلوبية والبنائية لآليات (التجسيد الفني) لأوجه الخطاب الثقافي تأتي من اتجاهات متعددة، ومن أشكال متباينة في العمليات الإبداعية الموجهة للطفل بشكل خاص.. منها ما يأتي عبر (مسرح الأطفال)، وأخرى عبر (سينما الأطفال)، وعبر (صحافة الأطفال) وغير ذلك من وسائل تجسيد الثقافة، واتصال الطفل بثقافته...
______________________________
(1) هادي نعمان الهيتي.
(2) هادي نعمان الهيتي.
(*) راجع كتابنا (المداخل التربوية ومرتكزات التجانس المعرفي في ثقافة الأطفال) – بغداد 1999.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|