الدولة في الاصطلاح:

شكل مفهوم الدولة محور اهتمام عدد كبير من الفلاسفة والمفكرين وعلماء السياسة منذ القدم، فقد عكف الكثير منهم على محاولة تحديد مفهوم علمي وأضح لها، فأخذت الدولة مفاهيم عدة وبحسب المراحل التاريخية النني مرت بها، وكان كل كاتب يعبر في تحديده لمفهومها عن الانعكاس البيئي بأبعاده كافة للمرحلة التي عاشها.

اذ يرى الباحثون صعوبة في الاتفاق على تعريف واحد للدولة، ويرجع عدم الاتفاق هذا الى اختلاف الفقه حول تعريف هذه الظاهرة التي تتسم بالتعقيد والغموض والتنوع من جانب، وسرعة التغير والتطور من جانب آخر، لذلك لم يستقر البحث على تعريف محدد للدولة، بل تعددت وتنوعت التعريفات الخاصة بالدولة، فهنالك ما يقارب مئة وخمسة واربعون تعريفا للدولة، وبقدر المدارس الفكرية والميادين المعرفية والعلمية التدي تشكل الدولة احدى مواضيعها الرئيسية، كعلم الاجتماع السياسي، وعلم السياسة، والقانون، والجغرافية السياسية وغيرها من العلوم التي تجمع على أن الدولة في عصرنا الحالي أصبحت ضرورة لدرجة لا يمكننا الاستغناء عنها.

ومن الصعب العثور على تعريف جامع مانع للدولة، ومرد ذلك بالأساس إلى وجود مجموعة من الصعوبات والمشكلات التي يثيرها هذا المصطلح أهمها:

1- الاختلاف بين الباحثين في طريقة النظر الى الدولة، فقد يعد المؤرخون الدولة حقيقة مادية في حين يعدها الفلاسفة شيئا مجردا، ويعدها القانونيون شخصية قانونية.

2- اختلاف المفاهيم التي يستعملها الباحثون في دراسة الدولة والأهداف التي يسعون الوصول اليها من وراء ذلك.

٣- ان الكثير من التعريفات صدرت من فلاسفة ومفكرين وكتاب ليسوا من بيئة علمية واحدة ولا ينتمون الى لون فكري او اجتماعي واحد، وانما من خليط قانوني وسياسي واجتماعي.

4- اختلاط مصطلح الدولة بمصطلحات اخرى مقاربة، فقد استعمل المصطلح مرادفا لمصطلحات عدة مثل الأمة، والمجتمع، والسلطة، والحكومة، والسيادة، والسياسة.

وتأسيسا على ذلك ظهرت ثلاثة آراء بهذا الصدد:

الرأي الأول: ببرى أن الدولة منظمة تسعى لتحقيق أهداف محددة لمصلحة الجماعة.

الرأي الثاني: يتمثل بان الدولة جمعية ضمن الجمعيات الأخرى تؤدي عملها وفقا لأحكام القانون الذي وضع من الحكومة صاحبة السلطة.

الراي الثالث: مفاده أن الدولة مؤسسة، وهي المؤسسة الأصل وتتفرع عنها مؤسسات أخرى اقل شأنا كالحكومة، والأحزاب، التي تستطيع السلطة بها، ارساء دعائم النظام في المجتمع.

فالدولة مصطلح حديث الظهور نسبيا، اذ ان فكرة ظهورها ظهر في القرن السادس عشر في أوربا، ويبدو أن الفقيه ميكافللي (Machiavell) من أوائل الذين استعملوا كلمة دولة بمعناها الحالي وكان ذلك في كتابه (الأمير) الذي نشره عام 1532 حين كتب (كل هياة لها سلطة على الشعوب هي دول، وهي أما جمهوريات ولما امارات ). ومع بدأ قيام الدولة القومية الوطنية, عام 1948، أصبح مصطلح الدولة متداولا، الا أن الدولة الحديثة بدأت في الظهور منذ قام الثورة الفرنسية عام ١٧٨٩، اذ ظهرت مقولة "الدولة المؤسسة" بالمفهوم الحديث، فدم تعد السلطة امتيازا شخصيا للحاكم، وإنما أصبحت مؤسسة منفصلة عن شخص من يمارسها.