أقرأ أيضاً
التاريخ: 24/11/2022
1434
التاريخ: 30-12-2016
5143
التاريخ: 21-4-2017
2573
التاريخ: 20-4-2017
2265
|
الإنسان هو الذي يختار خطَّ سيره، ويشكل قناعاته، ويحدد سلوكه، ويقوم بالأعمال التي يراها مناسبة، في مراحل حياته المختلفة، أكان شاباً أم كبيراً أم كهلاً، ما دامت لديه مقومات القدرة، وهو مسؤول عن أعماله ابتداءً من سن التكليف. أما أن يعتبر نفسه مندفعا نحو غرائزه برغبة جامحة لا يقوى على التصدي لها، للأمر علاقة بخطأ خياره، وعدم قيامه بما يلزم لتقوية إرادته وتحصين نفسه، وسوء اختياره للأجواء التي يتفاعل معها ويتأثر بها من الصحبة والأماكن التي يرتادها، وكيفية ملئه لوقت فراغه...
في سن البلوغ، تتغير العوامل الجسدية والنفسية عند الفرد إيذانا بالانتقال الى مرحلة جديده من مراحل العمر، وهي أشد المراحل حيوية وأسرعها نمواً، لكن الاستقامة او الانحراف فيها يرتبطان بكيفية تعاطي الشباب مع هذه المرحلة. ما نظرته إليها؟
ما هي الأجواء التي تحيط بها أثناء بلوغها؟ ما الذي يوجه مشاعره ورغباته؟ كيف يتعامل مع الحيوية التي يتميز بها وأين يوجهها؟
إذا استقبل الشاب مرحلة البلوغ بأجواء اللهو والفساد، وارتياد أماكن الانحراف، ومعاشرة صحبة السوء، وأطلق العنان لرغباته الجسدية من دون ضوابط أو حساب، واستهتر بالحيوية التي أنعم الله تعالى بها عليه، فمن الطبيعي أن ينحرف وينجرف ويرتكب المحرمات ويضيِّع طاقته في المنكرات.
أما إذا تعامل الشاب مع مرحلة البلوغ كقوةٍ وطاقةٍ لاستغلالها في الخير، وانتبه إلى مزالق الشهوة، وصبر أمام مظاهر الانحراف التي تحيط به في المجتمع، وعمل على تعزيز علاقته بالله تعالى، واستمد قوة مواجهة وسوسات الشيطان من صلاته وصومه، واختار أصحابه من المستقيمين، وحدد خياره بتنفيذ أوامر الله تعالى ونواهيه، وصرف وقته في العلم والرياضة والجهاد والتربية، وهيّأ ظروفه لحاجاته الجسدية وفق برنامج يمهد للزواج في السن المناسبة والظروف المناسبة، وابتعد عن كل ما يثير الشهوة من الاختلاط بالجنس الآخر، والأفلام الإباحية، والفراغ القاتل، يستطيع أن يقطع هذه المرحلة بالاستفادة منها لمصلحة بناء مستقبله.
التجاربُ كثيرة في مجتمعنا، والنماذج متباينة بشكل واضح. فهذا الشاب نشأ في طاعة الله، وشارك في جهاد العدو، وتميز بالأخلاق الفاضلة، وبرز في مجتمعه كشخصية محترمة تتقدم باستمرار نحو الأمام. وذاك شاب انغمس في شهواته، وعاقر الخمر، وابتلي بالمنكرات والشخصية السيئة، وخسر هذه المرحلة الهامة من بناء مستقبله. كلاهما موجود في المجتمع، وما بينهما ممن يحمل الخصائص المتفاوتة، حيث يمر بعض الشباب بزلّات ثم يستقيمون، وتختلط عند البعض الآخر مفاهيم الحلال والحرام، والصواب والخطأ، وهكذا... فالفروقات ليست سبباً للطاعة أو المعصية، ولا يكون الشباب سبباً حتمياً للانحراف والفوضي واللامسؤولية، بل هو اختيار الانسان بالكامل الذي يتحمل مسؤوليته كمكلف واعٍ قادر على تحديد مساره، حيث نجد شاباً صالحاً وآخر فاسداً، ونجد قوياً مؤمناً وآخر كافراً، وفقيراً مستقيماً وآخر منحرفاً، فالفروقات الفردية اختلاف في القدرات والإمكانات، لا علاقة لها بالصلاح والفساد.
قرأت في إحدى الصحف عن بعض علماء الأجنة في الغرب، أنهم يحاولون الترويج لوجود جينات تدفع إلى الشذوذ الجنسي بطريقة تكوينية لا إرادية، وذلك لتبرير الزواج المثلي وكل أنواع الانحراف الجنسي، كي يبرروا مسار الغرب في انحرافه المادي والأخلاقي بحجة الطبيعة التكوينية القاهرة، عندها لا يكون الشذوذ الجنسي انحرافاً بل أمراً طبيعياً لا يحتمل الإنسان أي مسؤولية سلبية فيه! هذه جريمةٌ بحق الإنسانية، لأنها قلبُ للمفاهيم، وتحويل المنكر إلى معروف والمعروف إلى منكر، لتتحول ـ من وجهة نظرهم ـ الاستقامة إلى إدانة، والانحراف إلى احترام وتقدير! هذا منسجمٌ مع ماديتهم وابتعادهم عن رسالة السماء، وهم يريدون صياغة النظريات التي تدعم وجهة نظرهم، بتقديم دراساتٍ خاطئةٍ وهادفة، ليقودوا البشرية نحو الانحراف! ومع انه لا دليل علمياً عليها، بل الدليل على خلافها، فإن وضع النظرية التي تحتاج الى إثبات قيد التداول، ويُوجِد منفذاً لجعلها احتمالا يحتمي به الشاذون ودعاة الشذوذ لتبرير أعمالهم. وقد ثبت عبر التاريخ صراع الاستقامة مع الانحراف بناء على الاختيار والقناعة، وإلّا كيف نفسِّر الاستقامة عبر التاريخ وفي عصرنا الحالي، في مناطقنا بل وفي بلدان الغرب، أليست خياراً أوصل إليها، في مقابل الانحراف الذي كان موجوداً عبر التاريخ ولا زال كخيار أيضاً؟
حدثنا القرآن الكريم عن الانحراف عند قوم لوط ، والذي انطلق من اختيارهم وتصميمهم على رفض منهج الطهارة، وقد انتشر هذا الاختيار بينهم بشكل واسع حتى عمهم تقريباً، حيث وقفوا الموقف العادي للمتطهرين الذين يخالفونهم في السلوك من آل لوط: {وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ * إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ * وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} [الأعراف:80، 82] ، ولم يكتف لوط عليه السلام بنصيحتهم، بل عرض عليهم بناته في إطار الزواج المشروع بدل الاتجاه الشاذ الذي يسلكونه، فرفضوا مؤكدين على رغباتهم المنحرفة، قال تعالى: {وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ * قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ} [هود: 78، 79] .
إن الاختيار عبر التاريخ وفي الحاضر والمستقبل أمرٌ إرادي، يتمايز الناس في حسمه، وهذا منسجم مع ما أودعه الله تعالى في الإنسان من حرية الاختيار بكل إرادة: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس: 7 - 10] .
ـ القدرة والنصيب
إن طبيعة السلوك الاختياري لا تعني قدرة الإنسان على فعل ما يشاء، أو أن يحقق كل رغباته، فهو محدودٌ ومقيدٌ بما أحاطه الله به من مقومات وقدرات، قال تعالى: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ} [الحجر: 21]. وعليه أن يكون واقعياً وعاقلاً في خياراته ، فلا يندفع مستسلماً لأهوائه لما يترتب على ذلك من نتائج وعواقب، ولا يجمد حركته عن معالجة متطلباته وشؤونه وإلا عانى وتحمل المشقات بعدم مبادرته إلى العمل. كما عليه أن يكون قنوعاً ومتوكلاً على الله تعالى، فيسعى بحسب قدرته بعد أن يهيء كل الظروف المناسبة والموضوعية، فيكون مستعداً لتقبّل النتائج والتعامل معها بحسبها إذ بيده أن يسعى، وليس بيده أن يكون موفقاً.
على المرء أن يسعى بمقدار جهده وليس عليه أن يكون موفقا
هل يتوقع الإنسان أن يتجاوز قدرته؟ وهل يمكن أن يحصل على أكثر من نصيبه ورزقه في هذه الحياة الدنيا؟ كم من محاولات قام بها شابٌ لتحقيق هدفٍ يرغبه على الصعيد المعيشي أو العاطفي أو الجامعي وفشل، لقد سعى بمقدار جهده، لكن شروط النجاح الظاهرة والخفية غير مكتملة بالنسبة إليه، وبما أنه سعى فليتقبل النتيجة، وليسعَ لخيارات أخرى، أو فليكرر المحاولة إذا كانت ممكنة، ولكن مهما كانت النتيجة فإنها لا تخرج عن أمرين: مسؤوليته في الاختيار، ونصيبه فيما قدره الله تعالى له، قال تعالى: {قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} [التوبة: 51] . فإذا كان اختياره اختياراً حسنا فقد أُعذر، وإذا كان سيئاً فهو مدان، أما النتيجة فلا يمكن دفعها، فليستثمرها إذا كانت جيدة، وليتوقاها إذا كانت سيئة، وليتب على الله تعالى ويستغفره إن أخطأ، ويرجوه جل وعلا أن يعطيه الأفضل والأصلح.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|