أقرأ أيضاً
التاريخ: 24-4-2017
4034
التاريخ: 30-12-2016
5144
التاريخ: 29-4-2017
4049
التاريخ: 13-9-2019
2293
|
ما هي التربية؟.. وكيف تتحدد سماتها، واتجاهاتها وقيمها وافكارها واساليبها في إطار التنشئة الاجتماعية والاعداد الثقافي للفرد؟.. وما هو الربط بين قيم التربية وقيم الثقافة وقيم التعليم وهل هناك علاقة عضوية او موضوعية بين التربية والتعليم والثقافة؟ وهل تشكل التربية بديلا عن الثقافة ام ان الثقافة يصح لها ان تكون بديلا عن التربية؟.. وما هو مفهومنا الاجتماعي وقربه او ابتعاده عن المفهوم العلمي لكل من التربية والثقافة؟
هذه الأسئلة وغيرها من جملة الأسئلة الكثيرة المثيرة للجدل والالتباس وسوء الفهم والاشكالية في النظر الى التربية والثقافة وتطبيقاتهما في الواقع الموضوعي والمهني للمجتمع، الذي حاول البعض فيه ـ لأسباب تدني الوعي وقصوره في الوصول الى الحقائق العلمية ـ الى عزل التربية عن الثقافة، وتحييد الوظائف التربوية وحصرها في الإطار الاجتماعي الضيق.. لذلك سعت الدراسات والمباحث العلمية للعلماء والتربويين والمثقفين الى رفع الالتباس وتحديد ماهية المفاهيم ووظائفها الأساسية في محيط الفرد خاصة في الأدوار الأولى لمراحل النمو والاعداد والتكيف والتطبيع التي تتابعها وتلتصق بها عمليات التربية والتثقيف..
وعلى الرغم من استفحال الإشكالية العلمية القائمة بين مفاهيم التربية ومفاهيم الثقافة، ورسوخ هذه الإشكالية في مساحة واسعة من الفكر الجمعي لأغلب افراد المجتمع ممن انطلقوا في نظرتهم الى الطفل من النظرة الأحادية التي تضع التربية والتعليم في المقام الأول في عمليات التنشئة، وتتجاهل الثقافة في الكثير من جوانبها في العمليات، على الرغم من ذلك ، هناك المقياس العلمي ومعاييره في تحليل الخصائص والمفاهيم وإعطاء النتائج الصحيحة، التي ميزت كل مفهوم وخصائصه على أساس وظيفته واتجاهاته ونتائجه، اذ شدد العلماء على فهم اساسيات المفهوم وخصائصه.. فخلصوا الى ان (التربية اهم من التعليم، وان التعليم نمط من أنماط التربية، وللتربية اشكالها الكثيرة، وكذلك التعليم له صيغ متعددة)(1). هذه الصيغ يتم اعتمادها من وعي المجتمع ومن ثقافته وآلية تطور هذه الثقافة.. هذا يعني ان الثقافة أوسع واشمل من التربية بدليل (ان للتربية منهج هو وسيلتها.. هدفه مساعدة الأطفال على كسب ما يناسبهم من خبرة السابقين، التي تضم المعلومات وتطبيقاتها وما يتصل بها من مهارات، كما يساعدهم على كسب الاتجاهات والقيم والمثل العليا وأساليب التفكير وانماط السلوك المناسبة.. وهذا المنهج هو أداة المجتمع لعكس ثقافته)(2).. على الأطفال في العمليات التربوية.. اما الثقافة كما يذهب (رالف لينتون) فأنها (عملية تنظيم للسلوك المكتسب، ونتاج هذا السلوك، ويشترك افراد مجتمع معين في مكوناتها الجزئية وتنتقل عن طريق هؤلاء الافراد)(3).
اما الثقافة في نظر العالمة الانثروبولوجية الشهيرة (مارغريت ميد M.Mead) فهي (ذلك الكل المنظم المتكامل الذي تستحدثه جماعة من الناس وتنقله الى أبنائهم، عبر المشاركة في الأعراف والتقاليد، هؤلاء الأبناء الذين سيصبحون أعضاء في مجتمعهم، وهي لا تشمل الثقافة والعلوم والأديان والفلسفات فقط، بل الجهاز التكنولوجي والطرق السياسية وحتى العادات اليومية)(4).. هذا يعني ان الثقافة مفهوم عام يشمل جميع مناحي الحياة وطرق العيش فيها.. خاصة بعد ان تطورت المجتمعات من الاتجاه الصناعي الى الاتجاه الثقافي الذي أعطى للثقافة معنى واسعا على انها (الطريقة الشاملة للحياة).. وقد برز ذلك الاتجاه في (علم الاجتماع والانثروبولوجيا) اللذين سادا في القرن العشرين.
فتحول هذا الاعتقاد بقيمة الثقافة ومعناها من الشخصي في الاثبات الى العام في التحقيق والنظر، وبالنتيجة اصبح هذا التحول منهجا فكريا سار عليه وتأثر به العديد من المفكرين والمثقفين والكتاب ابرزهم الشاعر الإنكليزي (ت. س. اليوت) الذي اعتبر الثقافة (شاملة على جميع المناشط والاهتمامات المميزة لشعب ما)(5) وعلى هذا الأساس فقد اثني (ماثيو ارنولد) على الثقافة لأنها بحسب قوله (اعانتنا عونا عظيما في التغلب على مصاعبنا الحالية، فهي متابعة الكمال التام عن طريق الحصول على معرفة احسن القول والفكر في العالم في الأمور التي يهمنا معظمها وتوجه الثقافة تيارا من التفكير الجديد المتحرر. من خلال هذه المعرفة ـ الى افكارنا وعاداتنا المختزنة القديمة التي نمارسها الان بقوة وحزم)(6).
وهذا العون الذي تقدمه الثقافة لأفراد المجتمع يقود الى فهم الكمال الإنساني وتفحصه لان الثقافة تعني دراسة الكمال ولكونها هكذا بحسب وصف (ارنولد) فهي (تقودنا لان نفهم الكمال الإنساني الحقيقي باعتباره كمالا متناسقا، يطور انسانيتنا من جميع جوانبها، وهو كمال شامل يطور مجتمعنا باسره)(7).. ويأتي ذلك من خلال التربية وما تعنيه في عمليات التهذيب العقلي والذهني والجسدي، وهذا التهذيب يرتبط ارتباطا مباشرا بقيم الثقافة ووظائفها التي تدور في خصائص الفرد وانسانيته، وتنطلق من ذلك عبر الية (الثقافة العقلية، والثقافة الذهنية، والثقافة الجسدية، وهنا ترتبط الثقافة بالصحة العامة التي يدفع الكمال فيها الى الكمال في جوانب أخرى من الحياة عبر العناية بالجماليات المادية والمعنوية في انسانيتنا وفي حياتنا، بوصفها دوافع مهمة للازدهار الصحي للمجتمع، فالصحة عند (نيومان) هي معيار الجسد مثلما الكمال عنده معيار العقل، الذي يقود الى فهم (الجماليات) المتعددة وقياسها، ومعرفة اتجاهاتها وتفاعلاتها في حياة الفرد وثقافته.. فالجماليات هذه بأشكال متباينة ومختلفة حسب وصف (نيومان) في تقديره (ثمة جمال جسماني وجمال معنوي، جمال يتعلق بالشخص وجمال يختص بوجودنا المعنوي، الذي هو فضيلة طبيعية، وكذلك يوجد جمال الذهن وكماله، وثمة كمال مثالي في هذه المصادر الأولية المتعددة التي تتجه اليها الحالات الفردية في صعودها وهي معايير لجميع الحالات مهما كانت)(8) وهذا التنوع يعطي الثقافة مساحة أوسع في تنظيم الوظائف التربوية وانماط التعليم في إطارهما الاجتماعي ووعيهما بأساليب التهذيب الفاعلة في تعزيز الجمال وقيم الكمال المعنوي في شخصية الفرد وتطورها، الى جانب الفاعلية الثقافية في التهذيب، والتي تنتقل من الفرد الى الجماعة لأحداث التطور الحضاري للمجتمع..
_____________________________
1ـ عبد العزيز القوصي، أولادنا بين التعليم والتعلم، ص 9.
2ـ سرحان الدمرداش ومنير كامل، المناهج المعاصرة ص 3.
3ـ احمد علي الفنيش ـ أصول التربية.
4ـ توما جورج خوري ـ المناهج التربوية.
5ـ رايموند وليامز ـ الثقافة والمجتمع ص263.
6ـ المرجع نفسه ص136.
7ـ المرجع نفسه ص136.
8ـ نيو مان ـ راجع ـ الثقافة والتربية ص132.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|