أقرأ أيضاً
التاريخ: 15-9-2021
2376
التاريخ: 21-4-2017
2912
التاريخ: 24-4-2017
1829
التاريخ: 24-5-2017
2553
|
لو راجعنا القواعد العامة لآليات وعمليات التنشئة الاجتماعية والثقافية للمجتمعات، ودققنا في جوانبها جيداً سنجدها تهتم كثيراً بمراحل نمو الطفل المختلفة عبر الاهتمام بجسمه وعقله وروحه وذوقه.. وليس هناك من مجتمع من هذه المجتمعات لا يركز في اهتمامه بالطفل على التربية العقلية والخلقية، ويعتبر الألعاب والنحو والرياضيات والرسم وغيرها سبيلاً واضحاً في ذلك.
وهذا يعني بطبيعة الحال، ان أفكار (ارسطو) و(أفلاطون) دعمت أفكار الشعوب، وشكلت أساساً لمنطلقاتها الفكرية لتعزيز ودعم طرقها وأساليبها في عمليات التنشئة الاجتماعية للأطفال.. مثلما هي الاساس الواضح لعمليات التنشئة الاجتماعية في المجتمعات اليونانية القديمة، وذلك لأن هذه الأفكار انطلقت بإيجابية كبيرة من الطبيعة الإنسانية لتتجاوب مع هذه الطبيعة في كافة المجتمعات، لتصبح بعد ذلك جزءاً مهماً من الموروث الثقافي لهذه المجتمعات، حيث يتداخل فيها المعطى الاجتماعي الخاص لهذه المجتمعات مع المعطى الإنساني للمجتمعات الأخرى ليشكل منطلقاً مشتركاً لدى ثقافات الشعوب قبل ان تسعى إلى التميز والاهتمام بترصين خصوصيتها الثقافية بناء على خصوصيتها الاجتماعية.
صحيح ان الخصوصية الثقافية لكل مجتمع تنطلق أساساً من مفاهيم ثقافتها الخاصة، التي تحددها تقاليدها وأعرافها ونظمها وقوانينها وأخلاقها وغير ذلك مما تفرزه طبيعتها الاجتماعية وتشكل جزءاً أساسياً من المكون الكلي لثقافتها، إلا ان هذا لا يمنع من التجاوب مع ما هو ايجابي لدى الثقافات الأخرى ومتوافق مع طبيعتها الاجتماعية ومكونها الثقافي.. وهذا لا يعد اختراقاً لهذه الخصوصية بل تفاعلاً معها، ما دام متوافقاً مع طبيعتها، فالاختراق لهذه الطبيعة يأتي من خلال الأفكار والمفاهيم والأساليب والتقاليد والسلوكيات الغربية، عن طبيعتها الاجتماعية، وتوصف بـ (الغربية) إلى جانب أوصاف أخرى كالمرفوضة، واللا مرغوب فيها، والخاطئة، والسلبية وغير ذلك، لأنها تتقاطع مع ما يؤمن به أو يسير عليه إنسان هذه الثقافة.. ومثال على ذلك: هناك تقاليد وأفكار ومفاهيم وأساليب مرغوبة وايجابية في الثقافة الغربية، إلا انها تعد سلبية وغير مرغوب فيها لدى الثقافة الشرقية.. ومع ذلك فهناك ما هو إيجابي ومتوافق يقارب بين الثقافتين، ويدعوهما إلى التفاعل.. إذ لا يمكن لهذه الثقافة أو تلك ان تحيا وتنمو دون التفاعل الحي مع الثقافات الإنسانية المختلفة عبر الأخذ والعطاء، بإيجابية دون إقحام، أو تقليد أو تبعية.
لقد تكونت الأطر الخاصة للثقافات كل في إطار طبيعته الاجتماعية بعد تطور هذه الثقافات وتفاعلها فيما بينها، لتتشكل بعد ذلك مفاهيمها الخاصة ووحدتها الموضوعية للثقافة، انسجاماً وتوافقاً مع مكونها الاجتماعي، الذي هو انعكاس لمكونها الثقافي، وهذا المكون شكل أساس بنيتها الإنسانية، وبالتالي شكل ذلك الحصيلة العامة لموروثها الثقافي، الذي تنطلق منه لتعزيز وجودها الاجتماعي والقيمي والفكري، ولتعزيز ثقافتها الإنسانية.. وليصبح هذا الموروث جزءاً مهماً من مرجعيتها، فالمرجعية أشمل من ذلك، فهي إلى جانب استيعابها لموروث الثقافة الاجتماعية العامة للمجتمع، تستوعب ما هو متوافق ومتفاعل ومتداخل مع هذه الثقافة من الثقافات الإنسانية التي كان لها تأثيراً واضحاً في هذه الثقافة..
هذا يعني ان المرجعية أشمل من الموروث الثقافي للمجتمع، وتمثل الموروث الثقافي الإنساني، حين تنطلق في صيرورتها من الجوانب الايجابية والمشرقة، لهذا الموروث، وليس كل الموروث، حين تسعى إلى تعزيز قاعدتها المعرفية في الإطار الثقافي للمجتمع .. وتخلص بذلك إلى مرجعيات فرعية تؤلف المرجعية الكلية للثقافة. أي ان مجمل الأفكار العامة في الثقافات الإنسانية تمثل الحصيلة المعرفية للإطار الكلي للثقافة، أما الأفكار الخاصة التي تنبثق من هذا المجتمع ومن ثقافته فهي تمثل مرجعية فرعية لها تأثيرها البالغ والمؤثر في ثقافة الفرد.. وهذه الثقافة تتشكل من خليط إيجابي متجانس من الحصيلة الكلية ومن الحصيلة الفرعية للثقافة.. أو بمعنى آخر يتسم الفرد بمجموعة خصائص تتكون منها ثقافته البدائية، فيدعمها بالمعززات التي تنشأ من الاطلاع الواسع، ومن الاتصال الكبير بالمحيط الاجتماعي، ويتعرض خلالها إلى نوع من التعزيز الواسع والمؤثر بدرجة أكبر من التعزيزات الأخرى، فينشأ وفق ذلك وحاملاً لمؤثراته الواضحة، كأن يخضع الفرد إلى مؤثرات العقيدة الدينية بسعة أكبر من المؤثرات الأخرى، فيتلقى منها المزيد من المعارف والأساليب والسلوكيات، فيغلب على ثقافته الطابع الديني، ومن هذا المنطلق نخلص في تصورنا عن هذا الفرد بالقول: انه يحمل سعة في العلوم الدينية، أي ان ثقافته (ثقافة دينية) واسعة، وما كان لهذه الثقافة ان تكون بهذا المستوى دون ان يكون لها دافع وعوامل مساعدة وأساس، فالدافع هو رغبة الفرد في تحصيل هذه الثقافة بشكل واسع ودقيق جعلها بهذا المستوى، أما العوامل المساعدة فهي كثيرة، ومن بينها أسلوب التنشئة الاجتماعية، وتهيئة المناخ المناسب لهذه الثقافة ومحصلاتها، وغير ذلك، أما الأساس الذي ينطلق منه الفرد لتحصيل هذه الثقافة بالمستوى الدقيق فهو المصدر الفكري والمادي المتخصص بآليات هذه الثقافة وينبثق هذا المصدر عادة من الكتب العلمية الخاصة بهذا الاتجاه، ومن العلماء والمعلمين ورجال الدين وباقي الرموز الدينية، وكل ذلك يتمثل بإطار واضح ينهض به مفهوم المرجعية.. وهذه المرجعية تتسلسل في بنيتها العلمية، بدءاً من قائدها بوصفه المرجع الأعلى مروراً بمساعديه من العلماء الآخرين الذين يمثلونه ويمثلون المرجعية في مواقع دينية معروفة تنشط بين الناس في المحيط الاجتماعي ..
إذن هناك (مرجعية دينية) ساعدت هذا الفرد ودعمته في تحصيل ثقافته الـديـنـيـة الـواسعة.. وهذا لا يعني ان هذا الفـرد لـم يطلع على العلوم الأخرى، بل ان ثقافته الدينية هذه تشكلت من مجموعة علوم في الأخلاق والمنطق والتربية والسلوك واللغة والنفس والاجتماع .. الخ .. إلا ان كل ذلك قد وضع في الطابع الديني الذي يعزز الثقافة الدينية لهذا الفرد.. وهذا لا يعني أيضا ان الأفراد الآخرين في المجتمع لا يحصلون على الثقافة الدينية .. بل انهم يحصلون على هذه الثقافة بنسب معينة عن طريق الاكتساب الطبيعي لمحصلات العقيدة الدينية في ثقافتهم الاجتماعية، فليس هناك من ثقافة لا يشكل الـديـن جزءاً أساسياً من مكوناتها.. فالظروف والطوارئ في الواقع الاجتماعي هي التي تعزز هذا الجزء أو تقوضه، المهم ان كل فرد من أفراد المجتمع يولد وفي داخله نزعة فطرية إلى الدين وتنمو هذه النزعة خلال أدوار متعددة يمر بها أثناء التنشئة الاجتماعية.، فلا يمكن فصل النزعة الدينية عن النزعات الأخرى لثقافة الفرد في أي مجتمع من المجتمعات..
وبـالـعـودة إلى بـدايـات تـشـكـل المرجعية في الـتـكـويـن الـثـقـافـي للمجتمعات، نجد ان أفكار (أرسطو وأفلاطون) في المنظور الذي انطلقنا منه في البداية، تعد أساساً دفع المجتمعات المختلفة إلى تبني هذه الأفكار في رعاية الطفل، ثم تهيأ لهذه الأفكار ان تتطور وتتوسع في مفاهيمها من قبل علماء آخرین برزوا في المجتمعات، وتوسعت من خلالهم قاعدة الاهتمام بالطفل بشكل نسبي، وبمجيء الديانتين المسيحية والإسلامية برز الجانب الديني إلى الوجود في النظر والتعامل مع الطفل.. انطلاقاً من الشرائع السماوية التي جاءت بها.. فالدين الإسلامي جعل القرآن الكريم دستوره الأول وأساس تشريعه العظيم، في استنباط الأحكام والقواعد التربوية الصالحة لتربية الطفل، حيث انطلق الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وآله من هدي القرآن الكريم لبناء المجتمع الإسلامي، ومن هذا الهدي العظيم سار الأئمة الأطهار وعلماء الإسلام ومن سار على هديهم من بعدهم من المفكرين والفلاسفة المسلمين. لوضع المبادئ والأسس والقواعد القيمة لتربية وتهذيب الطفل، حتى أصبح هذا المنهج مرجعية صالحة لثقافة الطفل وتربيته في المجتمع الإسلامي..
وبتوسع دائرة العلم والمعرفة، برز الكثير من العلماء والمفكرين الذين أغنوا الأفكار والمبادئ السابقة بمزيد من الآراء والنظريات الجديدة التي رسخت القواعد العلمية في دراسة الطفل وتحليل خواصه، وكل ذلك قد دعم البنية المعرفية للمرجعية الفكرية لثقافة الأطفال.. بحيث أخذت هذه المرجعية مديات لا حدود لها، واتجاهات متعددة يصعب الإحاطة بها . .
وخلاصة القول: ان البحث في عوالم المرجعية الفكرية لثقافة الأطفال يحتاج إلى جهد أوسع لمراجعة التاريخ مراجعة دقيقة في كل مراحله، مثلما يحتاج إلى التتبع الدقيق لكل ما أنتجه الفكر الإنساني من أفكار خلاقة كونت الخـزيـن المعرفي الهائل لإدراك حقيقة الطفل والطفولة .. إلا إننا بهذا المبحث القصير قد سعينا إلى توضيح الجوانب المهمة لهذه المرجعية، وأساس تكوينها في الإطار الفكري الذي يعد الإطار الجوهري للمرجعية..
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|