أقرأ أيضاً
التاريخ: 10-7-2019
2087
التاريخ: 24-7-2019
2020
التاريخ: 6-2-2017
2504
التاريخ: 6-2-2017
1616
|
انشقاق القمر :
وفي السنة الثامنة من البعثة ، حينما كان المسلمون محصورين في شعب أبي طالب ، كانت قضية انشقاق القمر (1).
وقد جاء في الروايات الكثيرة : أن قريشا سألوا رسول الله «صلى الله عليه وآله» أن يريهم آية ، فدعا الله فانشق القمر نصفين حتى نظروا إليه ثم التأم ؛ فقالوا : هذا سحر مستمر ، فأنزل الله تعالى : (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ ، وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ)(2).
وفي رواية : أنهم قالوا : انتظروا ما يأتيكم به السفار ؛ فإن محمدا لا يستطيع أن يسحر الناس كلهم ، فجاء السفار ، فسألوهم ، فقالوا : نعم رأيناه ، فأنزل الله : اقتربت الساعة وانشق القمر (3).
ونقل عن السيد الشريف في شرح المواقف ، وعن ابن السبكي في شرح المختصر :
أن الحديث متواتر لا يمترى في تواتره عند أهل السنة (4) ، وأما عند غيرهم ، فيقول العلامة البحاثة السيد الطباطبائي «رحمه الله» : «ورد انشقاق القمر لرسول الله «صلى الله عليه وآله» في روايات الشيعة عن أئمة أهل البيت «عليهم السلام» كثيرا ، وقد تسلمه محدثوهم والعلماء من غير توقف» (5).
ولكن على أية حال .. لا يمكن أن تعتبر هذه المسألة من ضروريات الدين ، كما أشار إليه بعض الأعلام (6).
شبهة ، وحلها :
يقول العلامة الطباطبائي : «واعترض عليها : بأن صدور المعجزة منه «صلى الله عليه وآله» باقتراح من الناس ، ينافي قوله تعالى : (وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِها وَما نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفاً)(8).
فمفاد هذه الآية ، إما أنا لا نرسل بالآيات إلى هذه الأمة أصلا ، لأن الأمم السابقة كذبوا بها ، وهؤلاء يماثلونهم في طباعهم ؛ فيكذبون بها ، ولا فائدة في الإرسال مع عدم ترتب الأثر عليه ، أو المفاد ؛ أننا لا نرسل بها ، لأننا أرسلنا إلى أوليهم فكذبوا بها ؛ فعذبوا بها ، وأهلكوا.
ولو أرسلنا إلى هؤلاء لكذبوا بها ، وعذبوا عذاب الاستئصال ، لكننا لا نريد أن نعاجلهم بالعذاب.
وعلى أي حال ، لا يرسل بالآيات إلى هذه الأمة ، كما كانت ترسل إلى الأمم الدارجة.
نعم ، هذا في الآيات المرسلة باقتراح الناس ، دون الآيات التي تؤيد بها الرسالة ، كالقرآن المؤيد لرسالة النبي «صلى الله عليه وآله» ، وكآيتي العصا ، واليد لموسى «عليه السلام» ، وآية إحياء الموتى وغيرها لعيسى «عليه السلام» ، وكذا الآيات النازلة لطفا منه سبحانه ، كالخوارق الصادرة عن النبي «صلى الله عليه وآله» ، لا عن اقتراح منهم الخ ..
ثم أجاب «رحمه الله» بما ملخصه : إن تكذيبهم بآية انشقاق القمر كان يستدعي العذاب ، لأنها آية اقتراحية منهم ، وما كان الله ليهلك جميع من أرسل نبيه إليهم ، وهم أهل الأرض جميعا إلا بعد إتمام الحجة عليهم ، ولم تتم الحجة بعد على جميع الناس ثم كذبوه ، ثم طلبوا الآية.
بل تمت الحجة على بعض الأفراد من الذين كانوا يعيشون في مكة ، لأن هذه الآية كانت قبل الهجرة بخمس سنين هذا بالإضافة إلى أنه ما كان الله ليهلك جميع أهل مكة ومن حولها ، لأن فيهم جمعا كبيرا من المسلمين ، قال تعالى : (هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْ لا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَؤُهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً)(9).
ولم يتزيل المشركون عن المسلمين ، ولا امتازوا عنهم.
كما أنه إذا كان الرسول «صلى الله عليه وآله» بينهم فإنه لا يعذبهم.
قال تعالى : (وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ..)(9) وما كان الله لينجي المؤمنين ويهلك الكفار بعد أن آمن جمع كثير منهم فيما بين سنة ثمان من البعثة وثمان من الهجرة ، ثم أسلم عامتهم يوم الفتح ، والإسلام يكتفى فيه بظاهره.
وأيضا ، فإن عامة أهل مكة ومن حولها لم يكونوا أهل جحود وعناد ، وإنما كان ذلك في عظمائهم وصناديدهم ، الذين كانوا يستهزئون به «صلى الله عليه وآله» ، ويعذبون المؤمنين.
والآيات التي تبين أن صدهم عن المسجد الحرام ، واستفزازهم له «صلى الله عليه وآله» من الأرض ليخرجوه منها ، سوف ينشأ عنه أنهم (لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلَّا قَلِيلاً)(10) ، و (يَمَسُّهُمُ الْعَذابُ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ)(11) ـ هذه الآيات ـ قد تحقق مضمونها بما أصابهم يوم بدر من القتل الذريع.
فقوله تعالى : (وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ ..)(12) إنما يفيد الإمساك عن إرسال الآيات ما دام النبي «صلى الله عليه وآله» فيهم ، وأما إرسالها وتأخير العذاب إلى حين خروجه من بينهم فلا دلالة فيه عليه.
وقوله تعالى : (وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً)(13) ـ إلى أن قال ـ : (قُلْ سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولاً)(14). لا يدل على نفي تأييد النبي «صلى الله عليه وآله» بالآيات المعجزة ، وإنكار نزولها من الأساس ، وإلا فإن جميع الأنبياء كانوا بشرا.
ومعنى الآية : أنه من حيث هو بشر فإنه لا يقدر على ذلك.
وإنما الأمر إلى الله تعالى فهو الذي يأتي بالآيات في الحقيقة (15).
ويقول البعض : إن آية : (.. وَما نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفاً)(16) لعلها ناظرة إلى أن دعوة النبي «صلى الله عليه وآله» ليست معتمدة على الآيات ، التي هي من قبيل ناقة ثمود ، وآيات موسى «عليه السلام» ، بل هي تعتمد بالدرجة الأولى على الإقناع ، وإقامة الحجة العقلية كدعوة إبراهيم «عليه السلام» ، وذلك لا ينافي صدور بعض الآيات في الموارد التي لا تنفع فيها الحجج العقلية ، والبراهين القطعية.
انشقاق القمر : الحدث الكبير :
وأوردوا على انشقاق القمر بأنه لو انشق ـ كما يقال ـ لرآه جميع الناس ، ولضبطه أهل الأرصاد في الغرب والشرق ، لكونه من أعجب الآيات السماوية ، والدواعي متوفرة على استماعه ونقله.
وأجيب :
أولا : إن من الممكن أن يغفل عنه ، فلا دليل على كون كل حادث أرضي أو سماوي معلوما للناس ، محفوظا عندهم ، يرثه خلف عن سلف (17).
وأوضح ذلك بعض الأعلام بما حاصله : إنه لا بد من ملاحظة الأمور التالية :
١ ـ إن هذا الانشقاق قد حصل في نصف الكرة الأرضية ، حيث يوجد الليل دون النصف الآخر ، حيث يوجد النهار.
٢ ـ وفي هذا النصف لا يلتفت أكثر الناس إلى ما يحصل في الأجرام السماوية إذا كان ذلك بعد نصف الليل ، حيث الكل نائمون ، فإنهم جميعا لا يلتفتون إلى ذلك.
٣ ـ ولربما يكون في بعض المناطق سحاب يمنع من رؤية القمر.
٤ ـ والحوادث السماوية إنما تلفت النظر لو كانت مصحوبة بصوت كالرعد ، أو بأثر غير عادي كقلة نور الشمس في الكسوف ، إذا كان لمدة طويلة نسبيا.
٥ ـ هذا كله عدا عن أن السابقين لم يكن لهم اهتمام كبير بالسماء ومراقبة ما يحدث لأجرامها.
٦ ـ ولم يكن ثمة وسائل إعلام تنقل الخبر من أقصى الأرض إلى أقصاها بسرعة مذهلة ؛ لتتوجه الأنظار إلى ما يحدث.
٧ ـ والتاريخ الموجود بين أيدينا ناقص جدا ، فكم كان في تلك المئات والآلاف من السنين الخالية من كوارث وزلازل ، وسيول عظيمة أهلكت طوائف وأمما ، وليس لها مع ذلك في التاريخ أثر يذكر؟
بل إن زرادشت وقد ظهر في دولة عظيمة ، وله أثر كبير على الشعوب على مدى التاريخ ، لا يعرف حتى أين ولد ومات ودفن ، بل ويشك البعض في كونه شخصية حقيقية ، أو وهمية.
وبعد ما تقدم : يتضح أنه لا يجب أن يعرف الناس بانشقاق القمر ، ولا أن يضبطه التاريخ بشكل واضح (18) كما هو معلوم.
ثانيا : لم يكن في المنطقة العربية وغيرها مرصد للأوضاع السماوية ، وإنما كانت المراصد موجودة في المشرق والمغرب لدى الروم واليونان ، وغيرهما. ولم يثبت وجود مرصد في هذا الوقت ، على أن بلاد الغرب ، الذين كانوا معتنين بهذا الشأن بينها وبين مكة من اختلاف الأفق ما يوجب فصلا زمانيا معتدا به.
وقد كان القمر على ما في بعض الروايات بدرا قد انشق حين طلوعه ، ودام مدة يسيرة ، ثم التأم ، فيقع طلوعه في بلاد المغرب وهو ملتئم ثانيا (19).
إمكان الانشقاق والالتئام علميا :
ويبقى هنا سؤال وهو : هل يمكن علميا الانشقاق في الأجرام السماوية؟
وإذا أمكن الانشقاق ، فإنما يمكن ببطلان التجاذب بين الشقتين حينئذ ؛ فيستحيل الالتئام بعد الانشقاق.
وأجيب عنه : بأن خرق العادة بقدرة الله سبحانه ليس محالا.
كما أن العلماء يقولون : إنه قد حدثت انشقاقات كثيرة في الأجرام السماوية ؛ بسبب عوامل خاصة ، ومن الأمثلة على ذلك :
١ ـ إن ثمة حوالي خمسة آلاف من القطع الكبيرة والصغيرة التي تدور حول الشمس ويعتقد العلماء أنها بقايا إحدى السيارات التي كانت بين مداري المريخ والمشتري ، ثم انفجرت لأسباب مجهولة وتحولت إلى قطع متفاوتة الأحجام في مدارات حول الشمس.
٢ ـ ويقولون : إن الشهب هي أحجار صغيرة تسير بسرعة مذهلة في مدار حول الشمس ، وربما تتقاطع مع الأرض أحيانا ، فتجذبها الأرض ، فتصطدم بالجو الأرضي فتشتعل ثم تتلاشى.
ويقول العلماء : إنها بقايا نجوم انفجرت وتشققت بهذا النحو.
٣ ـ والمنظومة الشمسية أيضا يقال ـ حسب نظرية لابلاس ـ إنها كانت في الأصل قطعة واحدة ، ثم انفجرت ، لسبب غير معلوم فصارت على هذا النحو ، فلماذا لا ينشق القمر بسبب قاهر وهو القدرة الإلهية ، حيث إن النبي «صلى الله عليه وآله» قد دعا الله فاستجاب له؟ ولم يدّع أحد أنه ينشق بلا سبب أصلا.
وأما عودته إلى الالتئام بعد ذلك ، فقد قال العلماء : إن كل جرم كبير له جاذبية.
ولذلك نجد أن الشمس كثيرا ما تجذب بعض القطعات التي تدور حولها ، فتتحول تلك القطع بفعل الصدمة والاحتكاك إلى لهب متلاش.
إذا ، فما دام كل من شقي القمر قريبا إلى الآخر ، وبعد رفع تأثير القوة المانعة من تأثير الجاذبية ، فلماذا لا يشد كل من النصفين النصف الآخر إلى نفسه ، ليعودا كما كانا ، وأي محذور عقلي في ذلك؟! (20).
وقد أوجز العلامة الطباطبائي الإجابة عن سؤال امتناع الالتئام لعدم الجاذبية ، فقال : إن الاستحالة العقلية ممنوعة ، والاستحالة العادية ، بمعنى اختراق العادة ، لو منعت عن الالتئام بعد الانشقاق ، لمنعت أولا عن الانشقاق بعد الالتئام ولم تمنع. وأصل الكلام مبني على خرق العادة (21).
ومما تجدر الإشارة إليه هنا : أن جريدة كيهان الإيراينة قد نشرت بتاريخ : الثلاثاء ٣ شباط ٢٠٠٤ «١٤ / ١١ / ١٣٨٢ ه. ش» العدد ٦٢ / ١٧٨٧٦ خبرا مفاده أن رواد الفضاء الأمريكي قد توصلوا في تحقيقاتهم الأخيرة إلى أن القمر قد انشق إلى نصفين ، ومن ثم ـ بواسطة قوة فاعلة ـ التأم من جديد.
وفي مقابلة تلفزيونية مع عالم الجيولوجيا الدكتور زغلول النجار أعلن أنه وخلال محاضرة له في جامعة «كارديف» في غرب بريطانيا ، أكد داود موسى بيتكوك «رئيس الحزب الإسلامي البريطاني» : أنه سمع ذلك من التلفزيزن البريطاني ، وأن هذا كان سبب إسلامه.
دلالة الآية القرانية على ذلك :
ويحتمل البعض : أن يكون قوله تعالى : (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ)(22) ناظرا إلى المستقبل ، وأنه من أشراط الساعة ، كتكوير الشمس ، وانكدار النجوم.
وأجيب عنه بما حاصله :
أولا : إن ظاهر قوله تعالى : (وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ)(23) هو أن جماعة من مخالفي النبي لا يؤمنون بالآيات وكلما جاءتهم آية يزيد عنادهم واستكبارهم ، ويعتبرونها من السحر.
مما يدل على أنه قد جرى له «صلى الله عليه وآله» معهم في قصة انشقاق القمر مثل ذلك.
ثانيا : إن جملة «انشق» فعل ماض ، ولا يراد الاستقبال من الفعل الماضي إلا بقرينة ، وهي غير موجودة ، بل الموجود خلافه ؛ فقد قال الرازي :
«المفسرون بأسرهم على أن المراد أن القمر انشق ، ودلت الأخبار الصحاح عليه» (24) وإن كان الطبرسي وابن شهر آشوب يستثنيان : عطاء ، والحسن والبلخي (25).
ثم قال الطبرسي : وهذا لا يصح ، لأن المسلمين أجمعوا على ذلك ، فلا يعتد بخلاف من خالف فيه (26).
وإن قيل : إن اقتران جملة : اقتربت الساعة : بجملة : وانشق القمر ، يوحي بأن زمانهما واحد.
فالجواب هو : أن كثيرا من الآيات تؤكد على أن الساعة قد قرب وقتها ، فلم الغفلة؟ قال تعالى : (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ)(27).
وينقل عنه «صلى الله عليه وآله» أنه قال : «بعثت أنا والساعة كهاتين» (28) وأشار إلى إصبعيه.
«والظاهر : أن ذلك بملاحظة مجموع عمر الدنيا الطويل جدا ، حتى ليصح أن يقال :
إن هذا الفاصل الزماني بين بعثته «صلى الله عليه وآله» وقيام الساعة ليس بشيء».
وبعد هذا .. فإن مفاد الآية يكون : أن الساعة قد اقتربت ، وهذه الآية المعجزة قد ظهرت للنبي «صلى الله عليه وآله».
ولكن هؤلاء المشركين المستكبرين لا يؤمنون ، ولا يصدقون ، بل يقولون : سحر مستمر (29).
ولكن بعض المحققين يقول : إن قوله تعالى : (وَإِنْ يَرَوْا آيَةً ..) جملة شرطية ، لا دلالة فيها على وقوع ذلك.
وجملة (وَانْشَقَّ الْقَمَرُ) مساقها مساق قوله تعالى : (أَتى أَمْرُ اللهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ) فإنها جملة فعلية ماضوية ، ولكن الأمر لم يأت بعد بقرينة قوله : (فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ).
وكذا الحال في قوله تعالى : (وَانْشَقَّ الْقَمَرُ) بملاحظة قوله تعالى :
(وَإِنْ يَرَوْا آيَةً ..) والمراد بيان حالهم لو وقع لهم أمر كهذا.
وأما الإجماع الذي ادعاه الطبرسي ؛ فلا حجية فيه ، إذ من المحتمل أن يكون منشؤه الفهم الخاطئ للآية ، انتهى كلامه.
ونقول نحن : إن هذا الكلام له وجه ، لو لم يكن لدينا أخبار صحيحة تدل على وقوع انشقاق القمر.
الأساطير :
هذا ، وقد لعبت الأهواء والأساطير في قضية شق القمر ، حتى لقد شاع على ألسنة الناس : أن أحد شقي القمر قد مر من كمّ النبي «صلى الله عليه وآله».
فيقول العلامة الشيخ ناصر مكارم : إن هذا الكلام ليس له في كتب الحديث والتفسير عين ولا أثر ، سواء عند السنة ، أو عند الشيعة.
وثمة تفاصيل وخصوصيات تذكر في بعض الروايات لا نرى في تحقيق الحق فيها كبير نفع ، ولا جليل أثر ؛ ولذا فنحن نعرض عنها إلى ما هو أهم ، ونفعه أعم.
نقض الصحيفة :
وبعد ثلاث سنوات تقريبا من حصر المسلمين في شعب أبي طالب ، أخبر النبي «صلى الله عليه وآله» عمه أبا طالب بأن الإرضة قد أكلت كل ما في صحيفتهم من ظلم وقطيعة رحم ولم يبق فيها إلا ما كان اسما لله. وفي نص آخر :
«أنها قد أكلت كل اسم لله تعالى فيها ، ولم تبق إلا كل ظلم وشر ، وقطيعة رحم» (30).
والأصح هو الأول كما هو صريح الكلام المنقول عن أبي طالب «عليه السلام» ..
فخرج أبو طالب من شعبه ، ومعه بنو هاشم إلى قريش ، فقال المشركون : الجوع أخرجهم.
وقالوا له : يا أبا طالب ، قد آن لك أن تصالح قومك.
قال : قد جئتكم بخير ، ابعثوا إلى صحيفتكم ، لعله أن يكون بيننا وبينكم صلح فيها. فبعثوا ، فأتوا بها ، فلما وضعت وعليها أختامهم.
قال لهم أبو طالب : هل تنكرون منها شيئا؟
قالوا : لا.
قال : إن ابن أخي حدثني ولم يكذبني قط : أن الله قد بعث على هذه الصحيفة الأرضة ، فأكلت كل قطيعة وإثم ، وتركت كل اسم هو لله ؛ فإن كان صادقا أقلعتم عن ظلمنا ، وإن يكن كاذبا ندفعه إليكم فقتلتموه.
فصاح الناس : أنصفتنا يا أبا طالب ، ففتحت ، ثم أخرجت ، فإذا هي كما قال «صلى الله عليه وآله» : فكبر المسلمون ، وامتقعت وجوه المشركين.
فقال أبو طالب : أتبين لكم : أينا أولى بالسحر والكهانة؟. فأسلم يومئذ عالم من الناس.
ولكن المشركين لم يقنعوا بذلك ، بل استمروا على العمل بمضمون الصحيفة ، حتى قام جماعة منهم بالعمل على نقضها ، ويذكرون منهم : هشام بن عمرو بن ربيعة ، وزهير بن أمية بن المغيرة ، والمطعم بن عدي ، وأبا البختري بن هشام ، وزمعة بن الأسود ، وكلهم له رحم ببني هاشم والمطلب ، وتكلموا في نقضها ؛ فعارضهم أبو جهل فلم يلتفتوا إلى معارضته ، ومزقت الصحيفة ، وبطل مفعولها. وخرج الهاشميون حينئذ من شعب أبي طالب رضوان الله تعالى عليه (31).
__________________
(1) تفسير الميزان ج ١٩ ص ٦٢ و ٦٤.
(2) الآيتان ١ و ٢ من سورة القمر.
(3) الدر المنثور ج ٦ ص ١٣٣ عن ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن مردويه ، وأبي نعيم ، والبيهقي في دلائلهما ، ومناقب آل أبي طالب ج ١ ص ١٢٢.
(4) تفسير الميزان ج ١٩ ص ٦٠.
(5) تفسير الميزان ج ١٩ ص ٦١ وراجع باب المعجزات السماوية في البحار ، ج ١٧ ص ٣٤٨ ـ ٣٥٩.
(6) راجع : همه بايد بدانند (فارسي) ص ٧٥.
(7) الآية ٥٩ من سورة الإسراء.
(8) الآية ٢٥ من سورة الفتح.
(9) الآية ٣٣ من سورة الأنفال.
(10) الآية ٧٦ من سورة الإسراء.
(11) الآية ٤٩ من سورة الأنعام.
(12) الآية ٥٩ من سورة الإسراء.
(13) الآية ٩٠ من سورة الإسراء.
(14) الآية ٩٣ من سورة الإسراء.
(15) راجع فيما تقدم : تفسير الميزان ج ١٩ ص ٦٠ ـ ٦٤.
(16) الآية ٥٩ من سورة الإسراء.
(17) تفسير الميزان ج ١٩ ص ٦٤.
(18) همه بايد بدانند (فارسي) ص ٩٤ للعلامة الشيخ ناصر مكارم الشيرازي.
(19) تفسير الميزان ج ١٩ ص ٦٤ و ٦٥.
(20) كتاب : همه بايد بدانند ص ٨٤ ـ ٩٠.
(21) تفسير الميزان ص ١٩ ـ ٦٥.
(22) الآية ١ من سورة القمر.
(23) الآية ٢ من سورة القمر.
(24) التفسير الكبير للرازي ج ٢٩ ص ٢٨.
(25) مجمع البيان ج ٩ ص ١٨٦ ومناقب آل أبي طالب ج ١ ص ١٢٢.
(26) مجمع البيان ج ٩ ص ١٨٦.
(27) سورة الأنبياء الآية ١.
(28) نقله في مفتاح كنوز السنة ص ٢٢٧ عن البخاري ، ومسلم ، وابن ماجة والطيالسي ، وأحمد ، والترمذي والدارمي ، فراجع.
(29) راجع في كل ما ذكرناه في دلالة الآية كتاب : همه بايد بدانند (فارسي) ص ٧٦ ـ ٨٠.
(30) ولربما يقال : إن استمرار قريش على عدائه «صلى الله عليه وآله» ، إلى حين نقض الصحيفة ، يدل على أن الأرضة إنما محت اسم الله تعالى. وأبقت قطيعة الرحم وسائر المواد التي اتفقوا عليها.
وقد استبعد البعض ذلك استنادا إلى أن أكل الأرضة لاسم الله بعيد. فلعلهم التزموا بمضمونها وإن كانت الأرضة قد محتها ، أو أنهم أعادوا كتابتها.
ولربما يرد على ذلك بأن الأرضة إنما محت اسم الله عنها تنزيها له عن أن يكون في صحيفة ظالمة كهذه وهذا إعجاز مطلوب وراجح من أجل إظهار الحق ، وليس في ذلك إهانة.
(31) راجع فيما تقدم : السيرة النبوية لابن كثير ج ٢ ص ٤٤ والسيرة النبوية لابن هشام ج ٢ ص ١٦ ودلائل النبوة ط دار الكتب ج ٢ ص ٣١٢ والكامل في التاريخ ج ٢ ص ٨٨ والسيرة النبوية لدحلان ج ١ ص ١٣٧ و ١٣٨ ط دار المعرفة وتاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ٣١ والبداية والنهاية ج ٣ ص ٨٥ و ٨٦.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|