أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-03-02
1353
التاريخ: 2024-02-02
1429
التاريخ: 2023-12-16
1199
التاريخ: 2024-03-04
900
|
حينما خلق اللّه الإنسان جعله في دائرة لطفه، وسكب عليه ألطاف رحمته، وحين خلقهم فانه هداهم للإيمان، وأرشدهم إلى سبيله، حيث أرسل لهم رسله، ومعهم الكتب التي تحوي على تلك البرامج والدساتير إلى أن ختمها بنبوة النبي محمد بن عبد اللّه (صلى الله عليه واله وسلم) والتي تمثلت في دين الإسلام وكتابه القرآن.
وفعلا كان هذا الدين الخاتم هو الإسلام، حيث يقول ربنا سبحانه وتعالى :
{إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} [آل عمران : 19]
{ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} [آل عمران : 85]
فالإسلام وحسبما يتبادر إلى أذهاننا هو أول مراتب العبودية، والأخذ بالاعتقادات القائمة عليها أصول الدين الإسلامي، ولكن هل هذا الإسلام بالمعنى الأولى البسيط يكفي أم أن هناك مراتب ودرجات أخرى؟
نعم .. هناك مراتب أخرى يتوجب على الإنسان المسلم أن يترجمها بإيمانه إلى عمل ديني يمارسه في حياته، حتى يحقق بتلك الممارسة تمام العبودية فيتم ذلك الإسلام الاختياري { لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [البقرة : 256] ,و ذلك بتسليم العبد، وبكل ما يملك تسليما مطلقا إلى ربه.
ولن يكتمل هذا الدين وهو الإسلام بمجرد التسليم والخضوع القلبي والعملي إلا من خلال شريعة وطريقة قد أعدتها السماء، كي يسير عليها هذا الإنسان، وينضبط من خلالها، وهذه هي سمة رسالات السماء، حيث يقول ربنا، سبحانه وتعالى : {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا } [المائدة : 48]الشريعة التي تستتبع الإلزام والإتباع، وتكون بمثابة القانون الملزم للفرد، وتكون أيضا برنامجا تطبيقيا له في الحياة، كما يقول اللّه سبحانه وتعالى : { ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ } [الجاثية : 18]
هذه الشريعة المستندة إلى اللّه، والمبينة لهذا الدين تكون طريقة ومنهاجا لهذا الإنسان، تمهد له الطريق، وتجعله يسير في الحياة ببصيرة ووعي، يتخطى من خلالها كل العقبات التي تعترضه، ويتجاوز بها كل السلبيات التي توقعه في الزلل والخطأ، وتنور قلبه بالعلم والمعرفة، فيتوصل من خلالها إلى معرفة الحقائق، وتتجلى له الأمور، وتتضح له معالم الطريق إلى اللّه وإلى الكون وإلى نفسه.
و لهذا أطلق القرآن مصطلح الشريعة، وهي مجموعة وصايا جاء بها الأنبياء كي يسلكها الناس في الحياة، فيقول سبحانه وتعالى : {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى } [الشورى : 13]
الشريعة إذا هي تلك الوصايا التي جاء بها نوح وإبراهيم وموسى وعيسى مضافا إليها ما جاء به النبي (صلى الله عليه واله وسلم)، لأن الشرائع في الحقيقة هي واحدة في جوهرها، وإن اختلفت بحسب اختلاف الأمم إلا أن هناك قواعد أساسية تشترك فيها كل رسالات السماء باعتبار مصدرها الواحد، فهي لا تختلف في حقيقتها أبدا. ومن السمات الرئيسية التي اتصف بها القرآن هو امتيازه بهذا الجانب التشريعي المسند إلى اللّه سبحانه، حيث شرع فيه كل قانون يحتاجه البشر فلا يجوز لهم تشريع أي قانون منهم، وإنما يحق لهم تأطير هذه القوانين في قوالب زمنية ومكانية بملاحظة الأهم والمهم، باعتبار أن قوانين البشر غير صالحة لأنها ليست من عند اللّه، وكل قانون لا يسند إلى اللّه لا يزيد البشر إلا مشكلة وتعقيدا، ويفتقد إلى قابلية البقاء وديمومة الصواب.
وهناك ضرورة تؤكد على وضع القانون الملائم للإنسان وهي موافقته لفطرته، فلا يمكن أن يحمّل الإنسان فوق طاقته بوضع قوانين لا وسع له بها، ولا طاقة.
ولا يكون ذلك إلا من خالق هذه الفطرة حيث انه يحيط بكل جوانب النفس البشرية، فليست هذه القدرة موجودة لدى الإنسان، فهو غير قادر على إيجاد القانون الملائم لنفسه فكيف لغيره؟! فبناء على ذلك لا يجوز للإنسان تشريع أي قانون إطلاقا، وإنما أخذه من القرآن حيث اشتمل على كل قانون بما ذكره لنا النبي (صلى الله عليه واله وسلم) والأئمة الأطهار (عليه السلام).
شأن المجتهدين :
هنا يأتي دور الفقهاء المجتهدين في فهم معرفة القانون المسمّى بالحكم الشرعي، واستنباطه من القرآن، والسنة الواردة عن النبي (صلى الله عليه واله وسلم)، والأئمة الأطهار (عليه السلام)، وذلك لا يتسنى إلا لهؤلاء باعتبارهم قد درسوا الشريعة، وأصولها كمن يتخصص اليوم في معرفة القانون الحديث، فهؤلاء تخصصوا في معرفة وفهم الكتاب والسنة، وأصبحت لديهم الملكة والقدرة الفعلية على استخراج القانون الموجود في الكتاب المقدس.
والاجتهاد ليس عملية استحداث قانون غير موجود، وإنما هو البحث عن القانون الموجود، وإقامة الدليل عليه، كي يكون مستندا إلى اللّه عز وجل، وهو ليس بديلا عن القرآن بل هو البحث في القرآن عند أهل الاختصاص.
فالتشريع ثابت وأحكام الشريعة ثابتة لأنها خارج نطاق البشر، فما عندهم يسند إما إلى المادة أو الهوى أو السلطة، فالقانون النابع من هذه الأمور الثلاثة يذهب بذهابها، ويتغير بمجرد أي خلل يحدث فيها، أ لا ترى بعض الأنظمة السياسية كيف تغير القانون بمجرد تغير النظام؟.
فهذا النظام يرى ما لا يراه النظام الماضي، وهكذا الإنسان في الحياة مهما كان حرا ونزيها فانه لا يستطيع أن يخرج من إطاره المحيط به وتقاليده وأهوائه التي تعمل في نفسه، فقانونه يصطبغ بتلك الأهواء والظروف فبتغيرها يتغير القانون، أما القانون الإلهي فلن نجد فيه تحويلا ولا تبديلا، كما يقول سبحانه وتعالى : {فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا} [فاطر : 43] لأنه نابع من اللّه خالق الإنسان، يقول آية اللّه الشيرازي في كتابه الفقه- القرآن : «أما اللّه سبحانه فليس له زمان ومكان ولا أهواء وعواطف ولا حاجة وإعوزاز ولا ظروف مادية أو معنوية يريدها لنفسه، ولذا يكون قانونه مستندا من صرف مصلحة الإنسان بالإضافة إلى انه عالم بالإنسان فلا يكون قانونه غير ملائم للإنسان، وهذا هو سبب أبدية قانون القرآن، وكونه ملائما للبشر، وصالحا لهم على مدى الأوقات وفي كل الأماكن».(1)و هذا التشريع الأمثل للإنسانية، والقانون الأقوم للحياة، الذي جاء به القرآن، قد اثبت أصالته وشموليته وهيمنته على جميع شئون الحياة.
ولعل ثبات التشريع هو من ثبات القيم الراسخة التي دعا إليها القرآن، فقيمة العدالة والمساواة والحرية وكرامة الإنسان، كل هذه اقتضت إيجاد قواعد وتشريعات قائمة على أساسها، فالأحكام الاعتقادية والأخلاقية، والأخرى العملية كالعبادات والمعاملات، والاجتماعية التي تتعلق بتنظيم الأسرة وأحكام الزوجية كالنكاح والطلاق والإرث، كل هذه نابعة من تلك القيم، وأكبرها هي اللطف والرحمة بعباده، فما كان منه إلا أن يأتي لهم بما يحقق ذلك اللطف، وتلك الرحمة في سن كل ما يكفل احتياجات الإنسانية على كل مستوى وصعيد.
_____________________
1. الفقه - القرآن ص 112 .
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|