تأملات قرآنية
مصطلحات قرآنية
هل تعلم
علوم القرآن
أسباب النزول
التفسير والمفسرون
التفسير
مفهوم التفسير
التفسير الموضوعي
التأويل
مناهج التفسير
منهج تفسير القرآن بالقرآن
منهج التفسير الفقهي
منهج التفسير الأثري أو الروائي
منهج التفسير الإجتهادي
منهج التفسير الأدبي
منهج التفسير اللغوي
منهج التفسير العرفاني
منهج التفسير بالرأي
منهج التفسير العلمي
مواضيع عامة في المناهج
التفاسير وتراجم مفسريها
التفاسير
تراجم المفسرين
القراء والقراءات
القرآء
رأي المفسرين في القراءات
تحليل النص القرآني
أحكام التلاوة
تاريخ القرآن
جمع وتدوين القرآن
التحريف ونفيه عن القرآن
نزول القرآن
الناسخ والمنسوخ
المحكم والمتشابه
المكي والمدني
الأمثال في القرآن
فضائل السور
مواضيع عامة في علوم القرآن
فضائل اهل البيت القرآنية
الشفاء في القرآن
رسم وحركات القرآن
القسم في القرآن
اشباه ونظائر
آداب قراءة القرآن
الإعجاز القرآني
الوحي القرآني
الصرفة وموضوعاتها
الإعجاز الغيبي
الإعجاز العلمي والطبيعي
الإعجاز البلاغي والبياني
الإعجاز العددي
مواضيع إعجازية عامة
قصص قرآنية
قصص الأنبياء
قصة النبي ابراهيم وقومه
قصة النبي إدريس وقومه
قصة النبي اسماعيل
قصة النبي ذو الكفل
قصة النبي لوط وقومه
قصة النبي موسى وهارون وقومهم
قصة النبي داوود وقومه
قصة النبي زكريا وابنه يحيى
قصة النبي شعيب وقومه
قصة النبي سليمان وقومه
قصة النبي صالح وقومه
قصة النبي نوح وقومه
قصة النبي هود وقومه
قصة النبي إسحاق ويعقوب ويوسف
قصة النبي يونس وقومه
قصة النبي إلياس واليسع
قصة ذي القرنين وقصص أخرى
قصة نبي الله آدم
قصة نبي الله عيسى وقومه
قصة النبي أيوب وقومه
قصة النبي محمد صلى الله عليه وآله
سيرة النبي والائمة
سيرة الإمام المهدي ـ عليه السلام
سيرة الامام علي ـ عليه السلام
سيرة النبي محمد صلى الله عليه وآله
مواضيع عامة في سيرة النبي والأئمة
حضارات
مقالات عامة من التاريخ الإسلامي
العصر الجاهلي قبل الإسلام
اليهود
مواضيع عامة في القصص القرآنية
العقائد في القرآن
أصول
التوحيد
النبوة
العدل
الامامة
المعاد
سؤال وجواب
شبهات وردود
فرق واديان ومذاهب
الشفاعة والتوسل
مقالات عقائدية عامة
قضايا أخلاقية في القرآن الكريم
قضايا إجتماعية في القرآن الكريم
مقالات قرآنية
التفسير الجامع
حرف الألف
سورة آل عمران
سورة الأنعام
سورة الأعراف
سورة الأنفال
سورة إبراهيم
سورة الإسراء
سورة الأنبياء
سورة الأحزاب
سورة الأحقاف
سورة الإنسان
سورة الانفطار
سورة الإنشقاق
سورة الأعلى
سورة الإخلاص
حرف الباء
سورة البقرة
سورة البروج
سورة البلد
سورة البينة
حرف التاء
سورة التوبة
سورة التغابن
سورة التحريم
سورة التكوير
سورة التين
سورة التكاثر
حرف الجيم
سورة الجاثية
سورة الجمعة
سورة الجن
حرف الحاء
سورة الحجر
سورة الحج
سورة الحديد
سورة الحشر
سورة الحاقة
الحجرات
حرف الدال
سورة الدخان
حرف الذال
سورة الذاريات
حرف الراء
سورة الرعد
سورة الروم
سورة الرحمن
حرف الزاي
سورة الزمر
سورة الزخرف
سورة الزلزلة
حرف السين
سورة السجدة
سورة سبأ
حرف الشين
سورة الشعراء
سورة الشورى
سورة الشمس
سورة الشرح
حرف الصاد
سورة الصافات
سورة ص
سورة الصف
حرف الضاد
سورة الضحى
حرف الطاء
سورة طه
سورة الطور
سورة الطلاق
سورة الطارق
حرف العين
سورة العنكبوت
سورة عبس
سورة العلق
سورة العاديات
سورة العصر
حرف الغين
سورة غافر
سورة الغاشية
حرف الفاء
سورة الفاتحة
سورة الفرقان
سورة فاطر
سورة فصلت
سورة الفتح
سورة الفجر
سورة الفيل
سورة الفلق
حرف القاف
سورة القصص
سورة ق
سورة القمر
سورة القلم
سورة القيامة
سورة القدر
سورة القارعة
سورة قريش
حرف الكاف
سورة الكهف
سورة الكوثر
سورة الكافرون
حرف اللام
سورة لقمان
سورة الليل
حرف الميم
سورة المائدة
سورة مريم
سورة المؤمنين
سورة محمد
سورة المجادلة
سورة الممتحنة
سورة المنافقين
سورة المُلك
سورة المعارج
سورة المزمل
سورة المدثر
سورة المرسلات
سورة المطففين
سورة الماعون
سورة المسد
حرف النون
سورة النساء
سورة النحل
سورة النور
سورة النمل
سورة النجم
سورة نوح
سورة النبأ
سورة النازعات
سورة النصر
سورة الناس
حرف الهاء
سورة هود
سورة الهمزة
حرف الواو
سورة الواقعة
حرف الياء
سورة يونس
سورة يوسف
سورة يس
آيات الأحكام
العبادات
المعاملات
الوحي وانواعه
المؤلف:
الدكتور عبد الرسول الغفار
المصدر:
الميسر في علوم القرآن
الجزء والصفحة:
ص51 - 60
2025-06-23
33
كتب سبحانه وتعالى على نفسه الرحمة واللطف بعباده حتى يسلكوا طريق الخير ويتبعوا الصراط السوي وينزهوا أنفسهم من الكبائر ويتوجهوا إليه بخالص أعمالهم ونواياهم.
ولما كان الإنسان خطأ تغريه نفسه وتأخذ به كل مأخذ لما يزينه له عدوه فيوسوس إليه ليبعده عن رحمة الله فكان على الله أن يرسل الأنبياء والرسل لينقذ هذا الضعيف المسكين من حبائل الشيطان ومكره وخدعه قال تعالى: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا } [النساء: 83] وقد حاول الشيطان أن يوسوس إلى بني آدم ليخرجه من الجنة قال تعالى: {فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا} [الأعراف: 20] وقوله تعالى: {فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ} [طه: 120]. كيفما كان إن الشيطان للإنسان عدو مبين يوسف ... فلماذا لا نتبع قول الله سبحانه ونصحه وارشاده {يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ} [الأعراف: 27] لقد تجسد لطف الله سبحانه يبعث الأنبياء والرسل من لدن آدم ونوح إلى ان ختمهم بنبوة محمد (عليه السلام) فما كان أمر الوحي غريبا على الأمم وليس ظاهرة انفرد بها نبينا على سائر الأنبياء (عليهم السلام) بل أن الجميع يشتركون فيه قال تعالى: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا (163) وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء: 164]
فالوحي الذي نزل على النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) بواسطة الملك هو لا يختلف في مدلوله اللفظي والمعنوي عن الوحي الذي كان ينزل على من سبقه من الأنبياء (عليهم السلام) كما ليس عجيبا أن ينزل الوحي على بشر اختاره الله لرسالته وهاديا لعباده أنه بشر له ما للآخرين من مواصفات إنسانية وأحاسيس وعواطف ورغبات وغرائز غير أنه يفرق عن سائر البشر بملكة العصمة وقوة الإرادة في الطاعة الكاملة الله سبحانه وقد أشار سبحانه وتعالى إلى أولئك الناس الذين عجبوا من نزول الوحي على بشر وكأنهم يتصورون الوحي أمرا يختص بالملائكة وهو عالم لا ينكشف لأحد من البشر قال تعالى: {أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ مُبِينٌ } [يونس: 2]
إذن ما هو الوحي؟ للوحي معان منها:
أ - الإلهام الفطري للإنسان قوله تعالى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ} [القصص: 7].
ب - الإلهام الغريزي للحيوان قوله تعالى: {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ} [النحل: 68]
ج - الإشارة السريعة على سبيل الرمز والإيماء قوله تعالى عن زكريا (عليه السلام) {فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا} [مريم: 11]
د - ما يلقيه الله سبحانه إلى الملائكة من أمر قوله تعالى: {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا} [الأنفال: 12].
هـ - ما يلقيه الله سبحانه إلى النبي بواسطة ملك قوله تعالى: {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ} [الشعراء: 192-194] وفي هذا يبدو أن الوحي عبارة عن الإعلام الخفي السريع الذي مصدره عالم الغيب ينزله الله على من يشاء من عباده الذين اصطفاهم لرسالاته.
وصوره ثلاثة:
1 - إلقاء المعنى في قلب النبي أو نفثه في روعه.
2- تكليم النبي من وراء حجاب كما حصل لموسى (عليه السلام) حيث كلمه الله سبحانه من وراء الشجرة.
3- إرسال ملك بصورته الملكية أو بصورة رجل فيلقي على النبي مباشرة بأمر من الله سبحانه.
والذي يجمع هذه الصور الثلاث قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ} [الشورى: 51] وعلى هذا فإن ما يتلقاه الملك من أوامر إنما يحملها ليؤديها بكل أمانة إلى من أرسل إليه وهكذا ما يتحمله النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إنما يتحمل أوامر الله ليؤديها إلى العباد بكل أمانة وإخلاص ووعي فإن صفة الأمانة مشتركة بين الملك والنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ويصدق على كل واحد منهما الأمين على وحيه.
لقد استعمل القرآن كلمة (وحي) للمعنى الرسالي في نيف وسبعين موضعا ومن خصوصيات الأنبياء لا نزول الوحي عليهم من الله سبحانه حين اصطفاهم لرسالاته وكلمهم بالتبليغ والإنذار وإصلاح الأمم وقودهم إلى الهدى وأن تلقي الوحي لا يكون بالحواس المادية التي يشترك بها سائر الناس وإنما التلقي مبعثه الروح وصفاء النفس وإن كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يرى شخص الملك ويسمع صوت الوحي لكن ليس بهاتين الحاستين الماديتين.
فسمع النبي وبصره وكل حواسه عند هبوط الوحي هي غيرها عند الحالات العادية الأخرى بمعنى آخر أن الاستعداد الروحي عند النبي لتلقي الوحي وصفاء تكوينه الباطني يجعله مهياً لاستيعاب كلام الله سبحانه فتلتقي روحه الزكية ونفسه التقية بعالم ما وراء المادة لتتشرف بساحة الخطاب العلوي الذي هو محضر عالم الملكوت ورب سائل يسأل فيقول هل بإمكاننا أن ندرك الوحي النازل على النبي؟ ذكرنا قبل قليل أن الوحي خصوصية من خصوصيات الأنبياء والرسل بل إنه تشريف وتكليف من رب العزة لخيار البشر الذين ارتضاهم رسلا لأممهم ومصلحين ربانيين لأقوامهم وهذا المصلح الرباني إنما لخصوصيات أخرى في نفسه الكريمة انتخبه الله من بين سائر الناس لهذا العبء الشريف.
والروح الطاهرة عند الأنبياء وأنفسهم الزكية جعلتهم يرتبطون بالله ... ارتباطا خفيا لا يمكن أن يبصره الناس لأن ذلك الارتباط خارج عن إطار المادة وحدودها الكثيفة، كما أن عالم الروح عالم يسمو عن الواقع المادي وعلاقة الوحي بالروح إنما هو شيء حتمي لا يمكن إنكاره نعم ممكن أن ننظر بعض علامات ذلك الوحي بصورة جليلة على جسد النبي الطاهر كتصبب العرق في اليوم البارد واحمرار وجهه الشريف وأمثال ذلك وهذا إنما هو من باب آثار الوحي وعوارضه المتبقية في جسد النبي وسرعان ما تزول فالوحي إذا قلنا إنه ظاهرة روحية يحس به الموحى إليه إحساسا وجدانيا مفاجئا. نقول إنما هذا الإحساس يأتيه من خارج كيانه المادي لكون الذي ينزل عليه صادرا من ساحة قدسية ومكان رفيع وهو الملأ الأعلى هابط إلى مقر صالح زكي ونفس طاهرة. فكل ما يمكن أن يقال عن ظاهرة الوحي إنما هو وصف نصفه بتعابير مجازية وألفاظ لا تعدو التشبيه أو الكناية أو المجاز أما حقيقة فذاك من مختصات علام الغيوب المطلق في وجوده غير محدود في قدراته أما سائر المخلوقات من البشر لا يمكن أن يدركوا أبعاد تلك الظاهرة ولا كيفيتها، طالما تحدهم المادة بكل أبعادها وإن أحاسيسهم لا تسموا إلى عالم المثل أو إلى ما وراء الطبيعة المادية.
بدء الوحي
أما بدء الوحي فكان على شكل رؤيا صادقة يراها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في منامه، وهو أن آتياً كان يأتيه فيقول له يا رسول الله.
عن علي بن إبراهيم القمي قال: إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لما أتي له سبع وثلاثون
سنة كان يرى في منامه كأن آتياً يأتيه فيقول: يا رسول الله ومضت عليه برهة من الزمن وهو على ذلك يكتمه وإذا هو في بعض الأيام يرى غنما لأبي طالب في شعب الجبال إذ رأى شخصا يقول له: يا رسول الله فقال له: من أنت؟ قال أنا جبرائيل أرسلني الله إليك ليتخذك رسولا. (بحار 18 / 184 حديث 14 و 194 حديث 30) وهذا يعني أن النبي قبل أن يبعث برسالة السماء كان يرى الرؤيا الصادقة في منامه وقبل أن يبلغ الأربعين من عمره الشريف [1] كما أنه كان يرى الملك عيانا أو كان يسمع صوته وهو حالة يقظته كما يظهر أن مرحلة النبوة غير مرحلة الرسالة والأولى ممهدة للثانية وأن الاستعداد الأولي في نفس النبي لتلقي البشارات من السماء إنما يعمق ويتكامل في أنفس الأنبياء قبيل مرحلة الرسالة، ثم من دواعي هذه الرؤيا الصادقة هو صيانة نفس النبي من المؤثرات الخارجية وتعلقها المتزايد بالجانب الروحي والعالم السماوي الملكوتي عالم الغيب والشهادة . عن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: وأما النبي فهو الذي يرى في منامه نحو رؤيا إبراهيم (عليه السلام) ونحو ما كان رأى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من أسباب النبوة قبل الوحي حتى أتاه جبرائيل (عليه السلام) من عند الله بالرسالة. (الكافي 1/ 176) فالرؤيا الصادقة كانت سبيل الوحي إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لكن لم يكن من تلك الرؤيا قرآنا وما رواه السيوطي في تفسيره الدر المنثور بسنده عن أنس بن مالك في تفسير سورة الكوثر أنها نزلت في المنام لا يمكن الأخد به لأن أنس الذي يروي قصة نزول هذه السورة إنما يرويها وهو في المدينة وعمره آنذاك لا يتجاوز العشرة هذا أولا وثانيا إن إجماع المفسرين وأهل الحديث أن سورة الكوثر مكية نزلت بمكة بعد موت عبد الله بن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ولما عيرته قريش في كونه لا عقب له.
وثالثا: من جملة الحالات التي تعتري الرسول عند نزول الوحي أنه تعتريه حالة خاصة وقد فهمها البعض أنها شبيهة بالنعاس وليس هو بنعاس ولا نوم وإنما لشدة وقع الوحي على جسده الشريف (صلى الله عليه وآله وسلم) تعتريه هكذا حالة من بين حالات عديدة أخرى.
لهذا قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : رؤيا الأنبياء وحي. (بحار 11/ 64 و4).
نزول الملك
الملك الموكل بالوحي هو جبرائيل (عليه السلام) كان ينزل عليه بالوحي والقرآن وفيه صور عديدة:
- كان ينزل عليه دون أن يراه فيسمع صوته بما يلقيه عليه من وحي.
- كان ينزل عليه الوحي إلهاما فيعيه بقوة وذلك هو النكت في القلب قال (صلى الله عليه وآله وسلم) أن روح القدس نفث في روعي (الأنفال1/ 44).
- كان ينزل عليه الوحي بواسطة الملك جبرائيل (عليه السلام) وهو يراه وهذه الرؤية كانت على صورتين: الصورة الأولى رآه بصورته الحقيقية وقد ملا الأفق من المشرق إلى المغرب وقد أذهله ذلك المنظر ويؤكد ذلك قوله تعالى: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (19) ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (20) مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ (21) وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ (22) وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ} [التكوير: 19-23]
وهذه الصورة الحقيقة لجبرائيل (عليه السلام) التي رآها الرسول قد رآها مرتين الأولى كانت في بدء الوحي والثانية كانت بطلب من الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) قوله تعالى: {وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى} [النجم: 7] قيل رآه في ليلة المعراج لما صعد به وقوله تعالى: {نَزْلَةً أُخْرَى} [النجم: 13]. بطلب منه (صلى الله عليه وآله وسلم) وقيل غير ذلك[2]
أما الصورة الثانية لجبرائيل التي كان ينزل بها على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فكانت على صورة الآدميين وكان يتمثل له بصورة دحية الكلبي قال (صلى الله عليه وآله وسلم) - كما في الاصابة - كان جبرائيل يأتيني على صورة دحية الكلبي ... [3]
وكان الصحابة يزعمون حقا أن الذي عند النبي هو دحية. وقد نهاهم الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) فيما بعد أن يدخلوا عليه إذا وجدوا دحية عنده قال إذا رأيتم دحية الكلبي عندي فلا يدخلن علي أحد[4]. وربما نزل عليه الملك بصورة رجل آخر كما روى البخاري في صحيحه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأحيانا يتمثل لي الملك رجلا فيكلمني فأعي ما يقول (الصحيح 1/ 3) وقد سبق فيما تقدم أن الرسول صرح باسم دحية الكلبي. وعلى هذا فيبدو أن الملك يأتي بأكثر من صورة من صور الأدميين سواء كانت صورهم معروفة كدحية الكلبي أو غير معروفة كسائر الناس.
الوحي الخاص
وهو الذي ينزل مباشرة دون توسط ملك وكان وقعه شديد على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لثقله وعظمته وشرف قوله تبارك وتعالى وهذا النوع من الوحي لأعظم وقعا عند الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لأنه يكون في حالة خاصة ليس بينه وبين الله شيء إلا هو سبحانه وتعالى فلا يحس إلا وكلام الله جل وعلا يخاطبه أو يسره بصورة لا يمكن أن يدركها غيره ففي هكذا نزول وحي يكون الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في حالات خاصة كأن يحمر وجهه ويثقل بدنه ويتصبب من وجهه العرق وغير ذلك من الحالات التي قد شاهد بعضها الصحابة. ولا عجب أن يكون الرسول عند نزول الوحي - المباشر - بهذه الكيفية الثقيلة الشديدة في نفسه وبدنه لأن الذي ينزل عليه قرآن كريم قد هرعت إلى سماعه الملائكة والجن وكل الموجودات حتى أن الجبال لتتصدع لو أنزل عليها ولرأيتها خاشعة لكلام ربها. ورد في تفسير الآية الكريمة: {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} [سبأ: 23] عن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: كان أهل السماوات لم يسمعوا وحيا في الفترة بين المسيح (عليه السلام) وبعثة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فلما بعث الله محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) سمع أهل السماوات صوت وحي القرآن كوقع الحديد على الصفا فصعقوا أجمعين فلما فرغ الله من الوحي انحدر جبرائيل كلما مر بأهل سماء نزع عن قلوبهم أي كشف عنهم تلك الغشية. فجعل بعضهم يقول لبعض: ماذا قال ربكم؟
قالوا الحق وهو العلي الكبير[5]. وذكر السيوطي في تفسيره أن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) قال إذا أراد الله أن يوحي بأمر تكلم بالوحي فإذا تكلم أخذت السماء رجفة شديدة من خوف الله تعالى فإذا سمع بذلك أهل السماوات صعقوا وخروا سجدا.[6] وعن السيوطي بسنده عن ابن مسعود قال: إذا تكلم الله بالوحي سمع أهل السماوات صلصلة [7] السلسلة على الصفوان [8] فيفزعون.[9]أقول هذه الرواية ورواية الحارث بن هاشم ورواية ابن عباس لا تخلو من مناقشة فانتبه.
وأما ما ورد عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) في شأن تلقي الوحي المباشر أنه قال - لما سأله الحارث بن هشام - أحيانا يأتيني مثل صلصلة الجرس وهو أشده علي فيفصم عني وقد وعيت عنه ما قال وأحياناً يتمثل لي الملك رجلا فيكلمني فأعي ما يقول ... [10]وقال (صلى الله عليه وآله وسلم) - لما سأله عبد الله بن عمر هل تحس بالوحي؟ - قال: أسمع صلاصل ثم أمكث عند ذلك فما من مرة يوحي إلي ألا ظننت أن نفسي تقبض [11]وقال أمير المؤمنين (عليه السلام) نزلت على النبي سورة المائدة وهو على بغلته الشهباء فثقل عليه الوحي حتى وقفت وتدلى بطنها حتى رأيت سرتها تكاد تمس الأرض وأغمي على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى وضع يده على ذؤابة شيبة ابن وهب الجمحي ... [12]وقال ابن عباس كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا نزل عليه الوحي يعالج من ذلك شدة وألما شديدا وثقلا ويتصدع رأسه. [13]وفي الحديث أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) أوحي إليه وهو على ناقته فبركت ووضعت جرانها [14] بالأرض فما تستطيع أن تتحرك وأن عثمان - بن مضعون - كان يكتب للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ} [النساء: 95] الآية وفخذ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على فخذ عثمان فجاء ابن أم مكتوم فقال: يا رسول الله أن لي من العذر ما ترى فغشيه الوحي فثقلت فخذه على عثمان حتى قال خشيت أن ترضها، فأنزل الله سبحانه غير أولي الضرر [15]. وقالت عائشة ولقد رأيته ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد فيفصم عنه وإن جبينه ليتفصد عرقا. [16] عن زراة قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) جعلت فداك الغشية التي كانت تصيب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا نزل عليه الوحي؟ قال فقال ذلك إذا لم يكن بينه وبين الله أحد ذاك إذا تجلى الله له قال ثم قال: تلك النبوة يا زراه وأقبل يتخشع.
تلقي الوحي
في احتجاج أمير المؤمنين (عليه السلام) مع الزنديق:
قال علي (عليه السلام) وأما قوله: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ} [الشورى: 51] ثم أردف قائلا: قد كان الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) يوحي إليه رسل من السماء فتبلغ رسل السماء إلى الأرض وقد كان الكلام بين رسل أهل الأرض وبينه من غير أن يرسل بالكلام مع رسل أهل السماء وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : يا جبرائيل رأيت ربك؟ فقال جبرائيل إن ربي لا يرى. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من أين تأخذ الوحي؟ قال من إسرافيل. قال ومن أين يأخذه إسرافيل؟ قل يأخذه من ملك فوقه من الروحانيين قال ومن أين يأخذ ذلك الملك؟ قال يقذف في قلبه قذفا. فهذا وحي وهو كلام الله عز وجل وكلام الله ليس بنحو واحد، منه ما كلم به الرسل ومنه: ما قذف في قلوبهم ومنه رؤيا يراها الرسل ومنه وحي وتنزيل يتلى ويقرأ فهو كلام الله عز وجل [17].
النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وحالة نزول الوحي
عن صفوان بن يعلى بن أمية أن يعلى كان يقول ليتني أرى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حين ينزل عليه الوحي فلما كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالجعرانة وعليه ثوب قد أظل عليه ومعه ناس من أصحابه إذ جاءه رجل متضمخ بطيب فقال يا رسول الله كيف ترى في رجل أحرم في جبة بعدما تضمخ بطيب؟ فنظر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ساعة فجاءه الوحي فأشار عمر إلى يعلى ان تعال فجاء يعلى فأدخل رأسه فإذا هو محمر الوجه يغط كذلك ساعة ثم سرى عنه. فقال: أين الذي يسألني عن العمرة آنفا فالتمس الرجل فجيء به إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال أما الطيب الذي بك فاغسله ثلاث مرات وأما الجبة فانزعها ثم اصنع في عمرتك كما تصنع في حجك
عن الحارث بن هشام أنه سأل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال يا رسول الله كيف يأتيك الوحي فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أحيانا يأتيني مثل صلصلة الجرس وهو أشده علي فيفصم عني وقد وعيت عنه ما قال وأحيانا يتمثل لي الملك رجلا فيكلمني فأعي ما يقول قالت عائشة ولقد رأيته ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد فيفصم عنه وإن جبينه ليتفضد عرقا.
اقول: قد تقدم أن هذه الرواية فيها مناقشه وربما ستتعرض اليها في مكان آخر إن شاء الله.
[1] كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قبل البعثة يتحنث بغراء حراء، ويمضي هناك في التفكر في أسرار الملكوت وسر الوجود والخليقة متعمقاً في بديع صنع الله.
[2] مجمع البيان 9/ 173و 10/ 446والصافي 2/ 618.
[3] (الاصابة 1/ 473).
[4] (بحار 37/ 336 حديث 60).
[5] (تفسير علي بن إبراهيم 539).
[6] (الدر المنثور (5/ 235).
[7] الصلصلة: صوت قرع الحديد أو تداك بعضه مع بعض.
[8] الصفوان: الحجر الأملس.
[9] (الاتقان1/ 44).
[10] (صحيح البخاري (1/3) (بحار 18 / 260).
[11] (الاتقان 1/ 44)
[12] (تفسير العياشي 1/ 288).
[13] (بحار 18/ 261).
[14] الجران من البعيد: مقدم عنقه.
[15] بحار 18/ 263
[16] (صحيح البخاري 1/3).
[17] الأحجاج 1/ 243 ط2 بيروت مؤسسة الاعلمي التوحيد 269.