أقرأ أيضاً
التاريخ: 5-05-2015
2145
التاريخ: 2024-02-07
1155
التاريخ: 2024-03-04
654
التاريخ: 2024-01-24
1502
|
شكل اهتم به القرآن الكريم اهتماما كبيرا، هو السنة التاريخية المصاغة على صورة اتجاه طبيعي في حركة التاريخ، لا على صورة قانون صارم حدّي، ولكي يتضح ذلك، لا بد وان نطرح الفكرة الاعتيادية التي نعيشها في اذهاننا عن القانون.
القانون العلمي كما نتصوره عادة، عبارة عن تلك السنّة التي لا تقبل التحدي ولا النقض من قبل الانسان وهو بالتالي محكوم لها ولا يستطيع الخروج عن دائرة طاعتها، لانها قانون من قوانين الكون والطبيعة. يمكنه ان لا يصلي، لان وجوب الصلاة حكم تشريعي وليس قانونا تكوينيا، يمكنه أن يشرب الخمر، لان حرمة شرب الخمر قانون تشريعي وليس قانونا تكوينيا، لكنه لا يمكنه ان يتحدى القوانين الكونية والسنن الموضوعية، مثلا : لا يمكنه أن يجعل الماء لا يغلى اذا توفرت شروط الغليان، كما لا يمكنه ان يؤخر الغليان لحظة عن موعده المعين، لأن هذا قانون والقانون صارم، والصرامة تأبى التحدي. هذه هي الفكرة التي نتصورها عادة عن القوانين، وهي فكرة صحيحة إلى حد ما، لكن ليس من الضروري ان تكون كل سنّة طبيعية موضوعية على هذا الشكل، بحيث تأبى التحدي من قبل الانسان بهذه الطريقة، بل هناك اتجاهات موضوعية في حركة التاريخ وفي مسار الانسان، لكن مع شيء من المرونة، بحيث انها تقبل التحدي ولو على شوط قصير، وان لم تقبل التحدي على شوط طويل، وهذا لا يعني أنها ليست اتجاهات تمثل واقعا موضوعيا في حركة التاريخ، هي اتجاهات ولكنها مرنة تقبل التحدي، لكنها مع ذلك قد تحطم هذا المتحدي بسنن التاريخ نفسها. فمثلا : نقول : بأن هناك في تركيب الانسان وتكوينه اتجاها موضوعيا لا تشريعيا إلى اقامة العلاقات المعينة بين الذكر والانثى في المجتمع ضمن اطار من أطر النكاح والاتصال، هذا الاتجاه ليس تشريعيا وانما هو اتجاه موضوعي، ركّب في طبيعة الانسان وتركيبته، هذه سنة، لكنها سنة على مستوى الاتجاه، لا على مستوى القانون.
لما ذا؟
لان التحدي لهذه السنة لحظة أو لحظات ممكن، أمكن لقوم لوط أن يتحدوا هذه السنة فترة من الزمن، بينما لم يكن بإمكانهم ان يتحدوا سنة الغليان بشكل من الاشكال، الا ان تحدي هذه السنة يؤدي إلى أن يتحطم المتحدي على المدى الطويل، والمجتمع الذي يتحدى هذه السنة يكتب بنفسه فناء نفسه، لانه يتحدى ذلك عن طريق ألوان من الشذوذ التي رفضها هذا الاتجاه الموضوعي، وتلك الالوان من الشذوذ تؤدي إلى فناء المجتمع وإلى خرابه.
و هذا ما حصل فعلا لقوم لوط.
الاتجاه إلى توزيع الميادين بين المرأة والرجل، اتجاه موضوعي وليس اتجاها ناشئا من قرار تشريعي، اتجاه ركّب في طبيعة الرجل والمرأة، ولكن هذا الاتجاه يمكن ان يتحدى، يمكن استصدار تشريع يفرض على الرجل بأن يبقى في البيت ليتولى دور الحضانة والتربية، وان تخرج المرأة إلى الخارج لكي تتولى مشاق العمل والجهد، وبهذا يحصل التحدي لهذا الاتجاه. لكن هذا التحدي لن يستمر، لان سنن التاريخ سوف تجيب على هذا التحدي، لأننا بهذا سوف نخسر كل تلك القابليات التي زودت بها المرأة من قبل هذا الاتجاه لممارسة دور الحضانة والامومة، وسوف نخسر كل تلك القابليات التي زود بها الرجل من اجل ممارسة دور يتوقف على الجلد والصبر والثبات وطول النفس. تماما، كما ان بناية تسلم نجارياتها إلى حداد وحدادياتها إلى نجار، يمكن ان تنشأ البناية
أيضا، لكن هذه البناية سوف تنهار، سوف لن يستمر هذا التحدي على شوط طويل.
و أهم مصداق يعرضه القرآن الكريم لهذا الشكل من السنن : الدين، فالقرآن الكريم يرى أن الدين نفسه ليس مجرد تشريع وإنما هو سنة موضوعية من سنن التاريخ، ولهذا يعرض الدين على شكلين : تارة يعرضه بوصفه تشريعا كما يقول علم الاصول، كما في قوله تعالى : شَرَعَ لَكُمْ مِنَ {الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ} [الشورى : 13].
هنا يبين الدين كتشريع، كأمر من اللّه سبحانه، لكن في مجال آخر، يبينه سنة من سنن التاريخ، وقانونا داخلا في صميم تركيب الانسان وفطرته، كما في قوله تعالى :
{فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [الروم : 30].
فالدين هنا لم يعد مجرد تشريع وقرار من أعلى، وانما هو فطرة للناس، هو فطرة اللّه التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق اللّه، يعني كما انك لا يمكنك ان تنتزع من الانسان أي جزء من اجزائه التي تقوّمه، كذلك لا يمكنك ان تنتزع من الانسان دينه، الدين ليس مقولة حضارية مكتسبة يمكن اعطاؤها ويمكن الاستغناء عنها، لانها في حالة من هذا القبيل، لا تكون فطرة اللّه التي فطر الناس عليها، ولا تكون خلق اللّه الذي لا تبديل له، بل تكون من المكاسب التي حصل عليها الانسان من خلال تطوراته المدنية والحضارية على مرّ التاريخ.
الدين خلق اللّه
{ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ } وكلمة «لا» هنا ليست ناهية بل نافية، يعني هذا الدين لا يمكن أن ينفك عن خلق اللّه ما دام الانسان انسانا، فالدين يعتبر سنّة لهذا الانسان.
و لكنها ليست سنة صارمة على مستوى قانون الغليان، سنة تقبل التحدي على الشوط القصير، كما كان بإمكان تحدي سنة النكاح وسنة اللقاء والتزاوج الطبيعي بين الجنسين عن طريق الشذوذ الجنسي، لكن على شوط قصير، كذلك يمكننا ايضا تحدي هذه السنة على شوط قصير عن طريق الالحاد، ولكن هذا التحدي لا يكون الا على شوط قصير، لان العقاب سوف ينزل بالمتحدي، العقاب هنا ليس بمعنى العقاب الذي ينزل على من يرتكب مخالفة شرعية على يد ملائكة العذاب في السماء يوم القيامة، وانما العقاب هنا ينزل من سنن التاريخ نفسها حيث يفرضه على كل أمة تريد أن تبدل خلق اللّه سبحانه، ولا تبديل لخلق اللّه، مع الالتفات إلى ان نزول هذا العقاب ليس فوريا بالضرورة، لأن الفورية التي نفهمها في حياتنا الاعتيادية تختلف عنها بمعناها بلحاظ امتداد التاريخ الانساني. وهذا ما ارادت الآية التالية ان تلفت الانظار اليه. قال تعالى :
{وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} [الحج : 47] هذه الآية الكريمة تتحدث عن العذاب، واقعة في سياق العذاب الجماعي الذي نزل بالقرى السابقة الظالمة، ثم بعد ذلك يتحدث عن استعجال الناس في أيام رسول اللّه (صلى الله عليه واله وسلم) ويقولون له أين هذا العقاب؟ أين هذا العذاب؟ لما ذا لا ينزل بنا نحن الآن حيث كفرنا وتحديناك، وصممنا آذاننا عن قرآنك؟ القرآن هنا يتحدث عن السرعة التاريخية التي تختلف عن السرعة الاعتيادية فيقول :
{ ويَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ ولَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ }، لانها سنة، والسنة التاريخية ثابتة، لكن :
{ وإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ }.
اليوم الواحد في سنن التاريخ عند ربك باعتبارها كلمات اللّه كما قرأنا في ما سبق، الف سنة. طبعا في آية أخرى عبّر بخمسين الف سنة، وذلك في قوله تعالى :
{تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (4) فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا (5) إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا (6) وَنَرَاهُ قَرِيبًا (7) يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ } [المعارج : 4 - 8] الكلام هنا ناظر الى يوم القيامة، إلى يوم تكون السماء كالمهل، فيوم القيامة قدر بخمسين ألف سنة، اما في الآية السابقة فهو يتكلم عن يوم توقيت نزول العذاب الجماعي وفقا لسنن التاريخ، يقول : وان يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون. وبهذا يجمع بين هاتين الآيتين فلا تعارض.
اذن فهذا شكل ثالث من السنن التاريخية، هو عبارة عن اتجاهات موضوعية في مسار التاريخ وفي حركة الانسان وتركيبه، يمكن ان يتحدى على الشوط القصير، ولكن سنن التاريخ لا تقبل التحدي على الشوط الطويل، الا أن الشوط القصير والطويل هنا ليس بحسب طموحاتنا وحياتنا الاعتيادية، لان اليوم الواحد في كلمات اللّه وسننه كألف سنة مما نحسب.
و الدين هو المثال الرئيسي للشكل الثالث، من أجل أن نعرف كيف ان الدين سنة من سنن التاريخ؟ وليس هو مجرد تشريع بل حاجة اساسية موضوعية، ما هو دوره؟ ما هو موقعه؟
لكي نعرف ذلك، يجب أن نأخذ المجتمع، ونحلل عناصره على ضوء القرآن الكريم، لنصل إلى مغزى قولنا : ان الدين سنة من سنن التاريخ.
كيف نحلل عناصر المجتمع؟ نحلل عناصر المجتمع على ضوء هذه الآية لكريمة.
{وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة : 30].
هذه الآية تعطينا أروع وادق وأعمق صيغة لتحليل عناصر المجتمع. ونحن سوف ندرس هذه العناصر ونقارن فيما بينها، لنعرف في النهاية أن الدين سنة تاريخية، وليس مجرد حكم شرعي قد يطاع وقد يعصى.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|