الآلهة وخصائص الديانة:

أ. الآلهة:

نظرا لاتصاف الديانة بمبدأ الحيوية أي تجسيد الظواهر الكونية والطبيعية بهيئة آلهة فقد نتج عنه وجود آلهة كثيرة حتى أنها بلغت من الكثرة بحيث أن السكان القدماء نظموا فيها قوائم مطولة، لذلك سأتطرق لأهم الآلهة التي عرفها السومريون والبابليون:

1. آلهة الكون: :An, Anum, Anu - آن، أنوم، أنو

إله السماء وهو على رأس الآلهة السومرية وهو يسكن السماء، وكتب اسمه في صورة تشبه صورة النجمة ذات ثمانية رؤوس ومراكز عبادته كانت في دير، أكد والوركاء (1) واعتبرت النصوص المسمارية الإله "آنو" والدا للعديد من الآلهة مثل إله الهواء انليل وإله الجو أدد، وآلهة الحب والحياة وغيرها من الآلهة، وذلك بالإضافة إلى أبوته للآلهة السبعة الشريرة، ولما كان آنو أبو الآلهة فهو النموذج الأول لكل الآباء، ولما كان الملك والحاكم الأقدم فهو النموذج الأول لكل الحكام والشارات التي ترمز إلى جوهر الملك كالصولجان والتاج ورباط الرأس وعصا الراعي، وهي شارات لاُتستمد إلا منه، فقد اعتقد سكان وادي الرافدين أن هذه الشارات قد وجدت قبل أن يظهر أي ملك بين البشر وقد كانت كلها في السماء بين يدي آنو، ومن هناك هبطت إلى الأرض، واعتقدوا أيضا أن قوة الملك تستمد من آنو، وهو مصدر كل سلطة في المجتمعين الإلهي والبشري (2) ورغم الدور الذي بلغه إلا أنه تراجع بتراجع سومر عن المسرح الحضاري ليخلفه الإله مردوخ، وبعد انطفاء هذا الإله لمع نجم أشور، حين أصبحت السيادة بيد شعبه الأشوري (3).

- انليل Enlil - Elil :

بالسومرية (ان-ليل) و(ال-ليل) بالاكدية (4)، أي أنه يتكون من مقطعين آن تعني السيد وليل تعني الريح أو الهواء فيكون معنى اسمه سيد الريح أو سيد الهواء (5)، ويلقب في النصوص المسمارية بسيد جميع البلدان وبأبي جميع الآلهة وبالجبل الكبير وبالإله الذي يقرر المصائر والإله الذي لا رجعة لقراراته، وبصاحب العينين البراقتين وبالإله الذي يمتلك بين يديه ألواح القدر، وأكدت الملاحم الخاصة بخلق الكون على أنه هو الذي قام بفصل السماء عن الأرض وهو الذي خلق الفأس أداة العمل، وقد صار اسمه يعني "الرب" أو "السيد" حتى أنهم اشتقوا من اسمه صفة الربوبية والألوهية (6).

وعلى الرغم من أن الإله أنو كان رئيسا لمجلس الآلهة فإن القرارات الخطيرة كانت بيد الإله انليل الذي لقب بألقاب أنو نفسه، وهو مصدر السلطة، وهو الذي يعاقب الملوك على أخطائهم، كما أن الحكام وملوك وادي الرافدين كانوا يفخرون بأن انليل هو الذي أعطاهم السلطة لممارسة الحكم في البلاد، وزوجته ننليل ومن أبناءه ننكرسو الذي شاعت عبادته في مدينة لكش وإله القمر سين (7).

- انكي، أيا En - Ki - Ea

يأتي في الرتبة الثالثة في مجموعة الآلهة الرافدية، ووجد في نصوص شورباك (قارة) ولجش ولارسا (سنكرة)، واسم ان-كي نجده في مقدمة وخاتمة شريعة حمورابي، وقد ميز السكان بين ثلاثة أنواع من الأرض: الأرض العليا حيث يحكم انليل والأرض السفلى حيث وأنكي Ea نرجال والأرض الوسطى مابين الأرض العليا والأرض السفلى حيث مملكة أيا سيد الماء المقدس، وتمجده أقدم النصوص كملك أبسو –المياه العذبة- ومدينته المقدسة هي (Bit-apsi) بالسومرية أو بيت أبسي (E-abzu) أريدو (أبو شهرين) ويحمل معبده لقب أيايزو بالأكدية بيت أبسو، ويبدو أن السكان تخيلوا أن تحت الأرض مساحة من الماء العذب هي مخزن ومنبع للجداول والأنهار تطفو فوق الأرض(8)، وقد مثلت هذه الآلهة على هيئة امرأة ترفع طفلا ومعه أطفال آخرون التفوا بثوبها، وكانت تعد أم الآلهة وبذلك فهي أم البشر (9) كما لقب بالسيد ذي العين المقدسة (10) ولكونه إله الحكمة والسحر فقد خلق الإنسان بتشكيل كتلة من الطمي منحها الحياة وذلك عندما تعالت أصوات الآلهة من أجل خلق بديل يحمل عنها مشقة العمل واعمار الأرض، كما أنه أنقذ نسل البشرية من دمار محقق عندما خلصهم من الطوفان (11)، وهو الذي كشف صناعات مختلفة للإنسان ومنبع الذكاء للملوك، وساعد الكهنة على تأدية وظائفهم المقدسة وخاصة في طقوس السحر (12).

2. آلهة الفلك:

سين Sin :

اسمه "سي.ان" أو "سي.ان.نو" بالأكدية ورقمه الحسابي 30 وهو يقع بعد أنكي في ترتيب المعبودات، والرقم 30 يعني تمثيل الشهر كاملا، وهو بذلك يعني سيد الشهر واسمه الآخر "نانا" بالسومرية وتعني رجل السماء (13). وهو إله مدينة أور، وكان يعد والدا للإله الشمس "أوتو" إله مدينة لارسا (14)، ويمثل الإله القمر بهلال وحده أو بهلال مع صورة على هيئة البشر، واشتهر بالحكمة، ويشترك مع الإله الشمس "شمش" في شؤون العدالة، وكان خسوف القمر يحدث بهجوم سبعة شياطين أو أرواح شريرة على القمر. فكانوا يصلون عند الخسوف للإله ويقربون القرابين حتى يظهر مضيئا مرة أخرى، وخصصوا له زوجة هي ننجال وعبدت معه في معبد أور، و ّ شيد له معبد آخر في حران شمال وادي الرافدين (15).

شمش: Shamsh-  

 يسمى في السومرية "أوتو" وفي الأكدية شمش وهو معروف بهذا الاسم في كل اللغات السامية، وهو ابن إله القمر وأخو "انانا.عشتار" وزجته "أيا"((16)، وكثيرا ما مثل برمز قرص ذي أربعة خطوط تنبعث منها حزم الأشعة، كما صور بهيئة ملك جالس على عرشه ويحمل في يده اليمنى الصولجان والحلقة، وهما رمزا السلطة، وتاجه مزين بأٍربعة أزواج من القرون وهو زي لباس الرأس عند الآلهة، وله لحية طويلة كالإله القمر، وتنبعث حزم الأشعة، ولأنه ينير الظلمات فهو إله العدالة والحق والشرائع، وهو الذي أعطى حمورابي شريعته، وهو القاضي الأعظم، وسيد الكهانة والعرافة، وقدسه الأشوريون وشيدوا له معابد (17).

عشتار Ishtar ، Innina :

وهي آلهة سومرية وتدعى في الأكدية بعشتار وهي من أبرز وأصعب شخصيات الآلهة في مجمع الآلهة السومري الأكدي، حيث تأخذ أشكالا وصفات كثيرة متباينة، وكان مركز عبادتها الرئيس في كل العصور التاريخية هو معبد اننا (بيت السماء أو البيت العالي) للإله آن في مدينة أوروك في الجنوب، كما كان يوجد لها معبد في كل مدينة سومرية أو أكدية كبيرة وفي كل مدن الدولة الأشورية (18). والآلهة عشتار هي آلهة الحب والحرب وهي تتمثل في كوكب الزهرة، وهي ابنة الإله القمر، وخصها الأشوريون بالتقديس عندهم لأنها آلهة الحرب، سارت مع بعض ملوكهم في طليعة الجيوش وأحرزت النصر، وقد نعتت باللبؤة الضارية واتخذها تموز زوجة له، لكن حبها قضى عليه ولذلك كانت تندبه وتمثل تموز في خضرة الربيع (19)، ويصف قانون حمورابي مظهرها كمحاربة بأنها "سيد المعارك" التي تقضي على من يتناول القانون بالتحوير أو التغيير (20)

3. الآلهة الوطنية:

مردوخ Marduk :

وهو إله مدينة بابل الرئيس، ومعنى اسمه باللغة السومرية "عجل الشمس" أما اسمه باللغة البابلية فهو "مار-دوك" أي بمعنى ابن الإله "دوكو" ومعناها "التل المقدس" وهو مجلس الآلهة، ويقع ضمن المنطقة الجبلية الشرقية لمنطقة بابل، ظهر اسم الإله مردوخ منذ عصر ميسيليم حوالي 2600 ق.م. أما ارتباط اسمه بمدينة بابل واتخاذها له كإله رئيس فقد حدث ذلك منذ زمن سلالة أور الثالثة 2111- 2003 ق.م، والإله مردوخ يعتبر ابنا للإله انكي  بينما المعنى الذي يتضمنه اسمه يشير إلى علاقته بالإله شمش أكثر من علاقته بالإله انكي ويعود أقدم وصف أدبي للإله مردوخ إلى مقدمة شريعة حمورابي، وعندما عظم شأن بابل ارتفع شأن الإله مردوخ على أنه هو الذي قام بخلق الإنسان، وهو الذي قرر قيامه بالعمل الذي كانت تقوم به الآلهة قبله وما دام الإله مردوخ يمثل رمزا للسلطة السياسية البابلية فقد أوكلت إليه الكثير من المهام، وقد أشارت النصوص المسمارية على أنه إله الحكمة وإله طارد الأرواح الشريرة وشافي الأمراض وسيد القنوات والحقول والإله الحاكم والمجلب للضياء. ولمردوخ عدة رموز منها رسم عبارة عن حيوان مركب كل عضو فيه مأخوذ من حيوان يختلف عن الحيوان المأخوذ فيه العضو الآخر ويدعى هذا الحيوان بالبابلية "الموشخوشو"، وهناك رمز آخر يصوره بدكة معبد مع حيوان الموشخوشو، ويسمى معبده في بابل إيساكيلا وتعني المعبد المرفوع الرأس (21).

نابو -  Nabu:

إله أكدي ظهر في وثائق عصر أور الثالثة والعصر البابلي القديم على شكل "بنيوم" ثم تحول إلى "نابوم" في عصر أحدث، وعرف في التوراة واللغة اليونانية باسم "بنو" وهو ابن مردوخ وكان يشارك زوجته "تشمتو" في معبد واحد في بورسيبا المدينة المجاورة لبابل ومن صفات نابو أنه كان إله الكتابة وحامي الأدباء والمدافع عنهم، وبصفته كاتبا فقد كان يحتفظ بألواح القدر، وهذا يعني أنه كان يتحكم كإله رئيس بمقدرات الكون فانتزع بذلك أسماء مردوخ في المدائح الإلهية، وصفات انكي إله الحكمة والحياة العذبة، ويرمز له بالقلم وهو نفس رمز الإلهة "نيسابا" (22).

4. آلهة الطبيعة:

أشكور، أدد - Iskur, Adad :

من الآلهة الخاصة بالجو والمناخ ولاسيما الأمطار والرعد والفيضان وما شابه ذلك ويرجح كثيرا أن أصل هذا الإله من الساميين الغربيين في جهات سوريا، وعبده الحيثيون باسم "تشوب" الذي تمركزت عبادته بوجه خاص في سوريا وآسيا الصغرى، ويرمز للإله "أدد" عادة بالشرارة الصاعقة بثلاث شعب، ولم يعين موضع عبادته بالضبط، وقد سموه "بيت-قرقار" وشيد له معبد في بابل وبورسيبا وكذلك قدسه الأشوريون وعبدوه وشيدوا له معبد في بلاد أشور مع الإله آنو (23).

دموزي - Dumuzi, Tamuz (24):

الإله الذي جسد الخصب في الأسطورة والطقوس السومرية والبابلية، لقب الثور الوحشي الذي يعني الابن المخلص (25)، ويعني اسمه عند السومريين الابن الشرعي وهو عشيق وزوج الآلهة انانا المنفي إلى العالم السفلي (26)، وقد ورد ذكره في اللوحة السادسة من ملحمة جلجامش (27).

نيسابا -  Nissaba:

إلهة سومرية كانت إلهة الحبوب، وهي ابنة آن وفي مجمع آلهة لجش أخت نينجرسو وابنة انليل ثم أصبحت إلهة الكتابة والحساب والعلوم والعمران والفلك (28)، فقد تردد على ألسنة المعلمين بفضلها في تمكين التلميذ من إنهاء فترة دراسته وتخرجه من المدرسة حيث نجد في أحد النصوص: "لقد أصبحت أهلا للقب الكاتب، لقد أعليت قدر نيسابا ملكة سيد الرقيم المختوم أو إله (Khaya) المعارف، فالحمد لله يا نيسابا". وزوجها الأول الإله خايا الكتبة، وقد أصبح الإله نابو فيما بعد زوجها، وقد ظهرت الإلهة نيسابا في طبعة ختم أسطواني يعود إلى العصر الأكدي وتظهر فيه جالسة على كرسي وتشع من كتفها أو جسمها سنابل شعير (29) وتمسك بيدها حزمة من نبات القصب دلالة على علاقتها بأداة الكتابة وهي القصب (30).

____________

(1) George Contenau, La Vie Qoutidienne a Babylone et en Assyrie, Hachette, Paris, 1950, P 253  

(2) أحمد أمين سليم، (دراسات في حضارة الشرق الأدنى القديم)، المرجع السابق، ص ص 183- 186.

(3) سامي أبو شقرا، موسوعة الأديان، ج 1، دار الاختصاص للنشر، بيروت، 1989، ص 84.

(4) نجيب ميخائيل إبراهيم، المرجع السابق، ص 115.

(5) Edouard Dhorme, Les Religion De Babylonie Et D’Assyrie, 2ed, PUF, paris, 1949, P 27)

(6) أحمد أمين سليم، (دراسات في حضارة الشرق الأدنى القديم)، المرجع السابق، ص117-118.

(7) فاضل عبد الواحد علي، عامر سليمان، تاريخ العراق القديم، ج 2، مطبعة جامعة بغداد، بغداد، 1980، ص 12-11.

(8) Edouard Dhorme, Op. Cit, P 31-32.

(9) عبد الحميد زايد، الشرق الخالد-مقدمة في تاريخ حضارة الشرق الأدنى من العصور حتى عام 323 ق.م، دار النهضة العربية، بيروت، 1996، ص 145.

(10) حسين نعمة، موسوعة الأديان السماوية الوضعية-ميثولوجية وأساطير الشعوب القديمة-ج 2، دار الفكر اللبناني، 1994، ص 83.

(11) فاضل عبد الواحد علي، عامر سليمان، المرجع السابق، ص 13.

(12) أحمد أمين سليم، (دراسات في حضارة الشرق الأدنى القديم)، المرجع السابق، ص 201

(13) Edouard Dhorme, Op. Cit, P 54.

(14) ف. فون. زودن، مدخل إلى حضارات الشرق القديم، تر: فاروق إسماعيل، دار الثقافة للنشر والتوزيع، سوريا، 2003، ص 194.

(15) طه باقر، المرجع السابق، ص 251.

(16) سهيل قاشا، أثر الكتابات البابلية في المدونات التوراتية، بيسان للنشر والتوزيع، سوريا، 2003، ص 194.

(17) كامل سعفان، موسوعة الأديان القديمة-معتقدات آسيوية- دار الندى، مصر، 1989، ص 299.

(18) سهيل قاشا، المرجع السابق، ص 300.

(19) Myriam Philibert, Dictionnaire Des Mythologies, Brobar a Taupin, أنظر كذلك: 251-252 France, 2002, P

(20) كامل سعفان، المرجع السابق، ص 62.

(21) فوزي رشيد وآخرون، المرجع السابق، ص ص 161-163.

(22) سهيل قاشا، المرجع السابق، ص 305- 306.

(23) طه باقر، المرجع السابق، ص 252.

(24) ذهب مجموعة من الباحثين إلى اعتبار الإله شخصية تاريخية بالأصل، فبموجب القائمة السومرية للملوك يوجد من بين ملوك سومر وأكد ملكان حملا اسم دموزي. أنظر: فاضل عبد الواحد علي، عشتار وتموز وجذور لمعتقدات الخاصة بهما في حضارة وادي الرافدين، مجلة سومر، المجلد 29، ج1+2 المديرية العامة للآثار، بغداد، 1973، ص 46.

(25) نفسه، ص 45.

(26) سهيل قاشا، المرجع السابق، ص 303.

(27) Edouard Dhorme, Op.Cit, P 16.

(28) سهيل قاشا، المرجع السابق، ص 309.

(29) Myriam Philibert, Op.Cit, P 199.

(30) عامر الجميلي، الكاتب في بلاد الرافدين القديمة، منشورات اتحاد الكتاب العرب، دمشق، 2005، ص102.