أقرأ أيضاً
التاريخ: 11-10-2014
1704
التاريخ: 2023-03-16
1223
التاريخ: 28-11-2020
2659
التاريخ: 2-06-2015
1921
|
يمكننا أن نلخّص هذه الاُقصوصة على النحو الآتي :
ثمة امرأة اسمها حنّة تنتسب إلى آل عمران ، وهم نفرٌ أشار القرآنُ الكريمُ إلى اصطفاء السماء إيّاهم مع آدم ونوح وآل إبراهيم ، بقوله تعالى :
﴿إِنَّ اللّهَ اصْطَفى آدَمَ ونُوحاً وآلَ إِبْراهِيمَ وآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ﴾
ومن خلال هذه الآية التي أعقبتها قصة الوليد المنذور ، أو امرأة عمران مباشرة ، نستكشف طبيعة الوظيفة الفنّية للعنصر القصصي في السورة ، فيما جاءت في سياق اصطفاء اللّه لمجموعة تمثّل الصفوة البشرية في الاضطلاع بمهمّة الخلافة على الأرض ، وإيصال رسالة السماء إليها .
والمهم ، أنّ امرأة عمران وهي شخصية نسويّة قُدّر لها أن تُساهم بنحو أو بآخر في ممارسة الوظيفة العبادية على الأرض ، قد نذرت للسماء أن تُمحّض وليدها للخدمة في المسجد ، ومجرّد كونها تمارس موقف النذر وتمحّض وليدها لممارسة الخدمة للمسجد ، يفصح عن وعيها العبادي الحاد وتقديرها لمسؤولية هذا العمل ، وإدراكها لمهمّة الكائن الإنساني على الأرض ، وليس مجرد كونه كائناً يدبّ على الأرض ، ويعمل لإشباع حاجاته الحيويّة والنفسيّة .
ويجدر بنا أن نقف أوّلاً عند النص القصصي :
تقول القصة :
﴿قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ : ﴾
﴿رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً﴾
﴿فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾
﴿فلما وضَعَتها ، قالت : رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها اُنْثى﴾
﴿واللّهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ﴾
﴿وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالاْنْثى وإِنِّي سَمَّيْتُها مَرْيَمَ﴾
﴿وَإِنِّي أُعِيذُها بِكَ وذُرِّيَّتَها مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ﴾
﴿فَتَقَبَّلها ربُّها بقبول حَسَن . . .﴾
وإذا ما انسقنا مع النصوص المفسّرة ـ بالإضافة إلى النص القصصي ـ لملاحظة خلفيّات الموقف ، نجد أنّ بعضها يُشير إلى أنّ الشخصية النسوية المذكورة لم يُتح لها الإنجاب حتى يئست من ذلك ، ممّا حملها إلى أن تدعو اللّه لأن يرزقها ولداً ، فيما تـمّت عملية النذر المذكورة .
وهناك من النصوص ما يُشير إلى أنّ اللّه تعالى أوحى لزوجها عمران بأنّه قد وهب له ولداً مباركاً يبرىءُ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى بإذن اللّه ، وأنّ عمران قد أخبر امرأته بذلك . ولمّا حملت تـمّت عملية النذر المذكورة .
والمهم ، أنّ خلفيات الموقف أيّاً كانت ، فإنّ ممارسة النذر بنحوه المذكور ، يظل مفصحاً عن خطورة الوعي العبادي عند الشخصية النسوية المذكورة ، أي إدراكها لخطورة الوظيفة الخلافية على الأرض .
* * *
هنا ، غَمرَ الموقف حدث مفاجئ . فما هو هذا الحدث ؟
هذا الحدث يُلقي ضوءً على وعي الشخصية النسوية المذكورة ، ويفصح عن المزيد من ادراكها لمسؤولية الكائن الإنساني على الأرض .
فقد كان النذر حائماً على ولد ذكر ، يتمحّض للخدمة في المسجد ، وبخاصة أنّ الرواية المفسّرة ، أوضحت أنّ اللّه أوحى لعمران بأنّ ولداً ذكراً سيُوهب له يضطلع بمهمة رسالة السماء عصرئذ ، ولكنّ المفاجأة جاءت بوليد اُنثويّ ، فيما لا تصلح الاُنثى لحمل الرسالة ، أي لا تكون نبيّاً أو رسولا ، كما يحتجزها الطمثُ والنفاس من الاستمرارية في خدمة المسجد ، فما هو الحل؟ وما هي استجابة امرأةُ عمران لهذا الحدث المفاجئ ؟
* * *
في لُغة العمل القصصي ، يجيء عنصر المفاجأة واحداً من الأدوات الفنّية في استثارة القارئ أو المستمع أو المُشاهد .
فأنت حينما تتابع الإصغاء لسلسلة من الأحداث والمواقف ، ثمّ يفاجئك حَدَثٌ لم يكن في الحُسبان ، حينئذ ستغمرك الدهشة والانبهار إزاء المفاجأة المذكورة ، ممّا يضاعف في اهتماماتك بمتابعة الأحداث وانشدادك نحوها ، ثمّ ترتيب أكثر من أثر على هذه المفاجأة بما تحمله من دلالات تسحب أثرها على طبيعة استجاباتك .
وإذا عدنا إلى قصة امرأة عمران ، الشخصية النسويّة التي نذرت ما في بطنها ، للقيام بالممارسات العبادية التي تنشدها السماء ، وجدنا أنّ المفاجأة قد أذهلتها عندما وجدت أنّ الوليد اُنثى وليس غلاماً . إلاّ أنّ الذهول هنا محفوف بوعي عبادي لم ينقلها ـ كأيّة شخصية عادية ـ من صعيد الشخصية المتماسكة إلى شخصية مهزوزة .
بل بقيت على تماسكها ، مكتفيةً بقولها :
﴿إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى﴾
وهذا القول كما هو واضح يشير بأكثر من دلالة تكاد تحوم على عملية النذر وما يواكبها من العدول عنه ، متمثلا بخاصة في التعقيب الأخير على المفاجأة بقولها :
﴿وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالاْنْثى﴾
إذاً تحدّدت استجابةُ امرأة عمران على الحَدَثَ المفاجئ وفق تماسك واتزان يتناسب مع الشخصية العبادية التي تكل الاُمور إلى السماء ، وترضى بالقضاء والقدر اللذين ترسمهما السماء . إلاّ أنـّها في الحين ذاته لا يعني أنّ التوتر قد اُزيح من أعماقها ، لأنّ نفس قولها : (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثى) يفصح عن التوتر المذكور ، وهو توتّرٌ تفرضه تبعات النذر ، وما رافقه من الإخبار بأنـّها ستلد غلاماً .
إنّ عنصر المفاجأة المذكور ، أي ولادتها للأنثى ، سيترك آثاره على سائر الشخوص والأحداث والمواقف ، ممّا يغيّر المعادلة وتوابعها عند امرأة عمران وسواها ، وسيترك أو سيُمهّد لمفاجآت أشدّ إثارة كما سنرى .
غير أنّ المتلقّي ـ المستمع أو القارئ ـ يحرص بطبيعة الحال على معرفة السرّ في عنصر المفاجأة المذكورة ، فهذه المفاجأة حقّقت له إمتاعاً فنّياً ، وجعلته أشدّ إثارة واهتماماً لمتابعة الأحداث في القصة . إنّه قد يتساءل : لقد أوحى اللّه لعمران بغلام يصبح رسولا ذات يوم ، فلِمَ جاء الوليد اُنثى ؟
إنّ الامام الصادق (عليه السلام) يجيب على التساؤل المذكور ، قائلا :
«إن قلنا لكم في الرجل قولا منّا ، فلم يكن فيه ، فكان في ولده أو ولدِ ولدِهِ ، فلا تنكروا ذلك . إنّ اللّه أوحى إلى عمران إنّي واهبٌ لك ذكراً مباركاً يبرء الأكمه والأبرص ، ويحيي الموتى بإذني ، وجاعله رسولا إلى بني إسرائيل . فحدّث امرأته حنّة بذلك وهي أمّ مريم ، فلمّا حملت بها كان حملها عند نفسها غلاماً ذكراً .
فلما وضعتها اُنثى ، قالت : ربّ إني وضعتها انثى وليس الذكر كالاُنثى ، لأنّ البنت لا تكون رسولا ، فلما وهب اللّه لمريم عيسى ، كان هو الذي بشّر اللّه به عمران ووعده إياه ، فإذا قلنا لكم في الرجل منّا شيئاً فكان في ولده أو ولدِ ولدِهِ فلا تنكروا ذلك» .
إذن عنصر المفاجأة ـ ميلاد الاُنثى لا الغلام ـ قد أوضحت النصوصُ المفسّرةُ دلالته . إلاّ أنّ الغموض لا يزال بطبيعة الحال يلفّ الموقف والأمر يحتاجُ إلى متابعة الأحداث لفك مغاليق الغموض شيئاً فشيئاً .
بيد أنـّنا قبل متابعة الأحداث ، ينبغي أن نقف عند نهاية الموقف الذي خُتمت به القصة عن امرأة عمران ، الشخصية النسوية الملتزمة عبادياً . فقد أنهت الموقف بتسمية ابنتها باسم مريم فيما قالت :
﴿وَإِنِّي سَمَّيْتُها مَرْيَمَ﴾
ومعنى مريم في لغتهم عصرئذ العابدة والخادمة .
ثمّ أنهت الموقف بالدعاء الآتي :
﴿وَإِنِّي أُعِيذُها بِكَ وذُرِّيَّتَها مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ﴾
وواضح أنّ التسمية والدعاء كليهما يفصحان عن الطابع الذي أكّدناه عن شخصية إمرأة عمران ، وهو الوعي العبادي بوظيفة الإنسان على الأرض فيما بدأته بالنذر ، والتسمية ، والدعاء ، وتقديم المولود فعلا إلى من يعنيهم الأمر في المسجد .
والأمر لا يتّصل بمجرّد التسمية ، والنذر ، والدعاء ، بقدر ما تفصح هذه الأشكال عن مضمونات تنطوي عليها مشاعر امرأة عمران ، وتركيبتها النفسيّة التي يكفي أن نتلمّس مدى حرارة وفاعلية ما تحمله من صدق عبادي ، حينما تبدي ذلك التوجّس وتلك الخيفة من السلوك الملتوي الذي يمكن أن يلحق ابنتها وذرّيّتها .
إنّ هتافها القائل :
﴿أُعِيذُها بِكَ وذُرِّيَّتَها مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ﴾
هذا الهتاف تعبيرٌ عن أكثر من حقيقة فنّية ينطوي عليها الموقف القصصي الذي نحن في صدد الحديث عنه .
ففضلا عن أ نّه يفصح عن مدى حدّة الوعي العباديّ عند امرأة عمران ، وادراكها لمهمة الكائن الانساني الذي ينبغي أن يتمحّض لما خُلِقَ من أجله ، فضلا عن ذلك كلّه ، فإنّ صدى الهتاف المذكور سيتردد في أجواء المواقف والأحداث التي تلي قصة امرأة عمران ، أي أنّ الدعاء بإبقاء مريم وذرّيّتها بمنأىً عن السلوك الملتوي ، بمنأىً عن الشيطان وتحركاته ، هذا الدعاء سنجد انعكاسه فعلا على شخصية مريم وعلى ذرّيتها بالنحو الذي سنقف عليه لاحقاً .
ويهمّنا أن نلفت نَظَرك إلى أنّ قصة امرأة عمران قد انتهت مع الفقرة الآتية ، وهي قوله تعالى :
﴿فَتَقَبَّلَها رَبُّها بِقَبُول حَسَن﴾
فإذا أضفنا عملية تقبّل السماء لهذا النذر ، إذا أضفناها إلى الدعاء الذي أعاذ المنذور وذرّيّته من السوء ، حينئذ أمكننا أن نُدرك خطورة ما تنطوي القصة المذكورة عليه ، من حيث المهمة العضوية ، أي المهمة الفنّية في توشيج الصلة بين القصص بعضها بالآخر وفي التمهيد لما نلاحظه من أحداث ومواقف وشخوص في القصص اللاحقة .
* * *
كانت امرأة عمران شخصيةً نسويةً على وعي حادّ بالمهمّة العبادية للكائن الإنساني .
وقد أنهى القرآن الكريم دورها في القصة الاُولى ، أي قصة امرأة عمران بعملية الوضع لابنتها مريم حينما قدّمتها ـ كما تقول النصوص المفسّرة ـ للقائمين على شؤون المسجد ، تحقيقاً للنذر الذي أخذته على عاتقها ، بأن تجعل مولودها متمحّضاً لخدمة المسجد .
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
قسم الشؤون الفكرية والثقافية يجري اختبارات مسابقة حفظ دعاء أهل الثغور
|
|
|