قصة مريم عليه السلام
المؤلف:
الشيخ ماجد ناصر الزبيدي
المصدر:
التيسير في التفسير للقرآن برواية أهل البيت ( عليهم السلام )
الجزء والصفحة:
ج 4 ص309-313.
2025-06-08
449
قصة مريم عليه السلام
قال تعالى : {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا (16) فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا (17) قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا (18) قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا (19) قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (20) قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا (21) فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا (22) فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا (23) فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا (24) وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا (25) فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا (26) فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا (27) يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا (28) فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا (29) قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30) وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (31) وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا (32) وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (33) ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ } [مريم : 16 - 25].
قال علي بن إبراهيم القمي : ثمّ قصّ اللّه عزّ وجلّ خبر مريم بنت عمران عليهم السّلام ، فقال : وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِها مَكاناً شَرْقِيًّا قال : خرجت إلى النخلة اليابسة فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجاباً قال : في محرابها فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا يعني جبرائيل عليه السّلام فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا قالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا يعني إن كنت ممّن يتقي اللّه.
قال لها جبرائيل عليه السّلام : إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيًّا فأنكرت ذلك ، لأنّها لم يكن في العادة أن تحمل المرأة من غير فحل ، فقالت : أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا ولم يعلم جبرائيل عليه السّلام أيضا كيفيّة القدرة ، فقال لها : كَذلِكِ قالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكانَ أَمْراً مَقْضِيًّا .
- [ وقال علي بن الحسين عليه السّلام في قوله : فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكاناً قَصِيًّا : « خرجت من دمشق حتى أتت كربلاء ، فوضعته في موضع قبر الحسين عليه السّلام ، ثمّ رجعت من ليلتها » « 1 » ].
قال : فنفخ في جيبها ، فحملت بعيسى عليه السّلام بالليل ووضعته بالغداة ، وكان حملها تسع ساعات من النهار ، جعل اللّه لها الشهور ساعات ، ثم ناداها جبرائيل عليه السّلام : وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ أي هزّي النخلة اليابسة ، فهزّت ، وكان ذلك اليوم سوقا ، فاستقبلها الحاكة ، وكانت الحياكة أنبل صناعة في ذلك الزمان ، فأقبلوا على بغال شهب ، فقالت لهم مريم : أين النخلة اليابسة ؟ فاستهزءوا بها وزجروها ، فقالت لهم : جعل اللّه كسبكم نزرا ، وجعلكم في الناس عارا ، ثم استقبلها قوم من التجّار ، فدلّوها على النخلة اليابسة ، فقالت لهم : جعل اللّه البركة في كسبكم ، وأحوج الناس إليكم ، فلمّا بلغت النّخلة أخذها المخاض ، فوضعت عيسى عليه السّلام ، فلمّا نظرت إليه :
قالت : { يا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هذا وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيًّا } ماذا أقول لخالي ، وما ذا أقول لبني إسرائيل ؟
فَناداها عيسى مِنْ تَحْتِها أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا أي نهرا وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ أي حرّك النّخلة تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا أي طيّبا ، وكانت النخلة قد يبست منذ دهر طويل ، فمدّت يدها إلى النخلة ، فأورقت وأثمرت ، وسقط عليها الرّطب الطري ، فطابت نفسها . فقال لها عيسى : قمطيني وسوّيني ، ثم افعلي كذا وكذا ، فقمّطته وسوّته ، وقال لها عيسى : فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً وصمتا .
[ - قال أبو عبد اللّه عليه السّلام : « إنّ الصيام ليس من الطعام والشراب وحده - ثم قال - قالت مريم : إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً أي صمتا « 2 » ] - كذا نزلت - فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا .
ففقدوها في المحراب ، فخرجوا في طلبها ، وخرج خالها زكريّا ، فأقبلت وهو في صدرها ، وأقبلت مؤمنات بني إسرائيل يبزقن في وجهها ، فلم تكلّمهنّ حتى دخلت في محرابها ، فجاء إليها بنو إسرائيل وزكريا فقالوا لها : يا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا أي عظيما من المناهي يا أُخْتَ هارُونَ ما كانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَما كانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا.
ومعنى قولهم يا أُخْتَ هارُونَ أنّ هارون كان رجلا فاسقا زانيا فسبّوها به ، من أين هذا البلاء الذي جئت به ، والعار الذي ألزمته لبني إسرائيل ؟.
- [ وذكر مقاتل بن سليمان في قوله تعالى يا أُخْتَ هارُونَ قال : روي عن النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أنّه قال : « هارون هذا الذي ذكروه هو هارون أخو موسى عليه السّلام » . ثمّ قال مقاتل : وتأويل يا أُخْتَ هارُونَ يا من هي من نسل هارون ، كما قال تعالى : {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا} [الأعراف: 65] ، {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا } [الأعراف : 73] يعني بأخيهم أنّه من نسلهم وجنسهم - ] « 3 » - فأشارت إلى عيسى عليه السّلام في المهد ، فقالوا لها : كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا ! ؟
فأنطق اللّه عيسى بن مريم عليه السّلام ، فقال : إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا وَجَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا .
- [ قال أبو عبد اللّه عليه السّلام : [ نفاعا ] « 4 ».
[ قال معاوية بن وهب : سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن أفضل ما يتقرب به العباد إلى ربّهم ، وأحبّ ذلك إلى اللّه عزّ وجلّ ، ما هو ؟
فقال : « ما أعلم شيئا بعد المعرفة أفضل من هذه الصلاة ، ألا ترى أنّ العبد الصالح عيسى بن مريم عليه السّلام ، قال : وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا « 5 » » .
وقال الصادق عليه السّلام : « زكاة الرؤوس ، لأنّ كل الناس ليس لهم أموال ، وإنّما الفطرة على الفقير والغنيّ والصغير والكبير » ] « 6 » .
وَبَرًّا بِوالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيًّا وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا ذلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ أي يخاصمون « 7 ».
_____________
( 1 ) التهذيب : ج 6 ، ص 73 ، ح 139 .
( 2 ) الكافي : ج 4 ، ص 87 ، ح 3 .
( 3 ) أمالي المرتضى : ج 2 ، ص 197 .
( 4 ) معاني الأخبار : ص 212 ، ح 1 .
( 5 ) الكافي : ج 3 ، ص 264 ، ح 1 .
( 6 ) تفسير القمي : ج 2 ، ص 48 .
( 7 ) تفسير القمي : ج 2 ، ص 50 .
الاكثر قراءة في قصة نبي الله عيسى وقومه
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة