أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-08-26
292
التاريخ: 14-11-2014
1928
التاريخ: 14-11-2014
1902
التاريخ: 14-11-2014
1950
|
قال تعالى : {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ } [آل عمران : 7]
هذه المسألة من موارد الخلاف الشديد بين المفسرين، ومنشؤه الخلاف الواقع بينهم في تفسير قوله تعالى {وَ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا} الآية، وأن الواو هل هو للعطف أو للاستئناف، فذهب بعض القدماء والشافعية ومعظم المفسرين من الشيعة إلى أن الواو للعطف وأن الراسخين في العلم يعلمون تأويل المتشابه من القرآن، وذهب معظم القدماء والحنفية من أهل السنة إلى أنه للاستئناف وأنه لا يعلم تأويل المتشابه إلّا اللّه وهو ممّا استأثر اللّه سبحانه بعلمه، وقد استدلت الطائفة الأولى على مذهبها بوجوه كثيرة، وببعض الروايات، والطائفة الثانية بوجوه أخر وعدة من الروايات الواردة في أن تأويل المتشابهات ممّا استأثر اللّه سبحانه بعلمه وتمادت كل طائفة في مناقضة صاحبتها والمعارضة مع حججها. والذي ينبغي أن يتنبه له الباحث في المقام أن المسألة لم تخل عن الخلط والاشتباه من أول ما دارت بينهم ووقعت موردا للبحث والتنقير، فاختلط رجوع المتشابه إلى المحكم، وبعبارة أخرى المعنى المراد من المتشابه بتأويل الآية كما ينبئ به ما عنونّا به المسألة وقررنا عليه الخلاف وقول كل من الطرفين آنفا.
و لذلك تركنا التعرض لنقل صحيح الطرفين لعدم الجدوى في إثباتها أو نفيها بعد ابتنائها على الخلط، وأما الروايات فإنها مخالفة لظاهر الكتاب فإن الروايات المثبتة، أعني الدالة على أن الراسخين في العلم يعلمون التأويل فإنها أخذت التأويل مرادفا للمعنى المراد من لفظ المتشابه ولا تأويل في القرآن بهذا المعنى، كما روي من طرق أهل السنّة: أن النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم دعا لابن عباس فقال: اللهمّ فقهه في الدين وعلمه التأويل، وما روي من قول ابن عباس: أنا من الراسخين في العلم وأنا أعلم تأويله، ومن قوله: إن المحكمات هي الآيات الناسخة والمتشابهات هي المنسوخة فإن لازم هذه الروايات على ما فهموه أن يكون معنى الآية المحكمة تأويلا للآية المتشابهة وهو الذي أشرنا إليه أن التأويل بهذا المعنى ليس موردا لنظر الآية.
وأما الروايات النافية أعني الدالة على أن غيره لا يعلم تأويل المتشابهات مثل ما روي أن ابن عباس كان يقرأ: وما يعلم تأويله إلّا اللّه ويقول الراسخون في العلم آمنا به وكذلك كان يقرأ أبي بن كعب. وما روي أن ابن مسعود كان يقرأ: وإن تأويله إلّا عند اللّه والراسخون في العلم يقولون آمنا به، فهذه لا تصلح لإثبات شيء: أما أولا؛ فلأن هذه القراءات لا حجية فيها، وأما ثانيا: فلأن غاية دلالتها أن الآية لا تدل على علم الراسخين في العلم بالتأويل وعدم دلالة الآية عليه غير دلالتها على عدمه كما هو المدعى فمن الممكن أن يدل عليه دليل آخر.
ومثل ما في الدر المنثور عن الطبراني عن أبي مالك الأشعري أنه سمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم يقول: لا أخاف على أمتي إلّا ثلاث خصال: أن يكثر لهم المال فيتحاسدوا فيقتلوا، وأن يفتح لهم الكتاب فيأخذه المؤمن يبتغي تأويله وما يعلم تأويله إلّا اللّه والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلّا أولوا الألباب، وأن يكثر علمهم فيضيعونه ولا يبالون به. وهذا الحديث على تقدير دلالته على النفي لا يدل إلّا على نفيه عن مطلق المؤمن لا عن خصوص الراسخين في العلم، ولا ينفع المستدل إلّا الثاني.
ومثل الروايات الدالة على وجوب اتباع المحكم والإيمان بالمتشابه.
وعدم دلالتها على النفي ممّا لا يرتاب فيه.
ومثل ما في تفسير الآلوسي عن ابن جرير عن ابن عباس مرفوعا:
أنزل القرآن على أربعة أحرف: حلال وحرام لا يعذر أحد بجهالته، وتفسير تفسره العلماء ومتشابه لا يعلمه إلّا اللّه، ومن ادعى علمه سوى اللّه تعالى فهو كاذب والحديث مع كونه مرفوعا ومعارضا بما نقل عنه من دعوة الرسول له وادعائه العلم به لنفسه مخالف لظاهر القرآن: أن التأويل غير المعنى المراد بالمتشابه على ما عرفت فيما مرّ.
والذي ينبغي أن يقال: أن القرآن يدل على جواز العلم بالتأويل لغيره تعالى وأما هذه الآية فلا دلالة لها على ذلك.
أما الجهة الثانية فلما مرّ في البيان السابق: أن الآية بقرينة صدرها وذيلها وما تتلوها من الآيات إنما هي في مقام بيان انقسام الكتاب إلى المحكم والمتشابه، وتفرق الناس في الأخذ بها فهم بين مائل إلى اتباع المتشابه لزيغ في قلبه وثابت على اتباع المحكم والإيمان بالمتشابه لرسوخ في علمه، فإنما القصد الأول في ذكر الراسخين في العلم بيان حالهم وطريقتهم في الأخذ بالقرآن ومدحهم فيه قبال ما ذكر من حال الزائغين وطريقتهم وذمهم، والزاهد على هذا القدر خارج عن القصد الأول ولا دليل على تشريكهم في العلم بالتأويل مع ذلك إلّا وجوه غير تامة تقدمت الإشارة إليها، فيبقى الحصر المدلول عليه بقوله تعالى:{ وما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ} من غير ناقض ينقضه من عطف واستثناء وغير ذلك. فالذي تدل عليه الآية هو انحصار العلم بالتأويل فيه تعالى واختصاصه به.
لكنه لا ينافي دلالة دليل منفصل يدل على علم غيره تعالى به بإذنه كما في نظائره مثل العلم بالغيب، قال تعالى : {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ } [النمل : 65] وقال تعالى : { إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ } [يونس : 20]، وقال تعالى: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ} [الأنعام : 59]، فدل جميع ذلك على الحصر ثم قال تعالى: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا} [الجن : 26] فأثبت ذلك لبعض من هو غيره وهو من ارتضى من رسول، ولذلك نظائر في القرآن.
وأما الجهة الأولى- وهي أن القرآن يدل على جواز العلم بتأويله لغيره تعالى في الجملة فبيانه: أن الآيات كما عرفت تدل على أن تأويله الآية أمر خارجي نسبته إلى مدلول الآية نسبة الممثل إلى المثل، فهو وإن لم يكن مدلولا للآية بما لها من الدلالة لكنه محكي لها محفوظ فيها نوعا من الحكاية والحفظ، نظير قولك: «في الصيف ضيعت اللبن» لمن أراد أمرا قد فوت أسبابه من قبل، فإن المفهوم المدلول عليه بلفظ المثل وهو تضييع المرأة مع ذلك اللبن في الصيف لا ينطبق شيء منه على المورد، وهو ممثل لحال المخاطب حافظ له يصوره في الذهن بصورة مضمنة في الصورة التي يعطيها الكلام بمدلوله.
كذلك أمر التأويل فالحقيقة الخارجية التي توجب تشريع حكم من الأحكام أو بيان معرفة من المعارف الإلهية أو وقوع حادثة هي مضمون قصّة من القصص القرآنية وإن لم تكن أمرا يدل عليه بالمطابقة نفس الأمر والنهي أو البيان أو الواقعة الكذائية إلّا أن الحكم أو البيان أو الحادثة لما كان كل منها ينتشئ منها ويظهر بها فهو أثرها الحاكي لها بنحو من الحكاية والإشارة كما أن قول السيد لخادمه، اسقني ينتشئ عن اقتضاء الطبيعة الإنسانية لكمالها، فإن هذه الحقيقة الخارجية هي التي تقتضي حفظ الوجود والبقاء، وهو يقتضي بدل ما يتحلل من البدن، وهو يقتضي الغذاء اللازم وهو يقتضي الري، وهو يقتضي الأمر بالسقي مثلا، فتأويل قوله: اسقني هو ما عليه الطبيعة الخارجية الإنسانية من اقتضاء الكمال في وجوده، وبقائه، ولو تبدلت هذه الحقيقة الخارجية إلى شيء آخر يباين الأول مثلا لتبدل الحكم الذي هو الأمر بالسقي إلى حكم آخر وكذا الفعل الذي يعرف فيفعل أو ينكر فيجتنب في واحد من المجتمعات الإنسانية على اختلافها الفاحش في الآداب والرسوم إنما يرتضع من ثدي الحسن والقبح الذي عندهم وهو يستند إلى مجموعة متحدة متفقة من علل زمانية ومكانية وسوابق عادات ورسوم مرتكزة في ذهن الفاعل بالوراثة ممن سبقه، وتكرر المشاهدة ممن شاهده من أهل منطقته، فهذه العلة المؤتلفة الأجزاء هي تأويل فعله أو تركه من غير أن تكون عين فعله أو تركه لكنها محكيّة مضمنة محفوظة بالفعل أو الترك، ولو فرض تبدل المحيط الاجتماعي لتبدل ما أتى به من الفعل أو الترك. فالأمر الذي له التأويل سواء كان حكما أو قصة أو حادثة يتغير بتغير التأويل لا محالة، ولذلك ترى أنه تعالى في قوله: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ} الآية، لما ذكر اتباع أهل الزيغ ما ليس بمراد من المتشابه ابتغاء للفتنة ذكر أنهم بذلك يبتغون تأويله الذي ليس بتأويل له وليس إلّا لأن التأويل الذي يأخذون به لو كان هو التأويل الحقيقي لكان اتباعهم للمتشابه اتباعا حقا غير مذموم وتبدل الأمر الذي يدل عليه المحكم وهو المراد من المتشابه إلى المعنى غير المراد الذي فهموه من المتشابه واتبعوه.
فقد تبين: أن تأويل القرآن حقائق خارجية تستند إليه آيات القرآن في معارفها وشرائعها وسائر ما بينته بحيث لو فرض تغير شيء من تلك الحقائق انقلب ما في الآيات من المضامين.
وإذا أجدت التدبر وجدت أن هذا ينطبق تمام الانطباق على قوله تعالى: {وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (3) وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ} [الزخرف : 2 - 4]فإنه يدل على أن القرآن النازل كان عند اللّه أمرا أعلى وأحكم من أن تناله العقول أو يعرضه التقطع والتفصل لكنه تعالى عناية بعباده جعله كتابا مقررا وألبسه لباس العربية لعلهم يعقلون ما لا سبيل لهم إلى عقله ومعرفته ما دام في أم الكتاب، وأم الكتاب هذا هو المدلول عليه بقوله: {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ } [الرعد : 39]، وبقوله : {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ (21) فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ } [البروج : 21، 22]. ويدل على إجمال مضمون الآية أيضا قوله تعالى: { أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ} [هود : 1]، فالإحكام كونه عند اللّه بحيث لا ثلمة فيه ولا فصل، والتفصيل هو جعله فصلا فصلا وآية آية وتنزيله على النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم.
ويدل على هذه المرتبة الثانية التي تستند إلى الأولى قوله تعالى : {وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا} [الإسراء : 106]، فقد كان القرآن غير مفروق الآيات ثم فرق ونزل تنزيلا وأوحي نجوما.
وليس المراد بذلك أنه كان مجموع الآيات مرتب السور على الحال الذي هو عليه الآن عندنا كتابا مؤلفا مجموعا بين الدفتين مثلا ثم فرق وأنزل على النبي نجوما ليقرأه على الناس على مكث كما يفرقه المعلم المقرئ منا قطعات ثم يعلمه ويقرأه متعلمه كل يوم قطعة على حسب استعداد ذهنه.
وذلك أن بين إنزال القرآن نجوما على النبي وبين إلقائه قطعة قطعة على المتعلم فرقا بينا وهو دخالة أسباب النزول في نزول الآية على النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ولا شيء من ذلك ولا ما يشبهه في تعلم المتعلم، فالقطعات المختلفة الملقاة إلى المتعلم في أزمنة مختلفة يمكن أن تجمع وينضم بعضها إلى بعض في زمان واحد ولا يمكن أن تجمع أمثال قوله تعالى : {فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ} [المائدة: 13] وقوله تعالى : {قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ} [التوبة : 123]، وقوله تعالى: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا} [المجادلة : 1] وقوله تعالى : {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة : 103]، ونحو ذلك فيلغى سبب النزول وزمانه ثمّ يفرض نزولها في أول البعثة أو في آخر زمان حياة النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم فالمراد بالقرآن في قوله تعالى: {وَ قُرْآناً فَرَقْناهُ} غير القرآن بمعنى الآيات المؤلفة.
و بالجملة فالمحصل من الآيات الشريفة أن وراء ما نقرأه ونعقله من القرآن أمرا هو من القرآن بمنزلة الروح من الجسد والمتمثل من المثال وهو الذي يسميه تعالى بالكتاب الحكيم- وهو الذي تعتمد وتتكي عليه معارف القرآن المنزل ومضامينه وليس من سنخ الألفاظ المفرقة المقطعة ولا المعاني المدلول عليها بها، وهذا بعينه هو التأويل المذكور في الآيات المشتملة عليه لانطباق أوصافه ونعوته عليه. وبذلك تظهر حقيقة معنى التأويل، ويظهر سبب امتناع التأويل عن أن تمسّه الأفهام العادية والنفوس غير المطهرة.
ثمّ إنه تعالى قال: { لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ } [الواقعة : 79]، ولا شبهة في ظهور الآيات في أن المطهرين من عباد اللّه هم يمسون القرآن الكريم الذي في الكتاب المكنون والمحفوظ من التغير، ومن التغير تصرف الأذهان بالورود عليه والصدور منه وليس هذا المس إلّا نيل الفهم والعلم، ومن المعلوم أيضا: أن الكتاب المكنون هذا هو أم الكتاب المدلول عليه بقوله: {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ } [الرعد : 39]و هو المذكور في قوله: {وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ } [الزخرف : 4].
وهؤلاء قوم نزلت الطهارة في قلوبهم، وليس ينزلها إلّا اللّه سبحانه، فإنه تعالى لم يذكرها إلّا كذلك أي منسوبة إلى نفسه كقوله تعالى: { إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب : 33]، وقوله تعالى : {وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ} [المائدة : 6]، وما في القرآن شيء من الطهارة المعنوية إلّا منسوبة إلى اللّه أو بإذنه وليست الطهارة إلّا زوال الرجس من القلب، وليس القلب من الإنسان إلّا ما يدرك به ويريد به، فطهارة القلب طهارة نفس الإنسان في اعتقادها وإرادتها وزوال الرجس عن هاتين الجهتين، ويرجع إلى ثبات القلب فيما اعتقده من المعارف الحقة من غير ميلان إلى الشك ونوسان بين الحق والباطل، وثباته على لوازم ما علمه من الحق من غير تمايل إلى اتباع الهوى ونقض ميثاق العلم، وهذا هو الرسوخ في العلم فإن اللّه سبحانه ما وصف الراسخين في العلم إلّا بأنهم مهديون ثابتون على ما علموا غير زائغة قلوبهم إلى ابتغاء الفتنة فقد ظهر أن هؤلاء المطهرين راسخون في العلم، هذا.
ولكن ينبغي أن لا تشتبه النتيجة التي ينتجها هذا البيان، فإن المقدار الثابت بذلك أن المطهرين يعلمون التأويل، ولازم تطهيرهم أن يكونوا راسخين في علومهم، لما أن تطهير قلوبهم منسوب إلى اللّه وهو تعالى سبب غير مغلوب، لا أن الراسخين في العلم يعلمونه بما أنهم راسخون في العلم أي إن الرسوخ في العلم سبب للعلم بالتأويل فإن الآية لا تثبت ذلك، بل ربما لاح من سياقها جهلهم بالتأويل حيث قال تعالى : { يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} [آل عمران : 7] الآية، وقد وصف اللّه تعالى رجالا من أهل الكتاب برسوخ العلم ومدحهم بذلك، وشكرهم على الإيمان والعمل الصالح في قوله:
{ لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ} [النساء : 162] الآية، ولم يثبت مع ذلك كونهم عالمين بتأويل الكتاب.
وكذلك إن الآية أعني قوله تعالى : {لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} لم تثبت للمطهرين إلّا مسّ الكتاب في الجملة، وأما أنهم يعلمون كل التأويل ولا يجهلون شيئا منه ولا في وقت فهي ساكتة عن ذلك، ولو ثبت لثبت بدليل منفصل.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|