وتثير القوة اهتمام الجغرافيين لسببين :

الأول : في تأثيرها في سلوك الدولة

والثاني : ان قوى الدولة مبنية جزئياً على خصائص جغرافية، وأحد المداخل المعيارية الى جغرافية السياسة مبني على تحليل القوة، فالتغييرات الجغرافية التي تحدث داخل الدولة تكون نتيجة لتغير في قوة الدولة، فالزيادة السكانية في أية دولة قد يضطرها الى البحث في متسع من الارض لاستيعاب هذه الزيادة عن طريق احتلال اراضي دولة اخرى مجاورة لها اقل منها قوة مثال ذلك ما حدث عندما وضعت  كل  من اليابان والمانيا وايطاليا خططاً للتوسع عندما ازداد  عدد  سكانها  معتمدة  على  نزعتها  الاستعمارية(1)  ومن  وجهة  نظر  جغرافية   السياسة فأن الدولة ولأجل دعم استراتيجيتها يجب ان تكون لها موارد، وموارد الدولة هي كل ما تمتلكه، ويمكنها الحصول عليه من اجل دعم قوة سكانها(2).

حيث يعد السكان من بين اهم الموارد * البشرية التي لها تأثير في قوة الدولة، والذي يكون تأثيره ايجابياً عند توافره واستغلاله كيفياً ونوعياً في مختلف القطاعات المهمة سواء منها الانتاجية او غير الانتاجية ومنها العسكرية مضافاً إليه ما يربط الجماهير بقيادتها السياسية، والذي يخلق طاقات بشرية تبعاً لمدى هذا الترابط قوة أو ضعفاً، ومن اهم اهتمامات  جغرافية السياسة المعاصرة، نقد ودراسة وتقويم القوة الكامنة للدولة، والمحور الاساسي في هذه الدراسة يمثله السكان ( العنصر البشري ) وهذا العامل لا يعد جوهر قوة الدولة ما لم يرتبط بإمكاناتها وقدراتها الاقتصادية التي تلبي حاجات السكان. لأن السكان هو العنصر الذي يوجه بقية العناصر الاخرى في المشاركة في قوة الدولة(3).

وان كان للعناصر الطبيعية للدولة اثر مباشر او غير مباشر في قوتها وتحديد مركزها بين غيرها من الدول وما يعترضها من مشكلات داخلية او خارجية فأن سكانها هم العنصر الحيوي الذي بدونه لما كان لهذه العناصر الطبيعية أية قيمة في قوتها او رفع مركزها الدولي(4). فالسكان هم الثروة البشرية التي تقيم صرح الدولة ويكونون اعلى قيمة فيها وهم الايدي العاملة التي تحرث الارض وتبذرها، وتعمل في المناجم والمصانع، وتستغل الثروة الطبيعية في البلاد وتبني الحضارة والمدنية وتنشرها خارج الحدود التي يمتد إليها النشاط الاقتصادي والثقافي، وهم القوة الضاربة في الحرب والدرع الذي يحمي البلاد، فلا يمكن تصور دولة دون سكانها(5).

فالأرض التي تشغلها الدولة تمثل الاساس القانوني لكيانها ولكن وجودها الواقعي لا يتحقق إلا بسكانها فقط(6). وليس  كل السكان بجميع فئاتهم من يتحمل كل هذا العبء في القيام بمسؤوليات الدولة بل هناك  فئة معينة يقع عليها العبء الاكبر من ذلك وهي فئة الشباب، والتي سنوضح دورها تباعاً واهميتها وتأثيرها في قوة الدولة.

______________

(1)  Richard Muir,Modern Political Geography, Halsted press, Newyork: 1975, p. 149.

 (2)  محمد مرسي الحريري، دراسات في الجغرافية السياسية، دار المعرفة الجامعية، مصر، 1988، ص10.

*  الموارد – اما ان تكون محسوسة كالتربة او المعادن او غير محسوسة مثل الزعامة او ممكن قياسها كالسكان او يصعب قياسها كالوطنية.

(3) عبد الجليل عبد الفتاح الصوفي ، قوة اليمن البشرية واثرها في وزنها السياسي ( الاقليمي) رسالة  ماجستير ، كلية الاداب ، جامعة بغداد ، قسم الجغرافية ،1990 ،ص1 .

(4) عبد المنعم عبد الوهاب، صبري فارس الهيتي، الجغرافية السياسية، دار الكتب للطباعة والنشر، جامعة الموصل، 1989، ص278.

 (5) محمد مرسي الحريري ، ، مصدر سابق ،ص72

(6) عبد المنعم عبد الوهاب، جغرافية العلاقات السياسية، منشورات مؤسسة الوحدة للنشر والتوزيع، الكويت، 1977، ص117.