المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
تنفيذ وتقييم خطة إعادة الهيكلة (إعداد خطة إعادة الهيكلة1)
2024-11-05
مـعاييـر تحـسيـن الإنـتاجـيـة
2024-11-05
نـسـب الإنـتاجـيـة والغـرض مـنها
2024-11-05
المـقيـاس الكـلـي للإنتاجـيـة
2024-11-05
الإدارة بـمؤشـرات الإنـتاجـيـة (مـبادئ الإنـتـاجـيـة)
2024-11-05
زكاة الفطرة
2024-11-05



مشاكل عامة حول اليتيم  
  
10791   09:39 صباحاً   التاريخ: 21-9-2020
المؤلف : الشيخ حسان محمود عبد الله
الكتاب أو المصدر : مشاكل الاسرة بين الشرع والعرف
الجزء والصفحة : ص392-405
القسم : الاسرة و المجتمع / الحياة الاسرية / مشاكل و حلول /

كثيرة هي المشاكل التي تقع في المجتمع ويكون اليتيم عنوانا لها ، أو محوراً أساسياً فيها ، ولعلنا لا نستطيع أن نحصيها جميعها ، أو نتعرض لها بأجمعها إلا أننا سنتعرض لعناوين رئيسية في هذا الموضوع مستلهمين في ذلك ما عرفناه من خلال تجربتنا العملية ، وهذه العناوين هي على الشكل التالي :

1ـ ما بعد البلوغ :

ان اليتم ينتهي ببلوغ اليتيم ، وهنا تبرز مشاكل عملية كبيرة في المجتمع سببها أن اليتيم لا يصبح يتيما بعد بلوغه الشرعي والذي يكون في سن الثامن والتسعة اشهر ميلادية بالنسبة للأنثى المساوي لتسع سنوات هجرية ، أو دخول الصبي في الرابعة عشرة من عمره ، أو احتلامه الذي قد يكون في عمر أقل من ذلك ومعنى انه لم يعد يتيما أنه لا يستطيع الاستفادة من التبرعات والأموال التي تجبى لصالح الأيتام وهي في الغالب كثيرة في حين أن ما يحصل لغير اليتيم قد يكون قليلا أو غير كاف .

وهنا لا بد من الإشارة الى انه يستطيع هذا اليتيم الذي لم يعد كذلك بسبب بلوغه الاستفادة من الاموال الشرعية الأخرى كالخمس والزكاة والصدقات ، وبالتالي فهو غير متروك من الناحية الشرعية ولذلك يجب على الإدارات الراعية للأيتام ، أو الأشخاص الذين ينفقون عليهم الانتباه الى توفير أموال غير تلك المخصصة للأيتام لأنه لم يعد مستحقا لها ، وفي هذا المجال أيضاً على المحسنين الالتفات الى اليتيم بعد سن البلوغ وتأمين مساعدات لهم لإكمال تعليمهم الجامعي  أو الوصول الى مرحلة يكونون قادرين فيها على الانفراد بتأمين رزقهم من خلال مهنة أو حرفة يتقنونها . ولذلك كان نص الحديث :(من عال يتيما حتى يستغني ...).

2- الزوج الجديد :

من المشاكل الخطيرة التي تحصل تلك العائدة الى تصرفات الزوج الجديد الذي تزوجته الأم بعد وفاة والد اليتيم ، وقد وردتنا حالات كثيرة عن معاملة الزوج الجديد لأيتام زوجته تحت عناوين مختلفة وأسباب غير مقبولة ، فمن الضرب غير المبرر الى الإهمال في كل شيء والأخطر من هذا وذاك هو تلك الحالة التي يعيش فيها الزوج الجديد في المنزل المملوك من اليتيم بالإرث ويتصرف في ماله الموضوع مع الأم بعنوان الأمانة ومع ذلك يعامله معاملة سيئة ويؤذيه ، إن هكذا نوع من الرجال لا يستحق أن يطلق عليه عنوان الإنسان لان الإنسانية في الإنسان تفرض عليه أن يرحم اليتيم ويحفظ له ماله ويعامله معاملة حسنة ، بل أن ينفق عليه هو من ماله الشخصي كي ينال الأجر على عيشه مع هذا اليتيم الذي يؤدي حتما لان يكون وبالا عليه هو شخصيا لظلمه وتجرئه على احكام الله عز وجل ، وقد وردنا فيما وردنا من قصص من هذا النوع أن زوج الأم رفض أن يأخذ الولد اليتيم الى الطبيب لأنه مشغول ولا يمتلك وقتا ولأن هذا المرض عادي وليس خطيرا ما أدى الى أن يتوفى هذا الطفل المسكين وجاءت أمه تطالب بالطلاق معتبرين أنه بفعله هذا قتل لها ابنها وهي لم تستطع الخروج من البيت لعلاج طفلها لأنه كانت تخاف من عقاب زوجها للطفل لأنه كان يلجأ الى ضرب الطفل في كل مرة تختلف معه فيها ، ونحن لم نعفِ الام من المسؤولية عن ما حصل لابنها إلا أننا وافقناها على أن هذا الإنسان لا يصلح أن يكون زوجا يحرص على البقاء معه وطلقناها منه .

3- التصرف بمال اليتيم :

لقد تعرض الباري عز وجل لموضوع مال اليتيم في كثير من الآيات وكذلك أفرد لهذا الموضوع مجالات كثيرة في الحديث الشريف ، كل ذلك سببه أن اليتيم لا يمتلك أن يدافع عن حقه ، بل لا يعرف إن كان تصرف المتولي للمال عنه صحيحا ليقبل به ، أو باطلا لمنعه ويوقفه  والإسلام فرض على متولي المال أن يحفظه لليتيم وأن لا يتصرف فيه الا بما فيه مصلحة اليتيم فلا يجوز له أن يدخل هذا المال في مخاطر تؤدي الى ضياعه ، بل يجب عليه ضمان المال الضائع إن فرط في حفظه أو في التصرف به ، الذي يحصل في هذا المجال أن المتصدي لمال اليتيم يقوم في بعض الأحيان بسرقة بعضه ، أو كله ويسيطر عليه ، وإذا سألته أين المال ؟ يقول: لقد صرفته على اليتيم وأنا لا أحتفظ بمستندات الصرف ولكن قمت برعاية هذا اليتيم طوال خمسة عشر عاما مثلا ، ولم آخذ قرشاً واحدا من ماله ، بل بالعكس إني صرفت عليه من مالي أبتغي في ذلك رضوان الله سبحانه وتعالى وما وعد به كافل اليتيم ومع ذلك يكون جزائي أن أحاسب هذه المحاسبة وتوجه الي هذه الإهانة. إن فظاعة جرم هذا الإنسان ليست مجرد أن يتعدى على مال اليتيم ، بل إطلاقه هذه العبارات التي يظهر نفسه فيها في موقع الشريف المضحي وهو في حقيقة الامر لص حقير ، إذ يقوم هذا الشخص بالادعاء أن مال اليتيم ضاع ولم يبق منه شيء ، إن هذا النوع من البشر يعتبر بحق لصا يستأهل ان يطبق عليه الحد الشرعي وهو إن نجا من محكمة الدنيا لعدم ثبوت الأدلة وعدم وجود القيود المحاسبية وعدم وجود المشرف على الصرف ، فهو قطعا لن ينجو من محكمة الآخرة حيث تشهد عليه يده ورجله وكل جوارحه ، وقد ورد في ذلك ما قاله الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم:{وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا }[النساء: 2]. والحوب كما في الصحاح هو:(الحوب بالضم الإثم)(1) .

فالآية الكريمة تنهى عن ان نضم مالنا الى مال اليتيم ، بل أن يكون لماله استقلالية تحفظه عن الضياع وتنهى عن أن نأكل أموال اليتامى فمن فعل ذلك منا يكون قد ارتكب إثما كبيرا ، ومن ذلك قيام البعض بالإتجار بمال اليتيم فإن خسر تبرأ من الخسارة وإن ربح أخذ الربح من دون إعطاء شيء منه لليتيم وهذا أيضا من الامور التي يؤثم عليها المتولي لمال اليتيم ويعتبر فيها معتديا على هذا المال ، وأكل مال اليتيم تارة يكون ظلما وأخرى يكون بوجه حق كأن يكون لليتيم تجارة تديرها له فتترك عملك لأجل ذلك فإنك إن أخذت من مال اليتيم في هذه الحالة لا تكون آكلا لماله بغير وجه حق ، بل إن تصرفك هذا لا غبار عليه من الناحية الشرعية وقد ورد في ذلك ما ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام): (في قوله :{فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ}[النساء: 6] فقال : ذلك الرجل يحبس نفسه على اموال اليتامى ، فيقوم لهم فيها ، وسيقوم لهم عليها ، فقد شغل نفسه عن طلب المعيشة ، فلا بأس أن يأكل بالمعروف إذا كان يصلح أموالهم ، وإذا كان المال قليلا فلا يأكل منه شيء)(2) .

فالواضح من هذا الحديث أنك إن أعطيت كل وقتك لرعاية مال اليتيم بحيث شغلت نفسك عن معيشتك جاز لك أن تأخذ أجرك من مال اليتيم لكن على أن تأخذه بالمعروف فلا تفرض لنفسك مبلغا كبيرا أكثر مما تستحق ، بل يجب أن يكون هذا المبلغ هو المتعارف على مثل هكذا عمل  وهذا أيضا فيما لو كان المال الذي تديره لليتيم كبيرا أما إذا كان قليلا فلا يجوز لك أن تأخذ منه شيء ، وهذا طبعا بسبب إن المال القليل لا يحتاج الى التفرغ وأيضا لأن أخذ راتب منه سينقصه ويذوبه فبالتالي أرشد الإمام الصادق (عليه السلام) الى عدم جواز الأخذ من المال القليل.

الذي يحصل في بعض الحالات التي تردنا أن المتولي لمال اليتيم يقوم بأخذ مبالغ كبيرة من المال تحت عنوان أعباء تشغيل وإدارة للمال في حين أنه لا يقوم بالعمل على الوجه الصحيح أو لا يقوم به مطلقا فلديه أعماله الخاصة التي تلهيه ثم بعد ذلك يضع قوائم تثبت خسران المال وعندما نقول له إنه لا يحق لك أخذ هذا المال لأنك لم تعمل شيئا في مقابله تراه يستشيط غضبا ويرفض معتبرا أن هذا حقه مقابل ما بذل من جهد ووقت وأما مسألة الخسارة فهذه تجارة قد تربح وقد تخسر وأنا غير مسؤول عنها هذا هو قدره ، ولكن من الناحية الشرعية فإن المال الذي دخل الى جيب هذا الإنسان مال سحت حرام وارتكب بذلك إثما عظيما .

4- تسليم المال لليتيم :

هناك مشكلة تحصل بشكل كبير في المجتمع ناتجة عن تمسك متولي مال اليتيم به ، وعدم تسليمه لليتيم بعد بلوغه ، متحججا بأمور بعضها قد يكون شرعيا والآخر غير شرعي ، وفي هذا الموضوع لا بد من تحديد الحكم الشرعي الإسلامي الذي يحدد الزمن الذي يجب فيه على المتولي تسليم المال لليتيم ، وهذا الحكم الشرعي محدد بنص قرآني من خلال قول الله سبحانه وتعالى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا }[النساء: 6] .

فالآية الكريمة تحدد النظرة الإسلامية للتكليف بالنسبة لأي فرد حتى يصبح مكلفا ، ففي العبادات اكتفى الإسلام بالبلوغ كسبب للتكليف في حين أنه في المعاملات مالية كانت أو غيرها لم يكتف بالبلوغ ، بل اشترط وصوله الى مرحلة الرشد وهي مرحلة يصبح معها المكلف قادرا على التصرف بشكل عاقل مقابل الغير والضلال الذي لا يستطيع معها المكلف التصرف بحكمة وعقلانية ، وقد حدد هذا المعنى في الحديث الوارد عن الإمام الصادق (عليه السلام) المروي عن موسى بن يعقوب حيث قال: (قت لأبي عبد الله (عليه السلام) : قول الله :{فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ}[النساء: 6] أي شيء الرشد الذي يؤنس منهم ؟ قال: حفظ ماله)(3) ، إذا طلب الشرع من متولي مال اليتيم أن يسلمه إليه بعد أن يختبره وهذا معنى الابتلاء فإذا بلغ اليتيم النكاح أي القدرة عليه بالبلوغ الشرعي ثم بلغ الرشد وهذا يعرف من خلال اختبار اليتيم بعدة تصرفات وابتلاءات فلا يكتفي بمثل التصرف والتصرفين ، بل أن يكون كثيرا الى حد يحصل منه الاطمئنان بوصول اليتيم الى هذه المرحلة وهذا المعبر عنه في قوله تعالى: {آنَسْتُمْ} ، فالأنس يحصل من خلال الاطمئنان الى وصول اليتيم الى هذه المرحلة فساعتئذ يجب إيصال أموال اليتيم إليه. فإذا كان اليتيم سفيها فلا يعطى ماله لما ورد في قول الله سبحانه وتعالى:{وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا}[النساء: 5]. ويظهر من الآية الكريمة أن الله سبحانه وتعالى عبر عن مال اليتيم بعبارة أموالكم وهذا ما استدعى أن يسأل علي بن حمزة الإمام الصادق (عليه السلام) عن ذلك فيما رواه عنه فقال: (سألته عن قول الله :{وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ}[النساء: 5] قال: هم اليتامى لا تعطوهم اموالهم حتى تعرفوا منهم الرشد ، فكيف تكون اموالهم أموالنا ؟ فقال: إذا كنت أنت الوارث لهم)(4) .

وهذا تأكيد على عدم جواز إعطاء اليتيم ماله إذا لم يبلغ الرشد أو كان سفيها . وبالعودة الى الآية الكريمة التي بدأنا بها نجد أن الله عز وجل ينهى عن أكل مال اليتيم إسرافا وهذا معناه أكله من غير وجه حق ، أم بداراً فمعناه المبادرة الى أكله من قبل أن يبلغ اليتيم كي لا يصل إليه وذلك من خلال أخذه منه كأجرة على عمل ، أو اي سبب مدعى أو حقيقي لأكله ، ثم طلب الله سبحانه وتعالى من الولي أن يشهد على تسليم مال اليتيم لأنه لذلك لابد من الإشهاد خوفا من هكذا ادعاء لاحقا . وفي مجال آخر طرحت الآية الكريمة أنه لا مانع أن يأكل المتولي من مال اليتيم بالمعروف نتيجة قيامه بعمل ما له كما بينا فيما سبق .

الذي يحصل معنا أن كثيرا من المشاكل تحصل من خلال قيام بعض المتولين لأموال اليتامى بالعصيان بالمال ورفض تسليمه إليه ، أو أكله عليه مما يفرض علينا أن نختار لأيتامنا المؤمن المأمون ، ومن المشاكل الأخرى أن ينكر اليتيم تسلم المال لذا لا بد من الإشهاد عليه عند تسليمه المال منعا من إنكاره لاحقا .

ومن جهة اخرى ننصح المتولي أن يكتب الحركة المالية لمال اليتيم كي يطلعه عليها بعد بلوغه ورشده  بشكل يكون واضحا عنده كل تصرف بالمال .

5- مصاعب رعاية اليتيم على الأم :

تعاني الأرملة في مجتمعنا من مشاكل كثيرة ناتجة عن النظرة السلبية لها المنطلقة من أعراف وتقاليد لا يقرها الإسلام بل ينهى عنها ، ومع مشاكلها الشخصية المطلوب منها أن ترعى أيتامها من كل النواحي ، فمن جهة نظرة الناس إليها غير سليمة ومؤذية ، ومن جهة أخرى فهي تعاني من خوف سببه أنها قد لا تستطيع تأمين مستلزمات اليتيم ، فمطلوب منها أن تؤمن نفقة طعامه ولباسه وتأمين قسط مدرسته ورعاية فترة طفولته وبعد ذلك فترة التربية التي تحتاج الى الحزم الذي يستطيع الاب وحده أن يؤمنه ويصعب بشكل كبير على الأم أن تؤمنها ، فالأم التي تبرع بإعطاء العاطفة لابنها لا تستطيع أن تؤمن الحزم والشدة التي قد يحتاج إليها في فترة المراهقة خصوصا ، فالأم لا تستطيع أن تلعب دورين دور الأم ودور الأب ، وفي بعض المرات كانت تأتينا أرملة تشتكي على ابنها الذي لا يستمع الى كلامها ، أو الذي وصل في انحرافه الى درجة لا بد فيها من ردعها ولذلك لجأت إلينا ، وأتتنا في بعض الأيام أرملة وصلت الفظاعة في جرم ابنها أن يضربها دائما عند أدنى موقف تقوم به ، خاصة عندما يطلب منها مال ، وقد قمنا بردعه فعلا في البداية ثم تابعنا الموضوع معها حتى تغير بشكل كبير وسبب هذا التغير لعل الأب أصبح له بديل ، وهو انه أحس أو هكذا جعلناه يحس بأنه إن أخطأ سيتعرض للوم بل حتى للعقاب ، وما يفرض أن ينتبه إليه لمصلحة اليتيم هو أن لا نترك أمر الرعاية للأم بل أن يوجد بجانبها إن لم تتزوج من يكون قادرا على  تأمين جانب الرعاية الأبوية كإخوة الزوج ، أو إخوة الزوجة ، أو أي من عائلتها ، أو عائلته ، وإن كنا نفضل ان تختار زوجا مؤمنا صالحا إن توفر لها ذلك ، وإن لم يتوفر فعلى الاهل أن يقوموا بهذا الدور .

من الصعوبات التي تواجهها الارملة أيضا عدم قدرتها على الإنفاق وجمع المال وهذا ما يفترض أن تؤمنه مؤسسات الرعاية الاجتماعية والمرجعيات الدينية والمؤمنين المحسنين .

قد تكون هذه الصعوبات سهلة أمام الصعوبات التي تواجهها في مشاكلها مع اهل الزوج الذين يتدخلون في كل شؤون حياتهم فمنذ البدايات بعد أن توفي زوجها يتدخل مع أهل الزوج بموضوع حضانة الأولاد وعندما يعرفون أن لا حق لهم بالأولاد يتدخلون في الإرث وإذا انتهت مشكلة الإرث يبتدئ التدخل السلبي في أمور التربية والتفاصيل الاخرى ، كل هذه المشاكل تؤدي الى إعاقة حياة هذه الأرملة وعرقلة شؤون اليتيم . لذلك فإننا نعتبر أن من الأمور التي يجب أن تتوافر لتأمين رعاية جيدة لليتيم هو مساعدة الأم على مواجهة الظروف القاهرة التي تواجهها .

6- النظرة السلبية الى اليتيم :

من المشاكل التي تواجه اليتيم مسألة النظرة الدونية له ، فدائما يعاملونه بتطرف واقصد بالتطرف أنهم لا يعاملونه باعتدال وحكمة فيتصرفون معه كما يجب أن تكون الرعاية لليتيم فلا يتهربون منه ويعاملونه كإنسان من الدرجة الثانية يبتعدون عنه ويهملونه ، ولا يعاملونه بأسلوب يتجاوزون فيه عن كل أخطائه ، بحيث يصبح نتيجة للدلال الزائد إنسانا مستهترا سيء الخلق غير مسؤول ، وهذا له تأثير سلبي على شخصيته مضر بها ومؤذي لها .

في حين أن الإسلام دعانا الى أن نعامل اليتيم بأفضل معاملة فهو إنسان له جميع حقوق الإنسانية بل أكثر من غيره بسبب وضعه الخاص ويكفي أن نعلم أن رسول الله (صلى الله عليه واله) وهو أفضل البشر على الإطلاق وخيرهم كان يتيما وناداه الله سبحانه وتعالى بذلك حيث قال في كتابه الكريم:{أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى}[الضحى: 6].

وبالتالي فلا بد من رعاية الاعتدال في التصرف معه فإذا احتاج الى الدلال يدلل في هذا المورد الخاص واذا احتاج الى الحزم والتأديب فلا مانع من تأديبه ، ولو احتاج في بعض المراحل الى أن تضطر الى ضربه شرط أن لا يتجاوز في هذا الضرب الحد الشرعي أي لا يكسر عظما ولا يجرح لحما أو يسبب الاحمرار ، أو الازرقاق .

المشكلة في هذا الموضوع هو وجود نوع من الحكم المسلم به بين الناس أنه لا يجوز من الناحية الشرعية ضرب اليتيم ولا عقابه ، حتى لو كان يستأهل ذلك ، باعتبار أن الله سبحانه وتعالى أوصى برعايته وكفاتله واحتضانه ويتذرعون لذلك بقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم:{فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ}[الضحى: 9].

والحق أنه صحيح من الناحية الشرعية لا يجوز أن تقهر اليتيم بغير الحق وذلك من أجل مصلحته ، ولكن إذا اقتضت مصلحة اليتيم صونا له عن الانحراف أن تؤدبه فلا يجوز أن لا تؤدبه حتى لو أدى ذلك الى قهره فأن يقهر لحظة تضمن منها أن يستقيم مراعاة لمصلحته يصبح هذا القهر واجبا تماما كتجرع الدواء المر لضمان الشفاء . وقد ورد في ذلك عن الإمام الصادق: (عليه السلام أنه قال :(قال أمير المؤمنين علي(عليه السلام) : أدب اليتيم مما تؤدب منه ولدك واضربه ما تضرب منه ولدك)(5) .

فكلام الأمير (عليه السلام) يعني أنه يجب أن تعامل اليتيم معاملة ابنك فلا يحتاج في موضوع التربية الى معاملة استثنائية ، بل يعامل تماما كأي ولد من أولادك لأنه في هذا المجال المعاملة الاستثنائية  قد تؤدي الى الإضرار باليتيم وتؤذيه .

7- الزواج من الأيتام :

نتيجة للنظرة الخاطئة لليتيم باعتباره طفلا من الدرجة الثانية تقوم بعض العائلات برفض اليتيم إذا تقدم لطلب ابنتهم وهذا يعتبر من الناحية الشرعية حراما إن كان مبرر الرفض هو فقط مسألة اليتم وكان هذا اليتيم من النواحي الأخرى لا غبار عليه بأن كان متدينا مقتدرا ماديا وأخلاقه حميدة ، ولأكثر من مرة كنا نذهب مع اليتيم الى أهل العروس نطلبها بعد أن رفضوه لا لعيب فيه سوى كونه يتيما ، ونفس الشيء يحصل عندما يحب شاب يتيمة . إن هذه التصرفات الخاطئة في المجتمع والنظرة السيئة تؤدي الى خلخلة أركان المجتمع وتسيء الى استقراره .

8- بين الأم والمبرة :

هناك مشكلة كبيرة تحصل سببها حرمان الطفل اليتيم من الحنان المباشر للأم عند وضع اليتيم في المأوى على أساس أن النظام في المؤسسة الرعائية لليتيم في الغالب يعتمد على السكن في داخل المؤسسة وهذا ما يؤدي الى حرمان اليتيم من حنان امه لفترة طويلة من الزمن ، إذ لا يسمح بسكن الأم مع أبنها ، وعادة ما يكون الغياب بين أسبوع الى شهر بحسب أنظمة المؤسسة  ومهما كانت هذه المؤسسة ممتازة في معاملتها لليتيم وتعطيه رعاية شاملة وتعتمد نظام الأسرة بأن يكون عدد من الأيتام بين الأربعة والثمانية يعيشون في عائلة واحدة يكون لهذه العائلة مربية بمثابة الام إلا أن هذه الأم لن تكون أبدا كالأم الحقيقية وكما ورد في المثل الشائع ليست المستأجرة كالثكلى ، لأن هذه الإنسانة مهما أعطت من حنان وعاطفة ومهما تعاملت برسالية مع مهمتها فإنها في النهاية موظفة ولديها هموم في إطار عائلتها ولن تعطي هذا اليتيم الحنان الذي تعطيه له امه . لذلك فإننا ومع احترامنا لكل هذه المؤسسات التي تقوم بمهمة رائدة وعظيمة وهي مأجورة عليها وتسد حاجة ضرورية في المجتمع إلا أنه إذا استطاعت الام أن تبقي ولدها معها وترسله الى المبرة خارجيا من دون إقامة ، او من خلال  إدخاله الى مدرسة خاصة ، أو رسمية ويبقى معها لأنه هناك حالات نفسية كثيرة ثبت أن الأولاد الذين يعيشون في مؤسسات التعليم الداخلية يعانون منها حتى لو لم يكونوا أيتاما ، فكيف لو كانوا كذلك فإن الوضع سيكون أصعب بكثير . نعم الدراسة في داخل هذه المؤسسات يبقى بالنسبة الى اليتيم أفضل بكثير من بقائه بلا تعليم إذا كانت أمه غير قادرة على تحمل أعباء تعليمه إلا من خلال هذه المؤسسة ، أو بقائه بلا رعاية بسبب أن الام غير قادرة على ذلك بسبب اضطرارها للعمل وفي بعض الأحيان بدوام ليلي كأن تكون ممرضة مثلا ، في كل هذه الحالات عند الاضطرار الى إدخال اليتيم الى مؤسسة تعليم داخلية كمبرة على الأم أن تكون جاهزة لمواكبة التغيرات النفسية التي قد تحصل له بسبب ابتعاده عن امه بعد مشكلته الناتجة عن فقد ابيه .

في الخلاصة الإسلام أعطى لليتيم رعاية خاصة واهتم كثيرا بمعالجة كل مشاكله المالية من خلال الدعوة الى الاهتمام به ولو بمسح رأسه والكلام معه بأسلوب يدخل السرور الى قلبه ويبعد عنه  أثر الحرمان القاسي من والده وعماد أسرته . ولعله ليس صدفة أن يكون رأس هذا الدين وأفضل البشر على الإطلاق وهو رسول الله (صلى الله عليه واله) يتيما ليعطي من خلال هذا العرض الدليل على أن اليتم ليس عيبا على الإطلاق فخير البشر كان كذلك ، وقد دعا الإسلام لحفظ مال اليتيم وعدم التفريط به ، بل حفظة ورعايته له وإيصاله إليه عند بلوغه سن الرشد بحيث يكون قادرا على حفظ ماله بنفسه ، وقد دعا الإسلام المجتمع أن يحفظ أم اليتيم وعدم تعريضها للأذى ويساعدها على حفظ ابنها ورعايته ، وفي المجتمع المادي يحصل كثير من المشاكل بسبب الظروف الصعبة التي تعاني منها أم اليتيم بصفة كونها أرملة ، أو من خلال النظرة الدونية الى اليتيم الذي يعتبر تصرفا جاهليا خاطئا لا قيمة له ، بل إن اليتيم نعمة إلهية لنا لأننا إن قمنا بواجبنا تجاهه فإننا سنحصل من الله سبحانه وتعالى على أجر عظيم ومرتبة عالية في الجنة يوم لا ينفع مال ولا بنون . وتعتبر مسألة رعاية الأيتام من مسؤولية الجد بصفة كونه وليا جبريا لليتيم فإن لم يكن لديه جد فعلى أمه فإن كانت أمه غير قادرة فعلى ولي أمر المسلمين فإن لم يكن باسطا يده لسبب أو لآخر فعلى عدول المؤمنين من باب الواجب الكفائي ، فإن قام به أحدهم سقط عن الآخرين وإن لم يقم به أحد أثم كل من علم .

_____________________

1ـ الصحاح ج 1 ص 116.

2ـ بحار الأنوار ج 72 ص 7.

3ـ المصدر السابق ص 6.

4ـ المصدر السابق ج 71 ص 6.

5ـ وسائل الشيعة ج 15 ص 198. 




احدى اهم الغرائز التي جعلها الله في الانسان بل الكائنات كلها هي غريزة الابوة في الرجل والامومة في المرأة ، وتتجلى في حبهم ورعايتهم وادارة شؤونهم المختلفة ، وهذه الغريزة واحدة في الجميع ، لكنها تختلف قوة وضعفاً من شخص لآخر تبعاً لعوامل عدة اهمها وعي الاباء والامهات وثقافتهم التربوية ودرجة حبهم وحنانهم الذي يكتسبونه من اشياء كثيرة إضافة للغريزة نفسها، فالابوة والامومة هدية مفاضة من الله عز وجل يشعر بها كل اب وام ، ولولا هذه الغريزة لما رأينا الانسجام والحب والرعاية من قبل الوالدين ، وتعتبر نقطة انطلاق مهمة لتربية الاولاد والاهتمام بهم.




يمر الانسان بثلاث مراحل اولها الطفولة وتعتبر من اعقد المراحل في التربية حيث الطفل لا يتمتع بالإدراك العالي الذي يؤهله لاستلام التوجيهات والنصائح، فهو كالنبتة الصغيرة يراقبها الراعي لها منذ اول يوم ظهورها حتى بلوغها القوة، اذ ان تربية الطفل ضرورة يقرها العقل والشرع.
(أن الإمام زين العابدين عليه السلام يصرّح بمسؤولية الأبوين في تربية الطفل ، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى ، وأن التقصير في ذلك يعرّض الآباء إلى العقاب ، يقول الإمام الصادق عليه السلام : « وتجب للولد على والده ثلاث خصال : اختياره لوالدته ، وتحسين اسمه ، والمبالغة في تأديبه » من هذا يفهم أن تأديب الولد حق واجب في عاتق أبيه، وموقف رائع يبيّن فيه الإمام زين العابدين عليه السلام أهمية تأديب الأولاد ، استمداده من الله عز وجلّ في قيامه بذلك : « وأعني على تربيتهم وتأديبهم وبرهم »)
فالمسؤولية على الاباء تكون اكبر في هذه المرحلة الهامة، لذلك عليهم ان يجدوا طرقاً تربوية يتعلموها لتربية ابنائهم فكل يوم يمر من عمر الطفل على الاب ان يملؤه بالشيء المناسب، ويصرف معه وقتاً ليدربه ويعلمه الاشياء النافعة.





مفهوم واسع وكبير يعطي دلالات عدة ، وشهرته بين البشر واهل العلم تغني عن وضع معنى دقيق له، الا ان التربية عُرفت بتعريفات عدة ، تعود كلها لمعنى الاهتمام والتنشئة برعاية الاعلى خبرة او سناً فيقال لله رب العالمين فهو المربي للمخلوقات وهاديهم الى الطريق القويم ، وقد اهتمت المدارس البشرية بالتربية اهتماماً بليغاً، منذ العهود القديمة في ايام الفلسفة اليونانية التي تتكئ على التربية والاخلاق والآداب ، حتى العصر الاسلامي فانه اعطى للتربية والخلق مكانة مرموقة جداً، ويسمى هذا المفهوم في الاسلام بالأخلاق والآداب ، وتختلف القيم التربوية من مدرسة الى اخرى ، فمنهم من يرى ان التربية عامل اساسي لرفد المجتمع الانساني بالفضيلة والخلق الحسن، ومنهم من يرى التربية عاملاً مؤثراً في الفرد وسلوكه، وهذه جنبة مادية، بينما دعا الاسلام لتربية الفرد تربية اسلامية صحيحة.