المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

علوم اللغة العربية
عدد المواضيع في هذا القسم 2764 موضوعاً
النحو
الصرف
المدارس النحوية
فقه اللغة
علم اللغة
علم الدلالة

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية



ثعلب  
  
2836   07:30 مساءاً   التاريخ: 27-03-2015
المؤلف : د. محمد المختار ولد أباه
الكتاب أو المصدر : تاريخ النحو العربي في المشرق والمغرب
الجزء والصفحة : ص139- 148
القسم : علوم اللغة العربية / المدارس النحوية / المدرسة الكوفية / أهم نحاة المدرسة الكوفية /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 12-08-2015 5091
التاريخ: 2-03-2015 10326
التاريخ: 27-03-2015 3627
التاريخ: 2-03-2015 2026

التنافس مع المبرد

المبرد و ثعلب كانا فرسي رهان عصرهما، فكان الأول إمام البصرة، و ترأس الثاني مدرسة الكوفة، فقد حفظ أبو العباس أحمد بن عيسى المعروف بثعلب، كتب الفراء و هو لم يتجاوز خمسا و عشرين سنة، ثم لزم ابن الأعرابي بضعة عشر سنة، و درس على سلمة بن عاصم، و محمد بن عبد اللّه بن قادم، و سمع من ابن المغيرة جل كتب الأصمعي و أبي عبيدة و أخذ الحديث من أحمد بن حنبل و عبد اللّه بن عمر القواريري (1).

ص139

و المنافسة بين هذين العالمين كانت مضرب الأمثال حتى قال بعض الشعراء:

كفى حزنا أنا جميعا ببلدة                و يجمعنا في الأرض أقرب مشهد 
نروح و نغدو لا تزاور بيننا             و ليس بمضروب لنا يوم موعد 
فأبداننا في بلدة و التقاؤنا                 عسير كلقيا ثعلب و المبرد(2)
بدأت هذه الخصومة حينما دخل المبرد بغداد، بعد دخول المتوكل، و أراد أن يستقطب حوله حلقة خاصة ذكرناها آنفا.

و استمرت الخصومة بين الرجلين طيلة أربعين سنة، و كان لكل منهما مذهبه، و أنصاره، فبجانب المبرد نجد الزجاج الذي كان من ألمع تلامذته، و منهم أبو علي الدينوري ختن ثعلب و الأخفش الصغير، و نفطويه، و محمد بن يحيى الصولي، و الشاعر الأمير عبد اللّه بن المعتز. و من الشعراء المرموقين الذي أثنوا على المبرد البحتري و ابن الرومي:

فالأول يقول فيه:

ما نال ما نال الأمير محمد                     إلا بيمن محمد بن يزيد 
و بنو ثمالة أنجم مسعودة                       فعليك ضوء الكوكب المسعود (3)

و يقول الثاني في قصيدة طويلة:

يا أبا العباس إني رجل                          في عمن عاند الحق عنود 
و يمينا أنك المرء الذي                          حبه عندي سواء و السجود 
لم أزل قدما و قلبي و يدي                      و لساني لك مذ كنت جنود 
شاهد أنك بحر زاخر                            لك من نفسك مد بل مدود 
يجتنى درك رطبا ناعما                         فلنا منه شنوف و عقود 
غير أن البحر ملح أسن                 و لأنت المشرب العذب البرود(4)
و لأحمد بن عبد السّلام فيه يقول:

رأيت محمد بن يزيد يسمو                     إلى الخيرات في جاه و قدر 

و كان الشعر قد أودى فأحيا                   أبو العباس دائر كل شعر 
و قالوا ثعلب رجل عليمو                      أين النجم من شمس و بدر 
و قالوا ثعلب يفتي و أنى                       يشبه جدولا و شلا ببحر(5)

ص140

و لم يسلم المبرد مع ذلك من ألسنة الأعداء و الحسادين، فقد قال فيه عبد الصمد بن المعذل:
سألنا عن ثمالة كل حي                       فقال القائلون و من ثماله 
فقلت محمد بن يزيد منهم                     فقالوا زدتنا بهم جهاله (6)
و لقد وقف أحمد بن فارس و أبو بكر بن الأنباري منتصرين لثعلب، و وقف منهما أبو بكر بن أبي الأزهر موقف الحياد و الإعجاب، فقال:

فيا طالب العلم لا تجهلن                        و عذ بالمبرد أو ثعلب 

تجد عند هذين علم الورى                      فلا تك كالجمل الأجرب 

علوم الخلائق مقرونة                           بهذين في الشرق و المغرب (7)
و لما سئل ابن السراج عن أيهما أعلم فأجاب: ما أقول في رجلين العالم بينهما (8)، و بعد وفاة المبرد قال بعض الشعراء:
بيت من الآداب، أصبح نصفه                 خربا و باقي نصفه سيخرب 
مات المبرد و انقضت أيامه                    و مع المبرد سوف يذهب ثعلب 
و أرى لكم أن تكتبوا أنفاسه                    إن كانت الأنفاس مما يكتب (9)

المناظرات بينهما

لقد جمع بينهما محمد بن عبد اللّه بن طاهر، و سئل عن معنى بيت امرئ القيس:

لها متنتان خظاتا كما                          أكب على ساعديه النمر 
فقال ثعلب: خظاتا بظاء و الذي فيه من العربية أن قال خطتا، فيهما تحركت التاء و أعاد الألف من أجل الحركة و الفتحة. فقال المبرد إنما أراد إضافة خظاتا إلى «كما» و زعم أنه قول سيبويه، فقال ثعلب، أيقال: مررت بالزيدين عمرو فيضاف نعت الشيء إلى غيره فقال محمد بن عبد اللّه لا و اللّه، فأمسك المبرد و لم يقل شيئا، و يقول البصريون أن القول ما قاله المبرد و لكنه سكت أدبا مع ابن طاهر (10).

ص141

و انقطاع المبرد في هذا المجلس لا يعني ضعفا في الحجة و الجدل: ففي مناظرة أخرى بينهما، سأل ثعلبا عن همزة بين و بين هل هي متحركة أم ساكنة.

فقال ثعلب لا متحركة و لا ساكنة، إنها روم. فقال المبرد: قوله لا ساكنة، فقد أقر بأنها متحركة، و قوله لا متحركة، فقد أقر بأنها ساكنة. فهي إذن ساكنة لا ساكنة، و متحركة لا متحركة (11).

و سئل المبرد عن قول الشاعر:

وغيّرها عن وصلها الشيب إنه                شفيع إلى بيض الخدود مدرب 

فقال بعد تمهل و تمكث: يريد أن النساء أنسن به فلا يستترن عنه، و سئل ثعلب فقال: الضمير في «إنه» يعود إلى الشباب و لم يجز ذكره لأنه علم (12).

ورثي بخط المبرد «ضربته بلا سيف فقال ثعلب هذا خطأ لأن «لا» التبرئة لا يقع عليها خافض و لا غيره لأنها أداة، و ما تقع أداة على أداة (13).

و التنافس بين ثعلب و بين المبرد لم يمنع هذا الأخير من الاعتراف بقدره و علمه و الاستفادة منه، و روى عنه مرات في كتاب الكامل فقال إنه سمع منه قول النميري:

رمتني و ستر اللّه بيني و بينها                 عشية أحجار الكناس رميم 
رميم التي قالت لجارات بيتها                  ضمنت لكم ألا يزال يهيم 
ألا رب يوم لو رمتني رميتها                  و لكن عهدي بالنضال قديم (14)
و روى عنه قصيدة لأحد الشعراء في مدح ثلاثة إخوة من غني، التي منها:
هينون لينون أيسار ذوو كرم                   سواس مكرمهم أبناء أيسار 
و آخرها:
من تلق منهم تقل لاقيت سيدهم مثل                   النجوم التي يسري بها الساري (15)
و شعر صخر بن حبناء الذي يقول فيه:

إني هزئت من أم الغمر إذ هزئت                 بشيب رأسي، و ما بالشيب من عار

ص142

 
كما أخذ عنه أن: غرض إلى لقائه معناه حن إليه، و أنشده:
ماذا رسول ناصح فمبلغ                      عني علية غير قول الكاذب 
أني غرضت إلى تناصف وجهها              غرض المحب إلى الحبيب الغائب 

انتقاد الزجاج لثعلب ورد ابن خالويه (16):

و لم يك المبرد العالم البصري الوحيد الذي تلقى العلم من ثعلب، فقد تتلمذ له الزجاج قبل أن يعيب عليه المسائل التي خطأه فيها في كتاب الفصيح، فزعم أنه غلط في قوله عرق النسا، و أن الصواب النسا، مثل ما قال امرؤ القيس:

فأثبت أظفاره في النسا

و في استعماله لفظ «الحلم» مصدرا و هي اسم بدليل قوله تعالى: لَمْ يَبْلُغُوا اَلْحُلُمَ مِنْكُمْ ((النور- الآية 58) و أنكر عليه قوله «امرأة عزبة» ، و الصواب عزب، مستشهدا بقول الشاعر:

يا من يدل عزبا على عزب

و عاب عليه كسر كاف كسرى في النسب، و قوله وعدته بكذا في الشر، و الإتيان برشدة وزنيه بكسر، فائهما بالفتح لأنهما للمرة. و خطأه في كسر النون من أسنمة، لأن الأصمعي رواها بالضم، و قوله «إذا عز أخوك فهن» و الصواب كسر الهاء لأنه من هان يهين أي لان. و اعترض عليه كذلك استعمال لفظة المطوّعة، و الصحيح المطّوعة بتشديد الطاء كما ورد في الذكر الحكيم.

و مثل فعل ابن ولاد في الانتصار لسيبويه انتصر أبو عبد اللّه الحسين بن خالويه لثعلب، و قام ينقض جميع اعتراضات الزجاج عليه، فذكر أن عليّ بن أبي طالب و ابن عباس قالا: «إن يعقوب كان مصابا بعرق النسا، و إن الحلم مصدر و اسم مثل العلم، و إن عزبة صحيحة مثل شيخ و شيخة و غلام و غلامة و رجل و رجلة، و إن كاف كسرى يصح فتحها و كسرها لأنها ليست عربية الأصل، و الاسم الأصلي خسرو، و يقول أبو عبيد: إن الكسر فيها أفصح، ورد عليه في وعد و أوعد، أن وعد تأتي للخير مثل ( وَ إِذْ يَعِدُكُمُ اَللّٰهُ إِحْدَى اَلطّٰائِفَتَيْنِ ((الأنفال- الآية 7) ، و في الشر في قوله تعالى:  (اَلنّٰارُ وَعَدَهَا اَللّٰهُ اَلَّذِينَ كَفَرُوا ((سورة الحج- الآية 72) و أوعدت مع الباء جاءت في قول الشاعر:

أوعدني بالسجن و الأداهم                    رجلي و رجلي شثنة المناسم

ص143

و أما المثل في قولهم «إذا عز أخوك فهن» فهو بالضم، و الكسر غلط لأنها من الهون، و قال اللّه تعالى:  (اَلَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى اَلْأَرْضِ هَوْناً ) (الفرقان-الآية 63) و قال الشاعر:
دببت لها الضراء و قلت أيقن                إذا عز ابن عمك أن تهونا 
و يقول ابن خالويه إن رشدة وزنة، و نحوها قد تأتي مثلثة: مثل حججت في جهة، و رأيت رؤية واحدة، و وعدته عدة، و الاسم يأتي على فعلة مثل وجهة، و المصدر في جهة و يرجح أنه بكسر النون لأنها رواية ابن الأعرابي و هو عن الأصمعي، و صدق ابن خالويه ادعاء ثعلب أنه ما قال إلا المطوعة بتشديد الطاء، و بصفته إمام الكوفيين، فكان من واجبه أن ينتصر لأئمة مدرسته، و أن يبين عوار خصومه، و لقد قام بهذا الدور لأنه كان منزعجا من المبرد، و قد روى أنه تناوله بالهجاء.

ولكنهما مع ذلك كانا يتزاوران و يتبادلان التحية و السّلام، بالرغم مما كان بينهما من منافرة علمية، غذتها المعاصرة و المنافسة.

نقد ثعلب للبصريين و انتصاره للفراء:

إذا ما تناول ثعلب مسائل الخلاف العامة، لم تبد عليه دوافع العداوة و الحقد، فلم يكن نابيا في تعبير و لا فاحشا في قول.

فقد ذكر ثعلب مثلا أن أهل البصرة يقولون بإعمال فعول و مفعال، و أن الفراء و الكسائي يمنعانه(17)، و أنهم في نحو «رأيتك إياك» يقولون إن «إياك» بدل، و أن أصحابه يقولون إنها توكيد (18). و يذكر أن أهل البصرة لا يفرقون بين الصفة و النعت، و أن أصحابه يجعلون النعت أخص مثل الأعرج، و أن الصفة عامة، و لذلك فإن اللّه يوصف و لا ينعت(19)، و ربما ألمح أنه لا يطمئن لرأي الكوفيين حين يقول: و زعم أصحابنا أن «كما» تنصب و يزعم البصريون أنها لا تعمل و أنشد:

وطرفك إما جئتنا فاحفظنّه             كما يحسبوا أن الهوى حيث تنظر(20) 

ففي هذا المثال لم يسترسل أبو العباس ثعلب في الاحتجاج لرأي أصحابه من الكوفيين و إنما اكتفى بعرضه، بخلاف عرضه للقول في المثال و التقريب في إعمال «هذا» حيث قال: هذا تكون مثالا و تكون تقريبا فإذا كانت مثالا قلت هذا زيد، و إن شئت قلت

ص144

هذا الشخص كزيد، و إذا قلت هذا كزيد قائما، كأنك قلت هذا زيد قائما، و لكنك قد قربته و تكون تشبيها كزيد هذا منطلق، و كزيد قائم، و هذا يجري مجرى الخبر.

و قال سيبويه هذا زيد منطلقا، فأراد أن يخبر عن هذا بالانطلاق و لا يخبر عن زيد و لكنه ذكر زيدا ليعلم عن الفعل. قال أبو العباس و هذا لا يكون إلا تقريبا، و هو لا يعرف التقريب. و التقريب مثل «كان» لأنه رد كلام فلا يكون قبله شيء. و قال الكسائي: «سمعت العرب تقول هذا زيد إياه بعينه» فجعله مثل كان. و قالوا: تربع ابن جؤبة في اللحن حين قرأ: (هٰؤُلاٰءِ بَنٰاتِي هُنَّ أَطْهَرُ ) (سورة هود-الآية 78) ، و جعلوه حالا. و ليس هو كما قالوا، و هو خبر لهذا، كما كان، إلا أنه لا يدخل العماد مع التقريب من قبل أن العماد جواب و التقريب جواب فلا يجتمعان. و إذا صاروا إلى المكنى جعلوه بين «ها» و «ذا» فقالوا ها أنا و حذفوها و هذا كله مع التقريب و يحذفون الخبر لمعاينة الإنسان فقالوا: ها أنذا عمار.

فحذف الخبر كأنه قال ها أنذا حاضر، و إذا جاؤوا مع هذا بالألف و اللام كانت الألف و اللام نعتا لهذا. و قد أجاز أهل البصرة إذا كان معه‌دا أن ينصب الفعل اسم الفاعل و الفراء يأباه، و إنما نعتوا هذا بالأسماء فقالوا مررت بهذا الرجل فميزت هذا بجنس من الأجناس. و إذا جاء واحد لا ثاني له فقيل هذا القمر لم يكن تقريبا، و قد سقط هذا، فتقول: كيف أضاف الظلم و هذا الخليفة قائما و الخليفة قائم. و كلما رأيت إدخال هذا و إخراجه واحدا فهو تقريب مثل قولهم: من كان من الناس سعيدا فهذا الصياد شقيا، و هو قولك فالصياد شقيا.

و يظهر من ثعلب في نطاق كوفيته، ميله إلى الفراء، نظرا لقوة استيعابه المعارف النحوية، فاستحسن رأيه في تثليث «ضرورة» بعد لدن(21)، و قوله إن «أجمعين» معدول عن «أجمع» و جمعاء لأن أصله نعت فعدل إلى التوكيد، و لذلك لا يمكن أن نقول مررت بأجمعين،(22) و رجح قول الفراء على الكسائي في عدة مواضع منها عدم اشتراط الباء في مثل «مررت بزيد لا بعمرو» ، و استدل الفراء بقول الشاعر:

إنما يجزي الفتى ليس الجمل (23)

و في منع قول «زيدا إن تضرب أضرب» إذ أجازه الكسائي و منعه الفراء لأن الشروط عنده لا تتقدم عليها صلاتها (24)، و منها أيضا إنكار قول الكسائي و سيبويه إن «هو» من

ص145

(قُلْ هُوَ اَللّٰهُ أَحَدٌ ) ( الإخلاص – الآية 1) عماد أي ضمير فصل، و قال الفرّاء إنه خطأ من قبل أن العماد لا يدخل إلا على الموضع الذي يلي الأفعال، و يكون وقاية للفعل مثل «إنه قام زيد» ثم يستعمل بعد فيتقدم و يتأخر، و الأصل في هذا إنما قام زيد، فالعماد ك‍ (ما) و كل موضع فعلى هذا جاء يقي الفعل، و ليس مع (قُلْ هُوَ اَللّٰهُ أَحَدٌ ) (الإخلاص – الآية 1) شيء يقيه (25).

و اتفاق الكسائي و سيبويه لم يمنع ثعلبا أن يقف مع إمامه الأخص و هو الفراء. و مع احترامه لإمام النحاة، فإنه خطأه في بعض القضايا نرى منها قوله:

أخطأ سيبويه في إنشاد هذا البيت:

يا صاح يا ذا الضامر العنس                و الرحل و الأقتاب و الحلس 
فرواه بالرفع، و «ذا» هنا بمعنى صاحب (26) كما أورد مرة أخرى، قال سيبويه:

يا هذا فيه تنبيه في موضعين و هما «يا» و «ها» و هذا باطل.

طرائف ثعلب

و من طرائف المسائل التي أخذها النحاة عن ثعلب بعض صيغ المجازاة التي يحتاج الفقهاء إلى معرفتها لما ينبني عليها من أحكام، منها ما ذكر أبو القاسم الزجاجي، أن ابن الخياط و ابن كيسان، أفادهما ثعلب بها.

منها ثلاث صور و هي:

1. إذا قال الرجل لامرأته إن أعطيتك إن وعدتك إن سألتني فأنت طالق ثلاثا، فإنها لا تطلق حتى تبدأ بالسؤال، ثم يعدها، ثم يعطيها بعد العدة.

2. و إن قال: إن سألتني إن أعطيتك، إن وعدتك فأنت طالق ثلاثا فهو مضمر للفاء في الجزاء الثاني، و لا يضمر الفاء في الجزاء الثالث لأنه العدة قبل العطية فهذا أيضا لا تطلق حتى تسأله ثم يعدها، ثم يعطيها.

3. إن سألتني إن وعدتك إن أعطيتك فأنت طالق، فهو مضمر للفاء في ذلك كله. و الحكم فيها كسابقها (27).

ص146

و لقد كان أحمد بن يحيى إماما بارعا في اللغة ماهرا بالغريب منها، و له فيها طرائف عجيبة، منها تفسير لقول امرء القيس: 

نطعنهم سلكى و مخلوجة                       كرّك لامين على نابل 

و قد رأينا أن أبا عمرو بن العلاء قال إن البيت من اللغة القديمة و أعرض عن تفسيره أما ثعلب فقد فسر «اللام» بالسهم إذا ريش (28)، و منها تفسيره للتغييض بأنه القذف بالدموع المتوالية و استشهد بقول الشاعر:
غيضن من عبراتهن و قلن لي          ماذا لقيت من الهوى و لقينا (29)
و من غرائبه أيضا قوله إن ابن آوى، و ابن عرس و ابن قترة مذكرة في الإفراد مؤنثة في الجمع، فتقول في جمعه بنات آوى و بنات عرس و بنات قترة و هي ضرب من الحيات (30)،

 

و قوله امرأة قنعان و نسوة قنعان، فجاء الجمع و المفرد على لفظ واحد(31) و فسر «زرقا» في قوله تعالى: (وَ نَحْشُرُ اَلْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً ) (طه-الآية 102) بأنهم العطاش (32)، و في مجالسه كثير من هذه النوادر.

و من شعره في العتاب:

إخاء ابن عيسى لي إخاء ابن ضرة             و ودي له ود ابن أمّ و والد 
فما باله مستعذبا من جفائنا                      موارد لم تعذب لنا من موارد 
أقمت ثلاثا خلف حمّى مضرة                  فلم أره في أهل ودي و عائدي 
سلاما هي الدنيا قروض و إنما                أخوك أخوك الحر عند الشدائد (33)
و قد بقي من آثاره كتاب الفصيح الذي نظمه مالك بن المرحل السبتي، و هو كتاب بديع في فنه و له كتاب المجالس، و هو كتاب أدب و نحو و لغة يتضمن تفسير غريب القرآن، مع الاعتماد على الأخفش و الفراء، و هو مقتضب على منوال معاني القرآن، و من أغرب ما فيه تقسيم المصحف الشريف إلى نصفين، و أثلاث و أرباع و أخماس و أسباع، بحسب تعداد حروفه، و عزاه حميد الأعرج المكي.

ص147

كما تضمن أيضا جملا من معاني الشعر و من أراجيزه، و بعض الأحيان يأتي التفسير قبل إنشاد البيت، و هذا يدل على نوع من الاضطراب قد يكون سببه النساخ. و النسخة المحققة منه فيها خروم كثيرة.

و فيه أيضا حكايات من التراث العربي، و ما يقال في وصف المطر، و وصف النخيل و أنواعه و مراحل نضج التمور. مع إعطاء لغات القبائل في ذلك في الحجاز، و نجد، و عمان، و وصف آلات الحرب.

و فيها قضايا نحوية تأتي عرضا في ثنايا تفسير الآيات، أو شرح أبيات الشعر. و الكتاب ينم عن سعة علم، و غوص في الغريب، و معرفة بالشعر. و قد اقتبس منه أهل المعاجم الكثير، و بالخصوص صاحب اللسان.

و قد رثى ثعلبا عند موته أحد الشعراء فأجاد بقوله:

مات ابن يحيى فماتت دولة الأدب             و مات أحمد أنحى العجم و العرب 
فإن تولى أبو العباس منتقد             افلم يمت ذكره، في الناس و الكتب (34)
ص148

_______________________

 (1) راجع ترجمته في الزبيدي طبقات النحاة، ص 14 و إنباه الرواة، ج 1 ص 173، و معجم الأدباء، ج 2 ص 337.

(2) معجم الأدباء، ج 6 ص 2680.

(3) ديوان البحتري، ج 1 ص 177.

(4) عضيمة: مقدمة المقتضب، ص 40.

(5) معجم الأدباء، ج 6 ص 2680.

(6) معجم الأدباء، ج 6 ص 2682.

(7) الزبيدي: طبقات النحويين، ص 143، و ياقوت، ص 1680.

(8) معجم الأدباء، ج 2 ص 550.

(9) معجم الأدباء، ج 2 ص 541.

(10) معجم الأدباء، ج 2 ص 539.

(11) مهدي المخزومي مدرسة الكوفة، ص 154 نقلا عن مجالس اللغويين و النحويين للزجاجي.

(12) معجم الأدباء، ج 2 ص 540.

(13) المصدر و الصفحة نفسهما.

(14) الكامل، ج 1 ص 30.

(15) الكامل، ج 1 ص 78.

(16) راجع الأشباه و النظائر، ج 8 ص 255.

(17) مجالس ثعلب، ج 1 ص 150.

(18) مجالس ثعلب، ج 1 ص 161.

(19) المجالس، ج 1 ص 154.

(20) المجالس، ج 1 ص 52.

(21) المجالس، ج 1 ص 191.

(22) المجالس، ج 1 ص 119.

(23) المجالس، ج 2 ص 447.

(24) المصدر نفسه.

(25) المجالس، ج 2 ص 354.

(26) المجالس، ج 1 ص 333.

(27) المجالس، ج 1 ص 52.

(28) المجالس، ج1 ص 72.

(29) المجالس، ج 2 ص 597.

(30) المجالس، ج 1 ص 365.

(31) المجالس، ج 1 ص 91.

(32)) المجالس، ج 1 ص 393.

(33) الأشباه و النظائر، ج 8 ص 225.

(34) عضيمة هارون: مقدمة المقتضب، ج 1 ص 17.




هو العلم الذي يتخصص في المفردة اللغوية ويتخذ منها موضوعاً له، فهو يهتم بصيغ المفردات اللغوية للغة معينة – كاللغة العربية – ودراسة ما يطرأ عليها من تغييرات من زيادة في حروفها وحركاتها ونقصان، التي من شأنها إحداث تغيير في المعنى الأصلي للمفردة ، ولا علاقة لعلم الصرف بالإعراب والبناء اللذين يعدان من اهتمامات النحو. واصغر وحدة يتناولها علم الصرف تسمى ب (الجذر، مورفيم) التي تعد ذات دلالة في اللغة المدروسة، ولا يمكن أن ينقسم هذا المورفيم الى أقسام أخر تحمل معنى. وتأتي أهمية علم الصرف بعد أهمية النحو أو مساويا له، لما له من علاقة وطيدة في فهم معاني اللغة ودراسته خصائصها من ناحية المردة المستقلة وما تدل عليه من معانٍ إذا تغيرت صيغتها الصرفية وفق الميزان الصرفي المعروف، لذلك نرى المكتبة العربية قد زخرت بنتاج العلماء الصرفيين القدامى والمحدثين ممن كان لهم الفضل في رفد هذا العلم بكلم ما هو من شأنه إفادة طلاب هذه العلوم ومريديها.





هو العلم الذي يدرس لغة معينة ويتخصص بها – كاللغة العربية – فيحاول الكشف عن خصائصها وأسرارها والقوانين التي تسير عليها في حياتها ومعرفة أسرار تطورها ، ودراسة ظواهرها المختلفة دراسة مفصلة كرداسة ظاهرة الاشتقاق والإعراب والخط... الخ.
يتبع فقه اللغة من المنهج التاريخي والمنهج الوصفي في دراسته، فهو بذلك يتضمن جميع الدراسات التي تخص نشأة اللغة الانسانية، واحتكاكها مع اللغات المختلفة ، ونشأة اللغة الفصحى المشتركة، ونشأة اللهجات داخل اللغة، وعلاقة هذه اللغة مع أخواتها إذا ما كانت تنتمي الى فصيل معين ، مثل انتماء اللغة العربية الى فصيل اللغات الجزرية (السامية)، وكذلك تتضمن دراسة النظام الصوتي ودلالة الألفاظ وبنيتها ، ودراسة أساليب هذه اللغة والاختلاف فيها.
إن الغاية الأساس من فقه اللغة هي دراسة الحضارة والأدب، وبيان مستوى الرقي البشري والحياة العقلية من جميع وجوهها، فتكون دراسته للغة بذلك كوسيلة لا غاية في ذاتها.





هو العلم الذي يهتم بدراسة المعنى أي العلم الذي يدرس الشروط التي يجب أن تتوفر في الكلمة (الرمز) حتى تكون حاملا معنى، كما يسمى علم الدلالة في بعض الأحيان بـ(علم المعنى)،إذن فهو علم تكون مادته الألفاظ اللغوية و(الرموز اللغوية) وكل ما يلزم فيها من النظام التركيبي اللغوي سواء للمفردة أو السياق.