أقرأ أيضاً
التاريخ: 12-08-2015
5091
التاريخ: 2-03-2015
10326
التاريخ: 27-03-2015
3627
التاريخ: 2-03-2015
2026
|
المبرد و ثعلب كانا فرسي رهان عصرهما، فكان الأول إمام البصرة، و ترأس الثاني مدرسة الكوفة، فقد حفظ أبو العباس أحمد بن عيسى المعروف بثعلب، كتب الفراء و هو لم يتجاوز خمسا و عشرين سنة، ثم لزم ابن الأعرابي بضعة عشر سنة، و درس على سلمة بن عاصم، و محمد بن عبد اللّه بن قادم، و سمع من ابن المغيرة جل كتب الأصمعي و أبي عبيدة و أخذ الحديث من أحمد بن حنبل و عبد اللّه بن عمر القواريري (1).
ص139
و المنافسة بين هذين العالمين كانت مضرب الأمثال حتى قال بعض الشعراء:
و استمرت الخصومة بين الرجلين طيلة أربعين سنة، و كان لكل منهما مذهبه، و أنصاره، فبجانب المبرد نجد الزجاج الذي كان من ألمع تلامذته، و منهم أبو علي الدينوري ختن ثعلب و الأخفش الصغير، و نفطويه، و محمد بن يحيى الصولي، و الشاعر الأمير عبد اللّه بن المعتز. و من الشعراء المرموقين الذي أثنوا على المبرد البحتري و ابن الرومي:
فالأول يقول فيه:
و يقول الثاني في قصيدة طويلة:
رأيت محمد بن يزيد يسمو إلى الخيرات في جاه و قدر
ص140
فيا طالب العلم لا تجهلن و عذ بالمبرد أو ثعلب
تجد عند هذين علم الورى فلا تك كالجمل الأجرب
لقد جمع بينهما محمد بن عبد اللّه بن طاهر، و سئل عن معنى بيت امرئ القيس:
ص141
و انقطاع المبرد في هذا المجلس لا يعني ضعفا في الحجة و الجدل: ففي مناظرة أخرى بينهما، سأل ثعلبا عن همزة بين و بين هل هي متحركة أم ساكنة.
فقال ثعلب لا متحركة و لا ساكنة، إنها روم. فقال المبرد: قوله لا ساكنة، فقد أقر بأنها متحركة، و قوله لا متحركة، فقد أقر بأنها ساكنة. فهي إذن ساكنة لا ساكنة، و متحركة لا متحركة (11).
و سئل المبرد عن قول الشاعر:
وغيّرها عن وصلها الشيب إنه شفيع إلى بيض الخدود مدرب
ورثي بخط المبرد «ضربته بلا سيف فقال ثعلب هذا خطأ لأن «لا» التبرئة لا يقع عليها خافض و لا غيره لأنها أداة، و ما تقع أداة على أداة (13).
و التنافس بين ثعلب و بين المبرد لم يمنع هذا الأخير من الاعتراف بقدره و علمه و الاستفادة منه، و روى عنه مرات في كتاب الكامل فقال إنه سمع منه قول النميري:
إني هزئت من أم الغمر إذ هزئت بشيب رأسي، و ما بالشيب من عار
ص142
و لم يك المبرد العالم البصري الوحيد الذي تلقى العلم من ثعلب، فقد تتلمذ له الزجاج قبل أن يعيب عليه المسائل التي خطأه فيها في كتاب الفصيح، فزعم أنه غلط في قوله عرق النسا، و أن الصواب النسا، مثل ما قال امرؤ القيس:
فأثبت أظفاره في النسا
و في استعماله لفظ «الحلم» مصدرا و هي اسم بدليل قوله تعالى: لَمْ يَبْلُغُوا اَلْحُلُمَ مِنْكُمْ ((النور- الآية 58) و أنكر عليه قوله «امرأة عزبة» ، و الصواب عزب، مستشهدا بقول الشاعر:
يا من يدل عزبا على عزب
و عاب عليه كسر كاف كسرى في النسب، و قوله وعدته بكذا في الشر، و الإتيان برشدة وزنيه بكسر، فائهما بالفتح لأنهما للمرة. و خطأه في كسر النون من أسنمة، لأن الأصمعي رواها بالضم، و قوله «إذا عز أخوك فهن» و الصواب كسر الهاء لأنه من هان يهين أي لان. و اعترض عليه كذلك استعمال لفظة المطوّعة، و الصحيح المطّوعة بتشديد الطاء كما ورد في الذكر الحكيم.
و مثل فعل ابن ولاد في الانتصار لسيبويه انتصر أبو عبد اللّه الحسين بن خالويه لثعلب، و قام ينقض جميع اعتراضات الزجاج عليه، فذكر أن عليّ بن أبي طالب و ابن عباس قالا: «إن يعقوب كان مصابا بعرق النسا، و إن الحلم مصدر و اسم مثل العلم، و إن عزبة صحيحة مثل شيخ و شيخة و غلام و غلامة و رجل و رجلة، و إن كاف كسرى يصح فتحها و كسرها لأنها ليست عربية الأصل، و الاسم الأصلي خسرو، و يقول أبو عبيد: إن الكسر فيها أفصح، ورد عليه في وعد و أوعد، أن وعد تأتي للخير مثل ( وَ إِذْ يَعِدُكُمُ اَللّٰهُ إِحْدَى اَلطّٰائِفَتَيْنِ ((الأنفال- الآية 7) ، و في الشر في قوله تعالى: (اَلنّٰارُ وَعَدَهَا اَللّٰهُ اَلَّذِينَ كَفَرُوا ((سورة الحج- الآية 72) و أوعدت مع الباء جاءت في قول الشاعر:
أوعدني بالسجن و الأداهم رجلي و رجلي شثنة المناسم
ص143
ولكنهما مع ذلك كانا يتزاوران و يتبادلان التحية و السّلام، بالرغم مما كان بينهما من منافرة علمية، غذتها المعاصرة و المنافسة.
إذا ما تناول ثعلب مسائل الخلاف العامة، لم تبد عليه دوافع العداوة و الحقد، فلم يكن نابيا في تعبير و لا فاحشا في قول.
فقد ذكر ثعلب مثلا أن أهل البصرة يقولون بإعمال فعول و مفعال، و أن الفراء و الكسائي يمنعانه(17)، و أنهم في نحو «رأيتك إياك» يقولون إن «إياك» بدل، و أن أصحابه يقولون إنها توكيد (18). و يذكر أن أهل البصرة لا يفرقون بين الصفة و النعت، و أن أصحابه يجعلون النعت أخص مثل الأعرج، و أن الصفة عامة، و لذلك فإن اللّه يوصف و لا ينعت(19)، و ربما ألمح أنه لا يطمئن لرأي الكوفيين حين يقول: و زعم أصحابنا أن «كما» تنصب و يزعم البصريون أنها لا تعمل و أنشد:
وطرفك إما جئتنا فاحفظنّه كما يحسبوا أن الهوى حيث تنظر(20)
ص144
هذا الشخص كزيد، و إذا قلت هذا كزيد قائما، كأنك قلت هذا زيد قائما، و لكنك قد قربته و تكون تشبيها كزيد هذا منطلق، و كزيد قائم، و هذا يجري مجرى الخبر.
و قال سيبويه هذا زيد منطلقا، فأراد أن يخبر عن هذا بالانطلاق و لا يخبر عن زيد و لكنه ذكر زيدا ليعلم عن الفعل. قال أبو العباس و هذا لا يكون إلا تقريبا، و هو لا يعرف التقريب. و التقريب مثل «كان» لأنه رد كلام فلا يكون قبله شيء. و قال الكسائي: «سمعت العرب تقول هذا زيد إياه بعينه» فجعله مثل كان. و قالوا: تربع ابن جؤبة في اللحن حين قرأ: (هٰؤُلاٰءِ بَنٰاتِي هُنَّ أَطْهَرُ ) (سورة هود-الآية 78) ، و جعلوه حالا. و ليس هو كما قالوا، و هو خبر لهذا، كما كان، إلا أنه لا يدخل العماد مع التقريب من قبل أن العماد جواب و التقريب جواب فلا يجتمعان. و إذا صاروا إلى المكنى جعلوه بين «ها» و «ذا» فقالوا ها أنا و حذفوها و هذا كله مع التقريب و يحذفون الخبر لمعاينة الإنسان فقالوا: ها أنذا عمار.
فحذف الخبر كأنه قال ها أنذا حاضر، و إذا جاؤوا مع هذا بالألف و اللام كانت الألف و اللام نعتا لهذا. و قد أجاز أهل البصرة إذا كان معهدا أن ينصب الفعل اسم الفاعل و الفراء يأباه، و إنما نعتوا هذا بالأسماء فقالوا مررت بهذا الرجل فميزت هذا بجنس من الأجناس. و إذا جاء واحد لا ثاني له فقيل هذا القمر لم يكن تقريبا، و قد سقط هذا، فتقول: كيف أضاف الظلم و هذا الخليفة قائما و الخليفة قائم. و كلما رأيت إدخال هذا و إخراجه واحدا فهو تقريب مثل قولهم: من كان من الناس سعيدا فهذا الصياد شقيا، و هو قولك فالصياد شقيا.
و يظهر من ثعلب في نطاق كوفيته، ميله إلى الفراء، نظرا لقوة استيعابه المعارف النحوية، فاستحسن رأيه في تثليث «ضرورة» بعد لدن(21)، و قوله إن «أجمعين» معدول عن «أجمع» و جمعاء لأن أصله نعت فعدل إلى التوكيد، و لذلك لا يمكن أن نقول مررت بأجمعين،(22) و رجح قول الفراء على الكسائي في عدة مواضع منها عدم اشتراط الباء في مثل «مررت بزيد لا بعمرو» ، و استدل الفراء بقول الشاعر:
إنما يجزي الفتى ليس الجمل (23)
و في منع قول «زيدا إن تضرب أضرب» إذ أجازه الكسائي و منعه الفراء لأن الشروط عنده لا تتقدم عليها صلاتها (24)، و منها أيضا إنكار قول الكسائي و سيبويه إن «هو» من
ص145
(قُلْ هُوَ اَللّٰهُ أَحَدٌ ) ( الإخلاص – الآية 1) عماد أي ضمير فصل، و قال الفرّاء إنه خطأ من قبل أن العماد لا يدخل إلا على الموضع الذي يلي الأفعال، و يكون وقاية للفعل مثل «إنه قام زيد» ثم يستعمل بعد فيتقدم و يتأخر، و الأصل في هذا إنما قام زيد، فالعماد ك (ما) و كل موضع فعلى هذا جاء يقي الفعل، و ليس مع (قُلْ هُوَ اَللّٰهُ أَحَدٌ ) (الإخلاص – الآية 1) شيء يقيه (25).
و اتفاق الكسائي و سيبويه لم يمنع ثعلبا أن يقف مع إمامه الأخص و هو الفراء. و مع احترامه لإمام النحاة، فإنه خطأه في بعض القضايا نرى منها قوله:
أخطأ سيبويه في إنشاد هذا البيت:
يا هذا فيه تنبيه في موضعين و هما «يا» و «ها» و هذا باطل.
و من طرائف المسائل التي أخذها النحاة عن ثعلب بعض صيغ المجازاة التي يحتاج الفقهاء إلى معرفتها لما ينبني عليها من أحكام، منها ما ذكر أبو القاسم الزجاجي، أن ابن الخياط و ابن كيسان، أفادهما ثعلب بها.
منها ثلاث صور و هي:
1. إذا قال الرجل لامرأته إن أعطيتك إن وعدتك إن سألتني فأنت طالق ثلاثا، فإنها لا تطلق حتى تبدأ بالسؤال، ثم يعدها، ثم يعطيها بعد العدة.
2. و إن قال: إن سألتني إن أعطيتك، إن وعدتك فأنت طالق ثلاثا فهو مضمر للفاء في الجزاء الثاني، و لا يضمر الفاء في الجزاء الثالث لأنه العدة قبل العطية فهذا أيضا لا تطلق حتى تسأله ثم يعدها، ثم يعطيها.
3. إن سألتني إن وعدتك إن أعطيتك فأنت طالق، فهو مضمر للفاء في ذلك كله. و الحكم فيها كسابقها (27).
ص146
و لقد كان أحمد بن يحيى إماما بارعا في اللغة ماهرا بالغريب منها، و له فيها طرائف عجيبة، منها تفسير لقول امرء القيس:
نطعنهم سلكى و مخلوجة كرّك لامين على نابل
و قوله امرأة قنعان و نسوة قنعان، فجاء الجمع و المفرد على لفظ واحد(31) و فسر «زرقا» في قوله تعالى: (وَ نَحْشُرُ اَلْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً ) (طه-الآية 102) بأنهم العطاش (32)، و في مجالسه كثير من هذه النوادر.
و من شعره في العتاب:
ص147
كما تضمن أيضا جملا من معاني الشعر و من أراجيزه، و بعض الأحيان يأتي التفسير قبل إنشاد البيت، و هذا يدل على نوع من الاضطراب قد يكون سببه النساخ. و النسخة المحققة منه فيها خروم كثيرة.
و فيه أيضا حكايات من التراث العربي، و ما يقال في وصف المطر، و وصف النخيل و أنواعه و مراحل نضج التمور. مع إعطاء لغات القبائل في ذلك في الحجاز، و نجد، و عمان، و وصف آلات الحرب.
و فيها قضايا نحوية تأتي عرضا في ثنايا تفسير الآيات، أو شرح أبيات الشعر. و الكتاب ينم عن سعة علم، و غوص في الغريب، و معرفة بالشعر. و قد اقتبس منه أهل المعاجم الكثير، و بالخصوص صاحب اللسان.
و قد رثى ثعلبا عند موته أحد الشعراء فأجاد بقوله:
_______________________
(1) راجع ترجمته في الزبيدي طبقات النحاة، ص 14 و إنباه الرواة، ج 1 ص 173، و معجم الأدباء، ج 2 ص 337.
(2) معجم الأدباء، ج 6 ص 2680.
(3) ديوان البحتري، ج 1 ص 177.
(4) عضيمة: مقدمة المقتضب، ص 40.
(5) معجم الأدباء، ج 6 ص 2680.
(6) معجم الأدباء، ج 6 ص 2682.
(7) الزبيدي: طبقات النحويين، ص 143، و ياقوت، ص 1680.
(8) معجم الأدباء، ج 2 ص 550.
(9) معجم الأدباء، ج 2 ص 541.
(10) معجم الأدباء، ج 2 ص 539.
(11) مهدي المخزومي مدرسة الكوفة، ص 154 نقلا عن مجالس اللغويين و النحويين للزجاجي.
(12) معجم الأدباء، ج 2 ص 540.
(13) المصدر و الصفحة نفسهما.
(14) الكامل، ج 1 ص 30.
(15) الكامل، ج 1 ص 78.
(16) راجع الأشباه و النظائر، ج 8 ص 255.
(17) مجالس ثعلب، ج 1 ص 150.
(18) مجالس ثعلب، ج 1 ص 161.
(19) المجالس، ج 1 ص 154.
(20) المجالس، ج 1 ص 52.
(21) المجالس، ج 1 ص 191.
(22) المجالس، ج 1 ص 119.
(23) المجالس، ج 2 ص 447.
(24) المصدر نفسه.
(25) المجالس، ج 2 ص 354.
(26) المجالس، ج 1 ص 333.
(27) المجالس، ج 1 ص 52.
(28) المجالس، ج1 ص 72.
(29) المجالس، ج 2 ص 597.
(30) المجالس، ج 1 ص 365.
(31) المجالس، ج 1 ص 91.
(32)) المجالس، ج 1 ص 393.
(33) الأشباه و النظائر، ج 8 ص 225.
(34) عضيمة هارون: مقدمة المقتضب، ج 1 ص 17.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|