أقرأ أيضاً
التاريخ: 9-8-2019
17772
التاريخ: 11-8-2019
14018
التاريخ: 10-8-2019
2738
التاريخ: 8-8-2019
3979
|
قال تعالى : {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (73) يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ} [التوبة : 73 ، 74] .
تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هاتين الآيتين (1) :
قال تعالى : {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [التوبة : 73] .
ثم أمر سبحانه بالجهاد ، فقال : {يا أيها الني جاهد الكفار} بالسيف ، والقتال {والمنافقين} : واختلفوا في كيفية جهاد المنافقين فقيل : إن جهادهم باللسان ، والوعظ ، والتخويف . عن الجبائي . وقيل : جهادهم بإقامة الحدود عليهم ، وكان نصيبهم من الحدود أكثر . وقيل : هو بالأنواع الثلاثة بحسب الإمكان ، يريد باليد ، فإن لم يستطع فباللسان ، فإن لم يستطع فبالقلب ، فإن لم يقدر فليكفهر في وجوههم (2) ، عن ابن مسعود .
وروي في قراءة أهل البيت : جاهد الكفار بالمنافقين ، قالوا : لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن يقاتل المنافقين ، وإنما كان يتألفهم ، لأن المنافقين لا يظهرون الكفر ، وعلم الله تعالى بكفرهم لا يبيح قتلهم ، إذا كانوا يظهرون الإيمان {وأغلظ عليهم} ومعناه : وأسمعهم الكلام الغليظ الشديد ، ولا ترق عليهم {ومأواهم جهنم} أي : منزلهم ، ومقامهم ، ومسكنهم ، جهنم ، يريد مأوى الفريقين {وبئس المصير} أي : بئس المرجع والمأوى .
- { يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ} [التوبة : 74] .
ثم أظهر سبحانه أسرار المنافقين ، فقال : {يحلفون بالله ما قالوا} يعني : أنهم حلفوا كاذبين ما قالوا ما حكي عنهم . ثم حقق عليهم ذلك وأقسم سبحانه بأنهم قالوا ذلك ، لأن اللام في {ولقد قالوا} لام القسم و {كلمة الكفر} كل كلمة فيها جحد لنعم الله تعالى ، وكانوا يطعنون في الاسلام {وكفروا بعد إسلامهم} أي : بعد إظهار إسلامهم ، يعني ظهر كفرهم بعد أن كان باطنا .
{وهموا بما لم ينالوا} قيل : فيه ثلاثة أقوال أحدها : إنهم هموا بقتل النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليلة العقبة ، والتنفير بناقته ، عن الكلبي ، ومجاهد ، وغيرهما وثانيها :
إنهم هموا باخراج الرسول من المدينة ، فلم يبلغوا ذلك ، عن قتادة ، والسدي وثالثها : إنهم هموا بالفساد والتضريب بين أصحابه ، ولم ينالوا ذلك ، عن الجبائي {وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله} معناه : إنهم عملوا بضد الواجب ، فجعلوا موضع شكر النعمة أن نقموها ، وبيانه أنهم نقموا فيما ليس بموضع للنقمة ، فإنه لم يكن للمسلمين ذنب ينقمونه منهم ، بل الله تعالى أباح لهم الغنائم ، وأغناهم بذلك ، فقابلوا النعمة بالكفران ، وكان من حقهم أن يقابلوها بالشكر . وقد مر هذا المعنى عند قوله {قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منا} الآية في سورة المائدة ، وإنما لم يقل من فضلهما ، لأنه لا يجمع بين اسم الله واسم غيره في الكناية ، تعظيما لله ، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لمن سمعه يقول : {من أطاع الله ورسوله فقد اهتدى ، ومن عصاهما فقد غوى} : بئس خطيب القوم أنت! فقال كيف أقول يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟
قال قل : {ومن يعص الله ورسوله} وهكذا القول في قوله سبحانه {والله ورسوله أحق أن يرضوه} وقيل إنما لم يقل : من فضلهما ، لأن فضل الله سبحانه منه ، وفضل رسول الله من فضل الله {فإن يتوبوا يك خيرا لهم} أي : فإن يتب هؤلاء المنافقون ، ويرجعوا إلى الحق ، يكن ذلك خيرا لهم في الدنيا والآخرة ، فإنهم ينالون بذلك رضا الله ورسوله والجنة ، {وإن يتولوا} أي : يعرضوا عن الرجوع إلى الحق ، وسلوك الطريق المستقيم {يعذبهم الله عذابا أليما} مؤلما {في الدنيا} بما ينالهم من الحسرة ، والغم ، وسوء الذكر {و} في {الآخرة} بعذاب النار {وما لهم في الأرض} أي ليس لهم في الأرض {من ولي} أي : محب {ولا نصير} ينصرهم ، ويدفع عنهم عذاب الله .
___________________________
1. تفسير مجمع البيان ، ج5 ، ص 88-92 .
2. اكفهر: عبس .
تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنيه في تفسير هاتين الآيتين (1) :
{ يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ والْمُنافِقِينَ واغْلُظْ عَلَيْهِمْ ومَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وبِئْسَ الْمَصِيرُ } . استعمل النبي ( صلى الله عليه وآله ) اللين مع المنافقين فما أجدى ، بل جرّ أهم التسامح على الطعن فيه والقول بأنه أذن ، فأمره اللَّه سبحانه ان يغلظ عليهم ويجاهدهم . .
ولكنه لم يبيّن نوع الجهاد : هل هو بالسيف أو باللسان أو بطريق آخر ؟ . ومعنى هذا ان اللَّه قد ترك ذلك إلى تقدير النبي ( صلى الله عليه وآله ) فيجاهدهم بما يراه من الحكمة والمصلحة .
{ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ ما قالُوا ولَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ } . الضمير في يحلفون وقالوا عائد إلى قوم من المنافقين ، فإنهم نطقوا بكلمة الكفر في حق رسول اللَّه ( صلى الله عليه وآله ) ، ولما سألهم خافوا وحلفوا ، فكذبهم اللَّه ، وثبت صحة ما نسب إليهم . . ولم يذكر جلّ وعز أسماء الذين حلفوا اليمين الكاذبة ، ولا كلمة الكفر التي نطقوا بها ، كيلا يتعبد المسلمون بتلاوتها . وقال الشيخ المراغي في تفسيره : « وأصح ما روي أن رسول اللَّه ( صلى الله عليه وآله ) كان جالسا في ظل شجرة فقال : انه سيأتيكم إنسان ينظر إليكم بعيني شيطان ، فإذا جاء فلا تكلَّموا ، فلم يلبثوا أن طلع رجل أزرق ، فدعاه الرسول ، فقال له : علام تشتمني أنت وأصحابك ؟ فانطلق الرجل ، فجاء بأصحابه ، فحلفوا باللَّه ما قالوا ، فتجاوز عنهم ، فأنزل اللَّه : يحلفون باللَّه ما قالوا الخ » .
{ وكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ } . هذا مثل قوله تعالى : { لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ } ومر تفسيره في الآية 66 من هذه السورة .
{ وهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا } . في تفسير الرازي والبحر المحيط والمنار والمراغي وغيره : ان جماعة من المنافقين اتفقوا على الفتك بالرسول ، فأخبره اللَّه بذلك ، فاحترز منهم ، ولم يصلوا إلى مقصودهم . وفي الجزء الثاني من كتاب « الأعيان » للسيد محمد الأمين :
« رجع رسول اللَّه ( صلى الله عليه وآله ) من تبوك إلى المدينة ، حتى إذا كان ببعض الطريق مكر به ناس من أصحابه ، فتآمروا أن يطرحوه من عقبة في الطريق ، فأخبر رسول اللَّه ( صلى الله عليه وآله ) خبرهم » .
{ وما نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْناهُمُ اللَّهُ ورَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ } . ضمير نقموا وأغناهم يعود إلى المنافقين ، وقد كان كثير منهم في ضنك من العيش يقاسون مرارة البؤس والفقر قبل أن ينطقوا بكلمة الإسلام ، وبعد أن قالوها بأطراف ألسنتهم تدفقت عليهم الأرزاق ، لأن النبي ( صلى الله عليه وآله ) كان يساويهم في الغنائم بسائر المسلمين ، ووفى ديون بعضهم ، فكان جزاؤه منهم ان قالوا عنه ما قالوا : ثم همّوا باغتياله . . فوبخهم سبحانه على عقوقهم وكفران النعم بهذا الأسلوب ، وهو مثل قولك لمن عقّك بعد إحسانك إليه : ما لي عندك ذنب الا الإحسان إليك .
{ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْراً لَهُمْ } . ان باب اللَّه مفتوح على مصراعيه لكل طارق ، والسبيل إليه سهل يسير ، حتى على الكافرين والمنافقين ، لا يكلفهم سوى الاعتذار عما سلف ، والصدق فيما يأتي .
{ وإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذاباً أَلِيماً فِي الدُّنْيا والآخِرَةِ } أما عذابهم في الآخرة فمعلوم ، واما عذابهم في الدنيا فلأن المنافقين في خوف دائم ان يفتضح أمرهم ، وينتهك سترهم ، ومن أجل هذا يرهبون كل شيء ، ويحسبون كل صيحة انها عليهم ، لا على غيرهم ، كما وصفهم تعالى بقوله : {وإِذا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ وإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ} [المنافقون - 4] . {وما لَهُمْ فِي الأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ ولا نَصِيرٍ } . ومن ينصر أو يجرأ ان ينصر من تكشفت عوراته وسيئاته على عيون الملأ .
____________________
1. تفسير الكاشف ، ج4 ، ص 70-72 .
تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هاتين الآيتين (1) :
قوله تعالى : ﴿يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين وأغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير﴾ جهاد القوم ومجاهدتهم بذل غاية الجهد في مقاومتهم وهو يكون باللسان وباليد حتى ينتهي إلى القتال ، وشاع استعماله في الكتاب في القتال وإن كان ربما استعمل في غيره كما في قوله : ﴿والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا﴾ الآية .
واستعماله في قتال الكفار على رسله لكونهم متجاهرين بالخلاف والشقاق ، وأما المنافقون فهم الذين لا يتظاهرون بكفر ولا يتجاهرون بخلاف ، وإنما يبطنون الكفر ويقلبون الأمور كيدا ومكرا ولا معنى للجهاد معهم بمعنى قتالهم ومحاربتهم؟ ولذلك ربما يسبق إلى الذهن أن المراد بجهادهم مطلق ما تقتضيه المصلحة من بذل غاية الجهد في مقاومتهم فإن اقتضت المصلحة هجروا ولم يخالطوا ولم يعاشروا ، وإن اقتضت وعظوا باللسان ، وإن اقتضت أخرجوا وشردوا إلى غير الأرض أو قتلوا إذا أخذ عليهم الردة ، أو غير ذلك .
وربما شهد لهذا المعنى أعني كون المراد بالجهاد في الآية مطلق بذل الجهد تعقيب قوله : ﴿جاهد الكفار والمنافقين﴾ بقوله : ﴿وأغلظ عليهم﴾ أي شدد عليهم وعاملهم بالخشونة .
وأما قوله : ﴿ومأواهم جهنم وبئس المصير﴾ فهو عطف على ما قبله من الأمر ، ولعل الذي هون الأمر في عطف الإخبار على الإنشاء هو كون الجملة السابقة في معنى قولنا : ﴿إن هؤلاء الكفار والمنافقين مستوجبون للجهاد﴾ .
والله أعلم .
قوله تعالى : ﴿يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم وهموا بما لم ينالوا﴾ الآية .
سياق الآية يشعر بأنهم أتوا بعمل سيء وشفعوه بقول تفوهوا به عند ذلك ، وأن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عاتبهم على قولهم مؤاخذا لهم فحلفوا بالله ما قالوا كما تقدم في قوله : ﴿ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب﴾ إلى آخر الآية إنهم كانوا يعتذرون بذلك عن عملهم أنه كان خوضا ولعبا لا غير ذلك .
والله سبحانه يكذبهم في الأمرين جميعا : أما في إنكارهم القول فبقوله : ﴿ولقد قالوا كلمة الكفر﴾ وفسره ثانيا بقوله : ﴿وكفروا بعد إسلامهم﴾ للدلالة على جد القول فيتفرع عليه الكفر بعد الإسلام .
ولعله قال هاهنا : ﴿وكفروا بعد إسلامهم﴾ وقد قيل سابقا : ﴿قد كفرتم بعد إيمانكم﴾ لأن القول السابق للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الجاري على ظاهر حالهم وهو الإيمان الذي كانوا يدعونه ويتظاهرون به ، والقول الثاني لله العالم بالغيب والشهادة فيشهد بأنهم لم يكونوا مؤمنين ولم يتعدوا الشهادتين بلسانهم فهم كانوا مسلمين لا مؤمنين ، وقد كفروا بقولهم وخرجوا عن الإسلام إلى الكفر ، وفي هذا إيماء إلى أن قولهم كان كلمة فيه الرد على الشهادتين أو إحداهما .
أو لأن القول الأول في قبال عملهم الذي أرادوا إيقاع الشر بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، والعمل الخالي من القول وهو لم يصب الغرض لا يضر بالإسلام الذي هو نصيب اللفظ والشهادة ، وإنما يضر بالإيمان الذي هو نصيب الاعتقاد ، والقول الثاني في قبال قولهم الذي تفوهوا به ، وهو ينافي الإسلام الذي يكتسب باللفظ دون الإيمان الذي هو نوع من الاعتقاد القلبي .
وأما في إنكارهم العمل السيء الذي أتوا به وتأويلهم إياه إلى الخوض واللعب فبقوله : ﴿وهموا بما لم ينالوا﴾ .
ثم قال في مقام ذمهم وتعييرهم : ﴿وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله﴾ أي بسبب أن أغناهم الله ورسوله ، أي كان سبب نقمتهم هذه أن الله أغناهم من فضله بما رزقهم من الغنائم وبسط عليهم الأمن والرفاهية فمكنهم من توليد الثروة وإنماء المال من كل جهة ، وكذا رسوله حيث هداهم إلى عيشة صالحة تفتح عليهم أبواب بركات السماء والأرض ، وقسم بينهم الغنائم وبسط عليهم العدل .
فهو من قبيل وضع الشيء موضع ضده : وضع فيه الإغناء وهو بحسب الطبع سبب للرضى والشكر موضع سبب النقمة والسخطة كالظلم والغضب وإن شئت قلت : وضع فيه الإحسان موضع الإساءة ، ففيه نوع من التهكم المشوب بالذم نظير ما في قوله تعالى : ﴿وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون﴾ [الواقعة : 82] أي تجعلون رزقكم سببا للتكذيب بآيات الله وهو سبب بحسب الطبع لشكر النعمة والرضا بالموهبة على ما قيل : إن المعنى : وتجعلون بدل شكر رزقكم أنكم تكذبون .
والضمير في قوله : ﴿من فضله﴾ راجع إلى الله سبحانه ، قال في المجمع ، : وإنما لم يقل : من فضلهما لأنه لا يجمع بين اسم الله واسم غيره في الكناية تعظيما لله ، ولذلك قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لمن سمعه يقول : ﴿من أطاع الله ورسوله فقد اهتدى ومن عصاهما فقد غوى﴾ بئس خطيب القوم أنت فقال : كيف أقول يا رسول الله؟ قال : قل : ومن يعص الله ورسوله ، وهكذا القول في قوله سبحانه : ﴿والله ورسوله أحق أن يرضوه﴾ وقيل : إنما لم يقل من فضلهما لأن فضل الله منه وفضل رسوله من فضله ، انتهى كلامه .
وهناك وراء التعظيم أمر آخر قدمنا القول فيه في تفسير قوله تعالى : ﴿لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة﴾ [المائدة : 73] في الجزء السادس من الكتاب ، وهو أن وحدته تعالى ليست من سنخ الوحدة العددية حتى يصح بذلك تأليفها مع وحدة غيره واستنتاج عدد من الأعداد منه .
ثم بين الله سبحانه لهؤلاء المنافقين أن لهم مع هذه الذنوب المهلكة وصريح كفرهم بالله وهمهم بما لم ينالوا أن يرجعوا إلى ربهم ، وبين عاقبة أمر هذه التوبة وعاقبة التولي والإعراض عنها فقال : ﴿فإن يتوبوا يك خيرا لهم﴾ لأدائه إلى المغفرة والجنة ﴿وإن يتولوا﴾ ويعرضوا عن التوبة ﴿يعذبهم الله عذابا أليما في الدنيا﴾ بالسياسة والنكال أو بإغراء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عليهم أو بالمكر والاستدراج ، ولو لم يكن من عذابهم إلا أنهم مخالفون بنفاقهم نظام الأسباب المبني على الصدق والإيمان فتقادمهم سلسلة الأسباب وتحطمهم وتفضحهم لكان فيه كفاية ، وقد قال الله : ﴿والله لا يهدي القوم الفاسقين﴾ [التوبة : 24 ] ﴿والآخرة﴾ بعذاب النار .
وقوله تعالى : ﴿وما لهم في الأرض من ولي ولا نصير﴾ معناه أن هؤلاء لا ولي لهم في الأرض يتولى أمرهم ويصرف العذاب عنهم ، ولا نصير ينصرهم ويمدهم بما يدفعون به العذاب الموعود عن أنفسهم لأن سائر المنافقين أيضا منهم وكلمة الفساد يجمعهم وأصلهم الفاسد منقطع عن سائر الأسباب الكونية فلا ولي لهم يتولى أمرهم ولا ناصر لهم ينصرهم ولعل هذه الجملة من الآية إشارة إلى ما أومأنا إليه في معنى عذاب الدنيا .
___________________________
1 . تفسير الميزان ، ج9 ، ص 283-285 .
تفسير الأمثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هاتين الآيتين (1) :
قال تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ } [التوبة : 73] .
جهاد الكفار والمنافقين :
وأخيرا ، صدر القرار الإلهي للنّبي الأكرم صلى اللّه عليه وآله وسلّم في وجوب جهاد الكفار والمنافقين بكل قوّة وحزم {يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ والْمُنافِقِينَ} ولا تأخذك بهم رأفة ورحمة ، بل شدد {واغْلُظْ عَلَيْهِمْ} . وهذا العقاب هو العقاب الدنيوي ، أمّا في الآخرة فإن محلهم {ومَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وبِئْسَ الْمَصِيرُ} .
إن طريقة جهاد الكفار واضحة ومعلومة ، فإنّ جهادهم يعني التوسل بكل الطرق والوسائل في سبيل القضاء عليهم ، وبالذات الجهاد المسلح والعمل العسكري ، لكن البحث في أسلوب جهاد المنافقين ، فمن المسلم أنّ النّبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم لم يجاهدهم عسكريا ولم يقابلهم بحد السيف ، لأنّ المنافق هو الذي أظهر الإسلام ، فهو يتمتع بكل حقوق المسلمين وحماية القانون الإسلامي بالرغم من أنّه يسعى لهدم الإسلام في الباطن فكم من الأفراد لا حظّ لهم من الإيمان ، ولا يؤمنون حقيقة بالإسلام ، غير أنّنا لا نستطيع أن نعاملهم معاملة غير المسلمين .
اذن ، فالمستفاد من الرّوايات وأقوال المفسّرين هو أنّ المقصود من جهاد المنافقين هو الاشكال والطرق الأخرى للجهاد غير الجهاد الحربي والعسكري ، كالذم والتوبيخ والتهديد والفضيحة ، وربّما تشير جملة {واغْلُظْ عَلَيْهِمْ} إلى هذا المعنى .
ويحتمل في تفسير هذه الآية : أنّ المنافقين يتمتعون بأحكام الإسلام وحقوقه وحمايته ما دامت أسرارهم مجهولة ، ولم يتّضح وضعهم على حقيقته ، أمّا إذا تبيّن وضعهم وانكشفت خبيئة أسرارهم فسوف يحكمون بأنّهم كفار حربيون ، وفي هذه الحالة يمكن جهادهم حتى بالسيف .
لكن الذي يضعف هذا الاحتمال أنّ إطلاق كلمة المنافقين على هؤلاء لا يصح في مثل هذه الحالة ، بل إنّهم يعتبرون من جملة الكفار الحربيين ، لأنّ المنافق- كما قلنا سابقا- هو الذي يظهر الإسلام ويبطن الكفر .
- {يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ ما قالُوا ولَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا وما نَقَمُوا إِلاَّ أَنْ أَغْناهُمُ اللَّهُ ورَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْراً لَهُمْ وإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذاباً أَلِيماً فِي الدُّنْيا والْآخِرَةِ وما لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ ولا نَصِيرٍ} [التوبة : 74] .
مؤامرة خطرة :
إنّ ارتباط هذه الآية بالآيات السابقة واضح جدّا ، لأنّ الكلام كان يدور حول المنافقين ، غاية ما في الأمر أنّ هذه الآية تزيح الستار عن عمل آخر من أعمال المنافقين ، وهو أن هؤلاء عند ما رأوا أن أمرهم قد انكشف ، أنكروا ما نسب إليهم بل أقسموا باليمين الكاذبة على مدّعاهم .
في البداية تذكر الآية أن هؤلاء المنافقين لا يرتدعون عن اليمين الكاذبة في تأييد إنكارهم ، ولدفع التهمة فإنّهم {يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ ما قالُوا} في الوقت الذي يعلمون أنّهم ارتكبوا ما نسب إليهم من الكفر ولَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وعلى هذا فإنّهم قد اختاروا طريق الكفر بعد إعلانهم الإسلام {وكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ} . . ومن البديهي أن هؤلاء لم يكونوا مسلمين منذ البداية ، بل إنّهم أظهروا الإسلام فقط ، وعلى هذا فإنّهم بإظهارهم الكفر قد هتكوا ومزّقوا حتى هذا الحجاب المزيف الذي كانوا يتسترون به .
وفوق كل ذلك فقد صمّموا على أمر خطير لم يوفقوا لتحقيقه {وهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا} ويمكن أن يكون هذا إشارة إلى تلك المؤامرة لقتل النّبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم في ليلة العقبة ، والتي مرّ ذكرها آنفا ، أو أنّه إشارة إلى كل أعمال المنافقين التي يسعون من خلالها إلى تحطيم المجتمع الإسلامي وبثّ بذور الفرقة والفساد والنفاق بين أوساطه ، لكنّهم لن يصلوا إلى أهدافهم مطلقا .
ممّا يستحق الانتباه أن يقظة المسلمين تجاه الحوادث المختلفة كانت سببا في معرفة المنافقين وكشفهم ، فقد كان المسلمون- دائما- يرصدون هؤلاء ، فإذا سمعوا منهم كلاما منافيا فإنّهم يخبرون النّبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم به من أجل منعهم وتلقي الأوامر فيما يجب عمله تجاه هؤلاء . إنّ هذا الوعي والعمل المضاد المؤيّد بنزول الآيات أدى إلى فضح المنافقين وإحباط مؤامراتهم وخططهم الخبيثة .
الجملة الأخرى تبيّن واقع المنافقين القبيح ونكرانهم للجميل فتقول الآية: إنّ هؤلاء لم يروا من النّبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم أي خلاف أو أذى ، ولم يتضرروا بأي شيء نتيجة للتشريع الإسلامي ، بل على العكس ، فإنّهم قد تمتعوا في ظل حكم الإسلام بمختلف النعم المادية والمعنوية {وما نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْناهُمُ اللَّهُ ورَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ} «2» وهذه قمة اللؤم .
ولا شك أنّ إغناءهم وتأمين حاجاتهم في ظل رحمة اللّه وفضله وكذلك بجهود النّبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم لا يستحق أن ينقم من جرائه هؤلاء المنافقون ، بل إنّ حقّه الشكر والثناء ، إلّا أنّ هؤلاء اللؤماء المنكرين للجميل والمنحرفي السيرة والسلوك قابلوا الإحسان بالإساءة .
ومثل هذا التعبير الجميل يستعمل كثيرا في المحادثات والمقالات ، فمثلا نقول للذي أنعمنا عليه سنين طويلة وقابل إحساننا بالخيانة : إنّ ذنبنا وتقصيرنا الوحيد أنّنا آويناك ودافعنا عنك وقدّمنا لك منتهى المحبّة على طبق الإخلاص .
غير أنّ القرآن- كعادته- رغم هذه الأعمال لم يغلق الأبواب بوجه هؤلاء ، بل فتح باب التوبة والرجوع إلى الحق على مصراعيه إن أرادوا ذلك ، فقال : { فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْراً لَهُمْ} . وهذه علامة واقعية الإسلام واهتمامه بمسألة التربية ، ومعارضته لاستخدام الشدّة في غير محلّها وهكذا فتح باب التوبة حتى بوجه المنافقين الذين طالما كادوا للإسلام وتآمروا على نبيّه وحاكوا الدسائس والتهم ضده ، بل إنّه دعاهم إلى التوبة أيضا .
هذه في الحقيقة هي الصورة الواقعية للإسلام ، فما أظلم هؤلاء الذين يرمون الإلام بأنّه دين القوة والإرهاب والخشونة! هل توجد في عالمنا المعاصر دولة مستعدة لمعاملة من يسعى لإسقاطها وتحطيمها كما رأينا في تعامل الإسلام السامي مع مناوئيه ، مهما ادّعت أنّها من أنصار المحبة والسلام؟! وكما مرّ علينا في سبب نزول الآية ، فإنّ أحد رؤوس النفاق والمخططين له لما سمع هذا الكلام تاب ممّا عمل ، وقبل النّبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم توبته .
وفي نفس الوقت ومن أجل أن لا يتصور هؤلاء أن هذا التسامح الإسلامي صادر من منطق الضعف ، حذّرهم بأنّهم إن استمروا في غيهم وتنكّروا لتوبتهم ، فإنّ العذاب الشديد سينالهم في الدّارين {وإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذاباً أَلِيماً فِي الدُّنْيا والْآخِرَةِ} وإذا كانوا يظنون أنّ أحدا يستطيع أن يمدّ لهم يد العون مقابل العذاب ا لإلهي فإنّهم في خطأ كبير ، فإنّ العذاب إذا نزل بهم فساء صباح المنذرين : {وما لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ ولا نَصِيرٍ} .
من الواضح بديهة أنّ عذاب هؤلاء في الآخرة معلوم ، وهو نار جهنم ، أمّا عذابهم في الدنيا فهو فضيحتهم ومهانتهم وتعاستهم وأمثال ذلك .
_____________________
1. تفسير الأمثل ، ج5 ، ص 293-298 .
2. ممّا يستحق الانتباه أن الجملة أعلاه بالرغم من أنّها تتحدث عن فضل اللّه ورسوله ، إلّا أن الضمير في {مِنْ فَضْلِهِ} جاء مفردا لا مثنى ، والسبب في ذلك هو ما ذكرناه قبل عدة آيات من أن أمثال هذه التعبيرات لأجل إثبات حقيقة التوحيد ، وأن كل الأعمال بيد اللّه سبحانه ، وأنّ النّبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم إذا ما عمل عملا فهو بأمر اللّه سبحانه ، ولا ينعزل عن إرادته سبحانه .
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|