أقرأ أيضاً
التاريخ: 2-03-2015
1957
التاريخ: 2-03-2015
3902
التاريخ: 2-03-2015
1002
التاريخ: 2-03-2015
4075
|
لم تنحسر ظلال المدرسة الكوفية بعد أبي بكر بن الأنباري، فقد ظلت تنقبض، وتمتد في الحين بعد الحين. وكان مما هيأ لامتدادها أحيانا أن المدرسة البغدادية التي خلفتها عُني الأولون منها لا بالمزج بين آرائها والآراء الكوفية فحسب، بل أيضا بتوجيه آرائها وفتق العلل التي تؤيدها على نحو ما سنرى في غير هذا الموضع. وظل الخالفون لهذه المدرسة يستظهرون تلك الآراء، ويجلبون منها إلى مصنفاتهم بعض دررها. وكان من أهم ما أتاح لهذه المدرسة أن تعيش في ذاكرة الأجيال التالية, أن المتنبي أكبر شعراء العربية عني -كما صورنا ذلك في كتاب: الفن ومذاهبه في الشعر العربي- بالتصنع للغات الشاذة في التراكيب، مما جره في شعره إلى الاحتذاء على أكثر ما روته المدرسة الكوفية منها، حتى ليقول ابن يعيش: إنه "كان يميل كثيرا إلى مذهب الكوفيين"(1) ، ويكفي أن نذكر هنا بعض أمثلة تصور تشيعه لهم، من ذلك الفصل بين المضاف والمضاف إليه بالمفعول، وكان البصريون يمنعون ذلك منعا باتا(2) ، يقول:
حملتُ إليه من ثنائي حديقة
سقاها الحِجَى سَقْيَ الرياضَ السحائبِ
فقد فصل بين السقي والسحائب بالمفعول به للسقي وهو الرياض. ومثال ثانٍ هو استخدامه التفضيل في الألوان مثل قوله في الشيب:
ابعد بعدت بياضا لا بياض له ... لأنت أسودُ في عيني من الظُّلَم
ص240
فقد قال: إن الشيب "أسود" من الظلم، والبصريون لا يجيزون ذلك بينما يجيزه الكوفيون(3). ولا يتسع المقام لعرض مثل هذه الشذوذات الكوفية عنده، وشعره يزخر بها، حتى لكأنما رأى أن يكون ديوانه معرضا واسعا لها.
ويلقانا في النصف الثاني من القرن الرابع الهجري أبو الحسين أحمد(4) بن فارس المتوفى سنة 395 للهجرة, وفيه يقول القفطي: "طريقته في النحو طريقة الكوفيين" غير أن أكثر عنايته إنما صبها على المباحث اللغوية, ومن أشهر كتبه: معجم مقاييس اللغة وهو منشور، وفيه يرد معاني مفردات المادة اللغوية إلى معنى واحد. وقد جمع كثيرا من المسائل اللغوية في كتابه الصاحبي الذي صنفه للصاحب بن عباد وزير البويهيين بالري. ويقول مترجموه: إن له مصنفا في النحو سماه المقدمة، ومصنفا آخر باسم "اختلاف النحويين", وأكبر الظن أنه ناقش فيه كثيرا من المسائل النحوية التي اختلف فيها البصريون والكوفيون, موردا على الأولين كثيرا من الحجج والبراهين التي تؤيد رأي الأخيرين، ويقول القفطي: إنه كان كثير الحجاج والجدال، مما يؤكد أنه أسهم بقوة في احتجاجات الكوفيين.
ولعلنا لا نبعد إذا قلنا: إن آخر النحاة الذين استظهروا آراء المدرسة الكوفية في مصنفاتهم ابن آجروم(5) الصنهاجي المغربي صاحب المتن المشهور باسم الآجرومية، وفيه نراه يذهب إلى أن السكون في فعل الأمر سكون جزم لا سكون بناء، بالضبط كما كان يذهب الكوفيون. وذهب مذهبهم في عده "كيفما" بين أدوات الشرط الجازمة. وجعل -مثلهم- حتى وأو والفاء والواو تنصب المضارع مباشرة دون تقدير أن المصدرية كما ذهب إلى ذلك الخليل والبصريون, وتابع الكوفيين أيضا في بعض المصطلحات مثل النعت وعطف النسق.
وسنرى المدرسة البغدادية منذ أبي علي الفارسي تمزج بين النحويْنِ البصري
ص241
والكوفي مؤثرة في الجملة آراء البصريين، واحتذتها في ذلك مدرسة الأندلسيين ومدرسة المصريين وكذلك احتذاها في هذا النهج كبار النحاة التالين في الشام والعراق وإيران من أمثال الزمخشري وابن يعيش. وهيأ ذلك لأن تظل آراء المدرسة الكوفية حية نابضة في كتب النحاة المتأخرين.
ص242
__________
(1) ابن يعيش 2/ 16.
(2) انظر الإنصاف: المسألة رقم 60 .
(3) الإنصاف: المسألة رقم 16.
(4) انظر في ترجمة ابن فارس: نزهة الألباء ص320 ، ومعجم الأدباء 4/ 80 ، والفهرست ص80 ، واليتيمة 3/ 365، وإنباه الرواة 1/ 93، ومقدمة مقاييس اللغة "طبع دار المعارف"، وبغية الوعاة ص153.
(5) راجع في ترجمة ابن آجروم: بغية الوعاة ص102، وجذوة الاقتباس "طبع فاس" ص138.
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
تستخدم لأول مرة... مستشفى الإمام زين العابدين (ع) التابع للعتبة الحسينية يعتمد تقنيات حديثة في تثبيت الكسور المعقدة
|
|
|