أقرأ أيضاً
التاريخ: 9-10-2014
1954
التاريخ: 2-06-2015
6857
التاريخ: 9-10-2014
2000
التاريخ: 9-10-2014
2113
|
سيقت القصة في القرآن لتحقيق أغراض دينية بحتة كما أسلفنا؛ وقد تناولت من هذه الأغراض عددا وفيرا من الصعب استقصاؤه، لأنه يكاد يتسرب إلى جميع الأغراض القرآنية؛ فإثبات الوحي والرسالة، وإثبات وحدانية اللّه، وتوحيد الأديان في أساسها، والإنذار والتبشير، ومظاهر القدرة الإلهية، وعاقبة الخير والشر، والعجلة والتريث، والصبر والجزع، والشكر والبطر، وكثير غيرها من الأغراض الدينية، والمرامي الخلقية، قد تناولته القصة، وكانت أداة له وسبيلا إليه.
فإذا نحن استعرضنا هنا أغراض القصة القرآنية، فإنما نثبت أهم هذه الأغراض وأوضحها، ونترك استقصاءها وتتبعها :
1- كان من أغراض القصة إثبات الوحي والرسالة. فمحمد- صلى اللّه عليه وآله وسلم- لم يكن كاتبا ولا قارئا، ولا عرف عنه أنه يجلس إلى أحبار اليهود والنصارى؛ ثم جاءت هذه القصص في القرآن- وبعضها جاء في دقة وإسهاب- كقصص إبراهيم ويوسف وموسى وعيسى. فورودها في القرآن اتخذ دليلا على وحي يوحى ..
والقرآن ينصّ على هذا الغرض نصّا في مقدمات بعض القصص أو في ذيولها.
جاء في أول سورة «يوسف» :
{إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (2) نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ } [يوسف : 2، 3] .
وجاء في سورة «القصص» قبل عرض قصة موسى :
{نَتْلُو عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [القصص : 3]
وبعد انتهائها :
{وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ وَمَا كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ (44) وَلَكِنَّا أَنْشَأْنَا قُرُونًا فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ وَمَا كُنْتَ ثَاوِيًا فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (45) وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ }[القصص : 44 - 46]
وجاء في سورة «آل عمران» في أثناء عرضه لقصة مريم :
{ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ} [آل عمران : 44] .
وجاء في سورة «ص» قبل عرض قصة آدم :
{ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ (67) أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ (68) مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ (69) إِنْ يُوحَى إِلَيَّ إِلَّا أَنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (70) إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ } [ص : 67 - 71] .
وجاء في سورة «هود» بعد قصة نوح :
{تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا } [هود : 49]
2- وكان من أغراض القصة : بيان أن الدين كله من عند اللّه، من عهد نوح إلى عهد محمد. وأن المؤمنين كلهم أمة واحدة، واللّه الواحد رب الجميع؛ وكثيرا ما وردت قصص عدد من الأنبياء مجتمعة في سورة واحدة، معروضة بطريقة خاصة، لتؤيد هذه الحقيقة. ولما كان هذا غرضا أساسيا في الدعوة، فقد تكرر مجيء هذه القصص، على هذا النحو، مع اختلاف في التعبير، لتثبيت هذه الحقيقة وتوكيدها في النفوس. نضرب لذلك مثلا ما جاء في سورة «الأنبياء» :
{وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى وهارُونَ الْفُرْقانَ «1» وضِياءً وذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ، الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ ، وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ. وهذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ أَنْزَلْناهُ. أَ فَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ ؟ ولَقَدْ آتَيْنا إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ،وَكُنَّا بِهِ عالِمِينَ . إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ : ما هذِهِ التَّماثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَها عاكِفُونَ ؟ قالُوا : وَجَدْنا آباءَنا لَها عابِدِينَ ... إلى قوله : وَأَرادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْناهُمُ الْأَخْسَرِينَ، ونَجَّيْناهُ ولُوطاً إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها لِلْعالَمِينَ. ووَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ ويَعْقُوبَ نافِلَةً وكُلًّا جَعَلْنا صالِحِينَ، وجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا،وَ أَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ، وإِقامَ الصَّلاةِ، وإِيتاءَ الزَّكاةِ، وكانُوا لَنا عابِدِينَ.
وَ لُوطاً آتَيْناهُ حُكْماً وعِلْماً، ونَجَّيْناهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ تَعْمَلُ الْخَبائِثَ. إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فاسِقِينَ، وأَدْخَلْناهُ فِي رَحْمَتِنا، إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ.
وَ نُوحاً إِذْ نادى مِنْ قَبْلُ، فَاسْتَجَبْنا لَهُ، فَنَجَّيْناهُ وأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ؛ ونَصَرْناهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا. إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ، فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ.
وَداوُدَ وَسُلَيْمانَ إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ، إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ، وكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ. فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ- وكُلًّا آتَيْنا حُكْماً وعِلْماً- وسَخَّرْنا مَعَ داوُدَ الْجِبالَ يُسَبِّحْنَ والطَّيْرَ، وكُنَّا فاعِلِينَ؛ وعَلَّمْناهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ. فَهَلْ أَنْتُمْ شاكِرُونَ؟
وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ عاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها، وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عالِمِينَ. ومِنَ الشَّياطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ، ويَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذلِكَ، وكُنَّا لَهُمْ حافِظِينَ.
وَأَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ. فَاسْتَجَبْنا لَهُ، فَكَشَفْنا ما بِهِ مِنْ ضُرٍّ،وَآتَيْناهُ أَهْلَهُ، ومِثْلَهُمْ مَعَهُمْ، رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا، وذِكْرى لِلْعابِدِينَ.
وَإِسْماعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ. كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ. وَأَدْخَلْناهُمْ فِي رَحْمَتِنا إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ.
وَ ذَا النُّونِ «2» إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً ، فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ، فَنادى فِي الظُّلُماتِ؛ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ. فَاسْتَجَبْنا لَهُ. وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِّ، وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ.
وَ زَكَرِيَّا إِذْ نادى رَبَّهُ. رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً، وَأَنْتَ خَيْرُ الْوارِثِينَ. فَاسْتَجَبْنا لَهُ، ووَهَبْنا لَهُ يَحْيى،وَأَصْلَحْنا لَهُ زَوْجَهُ. إِنَّهُمْ كانُوا يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ، ويَدْعُونَنا رَغَباً ورَهَباً، وكانُوا لَنا خاشِعِينَ.
وَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها «3»، فَنَفَخْنا فِيها مِنْ رُوحِنا، وَجَعَلْناها وَابْنَها آيَةً لِلْعالَمِينَ.
إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ، أُمَّةً واحِدَةً، وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ }...
وهذا هو الغرض الأصيل، من هذا الاستعراض الطويل.
وغيره من الأغراض الأخرى، يأتي عرضا وفي ثناياه ..
3- وكان من أغراض القصة بيان أن الدين كله موحد الأساس- فضلا على أنه كله من عند إله واحد- وتبعا لهذا كانت ترد قصص كثير من الأنبياء مجتمعة كذلك. مكررة فيها العقيدة الأساسية، وهي الإيمان باللّه الواحد على نحو ما جاء في سورة «الأعراف» :
{قَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف : 59]... إلخ.
{وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف : 65]... إلخ.
{وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف : 73]... إلخ.
{وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ } [الأعراف : 85]... إلخ.
فهذا التوحيد لأساس العقيدة، يشترك فيه جميع الأنبياء في جميع الأديان، وترد قصصهم مجتمعة في هذا السياق. لتأكيد ذلك الغرض الخاص.
4- وكان من أغراض القصة بيان أن وسائل الأنبياء في الدعوة موحدة، وأن استقبال قومهم لهم متشابه- فضلا على أن الدين من عند إله واحد، وأنه قائم على أساس واحد- وتبعا لهذا كانت ترد قصص كثير من الأنبياء مجتمعة أيضا، مكررة فيها طريقة الدعوة، على نحو ما جاء في سورة «هود» :
{وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ : إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ. أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ. إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ. فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ، ما نَراكَ إِلَّا بَشَراً مِثْلَنا، وما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ، وما نَرى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ} ... إلى أن يقول : {وَ يا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مالًا إِنْ أَجرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ} وإلى أن يقولوا له : {يا نُوحُ قَدْ جادَلْتَنا فَأَكْثَرْتَ جِدالَنا، فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} ... إلخ.
{وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً قالَ : يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ. إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ. يا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي، أَ فَلا تَعْقِلُونَ؟} .. إلى قوله :
{قالُوا : يا هُودُ ما جِئْتَنا بِبَيِّنَةٍ، وما نَحْنُ بِتارِكِي آلِهَتِنا عَنْ قَوْلِكَ، وما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ. إِنْ نَقُولُ :إِلَّا اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ. قالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ واشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ مِنْ دُونِهِ، فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ} ... إلخ.
{وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً، قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ، هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ واسْتَعْمَرَكُمْ فِيها، فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ. إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ. قالُوا : يا صالِحُ، قَدْ كُنْتَ فِينا مَرْجُوًّا قَبْلَ هذا. أَ تَنْهانا أَنْ نَعْبُدَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا؟ وإِنَّنا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ مُرِيبٍ} ... إلخ.
5- وكان من أغراض القصة بيان الأصل المشترك بين دين محمد ودين إبراهيم بصفة خاصة، ثم أديان بني إسرائيل بصفة عامة؛ وإبراز أن هذا الاتصال أشد من الاتصال العام بين جميع الأديان. فتكررت الإشارة إلى هذا في قصص إبراهيم وموسى وعيسى :
{إِنَّ هذا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى. صُحُفِ إِبْراهِيمَ ومُوسى. أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِما فِي صُحُفِ مُوسى وإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى. أَلَّا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى؟. إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وهذَا النَّبِيُّ والَّذِينَ آمَنُوا. مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ. وَقَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ وهُدىً ومَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ} ... إلى أن يقول : {وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ، وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ}.
6- وكان من أغراض القصة بيان أن اللّه ينصر أنبياءه في النهاية ويهلك المكذبين، وذلك تثبيتا لمحمد، وتأثيرا في نفوس من يدعوهم إلى الإيمان : {وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ. وجاءَكَ فِي هذِهِ الْحَقُّ ومَوْعِظَةٌ وذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ}. وتبعا لهذا الغرض كانت ترد قصص الأنبياء مجتمعة، مختومة بمصارع من كذبوهم.
ويتكرر بهذا عرض القصص كما جاء في سورة «العنكبوت» :
{وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ- إِلَّا خَمْسِينَ عاماً- فَأَخَذَهُمُ الطُّوفانُ وهُمْ ظالِمُونَ،فَأَنْجَيْناهُ وأَصْحابَ السَّفِينَةِ، وجَعَلْناها آيَةً لِلْعالَمِينَ}.
{وَإِبْراهِيمَ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ : اعْبُدُوا اللَّهَ واتَّقُوهُ، ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ }... إلى أن يقول : {فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا : اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ. فَأَنْجاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ. إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} ... إلخ.
{وَلُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ. إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ }... إلى أن يقول : {إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلى أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ، ولَقَدْ تَرَكْنا مِنْها آيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}.
{وَ إِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً فَقالَ : يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ، ولا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ. فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ، فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ}.
{وَعاداً وثَمُودَ - وقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَساكِنِهِمْ - وزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ، فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وكانُوا مُسْتَبْصِرِينَ}.
{وَقارُونَ وفِرْعَوْنَ وهامانَ. ولَقَدْ جاءَهُمْ مُوسى بِالْبَيِّناتِ، فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وما كانُوا سابِقِينَ}.
{فَكُلًّا أَخَذْنا بِذَنْبِهِ. فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِ حاصِباً، ومِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ، ومِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنا بِهِ الْأَرْضَ، ومِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنا. وما كانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ، ولكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}.
وتلك هي النهاية الواحدة للمكذبين.
7- وكان من أغراض القصة تصديق التبشير والتحذير، وعرض نموذج واقع من هذا التصديق، كالذي جاء في سورة «الحجر» :
{ نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49) وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ} [الحجر : 49، 50]
فتصديقا لهذا وذلك جاءت القصص على النحو التالي :
{وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ (51) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ (52) قَالُوا لَا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ} [الحجر : 51 ، 53]... إلخ.
وفي هذه القصة تبدو «الرحمة».
ثم : { فَلَمَّا جاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ. قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ. قالُوا : بَلْ جِئْناكَ بِما كانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ، وأَتَيْناكَ بِالْحَقِّ وإِنَّا لَصادِقُونَ. فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ، واتَّبِعْ أَدْبارَهُمْ، ولا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ، وامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ. وقَضَيْنا إِلَيْهِ ذلِكَ الْأَمْرَ : أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ} ... إلخ.
وفي هذه القصة تبدو «الرحمة» في جانب لوط، ويبدو «العذاب الأليم» في جانب قومه المهلكين.
ثم : {وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ (80) وَآتَيْنَاهُمْ آيَاتِنَا فَكَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ (81) وَكَانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا آمِنِينَ (82) فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ (83) فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [الحجر : 80 - 84].
وفي هذه القصة يبدو «العذاب الأليم» للمكذبين.
وهكذا يصدق الأنبياء، ويبدو صدقه في هذا القصص الواقع، بهذا الترتيب.
8- وكان من أغراض القصة بيان نعمة اللّه على أنبيائه وأصفيائه، كقصص سليمان وداود وأيوب وإبراهيم ومريم وعيسى وزكريا ويونس وموسى، فكانت ترد حلقات من قصص هؤلاء الأنبياء تبرز فيها النعمة في مواقف شتى، ويكون إبرازها هو الغرض الأول، وما سواه يأتي في هذا الموضع عرضا.
9- وكان من أغراض القصة، تنبيه أبناء آدم إلى غواية الشيطان، وإبراز العداوة الخالدة بينه وبينهم منذ أبيهم آدم، وإبراز هذه العداوة عن طريق القصة أروع وأقوى، وأدعى إلى الحذر الشديد من كل هاجسة في النفس تدعو إلى الشر، وإسنادها إلى هذا العدو الذي لا يريد بالناس الخير!
ولما كان هذا موضوعا خالدا، فقد تكررت قصة آدم في مواضع شتى.
10- وكان للقصة أغراض أخرى متفرقة. منها :
بيان قدرة اللّه على الخوارق : كقصة خلق آدم. وقصة مولد عيسى. وقصة إبراهيم والطير الذي آب إليه بعد أن جعل على كل جبل منه جزءا. وقصة «الذي» {كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا} [البقرة : 259]
وقد أحياه اللّه بعد موته مائة عام.
وبيان عاقبة الطيبة والصلاح، وعاقبة الشر والإفساد .. كقصة ابني آدم. وقصة صاحب الجنتين. وقصص بني إسرائيل بعد عصيانهم. وقصة سد مأرب. وقصة أصحاب الأخدود.
وبيان الفارق بين الحكمة الإنسانية القريبة العاجلة، والحكمة الكونية البعيدة الآجلة. كقصة موسى مع {عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا} [الكهف : 65] وسنعرضها بالتفصيل في مناسبة أخرى.
إلى آخر هذه الأغراض الوعظية ، التي كانت تساق لها القصص فتفي بمغزاها.
______________________
(1) في وصف التوراة بأنها «الفرقان» ما يساعد على هذا التقريب بين الدينين حتى في صفة الكتاب، فالفرقان اسم كذلك للقرآن.
(2) يونس صاحب الحوت.
(3) مريم.
|
|
دور في الحماية من السرطان.. يجب تناول لبن الزبادي يوميا
|
|
|
|
|
العلماء الروس يطورون مسيرة لمراقبة حرائق الغابات
|
|
|
|
|
ضمن أسبوع الإرشاد النفسي.. جامعة العميد تُقيم أنشطةً ثقافية وتطويرية لطلبتها
|
|
|