أقرأ أيضاً
التاريخ: 26-01-2015
3873
التاريخ: 29-01-2015
3727
التاريخ: 30-01-2015
3503
التاريخ: 29-01-2015
3245
|
لم تستطع ماكنة تزوير التأريخ نفي العلاقة الوثيقة بين فرص الحرب ورغبة علي (عليه السلام) الشديدة في قتال المشركين. فكانت تلك الرغبة المتعلقة بارادته (عليه السلام) في وضع نفسه في خدمة اهداف الحرب ضد الشرك، مقياساً حقيقياً لفضائله المثالية وتضحياته العظيمة من اجل الاسلام.
كيف استطاع السلاطين تزوير ماكنة التأريخ بحيث ان تلك الواقعة مُحيت من الكتب التأريخية؟ وما هو حجم الماكنة الاعلامية والروائية التي حاولت مسح تلك الواقعة العظيمة من لوح التأريخ؟ تلك الواقعة التي قال عنها بعض المؤرخين بأنها اشهر مواقفه (عليه السلام) ايام النبي (صلى الله عليه واله).
لا شك ان الباحث المنصِف لا يجد بداً من الايمان بان ماكنة السلطان الضخمة في قلب الحقائق وتزوير المفاهيم، قد وجدت في معركة «ذات السلاسل» حقائق كبيرة ينبغي اخفاؤها عن الاجيال الجديدة. حتى لا ينتشر ذكر علي بن ابي طالب (عليه السلام) ولا يمتد فضله في ارجاء الدنيا والتأريخ.
فلم يذكر ابن هشام في سيرته غير القضايا الهامشية عن تلك الغزوة، فيُعنّونها بعنوان: «غزوة عمرو بن العاص ذات السلاسل» ويقول:
«وغزوة عمرو بن العاص ذات السلاسل من ارض بني عُذرة. وكان حديثه ان رسول الله (صلى الله عليه واله) بعثه يستنفر العربَ الى الشام. وذلك ان أم العاص بن وائل كانت امرأةً من بليّ، فبعثه رسول الله (صلى الله عليه واله) اليهم يستألفهم لذلك. حتى اذا كان على ماء بأرض جُذام، يقال له السَّلسل، وبذلك سُمّيت تلك الغزوة، غزوة ذات السلاسل. فلما كان عليه خاف، فبعث الى رسول الله (صلى الله عليه واله) يستمدّه. فبعث اليه رسول الله (صلى الله عليه واله) أبا عُبيدة بن الجرّاح في المهاجرين الاولين، فيهم ابو بكر وعمر ؛ وقال لابي عبيدة حين وجهه: لا تختلفا. فخرج ابو عبيدة حتى اذا قدم عليه، قال له عمرو: إنما جئتَ مَدداً لي. قال ابو عبيدة: لا، ولكني على ما أنا عليه، وأنت على ما أنت عليه. وكانت ابو عبيدة رجلاً ليناً سهلاً، هيناً عليه امر الدنيا، فقال له عمرو: بل انت مدد لي. فقال له ابو عبيدة: يا عمرو، ان رسول الله (صلى الله عليه واله) قال لي: لا تختلفا. وانك إن عصيتني أطعتُك. قال: فانّي الامير عليك، وانت مددٌ لي. قال: فدونك. فصلى عمرو بالناس». ومع ان النص يظهر ان ابا بكر وعمر كانا ضمن جنود الجيش ولم يكونا من قادته، ويُظهر الاختلاف بين عمرو بن العاص وابو عبيدة، ويُظهر حجم طموح عمرو بن العاص نحو الرئاسة وحب الدنيا، الا انه لا يُظهر طبيعة المعركة من حيث النصر او الهزيمة. فكيف يمكن لمعركة بتلك الضخامة ان تطوى من صفحات التأريخ لمجرد ان ابا بكر وعمر انهزما فيها، وانتصر علي (عليه السلام) على المشركين؟
هذا الامر يدعونا الى دراسة فلسفة التأريخ.
فلسفة التأريخ:
يعبَّر عن كل محاولة لاعطاء تفسير شامل وتوضيح كلي للعملية التأريخية بعبارة «فلسفة التأريخ». وعندما نتساءل عن: معنى التأريخ؟ وماهية اهدافه واغراضه؟ وماهية القوانين التي تحكم التطور التأريخي؟ ونحوها من تلك التساؤلات، فانما نبحث عن اجوبة تعطينا فكرة عن فلسفة التأريخ. ولذلك فعندما ندرس التأريخ، فاننا ندرس في الواقع المشاكل الكامنة وراء الاحداث التأريخية، وندرس العلل التي حكمت تلك الاحداث. ولذلك فنحن نتعلّم من دراسة التأريخ كيفية التنبؤ بقضايا المستقبل في المجتمع الانساني.
ان الارضية التي تفسر بها احداث التأريخ وتُنقل اما ان تكون لها اهداف دينية أو سياسية أو اجتماعية. ولذلك فان تلك الاحداث لا يُنظر اليها بنفس الشكل ونفس الصورة من قبل الجميع.
فبعض المؤرخين مثل ابن خلدون (ت 808 هـ) ينظر لـ «العمران الانساني» كشرط اساسي في صحة احداث التأريخ. فالحدث التأريخي ينسجم مع الحالة الاجتماعية السائدة. ويرى اليعقوبي (ت 284 هـ) ان التأريخ الثقافي هو الذي يحدد طبيعة الاحداث التأريخية. بينما يرى المسعودي(ت 346 هـ) ان تواريخ الملوك والامم والسياسة هي التي تصنع الاحداث التأريخية.
وبعض المؤرخين مثل كارل ماركس ينظرون للتأريخ على اساس انه خط مستقيم يصل الى اهدافه المرسومة. والبعض الآخر مثل ارنولد توينبي ينظر للتأريخ على اساس انه دوائر من التغيير تعيد نفسها في كل فترة تأريخية.
وعندما ننظر نحن الى التأريخ، فاننا لا ننظر له على اساس مجموعة من الاحداث المنفصلة. بل نراه مجموعة من الاحداث المترابطة التي يجمعها رباط معرفي علمي ينبغي ان يُدرس ويُحلل ؛ على قاعدة ان التأريخ يعكس ايضاً التفكير التأريخي في ذلك الزمان ويعكس تلك الحجج والبراهين التي يمكن ان تستخدم من اجل اقناع الافراد.
ولا شك ان تزوير الحقائق وقلب المفاهيم، من اجل خلق شخصيات فكرية استدلالية وهمية للاحداث، يرتبط مباشرة بتلك العملية التأريخية. فقد حاول الامويون وعلى مدى قرن كامل تزوير شخصية الامام علي (عليه السلام) من خلال شتمه على منابر المسلمين. وهنا كيف يستطيع المفكّر بعد اربعة عشر قرناً فهم التفكير التأريخي ما لم يفضح التزوير الذي حصل في تلك الحقبة التأريخية؟
فمهمة المؤرخين في البحث عن الماضي واحداثه وعلله، يصطدم احياناً بأحداث فريدة في ذاتها ولا يمكن ان تتكرر مرة اخرى. وتلك الاحداث، كما انها تُنشئ انبهاراً بشخصياتها وافكارها، فانها قادرة على ان تنشىء صورة قابلة للإتهام بأنها مبالغٌ فيها وكاذبة. ومن هنا، فان تلك الاحداث، يمكن ان تصور في التأريخ على انها احداث لها نهايتان: اما التصديق المطلق او التكذيب المطلق بها. ومن تلك الاحداث قضية الامامة عموماً، وامامة امير المؤمنين (عليه السلام) بالخصوص، وقضية معركة ذات السلاسل بالاخص. فقد كان للمعركة قابلية _ في اطار المصداق _ لانشاء نهايتين هما: التصديق المطلق او التكذيبالمطلق، لذلك فانها حُذفت من كتب التأريخ المتصلة بأعداء امير المؤمنين (عليه السلام). وكان من اهداف ذلك الحذف ان لا يكون لتلك المعركة دور تأريخي يضاف الى ميزات الامام (عليه السلام) وفضائله.
ولا شك ان العليّة في التأريخ ينبغي ان تؤخذ بلحاظ الظروف التأريخية التي مرت بالحادثة ذاتها، ولا تؤخذ بالظروف التي نعيش فيها اليوم بعد اربعة عشر قرناً. ذلك ان قراءة التأريخ يعني قراءة لعلل تلك الفترة الزمنية التي نقرأ أحداثها. فاذا كان علي (عليه السلام) قادراً على إلحاق الهزيمة بالمشركين في تلك الظروف الصعبة، فانه (عليه السلام) كان قادراً على نصر الاسلام وتثبيت موقعه في الحياة.
فالاحداث التي قد نستغرب ضخامتها الان في هذا العصر، فانما نستغربها لان عللها في الزمن التي حصلت فيه تختلف عن علل هذا الزمان. فالقدرة الخارقة للعادة عند علي (عليه السلام) على ساحات المعارك قد نستغربها اليوم، لاننا لا نعيش علل ومسببات تلك الفترة الزمنية ومنها عدم تعقد الحياة الاجتماعية ووجود السيف كسلاح رئيسي في المعركة ووجود الفرس ونحوه من وسائل النقل والحرب. وتلك العلل استدعت وجود بطل عملاق يستطيع تحطيم قدرات العدو العسكرية وتدميرها.
الفكرة التأريخية:
ولكن السؤال المطروح اليوم هو: هل ان للفكرة التأريخية خصائصها المنطقية والفلسفية التي تقاوم كل محاولات التفسير والتأويل؟ لا شك ان الجواب يمكن ان يتركز على نقطتين:
الاولى: الشخصية الفلسفية للحدث التأريخي، وهل يمكن ان يُفسّر بطرق مختلفة او لا؟ فهل ان واقعة ذات السلاسل لها تأثير على مجرى التأريخ مثلاً؟ وهل يمكن ان نستلهم منها العبر لحد اليوم؟ خصوصاً اذا عرفنا ان ابا بكر وعمر وعلياً (عليه السلام) كانوا المحركين لاحداثها سلباً أو ايجاباً.
ونعني بالشخصية الفلسفية للحدث هو ان الحدث التأريخي يستنطقُ عللاً منطقية ومباني عقلية يستأنس بها العقل البشري على مر العصور. فحادث نزول الوحي على رسول الله (صلى الله عليه واله) مثلاً له شخصية فلسفية عظمى لانه يستنطق عللاً يستأنس بها العقل البشري مادام موجوداً على البسيطة. وواقعة ذات السلاسل تجري على نفس القاعدة، لان شجاعة علي (عليه السلام) فيها كانت علّة يتناغم معها العقل البشري الذي يميل الى هزيمة الاشرار من الكفار ويحببانتصار اهل التوحيد والحق.
الثانية: الشخصية المعرفية للحدث التأريخي، وهل يستبطن ذلك الحدث صلاحية موضوعية للاستمرار بالنظر اليه كحدث تأريخي؟ خصوصاً ان بعض الاحداث التي وقعت في التأريخ انتهت لوقتها، كما هو الحال في موت ابي سفيان مثلاً او اندثار دولة المناذرة او سقوط همدان.
ونعني بالشخصية المعرفية للحدث هو ان الحدث التأريخي يستبطن مصدراً للمعرفة يُنقَل للاجيال المتلاحقة بعد انتهائه. ومعركة ذات السلاسل التي وضعت علياً (عليه السلام) اسطورة في البطولة على المسرح الاجتماعي، تعدُّ شجرة في المعرفة من حيث البطولة والتضحية والايثار والايمان بالله سبحانه والقدرة على تحطيم الشرك في الارض.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
خدمات متعددة يقدمها قسم الشؤون الخدمية للزائرين
|
|
|