المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

التاريخ
عدد المواضيع في هذا القسم 6689 موضوعاً
التاريخ والحضارة
اقوام وادي الرافدين
العصور الحجرية
الامبراطوريات والدول القديمة في العراق
العهود الاجنبية القديمة في العراق
احوال العرب قبل الاسلام
التاريخ الاسلامي
التاريخ الحديث والمعاصر
تاريخ الحضارة الأوربية

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
زكاة الفطرة
2024-11-05
زكاة الغنم
2024-11-05
زكاة الغلات
2024-11-05
تربية أنواع ماشية اللحم
2024-11-05
زكاة الذهب والفضة
2024-11-05
ماشية اللحم في الولايات المتحدة الأمريكية
2024-11-05



المصادر الكتابية لدراسة تاريخ شبه الجزيرة العربية  
  
8484   04:29 مساءً   التاريخ: 26-8-2018
المؤلف : لطفي عبد الوهاب
الكتاب أو المصدر : العرب في العصور القديمة
الجزء والصفحة : ص195- 228
القسم : التاريخ / احوال العرب قبل الاسلام / عرب قبل الاسلام /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 14-1-2017 12695
التاريخ: 2024-01-18 820
التاريخ: 16-2-2021 1569
التاريخ: 15-1-2017 2902

المصادر الكتابية

الكتابات التي تركها لنا الأقدمون من المؤرخين والجغرافيين والرحالة وكتاب الموسوعات العلمية وغيرهم من أصحاب القلم [هي] القسم الثاني من المصادر المدونة نستطيع أن نميز فيه بين مجموعتين من الكتابات: الأولى هي ما حرره الكتاب الكلاسيكيون أو الكتاب اليونان والرومان "الذين كتبوا باليونانية واللاتينية"، وتستمد كتاباتهم قيمتها من معاصرة هؤلاء الكتاب لمجتمعات شبه الجزيرة العربية في الفترات السابقة لظهور الإسلام، ومن التزامهم بدرجات متفاوتة، ولكنها ملموسة في كل الأحوال، بالتحقيق العلمي والعملي لما كتبوا عنه، وهو تحقيق كانوا يملكون في الواقع مادته الرئيسية "حتى إذا صرفنا النظر عن أية ظروف ومقومات أخرى" بحكم معاصرتهم هذه للأحداث والأحوال والمواقف التي تخص المنطقة التي يكتبون عنها. أما المجموعة الثانية من الكتابات فهي الكتابات العربية التي تركها لنا كتاب العصر الإسلامي، وهذه يعوزها بالضرورة عنصر المعاصرة "الذي يتميز به هؤلاء الكتاب حين يكتبون عن تاريخ العصر الإسلامي ذاته" ومن ثم فهي تعتمد على ذكر الروايات والتصورات الشائعة، في أثناء فترة تدوينها، عن مرحلة تاريخية سابقة لهذا التدوين بقرون عديدة.

1- الكتاب الكلاسيكيون:

أ- كتاب المرحلة المبكرة:

وتبدأ الكتابات الكلاسيكية عن أحوال شبه الجزيرة العربية بشكل أساسي في أواسط القرن الخامس ق. م. وإن كانت هناك إشارات عن العرب فيما تركه لنا اليونان الأوائل، على أن هذه الإشارات ضئيلة ولا تتعدى في الواقع خمس إشارات: اثنتان منها تردان في ملحمة الأوديسية المنسوبة إلى هوميروس homeros الذي يعتمد في شعره على تراث يوناني ينتهي عند أواسط القرن التاسع ق. م. وواحدة في أشعار هزيودوس hesiodos، وهي أشعار ترجع إلى ما بعد هذه الفترة بما يقرب من قرن، واثنتان في مسرحيتين للشاعر المسرحي إيسخيلوس aeschylos وترجعان إلى العقود الأولى من القرن الخامس ق. م. ولكن هذه الإشارات جميعا، فوق أنها مبتورة تأتي كل منها في لفظة واحدة، فإن اثنتين من بينها دلالتهما غير محددة، وواحدة غير ثابتة، ولكن مع ذلك، فإن هذه الضآلة في عدد الإشارات أو في نوعيتها لها دلالة تاريخية فيما يخص شبه الجزيرة العربية، وهذه الدلالة هي أن مجتمع شبه الجزيرة لم يكن بينه وبين اليونان آنذاك اتصال مباشر، ومن ثم كان الحديث عنهم في كتابات اليونان في تلك الفترة حديثا غامضا أو شبه أسطوري (1).

على أن أول ذكر مفصل ومطول عن العرب وشبه الجزيرة العربية عند الكلاسيكيين يرجع، كما أسلفت، إلى أواسط القرن الخامس ق. م. ونجده عند المؤرخ اليوناني هيرودوتوس herodotus الملقب بأبي التاريخ أو شيخ التاريخ (2). وهيرودوتوس لا يقصر تسمية بلاد العرب arabia على شبه الجزيرة العربية، ولكنه يطلقها، إلى جانب شبه الجزيرة، على كل القسم الداخلي من سورية "بادية الشام" وعلى شبه جزيرة سيناء وصحراء مصر الشرقية التي تقع بين النيل والسواحل الغربية للبحر الأحمر والتي تعرف أحيانا باسم صحراء العرب (3). ولكن ليس من العسير على الباحث أن يدرك أن هذا المؤرخ يتحدث عن شبه الجزيرة حين ينصب حديثه عليها بالتخصيص وهو أمر ندركه حين يقول، على سبيل المثال: إن بلاد العرب هي أقصى البلاد المعمورة في العالم نحو الجنوب (4)، أو حين يقول على سبيل مثال آخر: إن أريج الطيوب يملأ جو هذه البلاد (5). كذلك فإن حديثه عن العرب أو عن شبه الجزيرة العربية ليس متصلا دائما، وإنما يأتي متناثرا في أغلب الأحوال حسبما يقتضي سياق الموضوع من استطرادات ومقارنات مع الشعوب والمناطق الأخرى، كما أنه لا يخلو من مبالغات قد تجنح إلى الخيال في بعض الأحيان، وهو أمر يأتي كنتيجة طبيعية لاعتماد هيرودوتوس على الرواية في كثير من المواضع في وقت لم تكن قد توفرت فيه بعد أسباب الرواية عن المتخصصين (6).

ولكن رغم ذلك، فإن هيرودوتوس قد أورد الكثير من المعلومات التي ثبتت صحتها، وهو قد تعرض للكثير منها في استفاضة، كما أنه تطرق في كتابته إلى كل أبعاد شبه الجزيرة وأحوال سكانها تقريبا، فهو يتحدث عن موقع البلاد وتربتها وعن عادات العرب وتقاليدهم وعقائدهم الدينية وملابسهم وسلاحهم وطرقهم في الحرب. كذلك فهو يقدم لنا مقتطفات من تاريخهم وعلاقاتهم الخارجية مع الآشوريين والفرس، كما يفيض في الحديث عن منتجات شبه الجزيرة أو ما يعتقد أنه من منتجاتها، من اللبان LIBANDS والمر smyrna والقصيعة kassia والقرفة kinnamon واللادن أو المستكة ladanon، ويذكر لنا بشكل عام أن العرب يتاجرون في هذه الطيوب والتوابل مع البلاد الأخرى. وإذا كان لا يتحدث عن الطرق التي تسلكها القوافل التجارية، فنحن نستنتج من أكثر من موضع في حديث هيرودوتوس أن الفينيقيين في هذه الفترة كانوا لا يزالون هم الوسطاء في تجارة الطيوب والتوابل بين شبه الجزيرة العربية والعالم اليوناني -إلى الموانئ الفينيقية تصل هذه السلع، ومن هذه الموانئ يحملها التجار الفينيقيون أو اليونان إلى الموانئ اليونانية (7).

كذلك فإن هيرودوتوس إذا كان قد اعتمد في قسم من المعلومات على الروايات التي سمعها من مصدر أو آخر سواء من أبناء البلاد أو المتصلين بهم أو من غير هاتين الفئتين، فإن قسمًا من هذه المعلومات كان نتيجة لملاحظته الشخصية في الأماكن التي مر بها في رحلته التي شملت قسمًا لا بأس به من بلاد الشرق الأدنى في سبيل تدوين تاريخه، وهي أماكن تضم فيما بينها الأطراف الشمالية لشبه جزيرة العرب، هذا إلى جانب أن حديثه عن البخور والطيوب الآتية من جنوبي شبه الجزيرة "سواء أكانت هذه من منتجات شبه الجزيرة جلبها العرب من مناطق أخرى ثم نقلوها في قوافلهم إلى الشواطئ السورية حيث ينقلها آخرون بحرا بعد ذلك إلى الموانئ اليونانية" كان يستند إلى ممارسة شخصية في المجتمع اليوناني الذي كان هذا المؤرخ أحد أبنائه، وهو مجتمع كان يستهلك قدرا لا بأس به من البخور والطيوب وكان بالضرورة على علم بمصدر هذه السلع أو على الأقل بمن كانوا يتاجرون فيها (8).

على أن حديث هيرودوتوس، إذا كان يعطينا أول معلومات جادة عن شبه الجزيرة العربية وأبعاد الحياة فيها، فإن هذا الحديث، رغم كل ما يلقيه من ضوء على هذه النقطة، يبقى حديثا موسوعيا يعنى بالقضايا العامة التي تقترب من المعرفة المجردة بقدر ما تبتعد عن المعلومات التفصيلية المحددة التي تعرف القارئ بالأماكن والقبائل والطرق والمسافات والاتجاهات. وعلينا أن ننتظر حتى العقود الأخيرة من القرن الرابع ق. م. لنشهد مرحلة جديدة في الكتابات الكلاسيكية تنتقل فيها شئون شبه الجزيرة من حديث التعميم والتجريد إلى حديث التخصيص والتحديد، وهو اتجاه ساعدت عليه حركة التخصص العلمي التي بلغت ذروتها عند المفكرين والكتاب اليونان في تلك الفترة، كما واكب وعكس انتقال شبه الجزيرة من حافة الاهتمام الدولي إلى داخل دائرة هذا الاهتمام بعد أن أقدم الإسكندر الأكبر على توسعه الإمبراطوري في الشرق واتجه بتفكيره إلى غزو شبه الجزيرة العربية  (9).

ورغم أن هذا الغزو لم يخرج إلى حيز التنفيذ بسبب الموت المفاجئ للإسكندر في 323 ق. م. إلا أن الاستعدادات التي اتخذها لتحقيق هذا الهدف تضمنت إرسال عدد من قادته وأعوانه للتعرف المبدئي على شبه الجزيرة فيما يخص مساحتها وسواحلها وبعض الجوانب الأخرى التي تتصل بها (10).

وقد سجل المعلومات التي حصل عليها هؤلاء، اثنان من الكتاب الكلاسيكيين: أحدهما متخصص في الأمور العسكرية وهو بطلميوس ptolemaios ابن لاجوس، أحد رفاق الإسكندر وقواده البارزين، والثاني، وهو أرستوبولوس aristoboulos، رجل عسكري آخر من ثقات الإسكندر، ولكنه متخصص في الكتابة عن المسائل الجغرافية، والقضايا المتعلقة بالتاريخ الطبيعي، وقد وصلتنا دراسات هذين الكاتبين عن طريق كاتب كلاسيكي لاحق هو أريانوس arrianos، كما وصلت أجزاء منها ومن بقية المعلومات المتعلقة باستعدادات الحملة عن طريق كاتب كلاسيكي آخر هو سترابون (11).

ومن هذه الكتابات نعرف تقويم هؤلاء المتخصصين لشبه الجزيرة العربية آنذاك، فمساحتها "حسب تقديرهم" تقارب مساحة الهند، وساحلها المطل على البحر الأحمر يبلغ طوله من رأس الخليج أيلة "خليج العقبة حاليا" شمالًا إلى مدخل البحر الأحمر عند طرفه الجنوبي 14 ألف ستاديون "حوالي 2590 كيلومترًا"، وسواحلها تصلح لإقامة المدن وإنشاء المرافق، هذا إلى جانب معلومات عن الأماكن التي توصل إليها قادة الإسكندر على الساحل الشرقي لشبه الجزيرة العربية، والجزر الصغيرة القريبة من هذا الساحل، وسكانه وعادتهم ومواردهم وأهم هذه الموارد -وهو الطيوب والتوابل- ونوعية الأماكن التي تنبت بها (12).

وإذا كان اهتمام هذين الكاتبين قد عكس اهتمام الإسكندر، فسجلا أول تفاصيل عن مساحة شبه الجزيرة وسواحلها، فإن كاتبًا متخصصًا ثالثًا ينتمي إلى الفترة ذاتها، وهو ثيوفراستوس THEOPHRASTOS، وكان أخصائيا في التاريخ الطبيعي وأحد تلاميذ أرسطو وخليفة هذا المفكر في رئاسة معهد اللوقيون LYKEON، كان أول من ذكر السبئيين وتكلم بشكل تشريحي عن اللبان والمر الذي تستنتجه منطقتهم، كما أعطانا معلومات عن تجارتهم وسفنهم (13)، ويبدو من حديثه أنه اعتمد، في كثير من المعلومات التي أوردها، على تشريح العينات التي كان أعوان الإسكندر يرسلونها إلى معهد اللوقيون حتى بعد وفاة القائد المقدوني (14).

ب- كتاب العصر المتأغرق:

وقد كان هذا الاهتمام العلمي المتخصص بشئون شبه الجزيرة العربية بداية لاهتمام مكثف من جانب الكلاسيكيين بهذه المنطقة في العصر المتأغرق "وهو العصر الذي امتد عبر ثلاثة قرون بعد الإسكندر حتى قيام الإمبراطورية الرومانية قبل الميلاد بثلاثة عقود" وقد برز هذا الاهتمام المكثف بين هؤلاء الكتاب في ضوء اهتمام اقتصادي كبير من جانب دولتين من الدول المتأغرقة التي قامت على أثر تقسيم إمبراطورية الإسكندر "وهما دولة البطالمة في مصر ودولة السلوقيين في سورية" بالعلاقات التجارية مع شبه الجزيرة والخطوط التجارية الموصلة إليها. وربما كان من الحقائق التي لا تخلو من مغزى أن أبرز ثلاثة من هؤلاء الكتاب كانوا يرتبطون بشكل أو بآخر بالإسكندرية، عاصمة البطالمة وأكبر وأنشط ميناء للتجارة الواردة من شبه الجزيرة إلى شرقي البحر المتوسط والتي كانت، في الوقت ذاته، تشغل المركز الرئيسي للحركة العلمية التي كان يقوم عليها علماء جامعة الإسكندرية ومكتبتها آنذاك.

وقد كان أحد أمناء هذه المكتبة، وهو إراتوسثنيس "إراتسطين عند العرب" eratosthenes الجغرافي "275-194ق. م" أول هؤلاء الكتاب. وتتخذ المعلومات التي يقدمها عن شبه الجزيرة العربية في كتاباته أبعادا جديدة تعكس بشكل علمي جدية الاهتمام الاقتصادي بالمنطقة. فلأول مرة نجد في الكتابات الكلاسيكية تقسيما لشبه الجزيرة بشكل دقيق على أكثر من صعيد. فهي تنقسم في المقام الأول إلى بلاد العرب الصحراوية arabia eremon وبلاد العرب الميمونة arabia eudaemon يفصل بينهما خط يبدأ عند هيروي heroe "قرب ميناء السويس الحالية" ويتجه نحو الشرق مارًّا بعدد من الأقوام قبل أن يصل إلى نهايته عند بابل (15). والكاتب يحدد طول هذا الخط والمسافة بينه وبين السواحل الجنوبية كما يعطينا طول ساحل شبه الجزيرة المطل على البحر الأحمر، كذلك يقسم الكاتب المنطقة من الشمال إلى الجنوب حسب نوع الحياة الاقتصادية التي يمارسها السكان مبتدئا بالفلاحين ثم البدو أو سكان الخيام skenitae ومنتهيا بالزراعة المكثفة التي تتم مرتين في العام في الجنوب حيث توجد أنهار "ربما يقصد الوديان التي كانت تملؤها السيول نتيجة للأمطار في المواسم المطيرة" تغذي السهول والبحيرات بالماء، وينهي الكاتب حديثه بذكر الأقوام الأربعة الرئيسية التي كانت توجد بجنوبي شبه الجزيرة وهم المعينيون minaioi والسبئيون sabaioi والقتبانيون katabaneis والحضارمة chatramotitae محددًا المكان الذي يشغل كل قوم منهم وعواصمها والحياة السياسية التي يمارسونها، كذلك يتحدث بالتخصيص والتفصيل عن مواردهم الاقتصادية ويعطينا للمرة الأولى هيكلا عاما للخطوط التجارية البرية والبحرية التي تصل المنطقة بميناء أيلة "على خليج العقبة" شمالا وجرها على الخليج في الشمال الشرقي (16).

والكاتب الثاني الذي تطرق لشئون شبه الجزيرة في الفترة التي امتد عبرها العصر المتأغرق هو أجاثار خيديس agatharchides، وهو يوناني سكندري كان على صلة بالبيت المالك البطلمي، والكتاب، الذي ظهر في الثلث الأخير من القرن الثاني ق. م. عرف باسم "الطواف حول البحر الأريتري" والذي يصف فيه الكاتب الساحل الغربي لشبه الجزيرة العربية ضمن وصفه لسواحل البحر، هو نوع من الكتب التي كان يطلق عليها كتب الطواف periploi والتي كانت تظهر من حين لآخر في العصر اليوناني الروماني كدليل للملاحين والتجار، يعرفهم بالمدن التي يمرون بها أو يرسون في موانئها. وظهور هذا الكتاب يدل على مدى النشاط التجاري بين الدول المتأغرقة وبين الجزيرة العربية بالدرجة التي جعلت هذا الظهور أمرا واردا. والجديد الذي يقدمه هذا الكتاب في مجال الاهتمام بشئون شبه الجزيرة هو التفصيل الذي يعمد إليه الكاتب في وصف مناطق الطيوب والتوابل، وبخاصة منطقة سبأ التي يسهب في وصف مواردها وثروتها وحياة البذخ التي كان يمارسها سكانها، أو بالأحرى التي كانت تمارسها الطبقة الأرستقراطية من هؤلاء السكان (17).

أما الكاتب الثالث الذي يمثل هذه المرحلة فهو أرتميدوروس artemidoros "اشتهر بين 104 و 101 ق. م" الذي أقام بعض الوقت في الإسكندرية وحرر فيها عددا من الكتابات تناول في بعضها شئون شبه الجزيرة العربية بصورة تهدف إلى تعريف الرجل المثقف بشئون المنطقة، وهو ينقل كثيرا عن أجاثار خيدس ويتبع طريقته في تفصيل المعلومات عن أقسام شبه الجزيرة، ولكنه يزيد عليها قدرًا لا بأس به من التفاصيل والمعلومات الجديدة، ففيما يخص الساحل الغربي لشبه الجزيرة "الذي يهم البطالمة في مصر بوجه خاص" يعد أرتميدوروس نحو 13 موقعا، كما يتحدث عن ثمانية أقوام عربية كبيرة في المنطقة، ثم هو لا يكتفي بنقل الحديث العام عن الطرق التجارية البرية التي تتبعها القوافل بين سبأ من جهة وكلٍّ من وادي الرافدين وأرض الأنباط من جهة أخرى، وإنما يلقي ضوءًا على طريقة انتقال التجارة على طول هذه الطرق، فيذكر أنها تنتقل من قبيلة إلى القبيلة المجاورة "بهدف ضمان الحماية دون شك" حتى تصل إلى الأماكن المقصودة. كذلك نجد هذا الكاتب يفصل الحديث في فكرة إراتوسثنيس إلى ذكرها بشكل عام وهي طريقة الحكم في منطقة من أهم مناطق شبه الجزيرة وهي سبأ، كما يبدي عددا من الملاحظات عن العلاقات بين عدد من أقوام شبه الجزيرة، وهي الأقوام المجاورة لشواطئ البحر الأحمر، وعن العلاقات بين أحد هذه الأقوام وهم الأنباط، والقوى الخارجية (18).

ج- كتاب العصر الروماني:

وقد استمر اهتمام الكتاب الكلاسيكيين بشئون شبه الجزيرة العربية في العصر الإمبراطوري الروماني "الذي بدأ في 27 ق. م" وكان استمرار هذا الاهتمام وتزايده يشكل انعكاسا واقعيا لاهتمام روما بشبه الجزيرة العربية لأكثر من سبب، من بينها إطلال الحدود الشرقية للإمبراطورية الرومانية على مشارف شبه الجزيرة، واهتمام الرومان بتأمين الخط الملاحي البحري من الشرق بعد أن أصبح الخط التجاري البري مع الشرق الأقصى، مرورا بآسيا الصغرى والوسطى مهددا من حين لآخر من قبل الفرثيين في إيران، وتزايد استهلاك الطيوب في عاصمة الإمبراطورية، ومن هنا فقد تناول كتاب العصر الروماني شبه الجزيرة العربية من عدة منطلقات أو زوايا تمثل تعدد جوانب الاهتمام الذي ظهر في هذه المرحلة بشئون شبه الجزيرة (19).

وأول الكتاب الذين ينتمون إلى هذه المرحلة، وهو الجغرافي سترابون strabo لا يسعى إلى التعريف بكل الأماكن الموجودة في شبه الجزيرة أو التفصيل في الحديث عن كل جوانب الحياة فيها، كما كان يحاول من سبقه من كتاب العصر المتأغرق، وربما كان ذلك نتيجة لتصوره المعلومات الجغرافية على أنها من لوازم رجل السياسة في معالجته للشئون العامة، وهو تصور أعرب عنه بصراحة في الكتاب الأول من دراسته الجغرافية الكبيرة (20) ويبدو أن هذا التصور كان وراء انتقائه أو استبعاده لهذا الجانب أو ذاك في جمعه لمعلوماته عن شبه الجزيرة العربية، بحيث جاءت في محصلتها النهائية أقرب إلى أن تكون دليلا جغرافيا سياسيا عن المنطقة لرجل السياسة المثقف.

ومن هذا المنطلق فهو لا يذكر "أو ينقل عن سابقيه" من الأماكن الواقعة على الساحل الشرقي لشبه الجزيرة أو الواقعة قرب هذا الساحل سوى مدينتين وجزيرتين من جزر الخليج، رأى فيها مواقع ذات أهمية تجارية (21)، كذلك نجده يهتم بالحديث عن التغيير الذي عاصره في مسار الخطوط التجارية البحرية والبرية من موانئ وطرق الجانب الشرقي للبحر الأحمر إلى موانئ وطرق الجانب الغربي لهذا البحر محددا بدايات الخطوط ونهاياتها والمواقع التي تمر بها قبل التغيير وبعده (22). وهو يتعرض لنظام الحكم الذي كان يسود بعض المناطق العربية التي يبدو أنها كانت، في تقديره، على قدر من الأهمية السياسية أو الاقتصادية أو بسبب موقعها واتصالاتها الخارجية، كما يتعرض للعلاقات بين أقوام المنطقة وغيرهم مضيفا معلومات جديدة إلى ما ذكره سابقوه من الكتاب في هذا الصدد (23).

على أن أهم ما قدمه إسترابون هو وصفه للحملة الرومانية على الجزيرة العربية، وهي الحملة التي قادها إبليوس جالوس aelius gallus، أول والٍ روماني على مصر. وقيمة حديثه عن هذه الحملة هو أنه كان معاصرا لها كما كان صديقا شخصيا لقائدها، ومن ثم كان في مقدوره الحصول على معلومات قد لا تتيسر لغيره. وهو يفيض في الحديث عن هذه الحملة، فيحدثنا عن الأسباب التي دفعت أغسطس "أول إمبراطور روماني" إلى التفكير يها، ثم يتحدث عن الاستعدادات التي سبقتها والطريق التي سلكتها، كما يعطي تصوره عن الأخطاء التي وقع فيها قائدها إيليوس جالوس وينهي حديثه في هذا المجال بما قامت به روما من تحقيق في مسار هذه الحملة ونتيجتها وتصرفها إزاء المسئولين عن هذه النتيجة (24).

ولكن الكتابة التي تقدم المعلومات بهدف تثقيف المشتغلين بالأمور السياسية لم تمثل إلا جانبا واحدا من اهتمامات الكتاب في العصر الروماني بشئون شبه الجزيرة، فقد ظهر عدد من بين هؤلاء هدفوا من كتاباتهم إلى تقديم كل ما يمكن تقديمه من معلومات عن شبه الجزيرة على أساس استقصائي علمي أو قريب من العلمي بقدر المستطاع، بحيث تكون هذه الكتابات مرجعا لمن يريد التعرف على المنطقة لسبب أو لآخر، سواء من السياسيين أو من غير السياسيين، وأحد هؤلاء هو جايوس بلينيوس سيكوندوس gAIUS pLINIUS SECUNDUS المعروف باسم بلينيوس الأكبر "24/23-79م". وقد تناول شئون شبه الجزيرة بتفصيل كبير في قسمين من دراسته المستفيضة "التاريخ الطبيعي" HISTORIA NATURALIS التي نستطيع أن نصفها بأنها دراسة تهدف إلى الثقافة العلمية الموسوعية.

وفي أحد هذين القسمين يتحدث بلينيوس بشكل موسوعي عن كافة الأمور المتعلقة بشبه الجزيرة فيما يخص مساحتها وثرواتها وما فيها من المدن والمواقع والرؤوس والخلجان والجبال والقبائل والأقوام وأسمائها والطرق المتعددة لنطق هذه الأسماء والأوضاع الاقتصادية لهذه القبائل والأقوام والمناطق التي تقطنها وبعض الأحداث التاريخية التي مرت بها وطرق التجارة في شبه الجزيرة والمسافات بين بعض المراكز التجارية. وهو يقدم كل ذلك في قدر كبير من التفصيل والتدقيق لا يفوته أن ينوه به بين الحين والآخر (25). أما القسم الآخر من حديث بلينيوس عن شبه الجزيرة فهو ما يتميز به هذا الكاتب. وفي هذا القسم يقدم بلينيوس تحقيقا علميا عن طيوب شبه الجزيرة وتوابلها لا نجده عند من سبقه من الكتاب، سواء منهم المؤرخون أو الجغرافيون أو علماء التاريخ الطبيعي، فاللبان، مثلا، لا يوجد في غير الجزيرة العربية وهو لا ينتج إلا في حضرموت بالذات، والمر والمستكة وصمغ اللادن وعدد آخر من الأخشاب العطرية تشترك شبه الجزيرة في إنتاجها مع عدد من البلاد الأخرى التي يحددها الكاتب. أما القرفة والقصيعة فهي لا تنتج في شبه الجزيرة ولكن يحصل عليها التجار العرب من بلاد أخرى ويعيدون تصديرها، وهو يحدثنا حديثا مفصلا عن أشجار كل من هذه الطيوب والتوابل ومواسم المحصول وطريقة استخراجه وجمعه، واحتكار بعض الأسر لتجارة بعض أنواعه، والأماكن التي تشتهر بكل نوع، وطرق التمييز بين النقي منه والمغشوش ووسائل غشه ثم طرق نقله إلى شواطئ البحر المتوسط. وهو في حديثه عن أثمان هذه الطيوب يلقي أضواء مهمة على بعض جوانب الحياة في شبه الجزيرة، من بينها الشعائر الدينية التي تواكب معالجة لحاء الأشجار لاستخراج اللبان على سبيل المثال، وتكاليف هذه الشعائر، والأثمان النهائية لأنواع اللبان بعدما تتم كل المعاملات وتحصيل الضرائب عليه وهكذا (26).

والنوع الثالث من الكتابات التي ظهرت عن شبه الجزيرة العربية في العصر الروماني، فهي استمرار لكتب الرحالة أو كتب الطواف periploi التي مر بنا ذكرها، ولكن في تفصيل أكثر دقة مما كان معروفا من قبل، وقد وصل إلينا كتاب أو دليل من هذا النوع لكاتب غير معروف الاسم ولكن يبدو أنه كانت تاجرا يونانيا من مصر، وقد وصل الكتاب إلينا تحت العنوان الشائع "الطواف حول البحر الأريتري" وفيه يصف الكاتب الطرق التجارية بين مصر والهند، مرورا بشواطئ شبه الجزيرة، والكتاب يحوي معلومات كثيرة من ذلك النوع الذي يحتاج إلى معرفته الملاحون والتجار، سواء في ذلك ما يتصل بالملاحة والأسواق أو ما يتصل بالمعلومات العامة عن البلاد التي تقع على السواحل العربية أو على مقربة منها. فهو يتحدث مثلا عن خطورة الملاحة حول سواحل شبه الجزيرة حيث الموانئ نادرة والمراسي عسرة المسلك، كما يقدم وصفا لسوق موزا MUZA "مخا الحالية" وهو يذكر شيئا عن الأنباط وعن اسم ملكهم الذي كان معاصرا للوقت الذي كتب فيه. كذلك أشار هذا الكاتب إلى علاقة الإمبراطورية الرومانية بشبه الجزيرة العربية في جملة قصيرة مفادها أن "قيصر" أخضع عدن قبل وقته بسنوات قليلة، دون أن يحدد اسم هذا القيصر؛ مما أدى إلى جدل طويل بين الباحثين في الوقت الحاضر حول كنه هذا الحدث الذي أشار إليه وحول توقيته (27).

أما النوع الرابع من الكتابات العلمية التي ظهرت في العصر الروماني والتي تعرضت، فيما تعرضت إليه، إلى شبه الجزيرة العربية، هو تلك الدراسات التي كتبت للمثقفين على مستوى التخصص. وقد تمثل هذا النوع من الكتابة في الدراسة الجغرافية التي قام بها كلاوديوس بطلميوس claudius ptolemaius الذي عرفه العرب تحت اسم بطلميوس القلوذي أو بطلميوس الجغرافي، وهو يوناني من مدينة بطلمية ptolemais في صعيد مصر، قام بأبحاثه خلال النصف الأول من القرن الثاني الميلادي "121-151م". والدراسة التي قدمها تحت اسم الدليل الجغرافي geographike hyphegesis والتي يعتقد أنه قام بها تصحيحا لما قام به جغرافي سابق هو مارينوس marinus الذي ينتسب إلى مدينة صور "120م" تعتبر أشمل ما ظهر حتى ذلك الوقت، كما تعتبر الخريطة التي أرفقها بها أدق خريطة وضعت في العصر القديم، ومن ثم ظلت الخريطة المعمول بها حتى بدايات العصر الحديث.

وأهم ما يسترعي النظر في دراسة بطلميوس عن شبه الجزيرة العربية هو محاولته لضبط الحدود والتقسيمات والأماكن عن طريق خطوط الطول والعرض. ورغم أن خطوط الطول التي قدمها لا تتفق مع نظائرها بسبب خطأ عنده وبسبب التحريف الذي طرأ على درجاتها على يد النساخ المتعاقبين لهذه الخريطة، ورغم أنه يترك بعض المناطق، مثل الركن الشمالي الشرقي لشبه الجزيرة بين خطي عرض 33 و35.5 شمالًا دون أن يسجل فيه مكانا واحدا، بينما يكدس في القسم الجنوبي الشرقي منها عددا كبيرا من الأسماء لا ينتمي بعضها إلى المنطقة، بالرغم من كل هذا فالدراسة والخريطة لا تفقدان ما أسلفت الإشارة إليه من قيمتهما كأدق ما وصل إلينا عن المنطقة من العصر القديم.

وقد قسم بطلميوس شبه الجزيرة العربية إلى ثلاثة أقسام: العربية الصحراوية arabia erema والعربية الصخرية والحجرية arabia petraea والعربية الميمونة arabia eudaemon. والحدود التي وضعها لهذه الأقسام هي أول حدود لا تعطى بشكل عام تقريبي كما كان الحال مع سابقيه (28)، فهو يعطينا أسماء المواقع وخطوط الطول والعرض التي تحدد هذه الأقسام. ونحن إذا أدخلنا في اعتبارنا الخطأ الذي وقع فيه بطلميوس في خطوط الطول والعرض، وجدنا هذا التحديد يتفق مع التضاريس الطبيعية للمنطقة، وتبقى هناك ملاحظة على الخريطة المذكورة وهي أننا نستنتج من حديث بطلميوس أنه يضع الطرف الشمالي للخليج في مكان قريب من مدينة النجف الحالية، ولكنا نستطيع أن نفهم السبب الذي حدا به إلى ذلك إذا تذكرنا أن الكتاب الكلاسيكيين كانوا يعتبرون مستنقعات الأهوار الواقعة في جنوبي وادي الرافدين والتي تبدأ قريبا من موقع مدينة النجف الحالية امتدادًا للخليج، وهو رأي يظهر واضحا من تعريف بطلميوس للحدود الجانبية لوادي الرافدين (29).

وقبل أن أختم الحديث عن الكتاب الكلاسيكيين في العصر الروماني المبكر، أعرض لواحد منهم لا يمكن تصنيفه ضمن هذه الاتجاهات الأربع السابقة التي عكست اهتمام الرومان بالمنطقة العربية في حد ذاتها، وهذا هو المؤرخ اليهودي فلافيوس جوزيفوس flavius josephus "ولد في 37 أو 38م وتوفي حوالي نهاية القرن الأول الميلادي". ويختلف يوسفوس عن كتاب هذه المرحلة في أنه لم يكتب عن العرب وأحوالهم مباشرة وإنما جاءت كتابته عنهم بشكل جانبي أو غير مباشر في أثناء حديثه عن تاريخ اليهود. ويرد حديثه عن العرب في اثنين من كتبه هما "تاريخ حرب اليهود ضد الرومان" historia loudaikou polemou pros romaious، الذي ظهر بين 75 و79م. وهو يقع في سبعة أبواب تتضمن مقدمة عن تاريخ اليهود منذ استيلاء أنتيوخوس إبيفانوس antiochos epiphanos على القدس في 170 ق. م. وتنتهي بسقوطها مرة ثانية في 70م في يد الرومان على عهد تيتوس titus. أما الكتاب الثاني فهو "أخبار اليهود القديمة" he loudaike archaiologia الذي ظهر في 93-94م وفيه يتحدث عن عقائد اليهود وتاريخهم منذ بدء الخليقة حتى 66م.

وفيما يخص تقويم هذين الكتابين لنعرف الحدود التي يمكننا أن نعتمد، داخل نطاقها، على إشاراته إلى العرب، نستطيع أن نقسم ما جاء بهما، من الناحية الزمنية، إلى فترتين: الفترة الأولى تمتد من بدء الخليقة حتى 170ق. م. وهذه إما تعتمد على التوراة كمصدر لها ومن ثم نستطيع في مثل هذه المواضع أن نعتمد على التوراة مباشرة كمصدر أول في هذا الصدد، أو على الرواية اليهودية وهذه لا نستطيع تحقيقها في كل الأحوال، أو على كتاب سابقين مثل بيروسوس berosus البابلي ومانيثون manethon المصري وديوس dius الفينيقي وغيرهم،

والأخبار التي تعتمد فيه على هؤلاء ممدودة من جهة، كما أنه يبدو من جهة أخرى أن المؤرخ لم يعرف نصوص هؤلاء الكتاب مباشرة وإنما عرفها من خلال كاتب آخر هو نيقولاس nicolas الدمشقي ومن ثم تصبح أخباره هنا من الدرجة الثالثة. أما الفترة الثانية فهي التي تقع بين 170 ق. م و70م. وقد عاصر القسم الأخير من هذه الفترة معاصرة مباشرة في أثناء حياته، إما رؤية أو سماعًا وكان في بعض الأحيان في موقف من يعرف بواطن الأمور بحكم مركزه الاجتماعي، فقد كان من أسرة أرستقراطية، أو بحكم مركزه الرسمي فقد كان مساعدًا لحاكم الجليل في 66م، على سبيل المثال. أما القسم السابق لحياته من هذه الفترة فيمكن أن نعتمد على أخباره عنه بصفته قسما قريبا من المعاصر، وبخاصة إذا عرفنا أن يوسفوس كان من رجال الدين، ورجال الدين اليهود يتصفون بالحرص عادة، إن لم يكن في الواقع دائما، بتسجيل الأخبار التي تخص تاريخ شعبهم.

والأمر الثاني الذي يجب أن ندخله في اعتبارنا في هذا الصدد هو أن اتجاه هذا المؤرخ يختلف في أحد هذين الكتابين عنه في الكتاب الآخر. ففيما يخص كتابه عن "حرب اليهود" نجد أنه كان مواليا للإمبراطورية الرومانية ومن ثم فهو يقف ضد التعصب القومي لليهود ويظهر الرومان بأنهم أصحاب القوة التي لا تقهر، بل إنه حين كان يشغل منصب مساعد الحاكم لمنطقة الجليل كان همه الأساسي هو كبح جماح الثورة اليهودية، أما كتابه عن "أخبار اليهود القديمة" فقد كتبه في أثناء حكم الإمبراطور دوميتيانوس DOMITIANUS الذي اتسم عهده بتضييق الخناق على الكتابات الأدبية عموما وعلى الكتابات التاريخية على وجه التحديد، ومن ثم فقد كان رد الفعل عند يوسفوس هو الابتعاد عن الولاء للإمبراطورية الرومانية والاتجاه نحو تمجيد اليهود وبخاصة في ثقافتهم ودينهم. وطبيعي أن اتجاه هذا المؤرخ في كل من الكتابين لا بد أن نتذكره ونحن بصدد معالجة ما يرويه لنا من أخبار عن العرب أو عن علاقة اليهود بالعرب.

كذلك فنحن نجد يوسفوس أو الذين ساعدوه في إخراج كتابيه في صيغتهما النهائية (30)، لا يتحرى "أو لا يتحرى مساعدوه" الدقة العلمية في بعض الأحيان. ويظهر هذا بشكل واضح في كتابه عن "أخبار اليهود القديمة" ففي أحد المواضع، على سبيل المثال، نجد وصف إحدى المعارك مأخوذا من وصف معركة مذكورة في تاريخ المؤرخ اليوناني ثوكيديديس THUKYDIDES عن الحروب البلوبونيسية "القرن الخامس وأوائل الرابع ق. م"، وفي موضع آخر نجد لمسات واضحة من إحدى فقرات المؤرخ هيرودوتوس herodotos "أواسط القرن الخامس ق. م." وفي موضع ثالث يستعير الكاتب وصفه من إحدى مسرحيات سوفوكليس "القرن الخامس ق. م." (31). وحقيقة أن الأمر في هذه الفقرات يقتصر على التصوير الفني لموقعة أو حدث، وهو أمر قد يجنح إليه غيره من المؤرخين الكلاسيكيين، ولكن مع ذلك يجدر بنا أن نستحضره في ذهننا عند اعتمادنا على أخبار العرب الواردة في الكتابين المذكورين.

على أن هناك ميزةً لهذا المؤرخ، وهي أنه يتقصى أخبار العرب وبخاصة في علاقاتهم باليهود بشكل يعطينا الخلفية التي كثيرا ما تساعدنا على التفهم الكامل لبعض المواقف كما نرى، على سبيل المثال، في حالة شلَّاء "سللايوس syllaeus عند الكتاب الكلاسيكيين" الوزير العربي في عهد عبيدة الثالث ملك الأنباط "30-9ق. م." فبينما يقتصر كاتب مثل سترابون على وصف هذا الوزير بالطموح وقوة الشخصية نجد يوسفوس يتحدث عن الوزير العربي بشكل تفصيلي فيذكر خططه لكي يحل محل عبيدة كملك على الأنباط وكيف كان هذا التخطيط، على الأقل بشكل جانبي، وراء تفكير شلاء في الزواج من سالومي أخت هيرودوس ملك إقليم "يهودية" حتى يكتسب صفة الامتزاج بالدماء الملكية "أ".

د- كتاب العصر الإمبراطوري الروماني المتأخر:

وأخيرا أنقل الحديث إلى الكتاب الكلاسيكيين الذين ظهروا في المرحلة المتأخرة من العصر الإمبراطوري الروماني، وهنا نجد نوعية مختلفة من المعلومات عن العرب. فبينما كان اتجاه الكتاب الكلاسيكيين حتى هذه الفترة فيما يجمعونه من أخبار عن العرب وعن شبه جزيرة العرب إما يمثل محاولة للتعرف العلمي العام بالمنطقة وسكانها كما كان في المرحلة التي عاصرت الكتاب الأول في القرن الخامس ق. م. أو اهتماما اقتصاديا في أساسه، كما كان الحال في العصر المتأغرق، أو اهتماما موسوعيا عمليا وسياسيا كما كان الحال في المرحلة الأولى من العصر الإمبراطوري الروماني، نجد الأمر يختلف الآن حين نصل إلى المرحلة المتأخرة من هذا العصر. فهذه المرحلة من تاريخ الإمبراطورية الرومانية كانت تسودها مجموعة من التيارات أو العوامل نقلت اهتمام الكتاب الذين ظهروا خلالها فيما يتعلق بالعرب وشبه الجزيرة العربية من الأشكال السابقة إلى شكل جديد.

وفي هذا الصدد سيطر على الرومان، بين عدة عوامل أخرى، ثلاثة عوامل رئيسية: أحدها هو الصراع مع الإمبراطورية الفارسية، والثاني هو الصراع مع البرابرة، والثالث هو انتشار العقيدة المسيحية آنذاك في أرجاء الإمبراطورية الرومانية الشرقية، ومن ثم فقد كان اهتمام الكتاب الرومان بالعرب وبشبه الجزيرة، اهتماما جانبيا يكاد ينحصر من جهة في الإمارتين العربيتين الحديتين، اللتين تتبع إحداهما الإمبراطورية الرومانية الشرقية وهي إمارة الغساسنة وتتبع الأخرى الإمبراطورية الفارسية المناوئة وهي إمارة المناذرة، ومن جهة أخرى في الاعتماد على العرب كجنود يعملون بشكل أو بآخر ضمن القوات الرومانية في المعارك بين الرومان والبرابرة، ومن جهة ثالثة في مدى تقبل العرب للعقيدة الجديدة وموقفهم إزاء رجالها والمبشرين بها في المنطقة. وضمن هذه العوامل الثلاثة انحصر اهتمام الكتاب الكلاسيكيين في هذا العصر بالعرب كمجموعة بشرية يتحدثون عنها بشكل جانبي في أثناء حديثهم عن أحوال العالم الروماني وصراعاته، وحين يتحدثون يكون حديثهم عن صفات هذه المجموعة البشرية التي يود الرومان أن يعرفوا إلى أي مدى يمكنهم الاعتماد على خصائصها العسكرية أو ولائها السياسي أو استجابتها الدينية للعقيدة الجديدة.

ومن المؤرخين الذين برزوا في هذه المرحلة ثلاثة يمثلون نوعية الاهتمام الجانبي المذكور بالعرب آنذاك. وأول هؤلاء هو يوسيبيوس eusebios الذي نشأ في قيصرية caesarea في فلسطين وأصبح أسقفًا لهذه المدينة في 311م. وقد ألف كتابًا عن أحداث تاريخ اليونان والرومان تحت اسم الحوليات chronika جاءت فيه إشارات عابرة إلى العرب في بعض المواضع، ولكن ربما كان أهم كتبه هو "تاريخ الكنيسة" ekkiesiastikes historias، وهو يحتوي على إشارات متفرقة إلى العرب و"بلاد العرب" التي كان يعني بها دائما المنطقة المجاورة لسورية. والإشارات تدور كلها، دون استثناء، في نطاق انتشار العقيدة المسيحية أو ما يتصل من أشخاص ومواقف وأحداث. فهو يحدثنا مثلا عن أن حاكم بلاد العرب قد أرسل رسالتين إلى والي مصر وإلى أسقف الإسكندرية ليرسلا له الفقيه الديني المسيحي أوريجينيس origines السكندري ليلتقي به، وأن أوريجينيس قد ذهب إليه وأنجز المهمة التي ذهب إليها "ب" ويحدثنا كذلك عن بيريللوس beryllos الذي كان أسقفًا في مدينة بصرى في "بلاد العرب" وكيف حاول أن ينحرف بالكنيسة عن طريق تبني أفكار غريبة عن العقيدة المسيحية وكيف التقى به أوريجينيس السكندري وأعاده إلى طريق العقيدة السوية، وهو أمر يذكر بوسيبيوس أنه حدث في مناسبات أخرى "ج"، كما يحدثنا عما لقيه بعض رجال الدين المسيحي من تشريد أو استعباد أو قتل على يد العرب "يقصد الوثنيين منهم" "د".

أما الكاتب البارز الثاني في هذه المرحلة فهو أميانوس ماركلينوس ammianus marcellinus الذي ولد في أنطاكية من أصل سوري في 330م، وعاش في القرن الرابع الميلادي وكان آخر المؤرخين الرومان العظام. وقد كتب كتابا باللاتينية "التي كانت بالنسبة له لغة مكتسبة" أسماه التواريخ historiae يغطي الفترة ما بين 96 أو 378م. وقد اندثرت من هذا الكتاب الأبواب الثلاثة عشر الأولى وتبقى منه القسم الذي يبدأ بالباب الرابع عشر وينتهي بالباب الحادي والثلاثين وهو يغطي الأحداث الواقعة بين عامي 353 و 378م. ورغم أن هذا المؤرخ يشير إلى العرب بشكل عرضي ضمن وصفه لبعض الأحداث مثل غيره من مؤرخي هذه الفترة، إلا لي أن إشاراته تستمد قيمتها من معاصرته للأحداث التي كتب عنها "على الأقل في القسم المتبقي من كتابه" وفي بعض الأحيان من رؤيته لها في أثناء الحملات التي اشترك فيها كرجل عسكري، ومن بينها ملات روما ضد الإمبراطورية الفارسية في الشرق. كذلك يزيد من قيمة هذه الإشارات اهتمامه بملامح الشخصية الجماعية لمن يتعرض لوصفهم، وهو أمر ربما اكتسبه من رحلات المتعددة التي قام بها سواء في أثناء خدمته العسكرية أو في غير ذلك من الأوقات وهي رحلات جعلته يحتك بعديد من المجتمعات. أما العامل الثالث الذي يضفي أهمية على كتابته التاريخية فهو طريقته الموضوعية في الكتابة، وهي طريقة أدت بالمؤرخ الحديث جيبون gibbon إلى أن يقول عنه أنه "يكتب بلا أحكام مسبقة وبلا انفعال، وهما صفتان عادة ما تؤثران على من يكتب عن مواقف يعاصرها"، هذا وإن كانت هذه الصفة لا تحول دون وقوع هذا الكاتب في خطأ أو التباس أو مبالغة في بعض الملاحظات التي يبديها عن العرب في بعض الأحيان.

ولعل في ذكر بعض إشاراته عن العرب وشبه الجزيرة العربية ما يعطينا فكرة عن هذه الإشارات وعن طريقة تقديمه لها. وأولى هذه الإشارات تصف موقفا في عام 378م. ففي ذلك العام قامت قوة كبيرة من البرابرة مكونة من مجموعات من القوط والألان والهون بالزحف على القسطنطينية بعد أن هزموا الرومان في أدريانوبوليس، وقد سقط في المعركة عدد من القواد الرومان والإمبراطور نفسه وأصبح الموقف حرجًا. وفي هذا الشوط تقدمت الفصائل العربية التي كانت تحارب ضمن القوات الرومانية لمهاجمة البرابرة الغربيين، وهنا يقول أميانوس عن هذه الفصائل التي يسميها فصائل السراكيني saraceni: إنهم "أخذوا المبادرة على أثر حادثة غريبة لم يشهدها أحد من قبل، ذلك أن واحدا من بينهم، وهو رجل ذو شعر طويل وعارٍ إلا من قطعة قماش تغطي عورته، أخذ يطلق صيحات خشنة مخيفة ثم اندفع بسيفه القصير وسط القوطيين، وبعد أن قتل أحد رجالهم ألصق شفتيه بزور الرجل المقتول وأخذ يمص الدم الذي كان يتدفق منه بغزارة، وعند ذلك أصيب البرابرة بالرعب من هذا المنظر الغريب الوحشي، وبعدها فقد هؤلاء ثقتهم المعتادة بأنفسهم، ولم يعودوا يتقدمون إلا بخطا مترددة كلما أقدموا على أية حركة" "هـ".

والحديث، رغم غرابته لأول وهلة، قد يكون صادقا، فإلى جانب معاصرة الكاتب له "فقد خدم أميانوس تحت قيادة أورسينيكوس ursinicus في الشرق"، فإن كذلك ليس من المستبعد أن يكون واردا بين بعض القبائل البدوية، ومن غير المستبعد أن يكون لهذا التصرف مغزًى معين "ميثولوجي أو أنثروبولولجي ثقافي" في أذهان عرب البادية. وعلى أية حال فهناك إشارة مباشرة واحدة على الأقل إليه في قصيدة المهلهل بن ربيعة التغلبي "توفي في النصف الأول من القرن السادس م." التي هدد فيها قاتلي كليب من بني بكر حيث يقول: "و"

قــل لبنــي ذهــل يردُّونه *** أو يصبروا للصيلم الحَنْفقيقْ

فلقد تروَّوا من دم محرم *** وانتهكوا حرمته من عقوقْ

ولا يزال أثر هذا التصور سائدًا في الريف العربي حتى الآن، على الأقل من الناحية النظرية، حين نسمع أحدهم يقول عن عدو له: إذا فعل كذا فسأشرب من دمه.

وفي موضع آخر يصف بعض عادات العرب "يقصد أهل البادية منهم" فيقول: "إن حياتهم في تنقل مستمر، وهم يتخذون زوجات بموجب عقد مؤقت. ولكي يكون هناك مظهر من الحياة الزوجية، فإن الزوجة المستقبلة تقدم لزوجها رمحًا وخيمة على سبيل المهر، على أن يكون لها الحق في أن تتركه "أي زوجها" بعد مدة يتفق عليها فيما بينهما إذا أرادت ذلك، وإن حرارة العاطفة التي يندفع فيها الجنسان أمر لا يصدقه عقل" "ح".

والملاحظة التي يبديها المؤرخ في القسم الأول من النص "الخاص بالزواج" فيها، على الأقل بالمقارنة بما كان سائدا في الفترة السابقة لظهور الدعوة الإسلامية مباشرة، شيء من الالتباس أو المبالغة، فالمرأة البدوية كان لها دون شك قدر من حرية التصرف أكثر من المرأة الحضرية في المجتمع العربي في العصور السابقة للإسلام، كذلك فإن انفصال الزوجة عن زوجها كان كذلك شيئا واردا، ولكن الوصف الذي يقدمه أميانوس قد لا يستقيم مع بعض الضوابط التي كانت موجودة في الحياة الزوجية عند العرب آنذاك، وإن كان يشير، رغم هذا، إلى ذلك القدر من الحرية الذي كان يعطي المرأة العربية البدوية القدرة على مفارقة زوجها في بعض الظروف، كما نستنتج ذلك واضحًا من الشعر المنسوب إلى هند بنت عتبة وصاحباتها وهن ينشدن محرضين رجالهن ضد المسلمين في غزوة أحد: "

إن تقبلـوا نعانق *** ونفرش النمارق

أو تدبروا نفارق *** فراق غير وامق

كذلك قد يقع أميانوس في خطأ التعميم في بعض الأحيان، وهو أمر نلحظه حين يتكلم عن تسمية العرب باسم العرب الميامين "السعداء أو المحظوظين" ARABES BEATI وتعليله لهذه التسمية فيقول: "إن الفرثيين "الفرس" جيران للعرب الميامين، وقد أطلقت عليهم هذه التسمية لأنهم أثرياء سواء فيما يخص ثمار الحقول أو قطعان الماشية أو التمر أو أنواع الطيوب المختلفة. ويطل قسم كبير من حدودهم على البحر الأحمر من ناحية اليمين "بالنسبة للقادم جنوبا سواء من سورية حيث موطن المؤرخ أو من روما حيث كان يقيم" بينما يحدهم البحر الفارسي من اليسار. والناس "في هذه البلاد" يعرفون كيف يحصلون على كل الميزات من هذين العنصرين "البحرين". وعلى هذين الساحلين توجد مواضع كثيرة لرسوِّ السفن وموانئ آمنة كثيرة ومدن تجارية مستمرة في خط لا ينقطع، وقصور ملكية على قدر كبير من الفخامة والزخرف، وعيون من المياه الحارة بطبيعتها والتي تهب المرء الصحة، وعدد كبير من الأنهار والجداول. وأخيرا فإن الجو هناك صحي لدرجة أنهم، في نظر أي شخص له حكم صائب، لا ينقصهم شيء من مقومات السعادة الغامرة، كذلك فهناك عدد كبير من المدن سواء على الساحل أو في الداخل ذات سهول ووديان غنية" "ي".

وواضح هنا اهتمام المؤرخ ليس بإعطاء صورة مفصلة لاقتصاديات شبه الجزيرة أو حتى جغرافيتها الدقيقة على نحو التفصيل الذي رأيناه عند مؤرخي وجغرافيي المرحلة المبكرة من العصر الإمبراطوري الروماني من أمثال سترابون وبلينيوس وبطلميوس الجغرافي أو حتى من أتى قبلهم من الكتاب الكلاسيكيين، بل إنه يخطئ في ذكره لوجود عدد كبير من الأنهار والجداول، فشبه الجزيرة العربية لا توجد بها أنهار أو جداول على الإطلاق ومن المرجح أن ما يقصده أميانوس بذلك هو الوديان التي تملؤها مياه الأمطار في موسم المطر. وإنما يستهدف المؤرخ هنا وصف شخصية المجتمع العربي ذاته كمجتمع سعيد وإبراز مقومات هذه السعادة.

ولكن مع ذلك فالمؤرخ يقدم نغمة واضحة في حديثه، فمن الواضح أنه يتحدث هنا عن المجتمع العربي الحضري، فهو يتحدث عن الزراعة والتجارة والمدن ويسمي السكان باسم العرب arabes مقابلًا بذلك بينهم وبين المجتمع البدوي وسكان من الأعراب الذين أسماهم سراكيني Saraceni كما رأينا في أحد نصوصه التي أسلفت ذكرها. على أننا رغم ذلك يجب أن نحترس من التعميم الذي وقع فيه حين أضفى وصفه في مقومات ما يوجد فيه المجتمع العربي الحضري من السعادة على كل طبقات هذا المجتمع، فقد كانت هناك طبقات ترزح تحت وطأة المعاناة حتى في أغنى مناطق شبه الجزيرة العربية وهي المنطقة الجنوبية الغربية بالذات "اليمن" التي أسماها الكتاب الكلاسيكيون باسم "العرب الميمونة" "ك".

وأختم الحديث بثالث المؤرخين الكلاسيكيين البارزين الذين ظهروا في المرحلة المتأخرة من العصر الإمبراطوري الروماني والذين تعرضوا في كتاباتهم للعرب أو لشبه الجزيرة العربية، وهو المؤرخ بروكوبيوس PROKOPIOS الذي ولد في فلسطين وكان أحد رجال الحاشية في عهد بوستنيانوس "جستنيان" الأول وأصبح أمينًا للقائد البيزنطي بليزاريوس belisarios في 527م، وفي صحبته زار إيطاليا وولاية إفريقية "تونس وجزء من الجزائر الحالية" وآسيا الصغرى، ثم عاد معه إلى القسطنطينية في عام 542م. ورقى إلى مرتبة lllustris أي واحد من طبقة الأعيان، ثم عين محافظًا للقسطنطينية في 562م وتوفي بعد ذلك بثلاث سنوات.

وقد كانت التجربة التي اكتسبها سواء من خلال عمله العسكري أو مركزه المدني أو من رحلاته المتعددة، عاملا أعطى قيمة للكتب التي قام بكتابتها، ومن بين هذه كتاب عن المباني ktismata أشار في مواضع قليلة منه إلى العرب، وإن كانت إشاراته لا تفرق بين عرب شبه الجزيرة وغيرهم، كما نلمس، على سبيل المثال، من حديثه وهو بصدد وصفه لإحدى الكنائس في سيناء عن تعزيز هذه الكنيسة بجامعة عسكرية تخوفا من العرب الذين قد يقتحمون المكان "ويتخذونه قاعدة للتسلل نحو الأماكن القريبة من فلسطين" "ل". وواضح هنا أنه يعني بإشارته هذه قبائل الأعراب في صحراء سيناء. على أنه يتحدث كثيرا عن العرب في كتاب آخر من كتبه أعطاه تسمية "عن الحروب" hyper ton poiemon والكتاب يقع في ثمانية أجزاء خصص الجزأين الأولين منها للحروب بين البيزنطيين والفرس، وهما الجزءان اللذان يهماننا في صدد دراستنا الحالية، إذ فيهما يتحدث كثيرا عن العرب في مجال حديثه عن إمارتي الغساسنة واللخميين اللتين كانتا تمثلان المنطقتين الحدّيتين أو منقطتي نفوذ الإمبراطورية البيزنطية والإمبراطورية الفارسية على التوالي، ومن ثم كان لهما دور في الصراع العسكري بين هاتين الإمبراطوريتين.

وفي هذين الجزأين من كتابه تدور المعلومات التي يوردها عن العرب داخل نطاقين رئيسيين. وفي أحد هذين النطاقين يصف الأحداث والمواقف التي تتصل بالغساسنة والمناذرة في وضعهما بين الإمبراطوريتين الكبيرتين. فهو يحدثنا مثلًا عن الحارث "ARETHAS" الثاني بن جبلة وكيف أقامه الإمبراطور بوستنيانوس justinianus "جستنيان" ملكًا للعرب "يقصد عرب بني غسان" وحثه على التصدي للمنذر "ملك إمارة اللخميين في الحيرة" وعن الحرب التي خاضها فعلا ضد هذا الأخير، وعن اشتراك الحارث بجنوده مع الجيش الروماني "البيزنطي" بقيادة بيليزاريوس في الحرب التي دارت على ضفاف الفرات وكيف أرسله القائد البيزنطي في مهمة عسكرية ضد منطقة آشور وهكذا، "م". كما يتحدث عن المنذر "alamoundaras" الثالث بن ماء السماء الغساني، الذي يسميه الكاتب كذلك باسم ملك العرب وعن شخصيته، ثم عن تضحيته للإمبراطور الفارسي بمحاربة الرومان "البيزنطيين" واشتراكه في هذه الحرب وعن صراعه مع الحارث بن جبلة وعن محاولة بوستنيانونس أن يتخذه حليفا له وعن تخوف البيزنطيين من نشاطه الذي اعتبره البيزنطيون تهديدًا لسورية وفينيقية ولبنان، "ن".

والإشارات المذكورة تعطينا دون شك معلومات قيمة عن الأحوال السائدة في القسم الشمالي من شبه الجزيرة العربية في الفترة التي يغطيها الكتاب، ويزيد من هذه القيمة أن هذه الإشارات أو الأحداث جاءت من جهة في إطارها التاريخي الطبيعي وهو الصراع بين الإمبراطوريتين البيزنطية والفارسية، كما أن الذي رواها من جهة أخرى شخص اشترك في هذا الصراع بالفعل، وكان اشتراكه هذا على أعلى مستوى؛ إذ كان أمينا للقائد البيزنطي الذي أدار القسم الأكبر من هذا الصراع ومن ثم كان في الموقع الذي يجمع إلى جانب المعرفة الداخلية بالحدث معرفة أخرى بظروف التخطيط للحدث واتخاذ القرار بتنفيذه. كذلك فإنه بموقعه المتميز في الحياة المدنية كواحد من دائرة الأعيان المقربين من الإمبراطور البيزنطي كان في وضع يمكنه من تعميق معرفته بدخائل السياسة البيزنطية إزاء الإمبراطورية الفارسية ومن ثم إزاء كل من إمارتي الغساسنة واللخميين.

أما النطاق الآخر الذي دار فيه حديث المؤرخ عن العرب فإنه يتعلق من جهة بأحوال العرب فيتحدث عن أماكن سكناهم في المناطق المزروعة بالنخيل أو في فلسطين وعن أحد أعيادهم الدينية وعن اشتراكهم كجنود سواء مع القوات الفارسية أو الرومانية "البيزنطية" وهكذا (32)، كما يتعلق من جهة أخرى بشخصيتهم كمجموعة بشرية. وفي هذا الصدد يصف بروكوبيوس العرب بعدد من الأوصاف يبدو فيها شيء من التحامل على العرب في عديد من المواضع، وإذا كان يظهر من حديثه في بعض الأحيان أن العرب الذين يقصدهم هم عرب البادية في شمالي شبه الجزيرة العربية وفي بعض الأحيان في جنوبها "وهو بسبيل حديث عام من شبه الجزيرة" إلا أنه يبدو في أحيان أخرى أنه يتحدث عن العرب عموما بما في ذلك عرب الغساسنة واللخميين والمسئولين فيهم. وفي هذا الصدد نجده يصف العرب في الحرب بأنهم يجيدون السلب والنهب ولكنهم لا يجيدون اقتحام المدن وبأنهم كثيرا ما يشنون الحروب فيما بينهم، وبأنهم لا يأتي ذكرهم حين تعقد المعاهدات، وفي مناسبتين ذكر عن بعض قبائلهم أنهم برابرة barbaroi وأنهم من أكلة لحوم البشر (33) anthropophagoi.

وإذا كانت بعض هذه الأوصاف يمكن تسبيبها، مثل شن العرب للحرب فيما بينهم، بما شاهده المؤرخ من صراع بين الغساسنة والمناذرة. فإن الحديث لا يبدو مقنعًا في إنكار قدرة العرب على اقتحام المدن ووصف البرابرة الذي أطلقه على العرب وبخاصة إذا تذكرنا أن المؤرخ عاش في القرن السادس الميلادي وهو القرن الذي عرفت فيه إمارة الغساسنة وإمارة اللخميين في الحيرة قدرا ملموسا من التقدم في النواحي المعمارية والدينية والثقافية عموما من جهة، ومن جهة أخرى فهو القرن السابق مباشرة لظهور الدعوة الإسلامية التي كانت نقطة التفجير للتوحيد السياسي والديني لشبه الجزيرة العربية وللفتوحات العربية التي سقطت أمامها الإمبراطورية الفارسية وقسم كبير من الإمبراطورية البيزنطية. وفي هذا الصدد فإن حديث المؤرخ وملاحظاته عن العرب يبدو متناقضًا مع هذه الإنجازات التي أرى أن بوادرها لا بد أن تكون واردة في القرن السادس الذي عاش فيه وهو القرن السابق مباشرة لهذه الإنجازات، وهو تناقض إما أن نرده إلى تحامل أو تعالٍ من المؤرخ أو إلى تقصير في فهم أو تفسير ما كان يدور حوله من أحداث وتيارات.

_____________

(1) عن تحديد نهاية عصر هوميروس راجع، لطفي عبد الوهاب يحيى: هوميروس، تاريخ حياة عصر, الإسكندرية 1968، صفحات 35-40، الإشارة الأولى عند هوميروس في الأوديسية: od,IV,84 ترد فيها لفظة eremboi لتصف قومًا، ويعتقد سترابون الجغرافي XVI,4:27 بناء على اجتهاده الشخصي وعلى آراء اثنين من سابقيه تعرضا للمسألة وهما زينون zenon وبوسيدونيوس poseidonius، أن اللفظة تشير إلى العرب ومن الممكن أن يكون هذا واردا وبخاصة إذا عرفنا أن النصوص الآشورية ترد فيها تسميات للعرب قريبة من تسمية هوميروس، وقد وصل الآشوريون في توسعهم حتى الشواطئ الشرقية للبحر المتوسط ومن ثم فقد كانوا أحد المصادر التي عرف اليونان عن العرب من خلالها, وقد كان اللقاء بينهم وبين اليونان "المهاجرين إلى قبرص والشواطئ الشرقية للبحر المتوسط" من الناحية الزمنية مطابقا أو قريبا من العصر الهومري. وفي هذه النصوص الآشورية يرد العرب كقوم تحت تسميات عديدة متقاربة من بينها aribi راجع erich ebeling: Araber: في reallexiton der Assyriologie "1928". الإشارة الثانية عند هوميروس في الأوديسية كذلك: od,XV 426 ترد فيها لفظة arbas أو arybas كاسم علم لرجل، وهي قريبة من لفظة arubu التي ترد في نص آشوري "703ق. م." من عهد سنحريب "راجع: ebeling المرجع ذاته، المكان ذاته" كصفة أو نسبة بمعنى عربي، وقياسا على ما هو شائع في التسميات العربية فإن اللفظة الدالة على الصفة أو النسبة من الممكن أن تستخدم للدلالة على اسم العلم، ولكن تبقى نقطة وهي أن لفظة هوميروس جاءت اسما لوالد امرأة فينيقية من صيدون.

عن توقيت أشعار هوميروس راجع: lutti a-w. yebya: from homer to hesiod, arch & hist studies, 4, the arch soc of alexandria arabaios "1971"، صفحات 3-7. عند هزيودوس ترد لفظة: arabaios في: katalogoi gynalkon eoiai, 15 ولكن في مجال أسطوري غير محدد.

عند إيسخيلوس "4/525-456 ق. م." الإشارة الأولى وهي arabos ترد كاسم علم لرجل في مسرحية persae "عرضت في 472 ق. م"، سطر 318، ورغم أن العرب كانوا يشكلون وحدة في جيش الإمبراطور الفارسي أحشويرش xerxes "راجع: herodotos: VII, 69,86"الذي تدور المسرحية حول مهاجمته لليونان في موقع سلاميس، ومن ثم تصبح اللفظة واردة، إلا أن إيسخيلوس يعقبها بوصف "الماجي" magos, والماجيون فئة "دينية على الأرجح" عن ميدية في بلاد فارس، راجع: herod: I, 110, VII, 19,37,43,113 أما الإشارة الثانية وهي arabia فهي ترد في مسرحية promethees سطر 420 ولكنها غير ثابتة في المخطوطات الأصلية للمسرحية، وحتى مع ترجيح ثبوتها فإن العبارة التي ترد فيها "وهي: أن زهرة شباب arabia يحمون بأسلحتهم الحصن المنيع على حدود القوقاز" سطور420 -425 تتركنا في حيرة مما يعنيه الشاعر: هل هؤلاء الشباب العرب يشكلون وحدة في الجيش الفارسي تحتل موقعا خارج بلاد العرب أم أن الشاعر لا يعرف بوضوح أين تقع بلاد العرب ومن ثم يضعها بشكل تقريبي على حدود القوقاز طالما أن المنطقتين تقعان إلى الشرق من بلاد اليونان؟

(2) كان هذا أول مؤشر لاهتمام الغرب بالمنطقة بعد أول احتكاك كبير بين اليونان والعالم الشرقي ممثلا في الصدام مع الإمبراطورية الفارسية في 490 و480ق. م. وهو صدام اعتبره اليونان مسألة بقاء أو فناء بالنسبة لهم، "وقد ظهرت فيه وحدات عسكرية عربية ضمن القوات الفارسية" ثم في أواسط القرن في 459 و448 ق. م. ولا بد أن يكون هذا قد أثار اليونانيين وبخاصة المثقفين منهم "وقد شهدت فترة أواسط القرن الخامس تزايدا كبيرا في هذه الفئة" رغبة واضحة في التعرف على هذا العالم الشرقي واستكناه هويته، وهو معنى يؤكد عليه هيرودوتس سواء في العنوان الذي أعطاه لدراسته والذي اختار له لفظة "تحقيقات" historiae أو في السطور الأولى التي استهل بها هذه الدراسة.

(3) بلاد العرب بمعنى سيناء historiae II، بمعنى الصحراء الشرقية II،75، بمعنى بادية الشام III، 5 ، 7، 9، بمعنى المنطقة بين وادي الرافدين وخليج السويس II،39.

(4) III، 107.

(5) III، 113.

(6) عن جنوح الرواية إلى الخيال أحيانًا الإشارة إلى ثعابين مجنحة تحرس أشجار اللبان III،107، طريقة الحصول على القرفة III، III، أنواع من الغنم لها ذيول غير عادية الطول تحفظ بطريقة غير عادية III، 113.

(7) عن موقع البلاد راجع حاشية 4 أعلاه، عن التربة II،12 عن العادات والتقاليد I، 199، III، 8 عن العقائد الدينية I، 131، III، 108 عن الملابس والأسلحة Vii،69 عن الأسلحة وطرق الحرب v11،86 عن علاقاتهم مع الآشوريين II، 141 عن علاقاتهم مع الفرس III، 97 vII، 69 عن المنتجات من الطيوب والتوابل III، 107، III،13عن تجارتهم بشكل عام من البلاد الأخرى III، III وساطة التجار الفينيقيين بين الطيوب والتوابل العربية وبين بلاد اليونان نستنتجها من III، 107، 111.

(8) كان استهلاك الطيوب والبخور في بلاد اليونان ضرورة يومية في المنزل والمعبد والأعياد والاجتماعات السياسية والاحتفالات الرياضية "وهي احتفالات كانت لها أهمية كبرى في بلاد اليونان وترعاها الدولة" والمناسبات الاجتماعية، وقد تزايد استهلاك الطيوب والبخور مع تزايد الرخاء الذي واكب الازدياد الكبير في حجم تجارة الإمبراطورية الأثينية في القسم الشرقي للبحر المتوسط وبخاصة بعد الضربة التي تلقاها النشاط التجاري الفينيقي في المنطقة عقب الهزيمة التي حاقت بالأسطول الأثيني على شواطئ قبرص في 449ق. م، راجع عن مظاهر هذا الرخاء في أثينا j.b. bury: a history of greece ط2 1945، صفحات 367-378.

(9) كان أبرز معالم حركة التخصص العلمي آنذاك هو معهد اللوقيون الذي أسسه أرسطو وكان أول رئيس له. عن الدوافع وراء تفكير الإسكندر المقدوني في غزو شبه الجزيرة العربية راجع الحديث عن العلاقات الخارجية لشبه الجزيرة العربية في القسم الثالث من هذه الدراسة.

(10) arrianos: anabasis، VII، 20: 8-10، strabo: XVI،4:4.

(11) arrianos: ذات المرجع، المقدمة، وفيها يذكر أريانوس أن كلًّا من هذين الكاتبين قد كتب دراسة عن الإسكندر، كما يذكر أسباب اعتماده في دراسته على ما كتباه، strabo: XVI، 1: II، 3:2، 3، 5، 7.

(12) arrianos: VII، 19:6،20 راجع كذلك الحاشية السابقة.

(13).theophraslos: peri phyton historias، IX،4

(14) G. Sarton A History of Science "1953" ص 544.

(15) strabo: XVI،4:2.

(16) ذاته XVI،4:2،4.

(17) عن الفترة التي يمثلها الكاتب، يرجح أن أجاثار خيدس كان حوالي 116 ق. م. مربيًا لأحد البطالمة، لعله بطلميوس سوتر الثاني "141-81 ق. م." راجع: E. H. Warmington:Agatharchides OCD وعلى أي الأحوال فهو سابق لسترابون "63/64 ق. م -21م على الأقل" طالما أن سترابون ينقل عنه، الكتاب صدر تحت عنوان peri fas erythras tnalasses راجع: G. Mueller: Geographiei Graeci Minores ج1 صفحات 186 وما بعدها، عن كتب الطواف في العصر اليوناني الروماني راجع: F.Gisinger: Periplus، RE وصف البذخ في مناطق الطيوب والتوابل في الباب الخامس من كتاب أجاثار خيدس، هذا الوصف وصلنا منقولا في diodoros: III،46-7 في artemidoros منقولا بدوره في strabo: XVI،4:19.

(18) منقول في strab: XVI،4: 18-19.

(19) راجع الجزء الخاص بالعلاقات الخارجية لشبه الجزيرة في القسم الثالث من هذه الدراسة.

(20) strabo: XVI،I ،1:16-18.

(21) ذاته XVI 3:24.

(22) ذاته: XVI، 4.24.

(23) ذاته: xvi،4: 21، 25-6.

(24) ذاته: xvi،4: 22-24. هذا ويرى بعض الباحثين أن سترابون رافق الحملة، ولكني أرى في حديثه xvi، 4،24 ما ينفي هذا الزعم بشكل حاسم.

(25) plinius: HN،VI 147-162، تنويه بلينيوس بتصحيح أو تدقيق معلومات سابقيه، يرد في ذاته: الباب ذاته، فقرات 139، 156، 160.

(26) ذاته: xii،51-99.

(27) الكتاب محرر باليونانية وإن كان قد عرف تحت عنوانه المترجم إلى اللاتينية periplus maris erythrael. عن تاريخ ظهوره هناك من يقول بأن ذلك كان في القرن الأول الميلادي، راجع: anderson:cah ج10، صفحات 881-883. بينما يذهب آخرون إلى أن الكتاب ظهر في القرن الثالث الميلادي مثل:

jacqueline pirenne: la date de periplee de la mer erythree "ta"

"1916"، صفحات 44 وما بعدها، الإشارة إلى إخضاع قيصر لعدن ترد في periplus:26.

(28) من بين هؤلاء، على سبيل المثال، didorus:II،54،strabo: XVI، 2:2،3،3:1 كذلك أراتوستنيس في strabo: XVI،4:2.

(29) ptolemaios: gegr: V،14:5،18-19 الساحل الشمالي للخليج الفارسي عند بطلميوس، ذاته، 19: VI،7:19 راجع حديث بلينيوس عن تراجع الخليج أمام الطمي الذي يحمله النهران plinius: HN،vi، 139-40 -الأمر الذي يجعلنا نفهم إلى حد ما اعتبار بطلميوس لبداية منطقة الأهوار على أنها بداية للخليج.

(30) كتب يوسفوس كتابه عن "تاريخ حرب اليهود ضد روما" بالآرامية أولًا ثم ترجمه إلى اليونانية بمساعدة آخرين، ويبدو من سلاسة الأسلوب أن هؤلاء المساعدين قاموا بترجمة الكتاب كله دون أن يشترك يوسفوس في هذه الترجمة. أما كتابه عن "أخبار اليهود القديمة" فقد كتبه باليونانية وساعده آخرون في بعض المواضع كما يشهد على ذلك تأرجح الأسلوب بين السلاسة والمعاناة اللغوية، ويشير يوسفوس نفسه إلى هؤلاء المساعدين sunergol فيما يخص كتابه الأول في مقالته "ضد أبيون" "كان أبيون عالما سكندريا مشهورا بمعاداته لليهود"1.50 راجع في هذا:

A.H.M. Jones: josephus، o.c.d.

H. ST. J. Thackeray: josephus، the man and the his.

torian، new york، 1929 "lecture V": Josephus، LCL

Vol. IV "Jewish antiquities"، introduction، pp. XIV XV.

(31) عن التأثر بدرجات متفاوتة، والمقصود هنا هو كتاب "أخبار اليهود القديمة":

josephos: IV، 91= sophokies: oidipous epi kolonol، 589: thuk III،22.

josephos: IV،92=thuk.: VII،83،sq.

Josephos: IV،134=herodotos: IV،111-114.

أ- Josephos: loud. arch، XVI، 7:9-10: VVII، 3:4-5: loud.

pol، I،24،28-32.

strabon: XVI، 4:21.

ب- eusebios: ekk. hist. VI 19:15.

ج- ibid: VI،33: 1-3، 37-1.

د-.VIII،12:1 "وهنا يصف العرب بالبربرية" ibid:VI، 42: 3-4.

هـ- historiae: XXXI، 16.6.

و- شيخو وبستاني: المجاني الحديثة، قصيدة الداهية، أبيات 23-24.

ح- OP.CIT: XIV،4.

ط- ابن هشام: السيرة، تحقيق السقا والإبياري "طبعة القاهرة 1936-1955" ج3، ص72.

ى- Op.cit.: XIII،4:45-7.

ك- راجع الحديث عن الوضع الاجتماعي في الباب التاسع من هذه الدراسة.

ل- ktismata: V،8:7-9.

م- عن هذه الأحداث بالترتيب:

hyper ton polemon: 1،17:47-8، 18:7 26، 35; 11، 1:3-7، 16: 5 19: 11، 15-18، 26، 28: 12-14.

ن- عن الوصف والأحداث على الترتيب:

op. cit: 1، 17:1، 40-48: 30-39، 18:1-9، 11، 28: 12-14، 1:13، 3:47، 11، 16:17،19:34.

(32) على الترتيب:

op. cit:1،19:7-8، 10:11، 16:18، 1،17:1، 18:30،11، 27:30 1، 18:7 ، 26، 35، 11، 16:5.

(33) على الترتيب:

op. cit: 11، 19:12، 28:12-14، 1:5، 1، 19:11، 15.

هذا وتجدر الإشارة إلى أن وصف العرب بالبرابرة "I، 19:11" وقد ورد كذلك عند بوسيبيوس، راجع حاشية "35" أعلاه. كما تجدر الإشارة كذلك بأن وصف البرابرة لم يكن يعني دائما التحقير من شأن من يوصفون بهذه الصفة، وإنما كانت الصفة تعني بوجه عام من هم غير اليونان ومن ثم يتحدثون بلغة لا يفهمها هؤلاء "وقد كانت الإمبراطورية الرومانية الشرقية، وهي الإمبراطورية البيزنطية يونانية الحضارة" على نحو تسمية العرب للفرس بالعجم لأنهم لا يتكلمون العربية ومن ثم فهم، في تصور العرب، لا يتكلمون الكلام الجدير بهذا الوصف. وفي هذا الصدد نجد بروكوبيوس يصف المنذر بن ماء السماء بأنه "ذلك البربري "I، 17:43" رغم أنه يكرس عدة فقرات طويلة يتحدث فيها عن عظمته كقائد وعن خططه الحربية التي كانت قوات الإمبراطورية البيزنطية ترهبها ولا تستطيع التصدي لها "I، 17:40-8" بل إنه يصفه مرة بأنه "أجبر الدولة الرومانية على أن تجثو على ركبتيها على مدى خمسين عامًا" "I، 17:40"، ومرة بأنه "أثبت أنه أصعب وأخطر عدو للرومان" "5، 17:45".

 

 

 




العرب امة من الناس سامية الاصل(نسبة الى ولد سام بن نوح), منشؤوها جزيرة العرب وكلمة عرب لغويا تعني فصح واعرب الكلام بينه ومنها عرب الاسم العجمي نطق به على منهاج العرب وتعرب اي تشبه بالعرب , والعاربة هم صرحاء خلص.يطلق لفظة العرب على قوم جمعوا عدة اوصاف لعل اهمها ان لسانهم كان اللغة العربية, وانهم كانوا من اولاد العرب وان مساكنهم كانت ارض العرب وهي جزيرة العرب.يختلف العرب عن الاعراب فالعرب هم الامصار والقرى , والاعراب هم سكان البادية.



مر العراق بسسلسلة من الهجمات الاستعمارية وذلك لعدة اسباب منها موقعه الجغرافي المهم الذي يربط دول العالم القديمة اضافة الى المساحة المترامية الاطراف التي وصلت اليها الامبراطوريات التي حكمت وادي الرافدين, وكان اول احتلال اجنبي لبلاد وادي الرافدين هو الاحتلال الفارسي الاخميني والذي بدأ من سنة 539ق.م وينتهي بفتح الاسكندر سنة 331ق.م، ليستمر الحكم المقدوني لفترة ليست بالطويلة ليحل محله الاحتلال السلوقي في سنة 311ق.م ليستمر حكمهم لاكثر من قرنين أي بحدود 139ق.م،حيث انتزع الفرس الفرثيون العراق من السلوقين،وذلك في منتصف القرن الثاني ق.م, ودام حكمهم الى سنة 227ق.م، أي حوالي استمر الحكم الفرثي لثلاثة قرون في العراق,وجاء بعده الحكم الفارسي الساساني (227ق.م- 637م) الذي استمر لحين ظهور الاسلام .



يطلق اسم العصر البابلي القديم على الفترة الزمنية الواقعة ما بين نهاية سلالة أور الثالثة (في حدود 2004 ق.م) وبين نهاية سلالة بابل الأولى (في حدود 1595) وتأسيس الدولة الكشية أو سلالة بابل الثالثة. و أبرز ما يميز هذه الفترة الطويلة من تأريخ العراق القديم (وقد دامت زهاء أربعة قرون) من الناحية السياسية والسكانية تدفق هجرات الآموريين من بوادي الشام والجهات العليا من الفرات وتحطيم الكيان السياسي في وادي الرافدين وقيام عدة دويلات متعاصرة ومتحاربة ظلت حتى قيام الملك البابلي الشهير "حمورابي" (سادس سلالة بابل الأولى) وفرضه الوحدة السياسية (في حدود 1763ق.م. وهو العام الذي قضى فيه على سلالة لارسة).