x
هدف البحث
بحث في العناوين
بحث في اسماء الكتب
بحث في اسماء المؤلفين
اختر القسم
موافق
التاريخ والحضارة
التاريخ
الحضارة
ابرز المؤرخين
اقوام وادي الرافدين
السومريون
الساميون
اقوام مجهولة
العصور الحجرية
عصر ماقبل التاريخ
العصور الحجرية في العراق
العصور القديمة في مصر
العصور القديمة في الشام
العصور القديمة في العالم
العصر الشبيه بالكتابي
العصر الحجري المعدني
العصر البابلي القديم
عصر فجر السلالات
الامبراطوريات والدول القديمة في العراق
الاراميون
الاشوريون
الاكديون
بابل
لكش
سلالة اور
العهود الاجنبية القديمة في العراق
الاخمينيون
المقدونيون
السلوقيون
الفرثيون
الساسانيون
احوال العرب قبل الاسلام
عرب قبل الاسلام
ايام العرب قبل الاسلام
مدن عربية قديمة
الحضر
الحميريون
الغساسنة
المعينيون
المناذرة
اليمن
بطرا والانباط
تدمر
حضرموت
سبأ
قتبان
كندة
مكة
التاريخ الاسلامي
السيرة النبوية
سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) قبل الاسلام
سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) بعد الاسلام
الخلفاء الاربعة
ابو بكر بن ابي قحافة
عمربن الخطاب
عثمان بن عفان
علي ابن ابي طالب (عليه السلام)
الامام علي (عليه السلام)
اصحاب الامام علي (عليه السلام)
الدولة الاموية
الدولة الاموية *
الدولة الاموية في الشام
معاوية بن ابي سفيان
يزيد بن معاوية
معاوية بن يزيد بن ابي سفيان
مروان بن الحكم
عبد الملك بن مروان
الوليد بن عبد الملك
سليمان بن عبد الملك
عمر بن عبد العزيز
يزيد بن عبد الملك بن مروان
هشام بن عبد الملك
الوليد بن يزيد بن عبد الملك
يزيد بن الوليد بن عبد الملك
ابراهيم بن الوليد بن عبد الملك
مروان بن محمد
الدولة الاموية في الاندلس
احوال الاندلس في الدولة الاموية
امراء الاندلس في الدولة الاموية
الدولة العباسية
الدولة العباسية *
خلفاء الدولة العباسية في المرحلة الاولى
ابو العباس السفاح
ابو جعفر المنصور
المهدي
الهادي
هارون الرشيد
الامين
المأمون
المعتصم
الواثق
المتوكل
خلفاء بني العباس المرحلة الثانية
عصر سيطرة العسكريين الترك
المنتصر بالله
المستعين بالله
المعتزبالله
المهتدي بالله
المعتمد بالله
المعتضد بالله
المكتفي بالله
المقتدر بالله
القاهر بالله
الراضي بالله
المتقي بالله
المستكفي بالله
عصر السيطرة البويهية العسكرية
المطيع لله
الطائع لله
القادر بالله
القائم بامرالله
عصر سيطرة السلاجقة
المقتدي بالله
المستظهر بالله
المسترشد بالله
الراشد بالله
المقتفي لامر الله
المستنجد بالله
المستضيء بامر الله
الناصر لدين الله
الظاهر لدين الله
المستنصر بامر الله
المستعصم بالله
تاريخ اهل البيت (الاثنى عشر) عليهم السلام
شخصيات تاريخية مهمة
تاريخ الأندلس
طرف ونوادر تاريخية
التاريخ الحديث والمعاصر
التاريخ الحديث والمعاصر للعراق
تاريخ العراق أثناء الأحتلال المغولي
تاريخ العراق اثناء الاحتلال العثماني الاول و الثاني
تاريخ الاحتلال الصفوي للعراق
تاريخ العراق اثناء الاحتلال البريطاني والحرب العالمية الاولى
العهد الملكي للعراق
الحرب العالمية الثانية وعودة الاحتلال البريطاني للعراق
قيام الجهورية العراقية
الاحتلال المغولي للبلاد العربية
الاحتلال العثماني للوطن العربي
الاحتلال البريطاني والفرنسي للبلاد العربية
الثورة الصناعية في اوربا
تاريخ الحضارة الأوربية
التاريخ الأوربي القديم و الوسيط
التاريخ الأوربي الحديث والمعاصر
الحالة الاجتماعية للعرب قبل الاسلام
المؤلف: شوقي ضيف
المصدر: تاريخ الأدب العربي العصر الجاهلي
الجزء والصفحة: ص67-75
7-11-2016
12637
كانت القبيلة في العصر الجاهلي تتألف من ثلاث طبقات: أبناؤها: وهم الذين يربط بينهم الدم والنسب وهم عمادها وقوامها، والعبيد: وهم رقيقها المجلوب من البلاد الأجنبية المجاورة وخاصة الحبشة، والموالي: وهم عتقاؤها، ويدخل فيهم الخلعاء الذين خلعتهم قبائلهم ونفتهم عنها؛ لكثرة جرائرهم وجناياتهم. وكانوا يعلنون هذا الخلع على رؤوس الأشهاد في أسواقهم ومجامعهم، وقد يستجير الخليع بقبيلة أخرى فتجيره، وبذلك يصبح له حق التوطن في القبيلة الجديدة، كما يصبح من واجبه الوفاء بجميع حقوقها مثله مثل أبنائها.
ومن هؤلاء الخلعاء طائفة الصعاليك المشهورة، وكانوا يمضون على وجوههم في الصحراء، يتخذون النهب وقطع الطريق سيرتهم ودأبهم، على نحو ما نعرف عن تأبط شرًّا والسليك بن السلكة والشنفري. على أن منهم من كان يظل في قبيلته لفضل فيه مثل عروة بن الورد، وكان كريمًا فياضًا، وأثر عنه أنه كان يجمع إلى خيمته فقراء قبيلته عبس ومعوزيها ومرضاها، متخذًا لهم حظائر يأوون فيها، قاسمًا بينه وبينهم مغانمه(1).
وهذا الخلع إنما كان يحدث في حالات شاذة، أما بعد ذلك فإن أفراد القبيلة كانوا متضامنين أشد ما يكون التضامن وأوثقه، وهو تضامن أحكم عراه حرصهم على الشرف وقد تكونت حوله مجموعة من الخلال الكريمة لعل خير كلمة تجمعها هي كلمة المروءة التي تضم مناقبهم، من مثل الحلم والكرم والوفاء وحماية الجار وسعة الصدر والإعراض عن شتم اللئيم والغض عن العوراء.
ولم تكن خصلة عندهم تفوق خصلة الكرم، وقد بعثتها فيهم حياة الصحراء القاسية وما فيها من إجداب وإمحال؛ فكان الغني بينهم يفضل على الفقير، وكثيرًا ما كان يذبح إبله في سنين القحط، يطعمها عشيرته، كما يذبحها قرير العين لضيفانه الذين ينزلون به أو تدفعهم الصحراء إليه. ومن سننهم أنهم كانوا يوقدون النار ليلًا على الكثبان والجبال؛ ليهتدي إليهم التائهون والضالون في الفيافي؛ فإذا وفدوا عليهم أمَّنوهم حتى لو كانوا من عدوهم. ويدور في شعرهم الفخر بهذه النيران وأن كلابهم لا تنبح ضيوفهم لما تعودت من كثرة الغادين والرائحين، يقول عوف بن الأحوص(2):
ومستنبح يخشى القواء ودونه من الليل بابًا ظلمة وستورها(3)
رفعت له ناري فلما اهتدى بها زجرت كلابي أن يهر عقورها(4)
فلا تسأليني واسألي عن خليقتي إذا ردَّ عافي القدر من يستعيرها(5)
ترى أن قدري لا تزال كأنها لذي الفروة المقرور أمٌّ يزورها(6)
مبررة لا يجعل الستر دونها إذا أخمد النيران لاح بشيرها(7)
إذا الشول راحت ثم لم تفد لحمها بألبانها ذاق السنان عقيرها(8)
واشتهر عندهم بالكرم الفياض كثيرون(9)، مثل حاتم الطائي الذي ضربت الأمثال بكرمه، وهو يصوره في كثير من شعره كقوله(10):
إذا ما بخيل الناس هرت كلابُهُ وشق على الضيف الغريب عقورها
فإنــي جبانُ الكلب بيتي موطَّأ جــواد إذا ما النفــس شــح ضميرها
وكانوا لا يقدرون شيئًا كما يقدرون الوفاء؛ فإذا وعد أحدهم وعدًا؛ أوفى به وأوفت معه قبيلته بما وعد، ومن ثم أشادوا بحماية الجار لأنه استجار بهم وأعطوه عهدًا أن ينصروه. وجعلهم ذلك يعظمون الأحلاف فلا ينقضونها مهما قاسوا بسببها من حروب. وبلغ من اعتدادهم بهذه الخصلة أن كانوا يرفعون لمن يغدر منهم لواء في مجامعهم وأسواقهم، حتى يلحقوا به عار الأبد. يقول الحادرة لصاحبته سمية (11):
أسُمي ويحك هل سمعتِ بغَدْرَة رُفِع اللواء لنا بها في مجمعِ
وليس هناك خلة تؤكد معنى العزة والكرامة إلا تمدحوا بها؛ فهم يتمدحون بإغاثة الملهوف وحماية الضعيف والعفو عند المقدرة، كما يتمدحون بالأنفة وإباء الضيم، وكيف يقبلون الضيم، وهم أهل حرب وجلاد، يقول المتلمس(12):
إنَّ الهـــوانَ حمارُ الأهـل يعرفه والحرُّ ينكره والرَّسْلَةُ الأُجُدُ(13)
ولا يقيم على خســــف يراد بـه إلا الأذلان عير الأهل والوتد(14)
هذا على الخسف معقول برمته وذا يشج فلا يبكــى لــه أحـــدُ
فهم لا ينكرون شيئًا مثل إنكارهم للهوان والضيم؛ فهما السوأة الكبرى والمثلبة العظمى؛ إذ يعنيان الذل وأن القبيلة استبيحت فلم تعد تستطيع الدفاع عن كرامتها. وكل شيء إلا الهوان، وكان أقل شعور به يثيرهم، على نحو ما مر بنا من ثورة عمرو بن كلثوم على عمرو بن هند حين علم بإهانة أمه في بلاطه، وكان نازلًا معها عنده؛ فاستل سيفه وقتله، وتغنى شعراء تغلب طويلًا بهذا الحادث مفاخرين بعزتهم. وكان للشجاعة والفروسية عندهم منزلة ليس فوقها منزلة، بحكم حروبهم الدائرة التي لا تني ولا تفتر وكان سادتهم يمثلون هذه الخصال جميعًا في أقوى صورها، مضيفين إليها حنكة وحكمة بالغة، وقد اشتهر من بينهم حُكَّام تجاوزت ألمعيتهم حدود قبائلهم(15)، مثل عامر بن الظَّرب وأكثم بن صييفي، وكانت تفزع إليه القبائل في خلافاتها الكبيرة التي يصعب حلها في دائرة قبائلهم وشيوخهم، وقد يفزعون فيها إلى الكهنة والعرَّافين.
على أن هناك آفات كانت تشيع في هذا المجتمع الجاهلي لعل أهمها الخمر واستباحة النساء والقمار، ونحن نجد الخمر تجري على كل لسان، وقد اشتهر بالحديث عنها وعن كؤوسها ودنانها وحوانيتها ومجالسها أعشى قيس وعدي بن زيد العبادي الحيري، وعرض لها كثيرون في أشعارهم مفاخرين بأنهم يحتسونها ويقدمونها لرفاقهم. وأكثر من كان يتجر بها اليهود والنصارى، وكانوا يجلبونها لهم من بُصرى وبلاد الشام ومن الحيرة وبلاد العراق، ويقال إنهم كانوا يضربون خيامهم في بعض الأحياء أو في بعض القرى ويضعون فوقها راية تعلن عنهم، فيأتيهم الشباب ليشربوا وليسمعوا بعض القيان ممن يصاحبهم. وكان من الشباب من يدمن عليها حتى تنفر منه قبيلته، وقد تخلعه لما يتدنى فيه من رذائل، على نحو ما يروى عن البَرَّاض بن قيس الكناني أحد أدلاء القوافل في الجاهلية؛ إذ كان سكيرًا فاسقًا؛ فخلعه قومه وتبرأوا منه(16). ويقول طرفة في معلقته:
وما زال تشرابي الخمور ولذتي وبيعي وإنفاقـــي طريفي ومتلدي (17)
إلى أن تحامتني العشــــيرة كلها وأفـــــردت إفراد البعير المعبـــد (18)
ولولا ثلاث هن من عيشة الفتـى وجــدك لم أحفل متى قام عودي (19)
فمنهــــن سبـق العادلات بشربة كميت متــــى ما تعل بالماء تزبد (20)
وكري إذا نادى المضافُ محنبًا كسيد الغضــا نبهتـــه المتـــــورد (21)
وتقصير يـــــوم الدجن والدجن معجب ببهكنة تحت الخباء المعمَّدِ (22)
وواضح أنه يجعل من خلال الفتى هذه الخصال الثلاث، وهي الخمر والفروسية أو الشجاعة في الحرب والتمتع بالنساء؛ على أن هذه الفتوة التي يصورها طرفة كانت تتسامى عند كثير من فرسانهم مثل عنترة؛ بل حتى من صعاليكهم مثل عروة بن الورد.
ومهما يكن فقد كانت الخمر وما يتبعها من استباحة النساء شائعة في هذا العصر، وكان يشيع معها القمار أو الميسر، وكانت عادتهم فيه أن يذبحوا ناقة أو بعيرًا، ويقسموا ما يذبحونه عشرة أجزاء، ثم يأتوا بأحد عشر قدحًا، يجرون عليها قمارهم، وكانوا يجعلون لسبعة منها نصيبًا إن فازت، وعلى أصحابها غرم إن خابت، وأكبرها نصيبًا يسمى المعلى. أما الأربعة الباقون فلا حظَّ لها حتى إن فازت.
وأكبر الدلالة على شيوع هذه الآفات بينهم الآيات الكثيرة التي هاجمتها في القرآن الكريم وما وضعه الإسلام لها من عقاب صارم حتى يكف العرب عنها، وقد شدد في عقوبة استباحة النساء، وأكثر من النهي عن الخمر والميسر من مثل قوله تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} [المائدة: 91] وقد وصف الخمر بأنها {رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ}. ونجد في الحديث النبوي نهيًا كثيرًا عنها وأن الله لعنها ولعن عاصرها ومعتصرها وشاربها(23) وقد جعل لها الرسول صلى الله عليه[وآله] وسلم حدًّا: أربعين جلدة، ولما وجد عمر أن بعض العرب لا يزال يتورط في شربها رفع حدها إلى ثمانين.
وهذا كله يشهد شهادة قاطعة بانتشار هذه الآفات بين عرب الجاهلية، وفي أخبار الأعشى أنه لما سمع بالرسول صلى الله عليه[وآله] وسلم رغب في الوفود عليه بالمدينة ومديحه، وعلمت قريش فتعرضت له تمنعه، وكان مما قاله له أبو سفيان إنه "ينهاك عن خلال كلها بك رافق ولك موافق"؛ فلما سأله عنها أجابه: الزنا والقمار والخمر؛ فعدل الأعشى عن وجهته(24). وعلى نحو ما هاجم الإسلام هذه الآفات هاجم قانونهم الدموي المقدس: قانون الأخذ بالثأر، فهدمه هدمًا وأبطله إبطالًا؛ إذ جعل حقه للدولة لا للأفراد، وأقام لهم نظامًا سماويًّا رفيعًا لمجتمعهم ليس هنا محل بحثه.
وحتى الآن لم نتحدث عن المرأة ومكانتها في هذا المجتمع، وقد كان هناك نوعان من النساء: إماء وحُراث، وكانت الإماء كثيرات، وكان منهن عاهرات يتخذن الأخدان، وقينات يضربن على المزهر وغيره في حوانيت الخمارين، كما كان منهن جوار يخدمن الشريفات، وقد يرعين الإبل والأغنام. وكن في منزلة دانية، وكان العرب إذا استولدوهن لم ينسبوا إلى أنفسهم أولادهن؛ إلا إذا أظهروا بطولة تشرفهم على نحو ما هو معروف عن عنترة بن شداد؛ فإن أباه لم يلحقه بنسبه إلا بعد أن أظهر شجاعة فائقة ردت إليه اعتباره.
وكانت الحرة تقوم بطهي الطعام ونسج الثياب وإصلاح الخباء؛ إلا إذا كانت من الشريفات المخدومات، فإنه كان يقوم لها على هذه الأعمال بعض الجواري، وتدل دلائل كثيرة على أن بنات الأشراف والسادة كان لهن منزلة سامية؛ فكن يخترن أزواجهن، ويتركنهم إذا لم يحسنوا معاملتهن(25) وبلغ من منزلة بعض شريفاتهن أنهن كن يحمين من يستجير بهن ويرددن إليه حريته إذا استشفع بهن، على نحو ما ردت فكيهة إلى السليك بن السلكة حريته حين وقع أسيرًا في يد عشيرتها من بني عوار(26). وكانوا يعدونها جزء لا يتجزأ من عرضهم، ولم يكن شيء يثيرهم كسَبْي نسائهم وهم بعيد عن الحي؛ فكانوا يركبون وراءهن كل وعر حتى يلحقوا بهن وينقذوهن ويغسلوا عار سبيهن عنهم، وهو عار عندهم ليس فوقه عار.
وكانوا يصحبونهن معهم في الحرب، وكن يشددن من عزائمهم بما ينشدن من أناشيد حماسية؛ حتى إذا قتل فارس ندبنه ندبًا حارًّا حاضات على الأخذ بثأره والانتقام من قتلته. وتلمع في هذا الجانب أسماء كثيرات على رأسهن الخنساء ومراثيها في أخويها صخر ومعاوية مشهورة. وكن يستشطن غضبًا إذا رضيت العشيرة بأخذ الدية. حقنًا للدماء. على نحو ما تصور ذلك كبشة أخت عمرو بن معد يكرب، وقد قتل أخ لها(27)
فإن أنتم لم تثأروا واتَّدَيْتُمُ فمشوا بآذان النعام المصلم(28)
فهي ترى أن عشيرتها إن قبلت الدية في أخيها أعطت عن يد وهي صاغرة صغار الأسرى الذين تجدع آذانهم، بل صغار النعام المصلم المقطوعة آذانه، وتقول أم عمرو بنت وقدان في أخ لها قتل وقد فكرت عشيرتها في قبول ديته(29):
إن أنتـــم لم تطلبوا بأخيكــم فذروا الســلاح ووحشـــــوا بالأبـــرق.
وخذوا المكاحل والمجاسد والبسوا نُقب النساء فبئس رهط المرهق(30).
فهم إن لم يثأروا لأخيها حق عليهم أن يلقوا السلاح ويمضوا على وجوههم إلى مكان بعيد بالأبرق، فيتزيوا بزي النساء، ويتعطروا ويتزينوا بزينتهن. وكانوا يفرون من الحرب حين لا يكون من الفرار بد؛ إلا أن تكون معهم النساء ويرونهن فارات وقد حسرن عن وجوههن، حينئذ يثبتون في المعركة ويناضلون حتى الذماء الأخير(31).
وكان جمالهن يثيرهم، وينطق ألسنتهم بوصفه ووصف ما كن يتزين به من طيب وحلي وثياب على نحو ما تصور ذلك معلقة امرئ القيس إذ يقول:
وتُضحي فتيتُ المسك فوق فراشها نَؤومُ الضحى لم تَنْتَطِقْ عن تفضلِ
ويقول المنخل اليشكري في فتاته(32):
الكاعب الحسناء تر افُلُ في الدمقس وفي الحرير
ولم يقفوا عند جمالها الجسدي؛ فقد فطنوا إلى جمالها المعنوي وما تتحلى به من شيم وخصال كريمة، على نحو ما يقول الشنفري في زوجه أميمة(33):
لقد أعجبتني لا سقوطًا قِناعهـا إذا مــا مشت ولا بــذات تلفت
تبيت بُعيد النوم تهدي غبوقهــا لجــاراتها إذا الهــــدية قلــــت(34)
تحل بمنجاة مـــــن اللوم بيتهــا إذا ما بيـــوت بالمذمــة حلـــت
كأن لها في الأرض نسيًا تقصه على أمها وإن تكلمــك تبلـــــت(35)
أميمة لا يخزي نثـــاها حليلــها إذا ذكر النسوان عفت وجلـت(36)
إذا هو أمســـى آب قــــرة عينه مآب السعيد لم يسل أين ظلت(37).
فصاحبته وقور خجول، لا يسقط قناعها في أثناء سيرها ولا تلتفت حولها، وهي كريمة مؤثرة تؤثر جارتها في الجدب بغبوق اللبن، وقد حصنت بيتها عن كل لوم أو ذم يلحقها، وهي شديدة الحياء، ومن أجل ذلك لا ترفع رأسها عن الأرض في مسيرها؛ حتى ليظن من يبصرها أنها تبحث عن شيء ضاع منها. وإذا اعترضها شخص وكلمها أوجزت ومضت لقصدها وغرضها. وإن الحديث العطر عنها في العشيرة ليملأ زوجها زهوًا وخيلاء؛ إنها مثال العفة والجلال. وإنه ليرفعها عن كل شك وتهمة؛ فإذا أمسى وعاد إليها من المرعى أو بعد رحلته. الطويلة عاد قرير العين بها سعيدًا، فلا يسألها أين كانت؛ لأنها موضع ثقته وتدور في كتب الأدب قصص وأشعار كثيرة تصور هيام بعضهم بهن، وكانوا دائمًا يفتتحون قصائدهم بذكرهن وما كان لهم من ذكريات معهن في بعض المعاهد والمنازل، ويمزجون ذلك بالدموع، على نحو ما يقول امرؤ القيس في مطلع معلقته:
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل بسقط اللوي بين الدخول فحومل
فالمرأة لم تكن في الجاهلية مهملة؛ بل كان لها قدرها عندهم، كما كان لها كثير من الحرية؛ فكانت تمتلك المال وتتصرف فيه كما تشاء، وقصة اتجار الرسول صلى الله عليه[وآله] وسلم في أموال السيدة خديجة أم المؤمنين مشهورة. وقد دعم الإسلام هذه الحرية، فحرم أن تعضل المرأة وتمنع من الزواج بعد وفاة زوجها كما حرم زواج المقت، وهو أن يجمع الرجل بين أختين، وحرم الشغار، وهو أن يتزوج شخص أخت صديق له على أن يزوجه أخته، وأيضًا فإنه حرم أن يتزوج الابن امرأة أبيه بعد موته أو أن يتزوج عدة رجال امرأة واحدة؛ إلى غير ذلك مما كان يبيحونه. وتلك كانت عادات عندهم، وهي تلازم الأمم في عصور بداوتها؛ ولكن ينبغي أن لا نفهم منها أن المرأة كانت مهدرة الحقوق في الجاهلية، أما ما سجله عليهم القرآن الكريم من وأدهم للبنات في قوله تعالى: { وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (58) يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} [النحل: 58، 59] فأكبر الظن أن من كانوا يصنعون ذلك منهم أجلاف قساة القلوب كانوا يخشون عليهن من الفقر أو السبي؛ إذ كان سباؤهن كثيرًا في الجاهلية، وكانوا يعدون ذلك سبة ما بعدها سبة.
_________
(1) أغاني "طبعة دار الكتب" 3/ 78 وما بعدها.
(2) المفضليات رقم 36 والحيوان للجاحظ "طبعة الحلبي" 5/ 136.
(3) مستنبح : من ينبح حتى ترد عليه الكلاب، فيعرف أن حيًّا قريبًّا منه، القواء: الفلاة.
(4)بهر: ينبح نبحًا خفيفًا، العقور: العاض.
(5) عافي القدر: مستعيرها.
(6) ذو الفروة: السائل، المقرور: الذي اشتد به البرد.
(7) بشيرها: ضوؤها.
(8)الشول: الإبل العظيمة التي لا تحلب، راحت: رجعت، يقول إذا رجعت الإبل من مراعيها عقرها لأهل الحي والضيفان.
(9) انظر في أجواد الجاهلية كتاب "المحبر" لابن حبيب "طبع حيدر آباد" ص137.
(10) الحيوان 1/ 383.
(11) المفضليات ص45
(12) حماسة البحتري ص20
(13) الرَّسلة: الناقة الذلول، الأجد: الموثقة الخلق.
(14) العير: الحمار.
(15) انظر في حكام العرب كتاب "المحبر" ص 132
(16) أغاني "طبعة الساسي" 19/ 75.
(17) الطريف: المال الحديث، والمتلد: المال القديم.
(18) تحامتني: تجنبتني، المعبد: الأجرب.
(19) عود: جمع عائد أو عائدة، ويقصد من يعودونه عند الوفاة ويبكونه، والجد: الحظ والبخت.
(20) الكميت: الخمر، يقول إنه يباكر شرب الخمر قبل انتباه العواذل.
(21)المضاف: الخائف المذعور، والمحنب الفرس الذي في قوائمه أو ضلوعه انحناء قليل. والسيد: الذئب، والغضا: شجر، نبهته: هيجته، المتورد: الجريء. يقول: إذا استغاث به خائف عطف فرسًا يسرع في عدوه إسراع ذئب الغضا الجريء حين تهيجه.
(22) الدجن: الغيم، البهكنة: المرأة الجميلة المعمد: المرفوع بالعماد.
(23) انظر كتاب الأشربة في سنن أبي داود، وابن ماجة والنسائي، والبخاري. وراجع دائرة المعارف الإسلامية في مادة خمر.
(24) الأغاني "طبعة دار الكتب" 9/ 126.
(25) انظر الأغاني 10/ 13 وما بعدها
والأمالي 2/ 106 والمحبر ص 398.
(26) الأغاني "طبعة الساسي" 18/ 137.
(27) المرزوقي 1/ 218 وقارن بالأصمعيات ص 157.
(28) اتَّديتم: أخذتم الدية. وآذان النعام مصلمة خلقة.
(29) المرزوقي 3/ 1546.
(30) المجاسد: جمع مجسد وهو الثوب المشبع صبغة والنُقب: جمع نُقبة، وهي إزار للمرأة.
(31) المرزوقي 1/ 177.
(32) الأصمعيات ص55
(33) المفضليات رقم 2
(34) الغبوق: اللبن الذي يشرب في العشي.
(35) النسي: الشيء المنسي أو المفقود. تقصه: تتعقب أثره. أمها بفتح الهمزة قصدها. تبلت: أوجزت.
(36) النثا: الحديث عن الشخص. الخليل: الزوج
(37) آب: رجع.